الخطاب ٣٢
اعتراف بطرس والتلمذة الحقّة
"١٨وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى انْفِرَادٍ كَانَ التَّلاَمِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قَائِلاً: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا؟» ١٩فَأَجَابُوا وَقَالُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». ٢٠فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَال: «مَسِيحُ اللهِ». ٢١فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذَلِكَ لأَحَدٍ ٢٢قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». ٢٣وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعْنِي. ٢٤فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهَذَا يُخَلِّصُهَا. ٢٥لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ ٢٦لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فَبِهَذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ" (لوقا ٩: ١٨- ٢٦).
لدينا قسمان في هذا الجزء من الإنجيل الذي سنتأمل به. الأول هو اعتراف بطرس، ومن ثم تكلفة التلمذة. من جديد نتذكر الناسوت الحقيقي لربنا يسوع الذي يركز عليه إنجيل لوقا. نلاحظ أن كل إنجيل يصور المسيح من جانب مختلف: متى يصوره كملك؛ ومرقس يصوره كخادم؛ ويوحنا كابن الله وقد صار جسداً؛ ولوقا يصوره كإنسان بكل كماله. وهكذا في هذا الإنجيل، مراراً وتكراراً، نجد ربنا في حالة صلاة. يسأل الناس لمن كان يصلّي يسوع طالما أنه كان هو يسوع. لقد كان إلهاً وإنساناً بآن معاً، وكإنسان أخذ مكانة التبعية لله والاتّكال عليه، وكابن لله كان يتمتع بالشركة المستمرة الدائمة مع أبيه. كما هو مدون في هذا الإنجيل، لم يقم يسوع بأي تحرك مهم بدون أن يذهب أولاً إلى الله في الصلاة. لقد أمضى ليالٍ كاملة طويلات في الصلاة. وفي هذه المناسبة كان وحده يصلّي، وكان تلاميذه على مقربة منه. كان قد قادهم إلى التخوم الشمالية البعيدة، إلى أرض تطلّ على العالم الأممي الكبير، وهو يدرك حقيقة أن شعبه خاصته، بني إسرائيل، الذين كان قد جاء ليحرره، قد رفضوا أن يعترفوا به. "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ". وإذ كان أمام ناظريه بركة العالم الأممي، سأل التلاميذ: "«مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابُوا وَقَالوا:«يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ»". قال هيرودس وآخرون أنه كان يوحنا المعمدان الذي قام من بين الأموات. لم يعرفوا بالحادثة عندما جاء يسوع وتعمد على يد يوحنا المعمدان. قال آخرون أنه كان إيليا، كما تنبأ بذلك ملاخي ٤. كانوا يتوقعون بترقب مجيء إيليا، ولم يدركوا أن يوحنا المعمدان قد جاء بروحه وقوته. ولذلك فإن البعض منهم فكروا بأن يسوع ربما كان هو إيليا. آخَرُون اعتقدوا أنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قد قَامَ. فقال لهم يسوع: "«وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللهِ!»". بعد أن سار معهم كل هذه الأشهر، وبعد أن عاينوا خدمته وأعماله المقتدرة، وبعد أن استمعوا إلى الكلمات الثمينة التي كانت تخرج من شفتيه، كان بطرس على يقين بأنه كان مسيح الله. لقد تحدث بالنيابة عنهم جميعاً "المسيح" هو مرادف لـ "المسيا"، ويعني "الممسوح"- ذاك الموعود به من قِبل أنبياء العهد القديم. في إنجيل متى نقرأ: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ". لقد كان اعترافاً رائعاً، لأنه، وكما يتبين من هذا الإنجيل، لم يقل يسوع أبداً أن هذه كانت الحقيقة، بل إنهم استنتجوا ذلك مما رأوه وسمعوه. "فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذلِكَ لأَحَدٍ". لعلكم كنتم تتوقعون أنه كان قد أخبرهم ولا بد بأن ينشروا الكلمة في كل أرجاء العالم، وأن يخبروا الناس في كل مكان عمن هو! ولكن الوقت متأخر على ذلك. خدمته رُفضت. قلوب غالبية الناس كانت منصرفة إلى شؤونها الخاصة. ما كانوا مستعدين لاقتبال شهادته. سيقبله بنو إسرائيل كمسيح الله عندما يعود للمرة الثانية. في هذه الأثناء لا بد أن يحصدوا النتائج المحزنة لعدم إيمانهم. كان هذا هو السبب في أنه طلب من تلاميذه ألا يقولوا شيئاً عن هذا الأمر في ذلك الحين، لأنه كان سيمضي إلى أورشليم ليمون هناك. كان يجب أن يكون ما هو لكي يصنع ما صنع. كثيرون يخبروننا بأنه كان أعظم وأروع نبي ومعلّم قد عرفه العالم؛ يقولون أنه عرف عن الله وأظهر ألوهية في ناسوته أكثر من أي شخص آخر، ولكن مع ذلك لم يصلوا إلى إدراك ما قاله بطرس في اعترافه أن: "أنت هو مَسِيحُ اللهِ". ما من شيء أقل من ذلك كان ليرضي الله الآب أبداً. لقد أمر الملائكة بأن تسبّحه. قال: "لْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ". في السماء، كل لسان يعترف به على أنه مسيح الله. يسوع هو الله الابن، الذي جاء بالنعمة إلى هذا العالم واتخذ بشريتنا لكي يمضي إلى الصليب ويبذل حياته فداءً عنّا. إنه رب العهد القديم. "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ". كل بركة لهذا الزمن وللأبدية مرتبطة بذلك الاعتراف بألوهية ربنا يسوع المسيح.
في رواية لوقا بهذا الاعتراف، ما من شي يرد فيه من ذاك الذي دونه متى بخصوص البركة الخاصة التي منحها الرب لبطرس. إنه يغفل تلك ويبدأ في الحال باختبار التلمذة. يخبرهم يسوع: "إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". لقد كان إنساناً حقاً وأيضاً إلهاً حق؛ إله وإنسان في أقنوم واحد مبارك معبود. ما من شيء كان ليفاجئه؛ لقد كان يعرف كل شيء من قبل ويعرف كل ما سيجري له. عندما نزل من المجد إلى المذود في بيت لحم كان يعرف بما سيحدث. لقد جاء ليموت. قال: "ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ"، لكي يكون ذبيحة قربانية عن الخطأة. وبنتيجة هذه الذبيحة القربانية غُفرت خطايانا وللأبد. لقد كان يعرف أنه سيموت وأنه سيقوم في اليوم الثالث. والآن وإذ يرى كل ذلك أمام ناظريه- إعلان شخصه وإعلان العمل الذي كان سيقوم به- يتحدث إلى تلاميذه، كما يفعل إلينا. قال لهم: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي". دعونا ننتبه ونفهم بوضوح ما قاله. إنه لا يخبرنا عن كيفية حصولنا على الغفران من خطايانا؛ فنعلم ذلك من مكان آخر. إنه لا يخبرنا هنا عن طريقة حصولنا على الحياة الأبدية؛ إنه يوضح أمراً آخر: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". ما الذي يتحدث عنه هنا؟ إنه المكانة التي يجب أن يتخذها تلاميذه في هذا العالم، المكانة المتمثلة بالتطابق معه في رفضه- عليهم أن يتبعوه. ولكن لاحظوا: ما من أحد كان ليخلص من خلال إتباع يسوع. إن كنت أنت وأنا نخلص بإتباع يسوع، فعندها يكون الخلاص نتيجة محاولات وجهود بشرية. لا يمكننا أن نخلص بتقليد ربنا المبارك. لا يخبرنا الإنجيل بأننا نخلص بحمل صليبنا. ولكن بعد أن نعرف أن خطايانا غُفرت وأن لنا حياة أبدية، فإننا نُدعى لإتباعه. إن اعترفتم بأنكم تؤمنون به ووضعتم ثقتكم به كمخلّص، فإنكم مدعوون لإتباع إثر خطواته. ليس لكم أن تختاروا طريقكم الخاص. لقد حدد معالم الطريق الذي عليكم أن تذهبوا فيه. وعن ذلك يقول: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي". ما معنى أن ينكر الإنسان نفسه؟ ما الذي كان ذلك يعنيه لبطرس حتى أنكر ربنا؟ لقد جاؤوا إلى بطرس، وقالوا له: "أنت أحد تلاميذه". فقال بطرس: "لستُ كذلك". قالوا له من جديد: "في الحقيقة هذا الشخص أيضاً كان معه: لأنه جليلي". وقال بطرس: "إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ". وواجه بطرس التحدي للمرة الثالثة، وابتدأ يلعن ويحلف وأنكر أنه كان أحد تلاميذ يسوع. لقد رفض بأن يعترف بالمسيح بأي شكل من الأشكال. ما الذي يعنيه يسوع بقوله: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي". عليكم أن ترفضوا أن تعرفوا أنفسكم لكي يكون له طريق معكم في هذه الأرض. ما عاد ينبغي أن أسعى وراء اهتماماتي الذاتية، بل عليّ أن أسعى وراء ما أمجِّده. إن لي أن أقول: "لا أعرف هذا الرجل، ولكني أعرف ذلك الإنسان، وله سأسلّم كل شيء في حياتي وبكل سرور".
لو كنتم تعيشون عندما كُتب هذا الإنجيل ورأيتم إنساناً يحمل صليباً وهو يسير في الطريق، كنتم ستعرفون أن ذلك الرجل كان ماضياً إلى الموت. كان هذا هو المعنى. عندما حمل يسوع الصليب، فإنه كان ماضياً إلى الموت. ولذلك فإن حمل صليبي وإتباع يسوع يعني أن أخذ مكان الموت لنفسي، وأن أكون مستعداً لأن أموت من أجل المسيح. قال الرسول بولس: "أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ". التلميذ المثابر يقول: "أنا مستعد للموت عن كل رجاء دنيوي واهتمام أناني. ما عدتُ خاضعاً لرغباتي الشهوانية، بل إني أحيا لله". إن اختبرنا أنفسنا بكلمات كهذه، فكم سنكتشف مدى ضآلة معرفتنا بالتلمذة الحقيقية! "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي". فليرفض أن يعرف نفسه ويأخذ مكان الموت. "لأنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا". ما الذي يقصده بذلك؟ على مدى القرون ظهر أناس قالوا أن إتباع المسيح يكلّف كثيراً وكذلك أن يسلّم المرء نفسه له بولاء. إن ذلك يعني خسران الأحباء، وخسران الأصدقاء، والشهرة، والمنفعة، وأحياناً يعني ذلك ترك من نحب ومن نصادق والذهاب إلى بلد آخر لكي نكرز بالإنجيل. اسمعوا، يا أصدقائي الأعزاء، إذا كان الرب يدعوكم إلى طريق معين محدد ما، لا يمكنكم ألا تصغوا إليه وتتبعوه. "لأنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا".
لطالما كنتُ شاكراً الله لأجل حادثة صغيرة بدت عادية بسيطة في ذلك الزمان. لقد حدثت بعد أن اهتديت، عندما كنت مجرد فتى، في لقاء ليلة السبت عند زاوية الشارع الذي كنت أحضره. فهناك جاء بعض من زملائي في المدرسة، وصعقوا لرؤيتي في ذلك اللقاء، وأصغوا بانذهال عندما شهدت للمسيح. في يوم الاثنين عندما جئت إلى المدرسة، سلّموا علي بسخرية، وهم يقولون: "هلّلويا". فقلتُ: "التسبيح للرب". ثم قالوا: "التسبيح للرب". فقلت: "آمين". البعض الذين كانوا لطفاء معي: "يا هاري، ما الذي تقصده بتحولك إلى الدين؟ أنت تهدر حياتك عبثاً". لماذا؟ هذا هو ما أردت أن أفعله! واتضحت الأمور لي وإني أشكر الله أنه بدأ معي بنعمته على ذلك النحو. ما كنت لأستبدل هذه السنوات الثلاث وخمسين من الخدمة للرب يسوع المسيح بأي مهنة في العالم كان يمكن أن تُقدَّم لي. يبدو أحياناً أنك تخسر فرصاً كثيرة عظيمة للتقدم إن كنت تنكر نفسك وتتبع يسوع، ولكنه قال: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا". فكّروا في ذلك الجيش النبيل من الشهداء الذين سقطوا عبر العصور. فكّروا بأولئك الذين تخلّوا عن حياتهم طواعية وبحريتهم بدلاً من أن ينكروا الرب يسوع. كم هم شاكرون اليوم لأنهم يعتبرون كل الأشياء مجرد خسارة لا قيمة لها، وحتى الحياة نفسها، ليمجّدوا الرب يسوع المسيح. لا تترددوا، أيها المسيحيون الشبّان، لتأخذوا قراركم، وتكرّسوا أنفسكم لذاك الذي بذل حياته لأجلكم. قولوا من القلب:
"يا يسوع، لقد أخذتُ صليب،
تركتُ كل شيء وها إني أتبعك؛
معدماً، محتقراً، متروكاً،
ومن الآن، أنتَ لي كل شيء!
أزلْ من نفسي كل طموح باطل،
كل ما حاولته، ورجوته، وعرفته؛
ومع ذلك فإني أشعر بالغنى،
فلي الله والسماء لا يزالان".
في الآيات التي تلت ذلك، يقدم يسوع رسالة ليس فقط لتلاميذه، بل للعالم أجمع. "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟
" ماذا ينفع الإنسان إذا ما ربح كل ما يقدمه العالم، وإذا ما جمع ثروة طائلة، وإذا ما نال احتراماً ووقاراً واعترافاً من بلاده ومن كل البلدان، ماذا ينفعه إذا ذهب في نهاية الأمر إلى الهلاك الأبدي؟ ماذا ينفعه ذلك؟ ماذا ينفعه أن يكسب كل العالم إذا ما خسر نفسه، أو نال عقاباً أبدياً؟ يا لها من دروس نتعلّمها في أن نضع الأمور الأهم أولاً، وأن نكون مستقيمين أمام الله قبل أن نهتم بأي شيء آخر. آمنوا بالله أولاً وضعوا ثقتكم بالمخلّص واعترفوا به ربّاً على حياتكم.
ووضع يسوع أيضاً هذا التحدي الإضافي أمام تلاميذه: "لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ". هل تلاحظون أولاً الطريقة التي يتكلم بها ربنا المبارك عن مجيئه إلى هذا الأرض؟ سيكون العالم غريباً جداً بالفعل لو لم يكن يسوع هو كما قال بطرس عنه. لقد جاء مرة من قبل، ولكنه سيعود ثانية. لم يرَ العالم كل شيء عن يسوع. عندما سيعود "سيجيءُ بِمَجْدِهِ". أي مجدٍ هو هذا؟- مجد بنوته الأبدية- ومجده بأبيه وبالملائكة القديسين. لو كان أقل من الآب، لكان سيقول: "بمَجْدِ أبيه"، ثم "بمَجْدِ ذاته". ولكنه لم يخطئ، في معرض حديثه عن عودته، عندما وضع نفسه أولاً، ثم الآب. الله الآب، الله الابن، والله الروح القدس هم واحد. ألا تريدونه أن يعترف بكم آنذاك؟ ألا تريدون أن يعتبركم من بين أولئك الذين يُعتبرون أتباعه؟ فاسمعوا إذاً: "لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ". إن لم تعترفوا به مخلّصاً وربّاً بعد، فلماذا لا تفعلون ذلك الآن؟