الخطاب ٨٠
الوصايا الأخيرة لربنا
وصعوده إلى السماء
"٣٦وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» ٣٧فَجَزِعُوا وَخَافُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحاً. ٣٨فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ ٣٩اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». ٤٠وَحِينَ قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. ٤١وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ وَمُتَعَجِّبُونَ قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ هَهُنَا طَعَامٌ؟» ٤٢فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. ٤٣فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ. ٤٤وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». ٤٥حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. ٤٦وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ٤٧وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. ٤٨وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ. ٤٩وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي». ٥٠وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. ٥١وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. ٥٢فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ ٥٣وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ. آمِينَ" (لوقا ٢٤: ٣٦- ٥٣).
تكليف المسيح لتلاميذه بنقل إنجيله إلى العالم لم يُعطَ كله مرة واحدة. في أع ١: ٢، ٣ يخبرنا لوقا أنه خلال الأربعين يوماً بين قيامة الرب وصعوده أعطى توصية فيما يتعلق بخدمتهم المستقبلية، وَتَكَلَّمُ عَن أُمُورٍ كثيرة "مُخْتَصَّة بِمَلَكُوتِ اللهِ". الجزء الذي أمامنا يُقسم إلى قسمين: الآيات ٣٦ إلى ٤٩ تحكي لنا عن الظهور الأول للرب يسوع المسيح في العلية في أورشليم، كما يشير إلى هذه الحادثة الأصحاح ٢٠ من إنجيل يوحنا. الآيات الأربع الأخيرة تأخذنا إلى سفوح جبل الزيتون، والتي منها صعد الرب إلى السماء.
نقرأ: "فِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا". أي، بينما كان التلميذان اللذان رجعا من عمواس يخبران عن خبرتهما اللافتة مع الرب القائم، ظهر يسوع فجأة واقفاً "فِي الْوَسْطِ"، وقد دخل الغرفة بدون أن يفتح الأبواب المغلقة. في جسده بعد القيامة لم يعد يسوع خاضعاً للقوانين التي كان يخضع لها خلال فترة اتضاعه. "وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!»". قَالَ يسوع: "سَلاَمٌ لَكُمْ!"، لأنه صنع سلاماً بِدَمِ صَلِيبِهِ (كول ١: ٢٠). كان قد سبق وأخبرهم منذ زمن بعيد أنه: "حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ" (مت ١٨: ٢٠). هذا صحيح دائماً: كلما كان هناك اثنان أو ثلاثة، أو جمع كبير، مجتمعاً باسمه، فإنه يكون في الوسط. أعتقد أن المسيحيين إذا ما أدركوا هذا بشكل أكمل فلن نجد غائباً واحداً عن اجتماعات الصلاة والعبادة. سوف نستغل كل فرصة لنلتقي مع ربنا المبارك. سوف نذهب، ليس فقط لنلتقي بعضنا ببعض، وليس فقط لنسمع الكرازة بالكلمة ، وليس لنستمتع بإنشاد الترانيم، بل لنكون في حضرته المقدسة وننشغل بالمسيح نفسه. عندما عُلّق على الصليب كان هناك لصّان صُلبا معه، وكان يسوع في الوسط. هناك أخذ مكانة الخاطئ واحتمل الدينونة التي نستحقها للغاية. وعندما كَانَ تلاَمِيذه مُجْتَمِعِينَ ظهر لهم يسوع "في الوسط" بينهم. عندما رأى الرسول يوحنا الوطن السماوي يخبرنا أنه "فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ" (رؤ ٥: ٦). مكانه دائماً في الوسط.
كان التلاميذ قد سمعوا بشهادة قيامته عن طريق عدد من الناس الآخرين؛ ومع ذلك فقد بدا أمراً مستحيلاً تماماً أن يمتلئ البعض بالخوف بدلاً من السرور. لقد افترضوا أنهم رأوا روحاً، أي شبحاً؛ ظنوا أن شبحاً ظهر لهم. "جَزِعُوا وَخَافُوا". لم يستطيعوا أن يصدقوا شهادة حواسهم أنفسهم، ولم يفهموا سوى القليل عن قيامته من بين الأموات. لقد ظنوا أنهم يرون شبحاً، وأن ذلك فيه بعض الشر أكثر منه الخير. قال يسوع: "مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟” لقد هزّ أفكارهم المضطربة ووبخهم على قلقهم وجزعهم، الذي كان سببه عدم الإيمان. لو كانوا قد انتبهوا أكثر إلى كلماته قبل القبض عليه، لما كانوا اضطربوا الآن، بل كانوا سيبتهجون لأن كلماته تحققت على نحو مجيد جداً. أضاف يسوع قائلاً: "جُسُّونِي وَانْظُرُوا فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي". أمرهم أن يمسكوا بذراعيه بشدة ليتأكدوا بأنفسهم بأنه لم يكن شبحاً ظهر لهم؛ بل شخصاً بجسد حقيقي من لحم وعظام. لم يقل "لحم ودم". حياة الجسد هي في الدم (لاويين ١٧: ١١). الجسد المقام من الواضح أنه كان بلا دم. ومع ذلك فقد كان جسداً مادياً- من لحم وعظم- وإن كان بطبيعة مختلفة عن الجسد الحالي. ثم أراهم يديه وقدميه. يذكر يوحنا يديه وجنبه ويغفل ذكر قدميه. لقد لفت انتباههم إلى جراحه، إذ كان يحمل في جسد قيامته ندبات تدل على آلامه، وسيحملها إلى الأبد كمذكّر أسمى بمحبته.
كنت أكرز مؤخراً في مدينة شرقية، وذهبت لزيارة إرسالية مع الأخ المسؤول. أخبرني، ونحن نقف على المنبر، عن خبرة لافتة مرّ بها قبل فترة من الزمن. قال أنه كان يقف في المنبر، وإذ كان ينظر على الممر بين المقاعد فُتح الباب، ودخل شخص غريب الهيئة، مرتدياً ثوباً أبيض طويلاً. وإذ تقدم الغريب إلى حيث كان يقف صديقي، رفع بصره إليه وقال: "لقد جئت لأملك. أنا هو الرب يسوع المسيح". نظر إليه صديقي للحظة؛ ظن في البداية أن الرجل إنسان مهووس أو مخبّل، وأنه كان من الأفضل له أن يتركه وشأنه، إلا أنه بدلاً من ذلك سأله: "أتقول أنك الرب يسوع المسيح؟" "نعم"، كان الجواب، "وقد عدتُ كما وعدت أن أفعل". فقال المُرسَل: "دعني أرى يديك". رفع الزائر يديه. "لا؛ أنت لست مخلّصي؛ مخلّصي يحمل آثار المسامير في كل يد". فنظر إليه الرجل نظرة قاسية واستدار وغادر المكان. يحمل يسوع علامات تدل على لاهوته في يديه وقدميه المجروحة. قال يسوع: "اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي". كان الطبيعي أن يقول: "الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَدمٌ". ولكن ربنا سفك دمه الثمين على الجلجثة ليصنع كفارة لأجلنا، وجسده المقام لا حاجة به إلى الدم ليمده بأسباب الحياة. "قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ هَهُنَا طَعَامٌ؟» فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ". كانوا لا يزالون غير مصدقين؛ ولذلك بادر إلى أن يأكل معهم، لكي يعرفوا بدون أي شك أن ذاك الذي كان واقفاً هناك هو جسد بشري حقيقي. ولذلك أوضح أنه كان فعلاً حاضر معهم في جسده المقام، وليس فقط كروح ممجدةٍ.
"وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ»". الرب القائم هنا يصادق على كل العهد القديم بإعلانه بدون أي التماس أو غموض أن كل ما هو مكتوب في الناموس، والأنبياء، والمزامير، عنه، لا بد أن يتحقق. وهذا ينطبق على مجيئه الثاني والملكوت. لا شيء يُلغى. كل شيء يجب أن يحدث كما هو مكتوب. هذا هو أساس إيماننا بالتحقيق الحرفي للنبوءة. إنه لخطأ كبير أن نروحن النبوءات ونفترض أن الله سوف يتراجع عن كلمته.
ثم صنع الرب يسوع المسيح شيئاً لتلاميذه كنا لنود أن يصنعه لنا: "حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ". لكأن الرب، من خلال روح قدسه، يفتح فهم البشر لكي يدركوا الحق الذي أعلنه الله في كلمته. في هذا الأصحاح، الآية ٣١، نقرأ: "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ". نعلم هنا أن الرب فتح فهمهم؛ وبعد أن اختفى من الغرفة، قَالَ تلميذا عِمْوَاس بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: "أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟” لنربط هذه الثلاثة معاً: فتح الكتب المقدسة، فتح أعينهما، فتح فهمهما. بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نعرف فكر الله. إنه لأمر عظيم أن نرجع إلى ما هو مكتوب في الكتاب المقدس. إننا ننشغل كثيراً بالنظريات البشرية لدرجة نخفق معها في أن نتكل على ما هو مكتوب في الكلمة. "وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ". كانت أورشليم في ذلك الوقت المدينة الأكثر إثماً على وجه الأرض. غالى شعبها جداً لدرجة أنهم صلبوا ملكهم المعبود المبارك نفسه. ربما يتساءل المرء إذا ما كان الله في غضبه سيمحو تلك المدينة عن وجه الأرض؛ ولكن هناك كان له أن يبدأ بإظهار الغنى الفائق لنعمته. خلال وقت قصير جاء ثلاثة آلاف شخص إلى قبول المسيح مخلّصاً، وإذ قبلوه، اعتمدوا باسمه؛ أي، بسلطته. بعد أن بدأوا في أورشليم، انطلق الرسل ليشهدوا على قيامته في كل أرجاء العالم. نقرأ في أعمال ١: ٨، أن يسوع قال لهم: "وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ".
لاحظوا أنه في التفويض المعطى هنا هناك شيئان جمعهما الله معاً: التوبة الشخصية ومغفرة الخطيئة. ما هي التوبة؟ إنها اعتبار أن لا شيء أهل للتقدير والمكافأة، إنه الاعتراف بالداء الذي يهلكنا. عندما نعترف بإثميتنا سنكون مسرورين من الاستفادة من الخلاص الذي يقدمه الله. وعندها يكون المرء على استعداد للرسالة التي تخبره أن المسيح قد صنع لأجله ذاك الذي ما كان ليستطيع أن يصنعه لنفسه. عندما يضع إيمانه في المسيح واتكاله عليه فإنه ينال مغفرة الخطايا. أن تؤمن به يعني أن تضع ثقتك فيه، وعندما تفعل ذلك فإنك تنال مغفرة الخطايا. أنى لك أن تعرف أن خطاياك مغفورة؟ عليك أن تثق بكلمة الله؛ آمن بها لأنه يقول هذا. ليس بسبب شعور من السعادة تعرف أنك مغفورة خطاياك، بل لأنك تعلم أن الله حاشى أن يكذب.
أضاف ربنا يسوع قائلاً: "وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي". ما كان يُفترض بهم أن يذهبوا في الحال. المعزي الموعود يجب أن يأتي أولاً، ذاك الذي كان سيرسله الآب باسم يسوع (يو ١٤: ٢٦). وهذا كان سيقويهم ليكرزوا ولينقلوا الإيمان إلى قلوب مستمعيهم. كان عليهم أن ينتظروا في أورشليم إلى أن يتحقق هذا الوعد. بعد عشرة أيام حلّ روح قدس الله بطريقة جديدة تماماً. وفي هذا كانت قوة شهادتهم. السبب في أن شهادتنا لا ترقى إلى مستوى أعلى مما هي عليه هو أننا نشهد بقوتنا الخاصة وليس بقوة الروح القدس.
تالياً لهذه التعليمات، "أَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ". لكي يصل المرء إلى بيت عنيا يجب أن يصعد إلى جبل الزيتون، ثم ينزل قليلاً إلى الجانب الشرقي. غالباً ما كان الرب يسوع يزور بيت عنيا منزل مريم، ومرثا، وأخيهم لعازر، الذي أقامه يسوع من الموت. على سفح الجبل قرب هذه البلدة رفع يسوع يديه وبارك تلاميذه، ثم صعد إلى السماء، وسحابة غمرته وحجبته عن أعينهم. عمله على الأرض انتهى، وعاد إلى الآب وإلى المجد الذي كان له قبل تأسيس العالم.
يخبرنا النص أن التلاميذ "سَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ". انتهت الآن كل الأسئلة حول سرّ شخصه. لقد سجدوا له لأنه ابن الآب السرمدي، وبعد ذلك، وفي إطاعة لكلمته، "رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ" مترقبين حلول الروح القدس. "كَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ". خلال فترة الانتظار يبدو أنهم كانوا يسكنون معاً في بيت واحد مشترك، حيث كانوا يمضون الوقت في الصلاة (أع ١: ١٣، ١٤)، ولكن خلال الشطر الأكبر من النهار كانوا يتواجدون في باحات الهيكل، "يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ". وليس صحيحاً، كما استنتج البعض بدون دليل ملائم، أن اجتماع الصلاة استمر بشكل متواصل لفترة عشرة أيام.
الحقيقة العظيمة الوحيدة التي نراها أمامنا في هذا الدرس هي أننا نحن الذين نعرف المسيح كمخلّص مسؤولون عن حمل الإنجيل إلى كل شعوب العالم. ليس لنا أن نستمتع بصلاح الرب بأنفسنا ولوحدنا بينما ننسى حاجة معظم النفوس حولنا، وأولئك الذين في أراضٍ بعيدة والذين لا يزالون يجلسون في الظلمة وظلال الموت. ولا يجب أن نعوّل على مواردنا الخاصة في تنفيذ التفويض الموكل إلينا. ذاك الذي يُرسل يقوي أيضاً. بالروح القدس يؤهل الرب خدّامه لينطلقوا، كسفراء له مكرسين للخدمة، ليخبروا كل الشعوب بغنى نعمته. تأتي بركة متزايدة إلى الكنيسة التي يكرز أعضاؤها بالإنجيل في كل مكان. بهذا يختم لوقا روايته ليكملها من جديد في الأصحاح الأول من سفر أعمال الرسل.
لا شيء محزن أكثر من أن نسمع مسيحيين يتجادلون حول تطبيق التفويض العظيم، بينما يهملون إطاعته. إننا مسؤولون عن تقديم الفرصة لجيلنا ليسمعوا الإنجيل. في يوم ما في المستقبل سيكون لله شهوده إلى الأمم، ولكن هذا لا يعفينا من مسؤوليتنا الحالية بأن نعلن نعمة الله في مكان بكل ما أوتينا من قوة. من يعرف بركة الخلاص مدعو ليعلن المسيح للآخرين حتى ولو كانت حلقته محدودة جداً. ليس الجميع كارزين موهوبين أو مبشرين، بل إن جميع المخلَّصين يمكنهم أن يخبروا شخصاً آخر عن الرب يسوع وعن طريق الحياة. إن كنّا نعرف المسيح، فهل سننقل كل ما نعرفه إلى أولئك الذين لا يزالون في الخطيئة؟ التوبة ومغفرة الخطايا تسيران جنباً إلى جنب، لأن المرء عندما يعترف بحالته الضالة، فإنه يكون على استعداد ليؤمن بالمخلّص الوحيد. هل فعلنا ذلك؟