الخطاب ٦٠

المجيء الثاني للمسيح

"٢٠وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟» أَجَابَهُمْ وَقَالَ: «لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ ٢١وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ». ٢٢وَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْماً وَاحِداً مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ. ٢٣وَيَقُولُونَ لَكُمْ:هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ. لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا ٢٤لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ. ٢٥وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْفَضَ مِنْ هَذَا الْجِيلِ. ٢٦وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ. ٢٧كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُزوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. ٢٨كَذَلِكَ أَيْضاً كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. ٢٩وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. ٣٠هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ. ٣١فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ كَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ. ٣٢اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ! ٣٣مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا. ٣٤أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ٣٥تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعاً فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. ٣٦يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ». ٣٧فَأَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ يَا رَبُّ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ»" (لوقا ١٧: ٢٠- ٣٧).

هناك عدة أقسام متمايزة في هذا القسم من الكتاب المقدس. في الآيتين ٢٠ و٢١ لدينا سؤال الفريسيين حول ملكوت الله، وإجابة ربنا على هذا السؤال. تذكروا أن يسوع كان يخدم في أرض فلسطين لثلاث سنوات ونصف رائعة، وكان قد أعطى إثباتاً بعد الآخر على مسيانيته. في أكثر من مناسبة كان صوت الآب يعلن من السماء قائلاً: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". شهد يوحنا المعمدان ليسوع قبل مجيئه وبعده؛ وأعماله نفسها شهدت على شخصه الحقيقي، على ألوهيته، على أنه ابن الله وابن الإنسان أيضاً. ولكن هؤلاء الفريسيون العميان لم يروا الحقيقة المتعلقة بيسوع. نقول أحياناً أنه ما من أحد أعمى بمقدار أولئك الذين لا يريدون أن يروا. وهؤلاء الفريسيون كانوا هكذا. ما كانوا ليعترفوا بسلطان المسيح؛ ولذلك فما كان أي شيء يفعله ولا أي شهادة من الآب عليه ولا حتى قول ليوحنا المعمدان عنه كان ليمكن أن يقنعهم. لقد كانوا مصممين على أن يرفضوا مزاعمه. والآن جاؤوا يطرحون عليه السؤال: "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟" لكأنهم كانوا يسألون: ما برحت تكرز بملكوت الله؛ فمتى سيظهر هذا الملكوت فعلياً؟ فأجاب: "لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ". أي لن يأتي بظهور خارجي. لقد كانوا يتطلعون لمجيء ابن داود بينهم، لينشئ جيشاً ويحررهم من نير الرومان ويعلن نفسه ملكاً على كل العالم. ولكن يسوع لم يكن في ذهنه أي برنامج كهذا. لقد جاء ليزرع البذار الصالحة للملكوت، ولذلك فقد قال أن الملكوت سوف لن يأتي بظهور خارجي. صرّح قائلاً: "هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ". هناك سؤال بين العلماء المسيحيين المختصين المقتدرين حول المعنى الحقيقي لهذه العبارة. إن أخذناها كما هي مترجمة هنا- أن ملكوت الله في داخلنا- فهذا يعني أن ملكوت الله له علاقة بالاعتراف بسلطان الرب على حياتنا، وتكريس قلوبنا للرب الإله، معترفين به على أنه السيد الشرعي المطلق. من جهة أخرى، هناك عديدون يعتقدون أن هذه العبارة يجب أن تُترجم على الشكل التالي: "ملكوت الله في وسطكم". أي أن الملكوت كان حاضراً للتو في حالة جنينية. بصراحة، أعتقد أن هذا هو المعنى الحقيقي لكلمات الرب. سأل هؤلاء الفريسيون متى سيتأسس الملكوت، وقال يسوع أن الملكوت هو هنا الآن، ولكن ليس لكم أعين لتراه. "مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ". الملك نفسه هنا، يرافقه أعضاء مجلسه. في التجدد، العصر الذهبي الذي كان يتطلع إليه الناس دائماً، يقول، كما نرى في مت ١٩: ٢٨: "تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ". الرسل الاثنا عشر، في هذا المعنى، كانوا مجلس حكمه، الأعضاء الرسميين في ملكوته. ولذلك فإن ملكوت الله كان في وسطهم ولكنهم لم يعرفوه.

بعد أن غادر الفريسيون المكان التفت يسوع إلى تلاميذه وحذّرهم. كان ماضياً كما أخبرهم عدة مرات من قبل، ولكنهم لم يفهموا. في غيابه سيكونون معرضين لأخطار كثيرة وقادة زائفين. ولذلك قال يسوع: "سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْماً وَاحِداً مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ". لكأنه يقول: سوف تتوقون إلى ابن الإنسان وسوف لن تروني، إذ سأكون غائباً عنكم، بعيداً في السماوات. "يَقُولُونَ لَكُمْ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ. لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا". تعاقبت فترات عبر القرون منذ عودة يسوع إلى المجد، ظهر فيها أناسٌ قالوا أنهم جاؤوا ليحققوا وعود الله، وكل واحد منهم كان يزعم أنه المسيح. ولكن أولئك الذين يضعون في أذهانهم التحذير الذي قدّمه المخلّص لا ينخدعون بهؤلاء الدجّالين. عندما سيرجع يسوع ثانية لن يكون ذلك بضعف بل بقوة. سوف لن يأتي إلى هذا العالم للمرة الثانية من خلال الولادة، بل سيعتلن من السماء بقوة ومجد عظيم. "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ". "عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ". مجيئه سيكون مختلفاً كلياً عن ذاك المجيء الأول بنعمة متواضعة ليقدم حياته لأجل خلاص العالم الضال.

ولكن الرب ذكّر تلاميذه بأنه أولاً سيعاني أموراً كثيرة بالتأكيد وسيرفضه ذلك الجيل، كما جرى فعلياً. وهو لا يزال ذاك المرفوض، رغم اعتراف الناس في العالم المسيحي بأنهم يوقرون اسمه؛ ولكن الغالبية العظمى لم تفتح له بعد قلبها أو تعترف به فادياً لها وملكاً عليها.

"ها ربنا يُرفض اليوم،
ويتبرأ منه العالم،
ولا يزال كثيرون يتجاهلونه،
في حين بضعة فقط يتوجونه ملكاً.
ولكن سرعان ما سيأتي في مجد،
إذ دنت ساعة مجيئه،
لأنه قد اقترب يوم التتويج،
وها هو بعد حين"

يعتقد البعض أنه لن يأتِ ثانية إلى أن يكون العالم كله قد اهتدى، وإلى أن يكون الإنجيل قد اخترق كل الأمم والشعوب، وأن الجميع اعترفوا بحكمه الشرعي؛ ولكن هذا ليس هو فكر المسيح؛ إنه ما أخبر به تلاميذه. قال: "وكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ". لم يكن العالم كله مهتدياً في أيام نوح. "كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُزوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ". كان الفساد والعنف يملأ الأرض في تلك الأيام. وكانت هناك بضعة عائلات تعرف الله، ولكن عدد هؤلاء تقلص أخيراً إلى واحدة- نوح وأهل بيته. عندما يأتي الرب في المرة الثانية سوف لن يجد كل العالم منتظراً أن يستقبله، بل إن الخطيئة ستكون متفشية كما في أيام نوح. لاحظوا أن الناس ما قبل الطوفان كانوا مهتمين بالأمور العادية التي تشغل فكر الناس رجالاً ونساء. لم يؤمنوا برسالة نوح، بل عاشوا في لا مبالاة كاملة نحو الله إلى أن دخل نوح الفلك، وجاء الطوفان وأهلكهم. ولذلك نستنتج من هذا المقطع أن العالم سيستمر كما هو حالياً. الناس سينشغلون بأمور الحياة المختلفة ولكن لن يبالوا بدعوة يسوع إلى أن تأتي ساعة عودته. سيعود بقوة ومجدٍ، وسيدرك الناس ولكن في وقت متأخر جداً كم كانوا حمقى عندما رفضوه.

يستخدم الرب مثلاً توضيحياً آخر في نفس السياق. يقول: "كَذَلِكَ أَيْضاً كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ". ليس هناك خطأ في هذه الأشياء التي يسترعي انتباهنا إليها. ليس هناك خطأ في الأكل والشرب، في الشراء أو البيع؛ ليس هناك في الزرع أو البناء. هذه الأشياء صحيحة تماماً بحد ذاتها، ولكن الخطأ هو أن نكون منشغلين جداً بها لدرجة ننسى معها أمور الله والأبدية. يسوع لم يذكر حتى الخطايا الفظيعة التي كانت تميز مدن السهل؛ إنه يتحدث فقط عن أمور عادية. لقد كانوا يعيشون وكأنه ما من دينونة آتية، وكأنه ما من إله يكونون مسؤولين أمامه. وإذ كانوا مستمرين على هذا النحو جاءت الدينونة؛ لقد جاءت بشكل مفاجئ لدرجة أنه ما من أحد نجا منها. نقرأ: "وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ". ويظهر يسوع المغزى التطبيقي لهذا الكلام فيقول: "هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ". لأن ذلك اليوم سيكون يوم اضطراب عظيم على الأرض هنا يقول يسوع: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ كَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ". أي أنه عبثاً يحاول المرء يومذاك إنقاذ أي شيء في ذلك العالم المتهدم؛ سيكون قد فات الأوان على ذلك. لن ينجح في النجاة أيٌ من أولئك الذين رفضوا ذاك الوحيد الذي كانوا سيجدون فيه الأمان والضمان.

ثم بثلاث كلمات يوجه يسوع تحذيراً خطيراً للغاية: "اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ!". لماذا ينبغي أن نتذكرها؟ لأنها كادت تخلص ومع ذلك فقد هلكت. لقد كانت زوجة رجل تقي؛ بل حتى استضافت الملائكة في منزلها؛ لقد كانت على طريق الخلاص، ولكنها هلكت في النهاية. لماذا؟ لأنها بعد أن تركت سدوم، كان قلبها لا يزال هناك. لم تأخذ مكانتها الحقيقية أمام الله، وعندما انهارت سدوم انهارت معها. لعلنا نتذكر جيداً زوجة لوط. هذا التحذير ينطبق بشكل خاص على أولئك الذين ينتمون إلى عائلات مسيحية، الذين لهم آباء أتقياء، الذين سمعوا الكلمة طوال حياتهم، والذين عمل معهم روح قدس الله جاهداً. قالوا في قلوبهم: "يجب أن أتجه إلى المسيح، يجب أن أومن به، ولكني لا أستطيع أن أسلّم له ذاتي الآن". تذكروا امرأة لوط! تذكروا أن المرء شبه المخلّص يمكن أن يهلك إلى الأبد.

"بالكاد" لا تنفع.
"بالكاد" هي إخفاق.
ينوح كثيراً ويأسى،
من يكون "بالكاد" ويهلك".

يضيف ربنا قائلاً: "مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا". أي أن من يحيا لنفسه، لأجل الملذات، أو الثروة، لأجل ما تقدمه هذه الأرض، سيجد في النهاية أنه خسر فعلياً كل شيء ذا قيمة حقيقية. بينما من هو قانعٌ، لأجل المسيح، ويمعن النظر فيما يعتبره العالم قيّماً، فإنه سيجد أن لديه كنزٌ أبدي لا يمكن تقدير ثمنه. أفترض أن لوط في السنين التي قضاها في سدوم قد جمع ثروة ما. وربما كان لديه مكان إقامة فخم جداً. وأستنتج من الكتاب المقدس أنه نجح في أن يصنع اسماً وشهرة لنفسه. نقرأ أنه " كَانَ لُوطٌ جَالِسا فِي بَابِ سَدُومَ"، ما يعني أن لوط كان قاضياً. وعندما وقعت الدينونة، نجا لوط، ولكن بالنار فقط. خرج من سدوم في الوقت الملائم، ولكنه خسر كل شيء مما عمل جاهداً لأجله خلال كل تلك السنين. لقد نجا بنفسه، ولكن كل شيء آخر هلك. هناك كثيرون سيكونون في السماء لأنهم آمنوا بالمسيح حقاً، ولكنهم سيجدون أن كل أعمالهم تكون قد احترقت عند كرسي دينونة المسيح.

ثم يستخدم يسوع بعد ذلك مثلاً صادماً جداً ليظهر الانشقاقات والانفصالات التي ستحدث في يوم عودته. في جزء من العالم سيكون هناك ليل عندما تقع تلك الحادثة. ولذلك يقول: "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ". وفي جزء آخر من العالم سيكون هناك شروق شمس، ونساء يعددن طعام الفطور في الصباح. ولذلك يخبرنا يسوع قائلاً: "تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعاً فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى". بينما في مكان آخر سيكون هناك وضح النهار. ويقول يسوع: "يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ". يا له من أمل جلل! إنه يتكلم عن الفصل الأبدي. مجيئه مؤكد، ولكن الوقت ليس معروفاً بالضبط. يتوجب علينا جميعنا أن نكون مستعدين. عندما يأتي ستصيب الدينونة كل الذين يرفضون المسيح.

"حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ".بحسب التدبير الإلهي، تشير "الجثة" إلى الجموع الرديئة الفاسدة العفنة من الناس ذوي الاعتراف الكاذب المتمركزين في أورشليم في الأيام الأخيرة. و"النسور" تشير إلى جيوش الأمم التي سوف تحتشد مهاجمة تلك المدينة. ولكن إن نظرنا إلى المسألة من ناحية أخلاقية، فإن الدرس جليل مهيب لكل إنسان غير مخلّص يتبين أنه بعيد عن المسيح في يوم غضبه ذاك، والذي سيتعرض إلى غضب الله. كما النسور تلتهم الجثث المتحلّلة، هكذا ستقع دينونات الله على كل من رفضوا وازدروا بنعمته.