الخطاب ٧٩
الغريب الغامض
"١٣وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً اسْمُهَا «عِمْوَاسُ». ١٤وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ. ١٥وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. ١٦وَلَكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. ١٧فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» ١٨فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا الَّذِي اسْمُهُ كَلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» ١٩فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «ﭐلْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. ٢٠كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. ٢١وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ. ٢٢بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ الْقَبْرِ ٢٣وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. ٢٤وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً النِّسَاءُ وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». ٢٥فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ ٢٦أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ٢٧ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. ٢٨ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. ٢٩فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «ﭐمْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. ٣٠فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا ٣١فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا. ٣٢فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» ٣٣فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ ٣٤وَهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!» ٣٥وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ" (لوقا ٢٤: ١٣- ٣٥).
ونأتي الآن إلى رواية لوقا عن ظهور المسيح بعد قيامته. هناك تبسيط سار ومباشرة نجدها في مختلف الروايات التي تتناول هذه الأحداث العظيمة كما ترد في الأناجيل الأربعة، وهذا ما يستبعد كل فكر بالتزييف أو الكذب أو الهوس الجنوني. لقد كان الكُتاب يعرفون عما يتكلمون. لقد كانوا على يقين، لا يصل إليه أدنى شك، بأن يسوع، الذي كان قد مات على صليب المجرمين والذي وُضع جسده في القبر لثلاثة أيام، قد قام منتصراً وظهر لشهود كثيرين مختلفين جداً ما يزيل أي شكّ بحقيقة وصدق قيامته. من الواضح أن لوقا لم يكن أحد الذين رأوا الرب بعد أن قام من بين الأموات، ولكنه كان رجل علم، طبيباً ذا فكر متسائل، لم يقبع راضياً إلى أن تمحص كل الأدلة بعناية تدقق في التفاصيل، وبنتيجة تحرّيه اقتنع بصدق ومصداقية الشهادة التي قدمها أولئك الذين أعلنوا أنهم رأوا المخلّص القائم وتكلموا معه (لو ١: ١- ٣).
أحد الظهورات العديدة لربنا لتلاميذه خلال الأربعين يوماً التي مرت بين قيامته وصعوده هي هذه الحادثة، التي لطالما اعتبرتها أحد أهم الظهورات الشيقة والمليئة بالحنو. أعني بذلك ظهوره لتلميذيه، كِلُوبَا وشخص آخر. أعتقد أن هذا الشخص الآخر لم يكن سوى زوجته. لا نعرف الكثير عن كِلُوبَا؛ البعض يعتقد أنه نفس الشخص الذي يُدعى كِلُوفَا (يو ١٩: ٢٥). كِلُوبَا اسمٌ عبري، والآخر آرامي؛ ولكن لا نعرف إذا كان هذان شخص واحد أم شخصان مختلفان. مهما يكن من أمر، إن التلميذان كانا قد أحبا يسوع؛ لقد كانا يؤمنان بأنه كان المسيا؛ وربما كانا في وسط الجمع الذي شاهده يموت. والآن، وفي حيرة عميقة، كانا يتساءلان إذا ما كان رجاؤهما قد ذهب سدىً، وفيما إذا كان يسوع قد خُدع أو خدع الآخرين بتقديم نفسه على أنه مسيا إسرائيل، كما كانا يؤمنان. كانا يسيران في الطريق المؤدي من أورشليم إلى عمواس. المسافة ليست بعيدة. لقد قدتُ السيارة عبر ذلك الطريق بنفسي، وبينما كانت أفعل بذلك كنت أفكر بهذين التلميذين يمشيان الهوينى على طول الطريق ويتحدثان عن تلك الأمور التي جرت مؤخراً، وشعرت بشعورهما ببركة كبيرة عندما دنا منهما ذلك الغريب العجيب المبارك وتدخل في الحديث الذي كان يجري بينهما بطريقة محببة لطيفة. "وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا". هناك شيء معزٍّ حقاً في هذا: لقد كان يسوع هناك. ولكنهما لم يعرفاه؛ لم يميزاه، وأعتقد غالباً أن الأمر سيّان معنا. أحياناً نمر بتجارب ومحن وارتباكات وأسىً وخيبات، ونشعر أننا لوحدنا تماماً، نشر وكأنه ما من أحد يهتم، ولكن إن كانت أعيننا مفتوحة كفاية- كما عينا خادم أليشع ذاك في دوثان، قبل زمن طويل، عندما رأى ملائكة الرب مخيمين حولهم لحمايتهم من أعدائهم- فإننا نمر بخبرة مشابهة. عينا هذين التلميذين كانتا مغلقتين ولذلك لم يعرفا من كان ذلك الغريب. ما كانا يتوقعانه، ولم يعرفاه. لقد كان قد تغير بشكل عجيب بلا شك. ما عاد رجل الأوجاع، بل المسيح المنتصر، وقد تلاشت كل علائم القلق والحزن من وجهه. ربما ظنّا أنه كان زائراً، غريباً غامضاً، يسير على مقربة منهما. وإذ اقترب منهما طرح عليهما هذا السؤال: "مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟” لقد كان يعرف حقيقة الأمر، ولكنه أراد أن يتقرب إليهما، ويجعلهما يعبران عن أنفسهما لكيما يفتح لهما حقيقة كلمة الله فيما يتعلق بالقضايا العظيمة في موته وقيامته. كانا قد غفلا عن تلك الأشياء في الكتاب المقدس التي كانا يتساءلان عنها. كان الأنبياء قد شهدوا قبلاً بآلام المسيح، وبالمجد الذي سيلي قيامته. يريد ربنا منا أن نأتي إليه بأحزاننا وأعبائنا وهمومنا؛ إنه يسرّ بأن نأتي إليه ونخبره عن كل ما في قلبنا، وهو على استعداد دائماً وأبداً ليريحنا ويعزينا ويقودنا ويعلّمنا ويوجّهنا ويساعدنا. كِلُوبَا، الذي بادر إلى الحديث، سأل مستعلماً: "هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟” بما أن ذلك كان موسم عيد الفصح وكان هناك الكثير من الزائرين في أورشليم، فقد افترضا أن هذا الغريب لا بد أن يكون أحدهم، وانه لم يسمع بما حدث. ربما لم يكن في ذلك الجمع الذي يحدق إلى الثلاثة المعلقين على الصلبان في الجلجثة؛ ربما لم يسمع عن يسوع هذا، المسيا المفترض، الذي كان قد صنع تلك الأعمال العجيبة المعجزية، ولذلك لم يعلموا بأعماله وتعاليمه المدهشة. لقد افترضا أن يسوع مجرد غريب، وبالفعل كان غريباً في هذا العالم؛ ومع ذلك فقد كان الشخصية المحورية في كل ما جرى في تلك الأيام. وسألهم ثانية: "وَمَا هِيَ؟” فَقَالاَ: "ﭐلْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ. بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ الْقَبْرِ وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ". هذه الأخبار انتشرت وسط كل من كانوا يحبون اسم يسوع؛ ولكنهم لم يكونوا متأكدين من صحة ما قالته النسوة. ربما ضُلّلت النساء؛ ربما أغشى عيونَهم خداعٌ بصريٌّ ما، أو ربما كانوا يشعرون بالإثارة وقد انخدعوا إلى التفكير أنهم قد رأوه فعلياً. "وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً النِّسَاءُ وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ". "قَوْمٌ" تشير إلى بطرس ويوحنا. لقد وجدا القبر فارغاً، وأقمشة الكتان ملقاة كما لُفّ بها الجسد، ولكنهما لم يريا يسوع؛ وكانا لا يزالان غير متأكدين تماماً مما جرى. انبرى يسوع ليجيب عليهما: "أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ". الكلمة المترجمة "الغبيان" ليس فيها تحقير. إنها تعني "البسيطان/الساذجان". لقد كانا كمثل الأطفال وقد أخفقوا في الفهم، ولذلك لم يؤمنا بالإعلانات النبوية المتعلقة بالمسيح. بمعنى آخر، لم يكن شيء مما روياه بعكس ما علّمته كلمة الله؛ لم يكن هناك ما يعارض ما كتبه الأنبياء. لو أن هذان التلميذان قد تمحصا بانتباه في كل شيء بعناية، ودرسا النبوءات التي تتكلم عن فادي إسرائيل وملكوته الآتي المجيد، لوجب عليهما أن يريا كم أن الكتابات المقدسة كانت محددة وواضحة في تنبؤها برفض المخلّص، وصلبه، وموته ودفنه؛ نعم، وعن قيامته، لأنه مكتوب في سفر أشعياء ٥٣: ١٠ أنه: "إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ".
"أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟” يجب أن يأتي الصليب قبل التاج. لم يكن هناك ثمة طريقة أخرى يمكن بها تحقيق المخطط الإلهي لفداء نفس الناس أفراداً والعالم إجمالاً. شرع الرب يقدم لهما شرحاً سريعاً عملياً عن كل العهد القديم. كم كان المرء سيشعر بسرور لو كان في صحبتهم ذلك اليوم وسمع مسيح الله المبارك يفسر الكتب المقدسة، مشيراً منها إلى كل حياته، ورفضه، وموته على الصليب، وقيامته، وحتى صعوده إلى يمين الله، إذ نقرأ في مز ١١٠: ١ أنه "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: [اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ]". لقد مرّ على النبوءات في كل العهد القديم، مبتدئاً بموسى. لم يشكك ربنا أبداً بمصداقية الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس. النقاد غير المؤمنين يشككون اليوم بها. بل حتى يصلون إلى درجة إنكار أن موسى كتب هذه الأسفار، أما ربنا فلم يكن لديه هكذا شك. لقد قال: "لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي" (يو ٥: ٤٦). كان يعلم أن موسى هو من كتب الأسفار الأولى. "ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ". يا لها من قراءة كتابية رائعة! لقد تأججت قلوبهم بينما كان الرب يسوع يشرح لهما كيف كان هو موضوع كل النبوءة، وهكذا أعطاهما المفتاح لفهم كل الكتابات المقدسة كما لا يستطيع أي أحد آخر. من كان ليستطيع أن يفسر كلمة الله ويقدم هكذا مكاشفات رائعة للحق الإلهي كمثل ربنا في ذلك اليوم! ليت لدينا تدوين لذلك، إذاً لكان قد أغنى حياتنا؛ ولكن يسوع اختار ألا يكون هناك هكذا سجل، لكيما تتحرك قلوبنا إلى دراسة الكلمة بأنفسنا، وأن نبحث فيها يومياً متكلين على الروح القدس. علينا أن نبدأ بموسى وأن نمر عبر كل الأنبياء، وعلى الضوء الذي يلقيه العهد الجديد على هذه الأسفار، نستطيع أن نرى الأمور التي ينبغي أن تعلّمنا ما يتعلق به، لأن المسيح نفسه هو موضوع كل العهد القديم وأيضاً العهد الجديد.
بينما كان ربنا يسير مع هذين التلميذين، "اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا". كانا يعيشان في عمواس، وإذ انعطفا ليدخلا إلى منزلهما، "تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ". الرب يسوع لا يفرض نفسه أبداً على أحد؛ إنه دائماً ينتظر دعوة. وسيدخل إن سمحنا له بأن يفعل ذلك. إن لم ندعه للدخول فسنبقى بدون معونة روحية نختبرها. "أَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: ﭐمْكُثْ مَعَنَا". لقد كانا مهتمين جداً بما أوضحه لهما ذلك الغريب السماوي حتى أنهما ألّحا عليه لينزل ضيفاً عندهما في تلك الليلة. وإذ ألّحا على ذلك، فقد دخل لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا في تلك الليلة. كم قدّر دعوتهما! إنه يحب أن يكون موضع ترحيب؛ إنه لا يرفض أي دعوة توجه إليه. لقد دخل ليبيت عندهما. وسرعان ما أعدا وليمة المساء، وطلبا من هذا الغريب الرائع أن يتكئ إلى المائدة معهما. ربما كانت وليمة بسيطة جداً؛ ربما لم يكن فيها تنويع كثير في الأطعمة، ولكنهما كانا على استعداد لمشاركته بما لديهما. اتخذ يسوع مجلسه إلى المائدة، ولكن ليس كضيف؛ لقد أخذ مكان المضيف. بدلاً من أن ينتظر من كلوبا أو التلميذ الآخر أن يطلب البركة، أخذ كسرةً من الخبز ورفع بصره إلى السماء وشكر. قد ظنا أنهما يدعوانه كضيف، ولكنهما وجدا أنهما كانا هما الضيفان عنده، وكان هو المضيف. فجأة، إذ نظرا إلى يديه عندما كان على وشك أن يكسر الخبز، جاءهما إعلان. نقرأ: "انْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا". كيف عرفاه؟ أخبرا الرسل فيما بعد في أورشليم أن "عَرَفناهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ". لم يكن هذان في عشاء الرب. في ذلك الوقت كان هناك الأحد عشر، رسل الرب يسوع المسيح. كان هذان تلميذان ولكن غير معروفين. ولذلك لم يعرفاه لأنهما تذكرا ما رأيا في العلّية. بل نظرا إلى يديه، وبلا شك رأيا آثار المسامير كما كان لتوما بعد ذلك أن يرى؛ وقالا: "هذا هو! انظر إلى هاتين اليدين! إنه هو الذي سُمّر إلى ذلك الصليب". لقد عرفاه وعرفا أنه المسيح، فادي إسرائيل. ولكن عندما نظرا من جديد، كان قد ذهب؛ لقد اختفى عن البصر. جسد قيامته لم يعد خاضعاً للنظام الأرضي. بعد قليل سنجده يدخل إلى الغرفة والأبواب مغلقة. لقد كان يستطيع أن يظهر نفسه وأن يخفيها عنهم في أي وقت يشاء. "أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟”لم يسمعا أبداً الكتابات المقدسة تفسر على ذلك النحو. والآن إذ نظرا إلى الخلف شعرا بأنهما قد عرفا من كان ذاك الذي أعلن لهما الحق بهكذا طريقة تضرم القلوب. "فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ". لم يعرفا أين يجدان الأحد عشر. وإذ اقترب هذان التلميذان من الباب سمعا أحدهم يقول: "إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!". سمعان، ذاك الذي كان قد أنكره، وأقسم وحلف أنه لم يعرف يسوع أبداً؛ ومع ذلك، في مكان ما في يوم القيامة كان الرب قد بحث عنه والتقى به، وأعلن نفسه له؛ وعرف سمعان أنه قد غُفر له. ولا بد أن بطرس قد شعر، أكثر من كل الرسل، باكتئاب ويأس، إذ تذكر بمرارة في روحه إخفاقه المحزن في اجتياز الامتحان في ساعة التجربة تلك. كم كان عزاء لقلبه عندما ظهر يسوع له وحده، ليستعيد نفسه ويواسي روحه! ما هذا سوى مثال عن النعمة التي أظهرها الرب نحو أتباعه المضللين المخطئين. بعد قليل نجد الرب يعطي بطرس التفويض أن "ارْعَ خِرَافِي.... ارْعَ غَنَمِي".
"فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ". وهكذا أضاف التلميذان شهادتهما. يا لها من خبرة مرّا بها ويا له من فرح أكيد شعرا به عندما عرفا بشكل مؤكد أن ذاك الذي مات هو حيّ من جديد. والحمد لله، فإنه حيّ ولن يموت أبداً.
مع خوفي من بعض التكرار، دعوني أؤكد حقيقة أنه لولا قيامة الرب يسوع المسيح بالجسد، لما كان للكنيسة أساس تستند عليه، ولما كان هناك أساس لرسالة الإنجيل. لذلك فإن الله قد أكد هذه الحقيقة العظيمة بطريقة لافتة مميزة. في العهد القديم تم التنبؤ بشكل واضح عن أن المخلّص كان سيموت عن خطايانا وأنه سيقوم من الموت ويتخذ مجلسه إلى يمين الله في السماء. بالنسبة له، طريق الحياة يمر عبر أودية الموت، ولكن نفسه لا ما كانت لتُترك في الهاوية، العالم غير المنظور، ولا يرى جسده فساداً (مز ١٦: ٩- ١١). بعد أن جُعلت نَفْسُهُ ذَبِيحَةَ تقدمةٍ عن الإِثْمِ،.... كان له أن "يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ" (أش ٥٣: ١٠). في الأنبياء لدينا النبوءة؛ وفي الأناجيل، تحقيق النبوءة. المسيح قام. لقد "صَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (١ كور ١٥: ٢٠). وباسمه، اسم ذاك الذي كان ميتاً فعاش ثانية (رؤ ١: ١٨)، آيات وعجائب عظيمة صُنعت على مر كل القرون منذ ذلك الحين. أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَ"أَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (٢ تيم ١: ١٠).