الخطاب ٣

الإعلان

"٢٦ وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ،٢٧ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. ٢٨ فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ».٢٩ فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ:«مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!»٣٠ فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. ٣١ وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.٣٢ هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، ٣٣ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». ٣٤ فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ:«كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»٣٥ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. ٣٦ َهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا،٣٧ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ».٣٨ فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ" (لوقا ١: ٢٦- ٣٨).

أين يمكن أن تجدوا في كل الأدب أجمل من هكذا قصة؟ إنها قصة أروع ما فيها أنها حقيقية. كان العالم ينتظر ولآلاف السنين تحقيق نبوءة موغلة في القدم بأن "نسل المرأة سيسحق رأس الحيّة". التعبير المستخدم هناك بحد نفسه لافت للانتباه. كل طفل يُولد في العالم، ما عدا ربنا يسوع المسيح، هو نسل الرجل. هو وحده (المسيح) كان نسل المرأة. رغم أنه نسل إبراهيم، الذي به ستتبارك كل الأمم، وابن داود، الذي كان سيحكم في صهيون ويأتي بالبركة إلى شعب إسرائيل وكل الأمم، إلا أن أشعياء تنبأ أنه سيُولد من أم عذراء. وهكذا فقد كان نسل المرأة بمعنى بشري حصري مطلق. لم يكن له والد بشري.

لوقا، الدقيق دائماً والمهتم بأدق التآريخ، يخبرنا أنه في الشهر السادس أُرسِل الملاك جبرائيل من الله إلى مدينة في الجليل تُدعى الناصرة، ليعلن لعذراء من بيت داود، مخطوبة لرجل يُدعى يوسف، والذي كان أيضاً من نسل داود، بأنها هي التي قُدّر لها أن تكون أُمّاً للمسيا. وكان ذلك، بالطبع، الشهر السادس من إعلان الولادة الوشيكة ليوحنا المعمدان، الذي أُعطي لزكريا في الهيكل.

ربطاً مع هذا الإعلان، دعونا نلاحظ أربعة أمور، بشكل خاص: أولاً، الرسول الملائكي نفسه. هناك ملاكان مختاران فقط يُذكران بالاسم في الكتابات المقدس، جبرائيل وميخائيل. ميخائيل هو رئيس الملائكة. يتكلم الناس عن رؤساء ملائكة. الكتاب المقدس لا يستخدم الجمع أبداً في هذه الحالة، بل يخبرنا عن رئيس ملائكة واحد أوحد، ميخائيل، الرئيس العظيم، الذي يُساند بني إسرائيل؛ أي، يبدو أنه مرشدهم الحامي إلى درجة كبيرة. يبدو أن جبرائيل هو رسول العرش الإلهي. إنه هو الذي أعلن مشورات الله، فيما يتعلق بمجيء المسيا، لدانيال. لقد أخبر زكريا بأنه سيكون والد يوحنا المعمدان. ونراه هنا يظهر لمريم فيعلمها بالرسالة السارّة بأن الله قد اختارها لتكون أُمّاً للمخلّص. يمكنني القول بأنه في الأسفار التي تُعرف باسم الأبوكريفا- التي لا يشتمل عليها قانون الكتاب المقدس- لدينا أسماء معطاة إلى ملائكة أخرى، على سبيل المثال، رافائيل ويوريل، ولكن فقط ذينك الاثنان اللذان ذكرتُهما يُذكران بالاسم في الكتابات الموحى بها.

ثم، بالدرجة الثانية، انظروا من كانت تلك التي اختارها الله لتكون أمّاً لناسوت ابنه المبارك. لقد كانت عذراء نقية من بيت داود. ولذلك فالمولود منها سيكون في الحقيقة ابناً عظيماً لداود العظيم. من الواضح جداً أن مريم قد اختِيرت، ليس فقط لأنها عذراء، بل بفضل روحانيتها العميقة وخضوعها لمشيئة الله.

عندما اختار امرأة فتية للكرامة العظيمة بأن تصبح أماً للمخلّص، فإن الله لم يختر فتاة دنيوية طائشة تعيش في لا مبالاة وتستمتع بالحياة الناعمة في الوجود. لقد اختار الله صبية تقية لطيفة محببة، كانت لتبتهج لأن تصنع مشيئة الله وتسعى دائماً لتكون خاضعة لكلمته.

لاحظوا تالياً ما هو مكتوب بما يتعلق بذاك الذي سيرأس البيت الصغير في الناصرة. هذه العذراء كانت مخطوبة لرجل من الواضح أنه أكبر سناً منها بكثير، وكان اسمه يوسف، وقد جاء أيضاً من نسل داود. في الحقيقة، وبحسب إنجيل متى، من الواضح أن حقوق العرش كانت له، ومع ذلك فقد كان يعيش مغموراً، يكسب قوت حياته كنجّار. كل شيء كان في حالة فوضى لأن إسرائيل كان قد انحرف بعيداً عن الله. لقد كانوا خاضعين للسلطة الرومانية، وكان ابن داود يجول بينهم وهو يجهلونه ولا يعرفونه. لم يكن هو نفسه ليصبح الأب الفعلي ليسوع؛ بل كان الأب المعترف به شرعاً، لأنه تزوج العذراء قبل أن تُنجب ابنها الرائع، وهكذا يُؤمن لها الحماية باسمه.

في الدرجة الرابعة، نلاحظ الحديث بين جبرائيل والعذراء مريم. إذ ظهر فجأة أمامها، ومن الواضح أن ذلك كان في بيتها الخاص- الذي لا نعرف شيئاً من الكتاب المقدس عنه على الإطلاق، رغم أن التقليد قد اخترع قصصاً عظيمة كثيرة عن البيت ولكن لا برهان عليها وبالتالي لا يمكن الاتّكال عليها- فإن الملاك حيّاها بهذه الكلمات المدهشة: "سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ". لدينا، بالطبع، أفكارنا التقليدية الخاصة بنا حول الهيئة التي يظهر عليها الملاك. إن الكتاب المقدس لا يقدم لنا أي وصف محدد عن أي من هؤلاء الرسل السماويين. في الحقيقة، مظهرهم العام، بحسب العهد القديم، كان على هيئة بشر ذوي شخصية نبيلة وسامية. ورغم أنهم لا يمتلكون أجساداً مادية فعلياً، إلا أنه يمكنهم أن يتخذوا هيئة بشرية إذا شاءوا. يجب ألا نفترض أن جبرائيل ظهر لمريم كمخلوق مجيد ذي أجنحة. تلك الصورة هي من وحي خيال الفنانين. ولكن أياً كانت الهيئة التي اتخذها، إلا أن الإعلان الذي أعلنه كان مصدر دهشة لمريم. ونعلم أنه "لَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ". من الواضح أنها مكثت بكماء لوهلة بسبب اندهاشها، وانتظرت أن تسمع كلمة أخرى من زائرها السماوي. ثم نعلم أن الملاك قال لها: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ". إذاً مريم نالت "حظوة" أو "نعمة". دعونا لا ننسى أن مريم، الجميلة المحببة كما يُفترض أن تكون، كانت مع ذلك قد وُلدت من نسل خاطئ وكانت بحاجة إلى مخلّص. ولقد أقرت بذلك بنشيد التعظيم الذي رفعته فيما بعد، عندما قالت: "تَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي". لقد وجدت نعمة عند الله. بمعنى آخر، لقد خلصت بنعمته، وآزرتها نعمته، وحفظتها تلك النعمة لتكون الأم الملائمة لابن الله في ناسوته.

تابع الملاك جبرائيل كلامه بالقول: "هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ". لقد كان هذا إعلاناً مسيانياً كاملاً متوافقاً مع النبوءات الرائعة الكثيرة التي نُطق بها فيما يتعلق بالفادي الآتي قبل قرون.

من المهم أن نفهم أن الرب يسوع تشارك فعلياً في المادة من العذراء. افترض البعض أن هذا ما كان ليمكن أن يكون بدون مشاركته في طبيعة البشر الخاطئة. ولكن روح قدس الله اهتم بهذا الشأن، كما سنرى فيما بعد. الأمر الهام الذي يجب ملاحظته هنا هو أنه كان هناك حمل حقيقي فعلي، وهذا اشتمل على تخصيب كامل لا ريب فيه. يسوع، الذي يعني اسمه "يهوه المخلّص"، كان فعلياً من جوهر العذراء من حيث ناسوته، الذي اتّحد به لاهوته الحقيقي بطريقة تجعل منه شخصاً بطبيعتين- بشرية وإلهية. وكان ليُدعى "ابن العلي". الرب يسوع هو ابن بعدة معانٍ مختلفة. بالنَّسَبة إلى لاهوته، هو الله الابن، أحد أقانيم الثالوث القدوس، المساوي في الجوهر لله الآب والله الروح القدس، من الأزل. إذ وحّد لاهوته ببشريتنا في التجسّد، فقد صار كإنسان على الأرض ابن الله أو ابن العلي، دون أن يكون له والد بشري. ومن جديد، بالقيامة تم الترحيب به كابن لله، باكورة القائمين من الموت. هو الذي سيمنحه الرب الإله، الآب السرمدي، عرش داود أبيه؛ أي أن داود بهذا المعنى كان أبا ناسوت المسيح، والذي ما كان ليكون حقيقياً لو لم يكن يسوع مشاركاً فعلياً في الطبيعة البشرية للعذراء مريم، التي انحدرت من نسل داود. ولكونه هكذا فقد قُدِّر له أن يملك على بيت يعقوب إلى الأبد، وأن يؤسس ذلك الملكوت الأبدي الذي شهد له جميع الأنبياء.

يمكن للمرء أن يتخيل جيداً الحيرة والعجب في نفس العذراء المباركة عندما وُجِّه لها هذا الإعلان. فتسأل ببساطته الجميلة: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟" الدافع إلى هذا السؤال لم يكن نقصاً في الإيمان. فهي لا تشابه زكريا هنا الذي استعلم قائلاً: "كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا، لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟" فمن ناحية زكريا كان السؤال بدافع عدم الإيمان. أما من جهة مريم فقد كان الدافع هو رغبتها في التنوير. ولقد أوضح الملاك المسألة برمّتها بقوله: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ (ذلك المولود منك) يُدْعَى ابْنَ اللهِ". قال الملحدون أنه يستحيل قبول تعليم الكتاب المقدس حول الولادة العذرية لأنه يشتمل على معجزة بيولوجية. إن ما يشتمل عليه فعلاً هو قدرة الله الكلّية، والمؤمن الموقِّر يمكنه أن يقبل هذا بدون أي تردد.

بعض خصوم حقيقة التجسد مضوا إلى أبعد من ذلك فأعلنوا أن قصة الولادة العذرية ليست خاصة بالمسيحية، بل إنها موجودة في أساطير الآلهة الوثنية التي نجد فيها عدة أمثلة عن ولادات عذرية. يمكن للمرء أن ينكر هذه بدون أي تردد. ليس من مجال للمقارنة بين القصة الجميلة الصافية المحببة التي لدينا هنا، والقصص الفاسقة التافهة في الأساطير الوثنية. ما افترض البعض تسميته ولادات عذرية كان على النقيض تماماً. ففي تلك القصص نجد آلهة تمثّلها كائنات فاسقة شهوانية. تُصور على أنها تقع في حب عذراء معينة ما من مواليد الأرض، فتنتحل هيئة بشرية لكي تغريها، فتصبح بنتيجة ذلك أُمّاً لنصف إله. بالتأكيد ليس في هذه القصص الفاسدة ما يمكننا أن نربطه بأي معنى صحيح بقصة الولادة العذرية لربنا يسوع المسيح. فلدينا هنا ببساطة روح قدس الله ينتج، بالقدرة الإلهية والطاقة الخلاقة، جسد الرب يسوع المسيح في رحم العذراء. لذلك، فعندما جاء ربنا إلى العالم، صار يُعرف كابن الله. ذاك الذي كان منذ الأزل ابناً لله، صار بالنعمة إنساناً، ابن الله، لكيما يصير فادينا القريب.

لكي يعزز الملاك جبرائيل إيمان مريم، فقد أعطاها معلومة مذهلة عندئذ بأن نسيبتها أليصابات الطاعنة في السن قد حملت أيضاً بابن في شيخوختها- رغم أن ذلك كان بالترتيب الطبيعي- وأنها الآن قد صارت في شهرها السادس، تلك التي كانت تُدعى عاقراً. شرح كل هذا نجده معطى في الآية ٣٧، "لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ".

وببساطة ساحرة وتكرس مذهل لإرادة الله، أجابت مريم: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ". كم كان مقدار فهمها، وهي العذراء الشابة، لذاك الخزي الذي ستتعرض له أمام عالم ملحد، بسبب الظروف الغريبة التي كانت سرعان ما ستجد نفسها فيها، لا نعرف، ولكنها قبلت كل شيء لأنه من الله وأذعنت في خضوع لمشيئته. تذكروا أنها كانت مخطوبة لتوها بغية الزواج. لا بد أنها تساءلت كيف ستستطيع أن تفسر ما سيتبين ليوسف سريعاً. نعلم من إنجيل متى شيئاً عن الحزن والحيرة اللتان أصابتا يوسف فعلياً عندما علم بحمل خطيبته وعروسه. لا بد أن حالتها كانت ستفترض انحرافاً من العفة، والتي بحسب الناموس كان يمكن أن تُرجم بسببها حتى الموت. ولكن يوسف كان يحبها ويفكّر بأن يخفيها عن العيون إلى أن تلد طفلها، لئلا تتعرض للإهانة العلنية أو تتعرض لخطر الموت. إلا أن الرسول الملائكي ظهر له في حلمٍ، وأوضح له السر، فقَبِل مسؤوليته بطريقة رائعة.

لا بد أن مريم توقعت مسبقاً بعضاً من تلك الأمور، ولكن لم تعرف كل ما ستمر به إذ تبعت تلك الدعوة. ولكن بما أن الله قد أعلن فكره لها فقد كانت على استعداد لقبول مشيئته بدون تمرد أو تردد. وبهذا صارت مثالاً لنا جميعاً. الحياة السعيدة الوحيدة حقاً هي الحياة التي تعاش في خضوع لمشيئة الله. أن نكون قادرين على القول من أعماق قلبنا: "لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ"، يعني بركة دائمة وشركة مقيمة مع الله.

أما وقد قام بمهمته، فإن الملاك، كما يخبرنا الإنجيل، انصرف وترك مريم لتنتظر تحقيق كلماته.