الخطاب ٣٣
الملكوت في حالة جنينية
"٢٧حَقّاً أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ». ٢٨وَبَعْدَ هَذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ. ٢٩وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً. ٣٠وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا ٣١اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. ٣٢وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. ٣٣وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. ٣٤وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ. ٣٥وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا». ٣٦وَلَمَّا كَانَ الصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ" (لوقا ٩: ٢٧- ٣٦).
يسوع هو الذي يتكلم هنا. لقد كان يُوضح للتلاميذ تكلفة إتباعه. لقد أوضح لهم أن المرء إذا ما أراد أن يكون تابعاً له فإن هذا الأمر غالباً ما يكلّف الكثير. ثم ولكي يشجع قلوبهم، قال: "حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ". ولكن "مَلَكُوتَ اللهِ" علينا أن نفهم منه سلطان الله مؤسساً على هذه الأرض، وبالتأكيد في قلوب الناس رجالاً ونساءً. لقد تنبأ العهد القديم بأن ملكوت الله سيظهر ويتجلى بشكل كامل في الوقت المناسب. وهذا لم يحدث بعد. لا يزال إبليس هو رئيس سلطان الهواء وإله هذا الدهر. العالم في حالته الشريرة الحالية لأنه رفض ملك الله؛ وهو وحده يستطيع أن يأتي بدهر البر.
في لو ٢ نقرأ: "فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ ". لقد جاء ليلقي سلاماً على الأرض، وليظهر إرادة الله الصالحة نحو البشر. ولكنهم رفضوا أمير السلام؛ ولذلك فإن الرب يسوع قبل أن يمضي قال: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا". لم يغير الله مخططاته لأن البشر لم يكونا مستعدين لاقتبال الملكوت؛ الملكوت لم يتأسس بعد في هذا العالم. الرب يسوع قال لتلاميذه: "حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ". ونعلم من الآية التالية كيف جرت الأمور: "وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَل لِيُصَلِّيَ". لعل هذا كان جبل حرمون. عندما صعد الرب إلى ذلك الجبل مع التلاميذ كان ذلك لكي تكون لهم صورة عن الملكوت الذي سيأتي. ونعرف ذلك لأن بطرس يخبرنا في ٢ بط ١: ١٦ أن: "لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللَّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». وَنَحْنُ سَمِعْنَا هَذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ". يخبرنا بطرس هنا أن ما حدث على جبل التجلّي كان في الحقيقة رؤيا عن المجد العتيد، ملكوت الله في حالة جنينية.
وإذ الحال هكذا أمامنا، فإننا ننظر بانتباه نوعاً ما لما هو مدون هنا فيما يتعلق به. عندما نتأمل ملياً في رواية لوقا نجد ربنا في حالة صلاة كما في مناسبات أخرى كثيرة. يحتار الناس أحياناً من هذا الأمر، ويسألون: "كيف أمكنه أن يكون الله، ومع ذلك يشعر بحاجة إلى الصلاة؟" إنهم ينسون أنه رغم أنه الله منذ الأزل، مع ذلك فقد اختار أن يصير إنساناً، وكإنسان، كان متّكلاً على الآب. والصلاة كانت بالنسبة له التعبير عن أحلى تواصل وشركة له مع الآب؛ لقد كانت إقراراً بناسوته الذي يصعد إلى السماء ملتمساً القوة ليصنع مشيئة الآب.
"وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا". قد نعرف شيئاً من هذا في حياتنا الخاصة، إذ أننا عندما نصلّي فإننا نتحول. كم من مرة عرفنا أناساً خاطئين، وأشرار، وفجّين، وجاهدين، وفظّين، جاؤوا إلى معرفة الرب وآمنوا به مخلّصاً لهم؛ ومن ثم وإذ يتواصلون معه، حتى وهم يصلّون، فإنه هيئتهم وسماءهم تتغير! كثير من الناس الذين كانوا يوماً صعبي المراس وشائنين قدّموا أعظم شهادة. كمسيحيين، لا يمكننا أن نتجاهل الصلاة. أحد الأسباب في أن كثيرين منا لا يحققوا سوى تقدم قليل في حياتنا المسيحية هو أننا لا نصلّي بما فيه الكفاية. إننا نصلّي في وقت الشدّة، ولكن عندما تسير الأمور على ما يرام فإننا لا نكرّس وقتاً للإتّكال على الله والتمتع بشركة مباركة معه. لو فعلنا ذلك، لأصبحنا أكثر شبهاً به، ولأظهرنا الكثير من نعمته وحنانه وإشفاقه وحنوه على الخطأة. سنكون أقل عرضة للانتقاد ونكون أكثر لطفاً مع الآخرين عندما نصلّي أكثر. إننا نصبح أكثر شبهاً بالمسيح ونحن نمضي الوقت في شركة معه.
في إنجيل يوحنا نقرأ: "الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا.... مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا". جسد ربنا يسوع المسيح يُشبَّه هناك بالمسكن (خيمة الاجتماع) الذي نصبه موسى في البرية. في قدس الأقداس، كان حضور الله يتجلّى كالشكينه التي تشرق بين الكروبين. في الجسد المبارك لربنا يسوع المسيح كان يكمن مجد ألوهيته، إذ "إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ". ذلك المجد أشرق في الأمور التي صنعها؛ لقد تجلّى في نعمته التي تجدد وتستعيد الخطاة لأولئك الذين تاهوا وضلّوا سواء السبيل. وهنا وبطريقة خاصة يُرى وهو يحيا شركة مع الله على الجبل، إذ أن "لِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا". أشرق المجد من الداخل، وظهر يسوع كما سنراه عندما يأتي للمرة الثانية بمجد أبيه ومجده ومجد الملائكة.
"وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا". موسى، مانح الناموس، كان يمثّل القديسين في الدهر التدبيري الناموسي. وإيليا كان المُرسَل من الله ليستعيد الشعب إلى الله. هاتان الشخصيتان من العهد القديم ظهرتا مع يسوع في الجبل وتكلّما معه. عمّا تحدثوا؟ ما كان موضوع الحديث؟ يا للعجب في ذلك! لقد كانوا يتكلمون معه عن ذاك الذي سيكون نصيبنا في كل الأبدية ونحن نتذكر ما فعل من أجلنا- الألم الموت عنا. "اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ". لقد جاءا من الله في السماء ليمضيا ذلك الوقت البسيط على الجبل مع الرب يسوع، ليتكلموا معه عما سيفعل على صليب الجلجثة. لا بد أن ذلك كان بما يثير عجب الملائكة والقديسين في السماء عندما نزل من عرش المجد إلى مذود بيت لحم. ولا بد أنهم سألوا أنفسهم عن سبب قيامه بذلك. لقد شاهدوا حياته على الأرض، ولا بد أنهم أصغوا إلى كلماته عندما قال: "إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ.... يُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". هذان الرجلان كانا مهتمين به، وكانا يتحدثان عن موته الوشيك أن يحدث. لا نزال نحن أيضاً نتكلم عنه، وينبغي أن نفعل ذلك. لو لم نفعل ذلك من أجلنا، لكنا قد أُلقينا منذ زمن بعيد في الهلاك الأبدي. موته عنا هو الحدث الأكثر أهمية الذي نقرأ عنه في كلمة الله. أنصتوا إلى المفديين في السماء وهم ينحنون أمام العرش ويسبحون قائلين: "مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ.... لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ". وهذا ما كانوا ينشدونه هناك. ذلك هو الموضوع الذي يحرّك ويفرح قلوبهم. آه يا أصدقائي، دعونا نتوقف هنا ونسأل: هل يعني هذا شيئاً لكم- موت المسيح؟ هل خاطب قلوبكم؟ هل يعني شيئاً لكم أن المسيح بذلك حياته من أجلكم؟ لعلني أتكلم اليوم إلى كثيرين من الناس الذين قلما فكروا بموت المسيح على الصليب. هل تأملتم يوماً في هذا الأمر المهيب والجليل والمجيد، وقلتم: "الموت الذي ماته كان من أجلي؛ الألم الذي عاناه كان بالنيابة عني، لكي أستمتع في أن أكون معه إلى الأبد؟"
ولكننا ننتقل ثانية لنتأمل في المشهد الجليل هذا. لقد أعلن ربنا يسوع أنها كانت صورة عن الملكوت الآتي. ممالك هذا العالم سوف لن تصبح ملكوت إلهنا ومسيحه إلى أن يعود الرب من جديد إلى هذه الأرض. وهو لن يأتي ثانية كما جاء من قبل. سوف لن يأتي في إتضاع وفقر؛ إنه آتٍ في المرة القادمة في قوة ومجد عظيمين. وعندها نقرأ أن كل الأرض ستنتحب بسببه. الجميع سيركعون عند قديمه.
لدينا صورة صغيرة عن المجد الذي سيكون له عندما يأتي ثانية. لاحظوا من جديد الرجلين اللذين ظهرا معه في مجده. يا لأهمية هذين الشخصين بالذات! فأولاً، كان هناك موسى الرجل الذي مات قبل ١٥٠٠ سنة، والذي كان جسده قد أخفاه الله بعيداً لكي لا يستطيع إبليس المفسد أن يلمسه. ونقرأ أن الله "دَفَنَهُ فِي الجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ مُقَابِل بَيْتِ فَغُورَ. وَلمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلى هَذَا اليَوْمِ". ظهر موسى في هيئة جسدية مشرقاً بنفس المجد كما يسوع المسيح. وهذا يذكرنا بأن الرب يسوع عندما يأتي ليؤسس ملكوته سيجلب معه أولئك الذين ماتوا فيه. "لأنه إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ".
ثم لنتأمل في الرجل الآخر، إيليا، الرجل الذي لم يمت على الإطلاق، الرجل الذي صلّى في وقت كان يشعر فيه بالإحباط إلى الله لكي يموت. لقد صرخ قائلاً: "يا رب، دعني أموت"، ولكأن الرب قال له: "لا يا إيليا؛ سوف لن أستجيب لصلاتك، بل سآخذك إليَّ بدون أن تموت". وهكذا اختُطف إيليا إلى المجد، وبعد قرون نقرأ كما في هذه الآيات. إنه يمثل جماعة أخرى- تلك الجماعة التي يتكلم عنها الرسول بولس في ١ تسا ٤: ١٧ قائلاً: "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ". وعندها سيؤسس ملكوت، وسيملك ربنا. آه، كم يحتاج عالمنا هذا إلى عودة ربنا يسوع المسيح! إن قلوبنا تندمج معاً في الصلاة أن: "آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ".
هذه إذاً هي صورة الملك الآتي. "أَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ". أحياناً، عندما يكشف الرب أروع الأمور لنا، لا نكون في حالة تسمح لنا باقتبالها. كان الرسل ليسمعوا قسماً أكبر من ذلك الحوار بين الرب وموسى وإيليا، ولكنهم غطّوا في النوم. عندما استيقظوا رأوا مجد الرب والرجلين اللذين كانا واقفين معه. وعندها هتف بطرس: "«يَامُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ". يا للمسكين بطرس! لقد كان دائماً يتكلم باندفاع وتهور لأنه كان يشعر بأن عليه أن يقول شيئاً ما. من الأفضل أحياناً أن نكتفي بالنظر وألا نقول شيئاً. ولكن بطرس، وقد تأثر بما رآه وسمعه، اقترح أن يصنعوا مظال من أجل هؤلاء الثلاثة الذين ظهروا في المجد، يسوع، وموسى، وإيليا. "وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ". لقد خافوا من الخبرة التالية، كما نفعل غالباً. لكن لم يكن هناك ما يُخشى منه. "وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً:«هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا»". ما كان الله ليضع أي أحد على نفس المستوى مع ابنه، يسوع المسيح. ما كان ليمكن لأحد أن يركع أمام موسى. والأمر نفسه ينطبق على إيليا. لم ينسَ بطرس أبداً هذا الصوت. عندما كتب رسالته الثانية قبيل موته، كان لا يزال يفكّر في الأمر. "وَلَمَّا كَانَ الصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَدًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ". سبب ذلك كان أن الرؤساء والشعب كانوا قد وضعوا أنفسهم بشكل قاطع جازم تحت الدينونة لرفضهم المخلّص، وأنهم كانوا قد رفضوا قبوله على أنه المسيا الذي كانوا ينتظرونه؛ وهذا انكشف فقط لتلاميذه لتشجيعهم في الأيام التي ستأتي. والآن يمكن أن نخبر بكل ما جرى.
يأخذ يسوع أعلى مكانة، وشعبه ينحنون أمامه ويعترفون به مسبّحين إياه وعابدين له. سرعان ما سيعود وسيأتي الملكوت بكل روعته وبهائه، عندما سيملك يسوع كملك الملوك ورب الأرباب.