الخطاب ٤٧
انتظار عودة الرب
"٣٥لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً ٣٦وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ مِنَ الْعُرْسِ حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. ٣٧طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدِمُهُمْ. ٣٨وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هَكَذَا فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. ٣٩وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هَذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. ٤٠فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ». ٤١فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ أَلَنَا تَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضاً؟» ٤٢فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ ٤٣طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا! ٤٤بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. ٤٥وَلَكِنْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ. ٤٦يَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ. ٤٧وَأَمَّا ذَلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ فَيُضْرَبُ كَثِيراً. ٤٨وَلَكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لوقا ١٢: ٣٥- ٤٨).
خدمة ربنا في الجليل كانت توشك على انتهائها بشكل سريع. ولقد دنا الوقت الذي سيذهب يفه إلى أورشليم ليموت. نظراً إلى هذا وإلى عودته الموعودة فقد حثّ يسوع تلاميذه على أهمية الإخلاص والولاء عندما لن يكون من بعد حاضراً معهم شخصياً. لقد كان منطلقاً إلى الجليل- وهناك سيصنع كفارة عن الخطيئة. وفي الوقت الذي يحدده الله سيرجع يسوع، ولكن ليس كما جاء قبلاً- عن طريق الولادة، كطفل رضيع، كإنسان متواضع يُرفض ويُزدرى به- بل كملك الملوك ورب الأرباب، الذي ستسجد له كل ركبة. نقرأ في سفر الرؤيا: "هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ". ومن منظار هذا الحدث العظيم يقول هنا: "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً". وهو يتكلّم عن "أحقاء الذهن" (١ بط ١: ١٣)، والمنطقة هي حق الله (أف ٦: ١٤). بمعنى آخر، كما أن الثياب الفضفاضة عند أهل الشرق تشد إلى الجسم بمنطقة، كذا كل فكر يجب أن يوضع تحت السيطرة في إطاعة المسيح (٢ كور ١٠: ٥). نور الشهادة يجب أن يبقى متألقاً لامعاً خلال وقت الغياب الشخصي لربنا. اللغة مجازية رمزية جداً. العريس في حفل الزفاف، في الأيام التي عاش فيها يسوع على الأرض، سوف يمضي ليقابل عروسه ويرجع معها إلى بيته. أصدقاؤه سيكونون مرتدين ملابس فاخرة لائقة، أحقاؤهم ممنطقة وسرجهم موقدة إذ يخرجون لملاقاة العريس.
الحقيقة أننا كنا مخلّصين عندما وُلدنا من جديد تماماً كما سيكون حالنا بعد أن نكون قد عشنا لله لخمسين أو ستين سنة. لقد عرفت الله لخمسين سنة، ولكني لست مخلّصاً الآن أكثر مما كنت قبل خمسين سنة. هذه السنوات كانت سنوات خدمة رائعة وسعيدة من الخدمة لمخلّصي، ولكن فيما يتعلق بخلاصي الشخصي، لقد خلصت في اللحظة التي آمنت فيها بالمسيح. لقد تُركت هنا لأشهد له، وأنتم متروكون هنا لتشهدوا له، وهكذا ينبغي أن نُبقي سُرُجَنَا مُوقَدَةً. ربما ننشغل بنظرية المجيء الثاني لدرجة يفوتنا فيها رؤية ذاك الآتي. يجب أن ننشغل في المسيح نفسه. نحن لا نعرف متى سيأتي، ولا نعرف اليوم ولا الساعة. قد يكون هذا اليوم؛ وقد يكون هذا بعد زمنٍ أطول مما يعتقد كثيرون منا، ولكن علينا دائماً أن نكون "مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ". كما أن أصدقاء العريس في الشرق ينتظرون بتوق ليأتي بعروسه عائداً إلى منزله حيث يبتهجون معاً، كذلك نحن نتخذ موقفاً من الترقب بينما نحن ننتظر عودة مخلصّنا "طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ". ليس من شيء له ذاك التأثير التطهيري التقديسي على النفس كمثل ترقب عودة الرب. إننا مدعوون لأن نخدم بإخلاص الآن. عندما يرجع يسوع سيُسر بأن يخدم أولئك الذين احتملوا وعانوا لأجل اسمه خلال مجلسه الحالي إلى يمين الله الآب (رؤ ٦: ٢١). قد أُدعى في أي وقت لأن أقابل ربي؛ يمكن أن يأتي في أي لحظة ليأخذني من هذا العالم- وكم أتوق لرؤيته! إن كنا نترقب وننتظر فإن سيجلسنا معاً وسوف يخدمنا. أليس هذا رائعاً؟ إن كنا نخدمها على الأرض، فإنه يقول أنه سيخدمنا هناك في الأعلى. ستكون مسرّة له أن يخدمنا في المكان الذي أعدّه لنا.
كانت نوبة الحراسة (الهزيع) عند الرومان تمتد ثلاث ساعات. كان يُقسم الليل إلى أربع فترات مناوبة. إن جاء الرب في الهزيع الثاني سيكون لا يزال هناك ظلام؛ وإن جاء في الهزيع الثالث فهذا سيكون قبل انبلاج الفجر. في أي وقت يأتي سيجد خدامه منتظرين إياه. وعن هؤلاء يقول: "طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ".
إن عرف رب البيت أن لصاً كان سيأتي في وقت معين ليسرق أغراضه، فإنه سينتظره. سوف لن يؤخذ على حين غرة بل سيراقب ويحمي بيته. يريد ربنا أن نكون دائماً متيقظين مترقبين لأننا لا نعرف الساعة التي سيأتي فيها.
بالنسبة إلى أولئك الغير منتبهين والغير متيقظين إن عودة الرب ستكون غير متوقعة بل وحتى لن يرحبوا بها، كما الحال مع ذلك اللص في الليل (رؤ ٣: ٣)؛ ولكن سيكون الأمر مختلفاً تماماً بالنسبة لأولئك الذين عرفوا الكلمة وينتظرون ابن الله في السماء (١ تس ٥: ٤). "فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ". إنه أمر في غاية الأهمية أن نبقي هذا نصب أعيينا وألا نحاول أن نحدد مواعيد أو ندعي أننا نعرف الوقت تماماً الذي سيحدث فيه المجيء الثاني. كان يسوع قد قال: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أع ١: ٧).
قَالَ لَهُ سمعان بُطْرُسُ: "«يَا رَبُّ أَلَنَا تَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضاً؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا! »". سأل بطرس عما إذا كان هذا المثال الذي تكلم به يسوع ينطبق عليهم وحدهم أم هو لجميع تلاميذ المسيح. الجواب يظهر أن ذلك المثل كان موجهاً إلى كل المؤمنين المعترفين حتى نهاية الدهر التدبيري.
ثم وعد الرب بأنه عندما يرجع فإنه سيكافئ كل خادم أمين. الخادم الحقيقي للمسيح يعرف أن كل حق اقتبله هو خدمة عُهد إليه بها ليديرها ويقدمها لأجل خير الآخرين، والتي سيقدم حساباً عليها يوماً ما (١ كور ٤: ١، ٢). في ذلك اليوم ستتم مكافأة الأمانة والإخلاص بوفرة. في الآيات ٣٣ و٤٤ يبارك الرب الخادم الذي سيجده يصنع هكذا لدى عودته. هناك دائماً إغواء التكاسل واللا مبالاة عندما لا يكون السيد حاضراً، ولكن كل مستخدم يفكر بذلك النوع من الخدمة والذي يُنجز في غيابه كما لو كان حاضراً شخصياً ويشرف عليه. هكذا خادم سيُزكى إلى مكانة أكبر بسبب أمانته في المنصب الأقل. الخادم الذي ينسى أن سيده قد يعود على الأرجح أنه سيتصرف بطريقة غير متوقعة وباستبداد وبعدم أمانة لأنه يظن أن أخطاءه سوف لن تُكتشف. سيصحو ذلك الخادم فجأة ويُذعر. "يَأْتِي السَيِّدُ.... فِي يَوْمٍ.... لاَ يَعْرِفُه". لاحظوا إن هذا السيد في هذا المثل ليس هو تماماً الرب يسوع نفسه. المسيح يتكلم بمثل. إن سيّد الخادم الشرير والمتكاسل هو الذي سيُنزل به، لدى عودته، العقوبة التي يستحقها ذاك الذي أساء استخدام منصبه ووظيفته وخان الثقة المعطاة له. ولكن الدرس واضح جداً لا يحتاج إلى تأكيد أو شرح.
ثم يتكلم الرب عن الدينونة التي ستنزل في ذلك اليوم. سوف لن يكون الله ظالماً في تعامله مع أي أحد. "وَأَمَّا ذَلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ فَيُضْرَبُ كَثِيراً". ذاك الذي تصرف على ذلك النحو الشائن سوف "يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ". السيد الساخط سيصب عقاباً تناسب التعدي المرتكب. "لَكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ". عندما يكون المرء جاهلاً بما يتوقع منه سيده فإنه سيتم التعامل معه بتساهل ولين أكثر، رغم أن الجهل لا يبرر الكسل. ولكنه مبدأ في الكتابات المقدسة أن المسؤولية والامتياز يسيران جنباً إلى جنب. يدرك الناس ذلك في تعاملهم مع بعضهم البعض. وكذلك يفعل الله نفسه، الذي سيعامل كل حالة بما تستحقه.
عندما يعهد الله بأي وزنة/موهبة، أو مهارة، أو معرفة للحق لخدامه، فإن ذلك يعني أن عليهم أن يستخدموها كلها لأجل مجده. خلال جلوس ربنا حالياً إلى يمين الآب، تلاميذه مدعوون لأن يمثّلوه ولأن يتصرفوا باسمه أو يعملوا لأجله بينما هم هنا على الأرض. هذا يعني اعتبارنا للخدمة كعهدة مقدسة أو خدمة وُكِل إلينا من قِبل المسيح يسوع، لنقوم بها لأجل مجده ولأجل بركة عالم محتاج، ولكي ننال مكافأة لدى عودته شخصياً. إن أخفقنا في التصرف وفق إرادة الله المعلنة سيعرضنا إلى التهلكة عندما نُستدعى لنقدم حساباً عن خدمتنا أمام كرسي دينونة المسيح، حيث ستُمحص كل أعمالنا بنار قداسة الله (١ كور ٣: ١٣- ١٥).
لدى دراسة أمثال ربنا نحتاج إلى أن نضع في أذهاننا حقيقة أن كل مثل منها كان يُعطى لتأكيد خيط ما هام من الحقيقة. غالباً ما نخطئ في محاولة تكييف كل جزء من المثل إلى عقيدة لاهوتية أو أخروية. في مثل السيّد وخدّامه يجب ألا نخلط بين السيّد الأرضي وربنا الإلهي. الشخص الذي نجده في هذا المثل بعيد جداً عن طبيعة وسلوك السيد المسيح.
هناك مظهران في المجيء الثاني للمسيح، رغم أنه لم يكن في هدف الرب في هذا الحديث المعين أن يميز بين الاختطاف والظهور، هاتان المرحلتان من مجيئه ثانية واللذان تظّهرا بشكل واضح في الرسائل. إن حقيقة أن من كان ذاهباً سيعود ثانية يتم التركيز عليه هنا، ومسؤولية شعبه تُرى على ضوء هذه الحقيقة العظيمة. إنها إرادة الله أن نعيش كل حياتنا من منظار العودة القريبة لابنه من السماوات. فهل نحن، مثل أهل تسالونيكي، نخدم وننتظر ذلك الحدث المجيد كمنارة هادية لنفوسنا؟ (١ تس ١: ٩، ١٠). تؤكد الكتابات المقدسة على قرب المجيء الثاني للمسيح. إن كنا نعتبر أن ألف سنة ستفصلنا عن ذلك التحقيق المبارك لوعد الرب هذا، فكم بالحري يمكننا أن ننتظر ونترقب عودته؟ إنه لأمر يُرثى له أن نتكلّم عن "تملّك المجيء الثاني" إن كان المجيء الثاني لا يتملّكنا ويُقَولِبنا أيضاً.