الخطاب ٧٣
إخفاق بطرس وتوبته
" ٥٤ فَأَخَذُوهُ وَسَاقُوهُ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٥٥وَلَمَّا أَضْرَمُوا نَاراً فِي وَسَطِ الدَّارِ وَجَلَسُوا مَعاً جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ. ٥٦فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ جَالِساً عِنْدَ النَّارِ فَتَفَرَّسَتْ فيهِ وَقَالَتْ: «وَهَذَا كَانَ مَعَهُ». ٥٧فَأَنْكَرَهُ قَائِلاً: «لَسْتُ أَعْرِفُهُ يَا امْرَأَةُ!» ٥٨وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ آخَرُ وَقَالَ: «وَأَنْتَ مِنْهُمْ!» فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ لَسْتُ أَنَا!» ٥٩وَلَمَّا مَضَى نَحْوُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكَّدَ آخَرُ قَائِلاً: «بِالْحَقِّ إِنَّ هَذَا أَيْضاً كَانَ مَعَهُ لأَنَّهُ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً». ٦٠فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ». وَفِي الْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ صَاحَ الدِّيكُ. ٦١فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». ٦٢فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً " (لوقا ٢٢: ٥٤- ٦٢).
في سرد هذه القصص الحياتية عن يسوع نجد أمراً يميز الكتابات المقدسة، ليس فقط الدليل على المحبة والتكرس، بل أيضاً شيء من الأخطاء والخطايا التي ارتكبها أصدقاء الله في العهد القديم وتلاميذ ربنا في العهد الجديد. السبب، فيما أعتقد، هو أن الله يريدنا أن نتعلم كيف نتحاشى إخفاقاتهم، ونحاكي فضائلهم، ونتبع مثالهم في إتباع المسيح. قد نعتقد أنه كان من الأفضل بأن تخبرنا الأناجيل فقط بالأمور الجيدة وأن تغطي على أخطاء هؤلاء الفاضحة، ولكن عندها سنأتي على الأرجح إلى الاستنتاج بأن خدام الله هؤلاء وربنا يسوع في القرون الماضية كانوا مختلفين تماماً عنا؛ وأنهم كانوا أناساً يفوقوننا، ولم يخفقوا كما نحن نفعل. وهكذا نحصل على القصة الكاملة. نفوس كثيرة احترست وساعدتها رواية إخفاق بطرس وتوبته، والحمد لله. حياة بطرس كلها كما نعلمها من كتابنا المقدس هي قصة شيّقة جداً ومفيدة في التعليم: صياد السمك الصلب هذا والذي، من بداية لقائه بالرب يسوع، كرّس قلبه له. لقاؤه الأول بيسوع كان في تلك المناسبة عندما خرج أخوه أندراوس، وكما نقرأ في يوحنا ١: ٤١، يطلبه وأتى به إلى الرب بعد أن كان أندراوس ويحنا، كاتب الإنجيل الرابع، قد أمضيا فترة بعد الظهر مع المخلّص. منذ ذلك الزمان وصاعداً ربح المسيح قلب بطرس، ولكنه لم يترك كل شيء فوراً من أجل المسيح؛ لم يُدعَ ليفعل ذلك. فيما بعد كان الرب يكرز على شاطئ بحر الجليل، واحتشد الناس حوله. نظر يسوع حوله، وهناك كان قارب صيد بطرس قرب الشاطئ؛ فطلب الرب الإذن بأن يدخل إليه، واستقبله بطرس بسرور. أخبره يسوع أن يبتعد قليلاً عن اليابسة؛ وباستخدام قارب بطرس كمنبر علّم يسوع الشعب. كان هذا أمراً يسهل القيام به. كل من هو هنا سيتذكر كيف أن الأرض عند الشاطئ ترتفع تدريجياً إلى الأعلى، مشكّلة ما يشبه المدرّج. كان الجمع واقفاً أو جالساً على الأرض وينظر إلى الرب وهو يكرز بالكلمة. وعلى الأرجح أن الرسالة لم تصل حقاً إلى قلب هذا الرجل المسمى سمعان؛ ولكن فيما بعد عندما تفرق الجمع، التفت يسوع إلى بطرس وقال: "ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ" (لو ٥: ٤). اندهش بطرس من هذا، لأن الشمس كانت مشرقة؛ فقد كان من المستبعد جداً في ذلك الوقت أن ينجحوا في الصيد، وقال: "يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا". والآن صار الوقت نهاراً وهو ليس وقت صيد، ولكن بطرس قال: "عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ"؛ وفي الحال اصطادوا مقداراً كبيراً جداً من السمك. وتعرفون بقية القصة. الأمر اللافت هو هذا: عندما رأى بطرس السمك الذي كانوا قد اصطادوه في ذلك الوقت من النهار عرف أنه كان في حضرة خالق السمك، وركع عند قدمي يسوع وقال: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!". ومع ذلك فقد ألقى بنفسه عند قدميه، وكأنه يريد أن يقول له: "بينما أعرف أني لستُ أهلاً لرفقتكَ، يا رب، فإنك لن تتخلى عني إن استطعتُ تحاشي ذلك". الرب لا يتخلى أبداً أو يشيح بوجهه عن اعتراف أي خاطئ. فقال الرب لبطرس كلمات تشجيع، مؤكداً له ثقته به، وقال له: "لاَتَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!". لقد دعا يسوع بطرس لأن يكون ملازماً له طوال الوقت؛ ولذلك ترك مهنة صيد السمك ليصير صياداً للناس. فيما بعد أبدى بطرس اعتراف الإيمان الكبير هذا: "سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟»". في إجابته عن كل التلاميذ، قال بطرس في حماسة مقدسة: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى ١٦: ١٣- ١٧). إن الفضل يرجع دائماً إلى الإعلان الإلهي عندما يأتي المرء إلى معرفة الرب يسوع المسيح في السرّ الحقيقي لشخصه. ثم قال الرب: "أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا". لا أعتقد أن بطرس قد ارتفع أبداً إلى مستوى أعلى خلال خبرته الروحية بينما كان الرب هنا من ذلك الوقت. ولكن هل لاحظتم فتور الحماسة والإيمان الذي بدأ بعد ذلك مباشرة تقريباً؟ يجب أن ننتبه إلى هذا التحذير الهام: "مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ" (١ كور ١٠: ١٢). كان الرب قد تكلّم للتو عن الإعلان الرائع التي أُعطي لبطرس ثم تابع يخبرهم عن موته الوشيك على الصليب، لتتبعه قيامته؛ وأما بطرس، فمستثاراً بلا شك بوفرة هذا الإعلان، التفت إلى الرب وتجرأ على أن يقول له: "حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!" (متى ١٦: ٢٢). لقد كان يصحّح، أو يحاول أن يصحّح كلام يسوع بقوله أنه كان سيُسلم إلى الأمم ويُصلب. أعلن بطرس أنه ما من شيء مثل ذلك يمكن أن يحدث. الْتَفَتَ الرب إلى بطرس في الحال وَقَالَ له: اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ". يا له من توبيخ يوجه إلى رئيس الرسل، والذي جاء فوراً بعد إعلانه ذلك الاعتراف العظيم! من الواضح أنه كان قد صار مثاراً بالكبرياء الروحي، وقاده الشيطان إلى أن يقول ذاك، الذي لو حدث فعلاً، سيعني أننا سنُترك بدون مخلّص وأن خطايانا ما كانت ليُكفّر عنها. فبالذهاب إلى الصليب أمكن مغفرة الخطيئة.
لا نقرأ كثيراً عن الخبرات التي مرّ فيها بطرس بعد ذلك، ولكننا نعلم أنه لم يصل إلى ذلك المستوى الروحي الرفيع مرة أخرى. على جبل التجلي، عندما كان يسوع يتكلم مع موسى وإيليا عن موته الذي كان سيتم في أورشليم، شعر بطرس بأن عليه أن يقول شيئاً- رغم أنه ما كان يعرف ما يقول- ولذلك أعلن فجأة: "يَا رَبُّ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ. لَكَ وَاحِدَةٌ وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ وَلِإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ. وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُو" (مت ١٧: ٤، ٥). لكأنه كان يقول له: "يا بطرس، لا تضع أي أحد على مستوى ابني؛ فيجب أن تكون له الأسبقية والأولوية في كل الأشياء".
يمرّ الكتاب المقدس على بقية قصة بطرس إلى أن يصل إلى الليلة التي تمّ فيها تسليم ربنا. وعندها نراه مع بقية التلاميذ في العلّية. قال الرب: "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ" (مت ٢٦: ٣١). بدافع من الثقة بالنفس، ومع ذلك المحبة للرب، وإذ يعني كل كلمة يقولها دون أن يدرك ضعفه الذاتي، قال بطرس: "وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!" (مت ١٤: ٢٩). "إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ" (لو ٢٢: ٣٣). كان مصيره أن يذهب إلى السجن وإلى الموت بعد عدة سنوات لأجل المسيح، ولكنه لم يكن مستعداً في ذلك الوقت. قال له الرب: "أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي". وهو الذي عرف بطرس جيداً، فقال له: "لَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ".
خرجوا إلى بستان الآلام؛ وهناك أخفق بطرس مع الآخرين: لأن الرب أخذ بطرس ويعقوب ويوحنا إلى داخل البستان معه. قبل أن يذهب أبعد قليلاً ليتكلم مع أبيه، قال الرب للثلاثة: "اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ" (مت ٢٦: ٤١). فابتعد قليلاً وصلّى: "يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ" (مت ٢٦: ٣٩). وعندما وقف على قدميه وجد التلاميذ الثلاثة نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ؛ لقد كان هذا ضعف الجسد. كان بطرس نائماً عندما كان ينبغي عليه أن يكون متيقظاً، مترقباً ومصلّياً. أيقظهم الرب من نومهم العميق، ومن جديد أخبرهم بأن يحترسوا ويترقبوا ويصلّوا؛ ومضى بعيداً للمرة الثانية، يصلّي بنفس الكلمات قائلاً: "لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". وعندما عاد في المرة الثالثة ووجد أن بطرس كان لا يزال نائماً، قال: "نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا. هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ" (مت ٢٦: ٤٥). فَلِلْوَقْتِ جاء يهوذا والبقية، فقال يهوذا: "السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي! وَقَبَّلَهُ". جاؤوا وأخذوا يسوع، واستشاط بطرس غضباً. الآن صار محترساً، واستدار وسحب سيفه وقطع أذن أحد عبيد رئيس الكهنة. قال الرب: "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ". وأبرأ الرجل. كان ذلك نشاط الجسد من جانب بطرس. فهو، الذي كان نائماً قبل قليل في حين كان يجب أن يكون متيقظاً ومتأهباً، هبّ الآن وصار نشيطاً فعالاً بينما كان عليه أن يكون مذعناً وهادئاً. أخذوا يسوع، ونعلم أن بطرس "تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ". كان هذا دليل آخر على حالة الفتور عند بطرس: بدلاً من أن يبقى قريباً من يسوع ويسمح للجميع بأن يروا أنه من أتباعه، راح يتبعه من بعيد؛ ما كانت محبته لتسمح له بأن يتركه نهائياً؛ وأخيراً وصل إلى بيت رئيس الكهنة. وهناك في الباحة كانت نارٌ متقدة، لأن الجو كان ليلاً بارداً؛ فدخل بطرس وجلس مع آخرين حول النار. من جديد نراه منجرفاً برفقة الفُجّار بينما الرب كان قيد المحاكمة ويعاني المحنة. "رَأَتْهُ جَارِيَةٌ جَالِساً عِنْدَ النَّارِ فَتَفَرَّسَتْ فيهِ وَقَالَتْ: «وَهَذَا كَانَ مَعَهُ». فَأَنْكَرَهُ قَائِلاً: «لَسْتُ أَعْرِفُهُ يَا امْرَأَةُ!» وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ آخَرُ وَقَالَ: «وَأَنْتَ مِنْهُمْ!» فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ لَسْتُ أَنَا!»". كلما فتح فمه أكثر كلما وقع في مشكلة أكبر. كان للجليليين لهجتهم الخاصة بهم، ولذلك كان يمكن لليهوذاويين أن يعرفوا بطرس في الحال على أنه أحد أبناء المقاطعة الشمالية. لقد فضحه كلامه. إذ كانت مخاوفه تغلبه، بشكل واضح، ابْتَدَأَ بطرس يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ قائلاً: "إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!". "وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ". تذكر بطرس كلمات المخلّص عندما نظر يسوع إليه. لقد كان بطرس قد انزلق إلى الحضيض أكثر فأكثر، لدرجة أنه أنكر كل معرفة بالمسيح. ولكن الآن، كم بكى إذ رأى يسوع يحدّق إليه بحزن وبلوم! كانت تلك بداية عمل الاستعادة. كانت التوبة قد بدأت. إذا تتبعنا التسلسل في القصة نجد أن الرب كان له لقاء خاص شخصي ببطرس بعد القيامة. ونعلم أن النسوة اللواتي وصلن إلى القبر باكراً في صباح القيامة أُمرنَّ أن: "اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ" (مر ١٦: ٧). إني على يقين بأن بطرس قد عاني كثيراً خلال تلك الأيام الثلاثة؛ لقد شعر أنه فقد كل اتّصال مع يسوع؛ ولكن الرب القائم عبّر له بأنه لا يزال تلميذاً له. عندما عاد تلميذا عمواس إلى الإحدى عشر، قيل لهما: "إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!" (لو ٢٤: ٣٤). لا شك أن بطرس كان قد استُعيد تماماً في ذلك الوقت من لقائه الشخصي بالرب. استعادته العلنية جرت على شاطئ الجليل بعد برهة قصيرة، في ذلك الصباح عندما أعدّ المخلّص إفطار بطرس وقام بخدمته وزملائه التلاميذ بعد أن عملوا جاهدين طوال الليل، ومن جديد ما كانوا قد اصطادوا شيئاً. سأل الرب بطرس ثلاث مرات: "أَتُحِبُّنِي؟” لقد حزن بطرس لأن يسوع سأله هذا السؤال ثلاث مرات، ولكنه كان قد أنكر ربه ثلاث مرات. وأما وقد استعاده، قال الرب لبطرس: "ارْعَ غَنَمِي.... ارْعَ خِرافي".
يا لنعمة ربنا المبارك غير المحدودة واللا متناهية! لقد خيّبنا أمله، ولكنه لا يخيّب أملنا أبداً. أستطيع أن أتذكر كل أولئك الذين آمنوا بالمسيح واتكلوا عليه ليحملوا الشهادة. ألا فليمنحنا الله أن نواجه الصعوبات في الأيام الآتية ونتكل بشكل كامل عليه؛ وأصلّي إلى الله أن نعترف بإيمان بالمسيح، ربّنا القائم من الأموات والمبارك. دعونا ننتبه ألّا نتكّل على قوتنا الذاتية، بل بالأحرى أن نتكّل كليّاً عليه، لكي نكون صادقين بالثقة الموكولة إلينا!