الخطاب ٩

معمودية يسوع

"١وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِياً عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ ٢فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ ٣فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا ٤كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أَقْوَالِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ القَائِل: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. ٥كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً وَالشِّعَابُ طُرُقاً سَهْلَةً ٦وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ». ٧وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ ٨فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لإِبْرَاهِيمَ. ٩وَﭐلآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ». ١٠وَسَأَلَهُ الْجُمُوعُ قَائِلِين: «فَمَاذَا نَفْعَلُ؟» ١١فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُم: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا». ١٢وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضاً لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا نَفْعَلُ؟» ١٣فَقَالَ لَهُم: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». ١٤وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضاً قَائِلِين: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَقَالَ لَهُم: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ». ١٥وَإِذْ كَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ وَالْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ الْمَسِيحُ ١٦أجَابَ يُوحَنَّا الْجَمِيعِ قَائِلاً: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ وَلَكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. ١٧ﭐلَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ». ١٨وَبِأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَعِظُ الشَّعْبَ وَيُبَشِّرُهُمْ. ١٩أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ وَلِسَبَبِ جَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا ٢٠زَادَ هَذَا أَيْضاً عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ. ٢١وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضاً. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ ٢٢وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ!»" (لوقا ٣: ١- ٢٢).

يستحضر هذا المقطع أمامنا معمودية يوحنا، المعمودية التي خضع لها أبّنا المبارك نفسه.

لعل يوحنا المعمدان هو أكثر شخص قلّ فهمه من بين الشخصيات التي أعلن عنها الوحي الإلهي. قال عنه ربنا يسوع أنه أعظم من أي ابن أنجبته أية امرأة، ومع ذلك فإن الأصغر في ملكوت السموات أعظم من يوحنا المعمدان. لقد وقف على الباب يدعو الناس إلى الدخول. لم يدخل إليه بنفسه. لم يكن ينتمي إلى الدهر التدبيري الجديد في ملئه، بل أظهر الطريق للآخرين؛ ولذلك فبمعنى الامتياز، أولئك الذين في ملكوت السموات هم أعظم منه. ولكن يسوع قال أنه ما من نبي أعظم من يوحنا. فإبراهيم لم يكن أعظم منه. ولا موسى ولا دود ولا أشعياء ولا إرميا. يوحنا المعمدان بطريقة ما كان قد فاقهم جميعاً. لقد اختاره روح قدس الله ليعدّ الطريق لمجيء الرب يسوع المسيح وليسعى لإحضار الناس رجالاً ونساءً إلى موقف روحي يكونون فيه مستعدين لاستقبال المخلّص عندما يظهر أمامهم.

في رواياته القصة، كان لوقا في غاية التحديد والدقة. إنه يكتب كمؤرخ متأنٍ. إنه يعطينا تآريخ كان يستطيع أي قارئ في عصره أن يتحقق منها، ونحن أيضاً نستطيع تأكيدها اليوم بشكل ما. إنه يخبرنا بدقة عن زمن بدء يوحنا المعمدان بخدمته. لقد كان ذلك فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ، كان هذا حفيد هيرودس الرديء السمعة الذي كان مسؤولاً عن قتل الأطفال في بيت لحم. وكان فِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ. تعرض يوحنا للمشاكل فيما بعد بسبب حقيقة أن هيرودس أغوى زوجة أخيه فيلبس، وأخذها لنفسه. ثم نعلم أن حَنَّانَ وَقَيَافَا كانا رؤساء كهنة في اليهودية. لعلنا نتساءل: بحسب الكتابات المقدسة في العهد القديم، كيف أمكن وجود رئيسي كهنة بآن معاً؟ كان يجب أن يكون رئيس كهنة واحد فقط وهذا كان يتوجب عليه أن يعين ابنه في منصبه من بعده. ولكن في ذلك الوقت كل شيء كان في حالة فوضى ولخبطة وكان منصب رئيس الكهنة وظيفة سياسية مرموقة تُشرى وتُباع من الحاكم الروماني الفاتح الذي كان يعطي المنصب للمزايد الأعلى. تقاعد حَنَّانَ فيما بعد واستلم صهره قيافا المنصب. ولكن كان يُعترف بكليهما كرؤساء كهنة.

في ذلك الوقت كان شعب إسرائيل في حالة فوضى عارمة، عندما جاء كلمة الله إلى يوحنا المعمدان. كانت قد مضت حوالي ثلاثين سنة على مولده. ولا نعلم شيئاً عن فترة التدريب المبكرة تلك. ليس لدينا أية معطيات أو تفاصيل عن كيف عرّف الرب نفسه له، ووهبه أن يدرك أنه كان قد عُيِّن ليكون المعلن عن مجيء المخلّص. من الواضح أنه عاش فترة في البرية. لقد تخرج العديد من خدّام الله من جامعة البرية. موسى أخذ منهاجاً لما بعد التخرج لمدة ٤٠ سنة. والكثير من التدريب الذي تلقاه داود كان في البرية. ولنأخذ حالة إيليا النبي- كم من دروس توجب عليه أن يتعلمها في البرية! ومخلّصنا المبارك نفسه أمضى ٤٠ يوماً في برية كوارانتانا.

ظهر يوحنا المعمدان بشكل مفاجئ في المنطقة حول الأردن، ونعلم أنه كان يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. ما كان يقول للناس بأنهم إذا ما اعتمدوا تُغفر خطاياهم، فليس من عقيدة هكذا في الكتاب المقدس. عندما نقرأ بوجوب المعمودية لأجل مغفرة الخطايا فإن هذا يعني أن المرء بالمعمودية يعترف بأنه يستحق الموت، عندما نادى يوحنا المعمدان الشعب ليعتمدوا معترفين بخطاياهم، فإنه كان يخبره بأنهم كانوا هالكين وبأنه كانوا يستحقون الموت، وبأنهم ما كانوا ليستطيعوا أن يصنعوا كفارة عن خطاياهم؛ لقد كان يقول لهم بأن ذاك المخلّص هو الذي كان يستطيع ذلك. يعتقد البعض أن يوحنا لم يعرف شيئاً من نعمة الله. إنهم بذلك ينسون أن رسالته الحقيقية كانت هذه: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم". من قال ذلك؟ يوحنا المعمدان. هذا هو إنجيل نعمة الله. هل كرز يوحنا المعمدان بالإنجيل؟ نعم. لقد أخبر الناس بأنه فقط من خلال حمل الله، الرب يسوع، يمكن أن تُغفر خطاياهم. لقد وقف هناك في وادي الأردن وذكّر الناس بخطاياهم. ونعلم من الإنجيل أن أولئك الذين آمنوا بكلماته التجأوا إلى الله واعتمدوا منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم. وكانت معموديتهم هي الاعتراف الظاهر الخارجي بحالتهم الهالكة. كل هذا كان يتوافق مع النبوءة. وفي هذا إشارة إلى أشعياء ٤٠ حيث يقول الله: "عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلَهُكُمْ". فيرفع النبي بصره ويسأل: "بِمَاذَا أُنَادِي؟" فيأتيه صوت الله قائلاً: "كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ الْحَقْلِ". إن كان الله سيعزي البشر فعليهم أولاً أن يُقروا بتفاهتهم وعدميتهم في نظر الله. مساندة الناس في برهم الذاتي بمحاولة جعلهم يعتقدون أن لديهم القدرة في أنفسهم التي يستطيعون بها أن يخلّصوا أنفسهم، هو ليس إلا تضليلاً للناس، وأولئك الذين يكرزون هكذا سيكونون مسؤولين عن قتل النفوس. يجب على خادم الله الحقيقي أن يُوضح للناس حالتهم الساقطة الهالكة لكي يروا حاجاتهم إلى مخلّص. وهكذا يخبرنا أشعياء أن شخصاً سيأتي إلى العالم يحمل رسالة كهذه: "كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَالشِّعَابُ طُرُقاً سَهْلَةً، وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ". هناك شعر جميل في الكتاب المقدس. وقصد ما يرد هنا هو أنه كان ينبغي على رسول الله أن ينطلق أمام المسيّا الآتي كمُمهّد للطريق، ليجلب كل البشر إلى مستوى مشترك واحد، فيه الإقرار بإثميتهم: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله". كان على يوحنا أن يُدخل هذا في قلب ووجدان بني إسرائيل لكي يُدركوا كم أن حاجتهم ماسّة إلى المخلّص الذي يُوشك أن يأتي. "وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟" ورأى يوحنا وسط الجمع كثيرين ممن لم يكونوا صادقين. لقد كانوا هناك لأجل الفرجة. كانوا قد سمعوا بكارز البرية الغريب وغير الاعتيادي، وأرادوا أن يكتشفوا ما كان يفعل. ولذلك توجه يوحنا إليهم بالحديث وقال: "أنتم الذين لم تولَدوا من الله، ولستم صادقين مع الله، ولا تريدون أن تكونوا صادقين مع الله، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟" يقول يوحنا: "إن كنتم تعترفون بأنكم شعب الله، فبرهنوا على ذلك من خلال حياتكم. اصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ". لا تسيئوا فهمي. لم يكن يقول بأنه كان يمكنهم أن يخلصوا عن طريق أي شيء يمكن أن يفعلوه. لقد كانوا في علاقة العهد مع الله. وكانوا يعترفون بأنهم نسل إبراهيم، ومع ذلك كانت حياتهم تأتي بالسمعة السيئة لذلك الاسم الذي كانوا يحملونه. أياً كان ما تعترف به، برهن عليه في حياتك. توبوا. ما هي التوبة؟ إنها إدانة الذات. إنها تغير كامل في الفكر والموقف. إن تبتم، إن واجهتم خطاياكم أمام الله، إن اختبرتم التحرر منها من خلال حياتكم الجديدة، فإنكم حقاً أناس تائبون. لا ترجعوا فتتكلوا على العلاقات الطبيعية. إنه لأمر سهل على الله أَنْ يُقِيمَ مِنْ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيمَ. حقيقة أنكم من بني إسرائيل وحسب لا تعني أنكم أولاد الله. إنها طريقة أخرى تعبّر عما قاله يسوع فيما بعد لنِيقُودِيمُوسُ: "يَنْبَغِي أَنْ تُولَد مِنْ فَوْقُ".

ثم يضيف يوحنا قائلاً: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ". تسمعون اليوم في أماكن عديدة عظات جميلة فصيحة بليغة تصل إلى مستوى القول فعلياً: "قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى ثمرِ الشَّجَرِ". بمعنى آخر، يُقال للناس: "تخلّوا عن طرقكم السيئة. اهجروا سلوككم الشرير. كل شيء سيكون على ما يرام وستخلصون بالإصلاح. ستخلصون عن طريق الثقافة الأخلاقية. ستخلصون بشخصيتكم. هذا كل ما تحتاجون إليه". تخيّلوا بستانياً يحاول أن يجعل شجرة سيئة تنتج ثماراً صالحة بأن يقتطع كل الثمار الرديئة. إن المحصول التالي سيحمل ثمراً أكثر رداءةً. وكلما اقتطعتم منها أكثر كلما زادت الثمار سوءاً. فذلك لن يغير طبيعة الشجرة على الإطلاق. إن شجرة التفاح ليست شجرة تفاح لأنها تحمل تفاحاً يُؤكَل. إنها تحمل تفاحاً جيداً لأنها شجرة تفاح جيد. وشجرة التفاح البرّي ليست سيئة لأنها تحمل تفاحاً برّياً. إنها تحمل تفاحاً برّياً لأنها شجرة تفاح برّي. ليس الإنسان خاطئاً لأنه يخطئ. بل إنه يخطئ لأنه خاطئ. وتلك هي مشكلته. ولذلك فإنه يحتاج إلى أن يُولد من جديد. ولهذا السبب فإن يوحنا المعمدان قد جاء يقول: "اقطعوها كلّياً. ليكن هناك شيء جديد تماماً. لقَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ". ما من شيء تفعله كإنسان طبيعي يمكِّنك من أن تنتج ثماراً لله. كرز الرسول بولس بنفس العقيدة التي نادى بها يوحنا المعمدان. أخبر الشيوخ في أفسس أنه طوال خدمته كان يكرز "بالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". التوبة تعني أن يأخذ الإنسان الطبيعي جانب الله ضد نفسه. يقول الله "الجميع أخطأوا". ويقول الإنسان: "أنا خاطئ". يعترف النادم التائب بأنه خاطئ. إنه يقر بخطيئته. ويعترف بإثمه. هناك مخلّص للخطاة. وهذا هو الإنجيل "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ". ولكن التائب فقط هو الذي يهتم بمخلّصه.

عندما لا يُدرك البشر حالتهم الهالكة، فإنهم لا يبالون. ولكن عندما يُوقظ روح قدس الله إنساناً ليرى حاجته، فإنه يكون مستعداً لقبول المسيح. عندما كانت خدمة يوحنا المعمدان فعالة، وعندما كان الناس يدركون أن الفأس قد وُضعت على أصل الشجرة، فإنهم كانوا يأتون أمام الله ويلتجئون إليه، ويقولون ليوحنا: "أخبرنا عن المخلّص"، وهنا تؤتي رسالة يوحنا المعمدان أُكُلَهَا: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم".

عندما رأى يوحنا الناس يتوبون عمّدهم واعترفوا بخطاياهم. وكان يتوقع منهم، على كل حال، أن يُقدّموا برهاناً ما على صدقهم. "مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا". هناك الكثير من المسيحيين المعترفين الذين لم ينجحوا في ذلك الاختبار. أحد البراهين على أن الإنسان تائب حقيقي أمام الله هو أن يكون لديه اهتمام بإخوته البشر الذين هم في ظروف أسوأ من ظروفه. ولذلك يقول يوحنا: "أظهروا ذاتكم من خلال اهتمامكم بالآخرين". ويقول للعشارين، أي جباة الضرائب، الذين سألوه: "«مَاذَا نَفْعَلُ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ»". ذلك سيكون البرهان على توبة جابي الضرائب. وحتى الجنود الرومان جاؤوا إلى يوحنا يسألون: "«وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ»". الفهم، ليس وسيلة للخلاص، بل دليل على التوبة. يجب أن يُظهروا أنهم صادقون.

كان الناس مهتمين للغاية وكانوا يتساءلون إذا ما كان يوحنا هو المسيا الموعود، ولكنه قال: "لستُ هُوَ. أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ". لا ترتكبوا الخطأ الذي يرتكبه البعض- رغم أن معمودية الروح القدس والنار هما سيان. معمودية الروح القدس يمر بها كل مؤمن، ولكن معمودية النار هي معمودية الدينونة سيعرفها كل الناس الذين يرفضون الخلاص الذي قدّمه الله. انظروا ما يقوله عن ذلك: "سَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ"- أي المفتدين- "أَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ"- هؤلاء هم الكاذبون.

سمع هيرودس عن ذلك. وأراد أن يرى كارز البرية الغريب هذا. ونعلم أنه أرسل في طلبه وأراد أن يسمع يوحنا يتكلم. كان هناك شيء ما في هذا الرجل الجدّي يروق لهيرودس الفقير والبائس والملحد، وقد تأثر به. ولكن عندما تكلم يوحنا بصراحة ووضوح عن علاقة هيرودس الأثيمة لزوجة أخيه، غضب هيرودس. قال يوحنا: "لا يحق لك أن تقيم علاقة معها". فقال هيرودس: "لم أطلب منك أن تأتي وأن تخبرني كيف أعيش. أنا لا أومن بكارزين يتدخلون في الأمور الشخصية. فابقَ بعيداً عن هذه المسألة". ولكن يوحنا رفض ذلك. فقال هيرودس: "فامضِ إلى السجن إذاً"، وكانت تلك نهاية يوحنا المعمدان، فيما يتعلق بخدمته. كان هيرودس يحب أن يسمعه يعظ بشرط ألا يأتي على سيرة خطيئة حياة هيرودس الخاصة. هناك أناس كثيرون مثله. يمكنهم أن يستمتعوا بعظة جدية متحمسة طالما أنها موجهة إلى شخص آخر، ولكن عندما تمسّ حياتهم تصبح شخصية جداً بالنّسبة لهم. وهم لا يحبون ذلك.

قبل أن يُوضع يوحنا في السجن حدث أمر في غاية الأهمية. عندما كان الجميع يعتمدون حدث أن يسوع أيضاً تعمّد. جاء يسوع إلى يوحنا، وخطا داخلاً إلى مياه الأردن. تراجع يوحنا عندما عرفه، وقال له: "لا أستطيع أن أعمّدك معمودية التوبة. فليس لك ما تتوب عنه. أنا الذي يحتاج إلى أن يعتمد منك". ولكن يسوع ردّ عليه بقوة: "يا يوحنا، عمّدني. أعلم أني لست خاطئاً، ولكني أرى هؤلاء الخطاة يعتمدون، سوف آخذ مكاني بينهم. فأنا هنا اليوم لأتعهد لنفسي بالقيام بكل ما يتطلبه برّ عرش الله من أجلهم". وكان هذا هو التعهد بأن يمضي إلى الصليب ويموت عن الخطاة. وهكذا عمّده يوحنا. عندما أرى ربّي يدخل مياه نهر الأردن أقول: "هناك يعدني بأن يذهب إلى الصليب ويموت عني". دخل يسوع إلى الماء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وسُمِعَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: "أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ".

في الوقت الذي أخذ على نفسه التعهد بأن يحقق كل برّ لأجل الخطاة والذي يشمل أن يُجعَل خطيئة عنهم، أظهر الله الآب سروره منه وبه وأعلن أنه الذي مجّده بكل طرقه.