الخطاب ٧

تقديم يسوع في الهيكل

"٢١وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ.٢٢وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ،٢٣كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ. ٢٤وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.٢٥وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلْ كَانَ بَارّاً تَقِيّاً يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. ٢٦وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. ٢٧فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، ٢٨أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: ٢٩«الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، ٣٠لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، ٣١الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. ٣٢نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْداً لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». ٣٣وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. ٣٤ وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ:«هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ.٣٥ وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ». ٣٦ وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا.٣٧ وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. ٣٨ فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ". (لوقا ٢: ٢١- ٣٨).

في الواقع هناك خمسة أجزاء في هذا القسم. أولاً، لدينا تقديم الرب يسوع في الهيكل، ليتم ذلك بحسب الناموس. فكطفل يهودي كان يجب إتمام طقس الختان عليه عندما يبلغ الثامنة من العمر. في ذلك الوقت دُعي بشكل محدد واضح باسم يسوع، كما أعلن الملاك قبل ولادته. من المهم أن نتذكر أن هذا الاسم نفسه لا يرمز فقط إلى كونه المخلّص، بل أيضاً إلى ألوهيته، لأن الاسم يعني "الله المخلّص". كان ذلك هو الاسم الذي أُعطي له قبل أن يولد، وتم تأكيده إلى مريم قبل أن يُقدّم إلى الهيكل. كم هي بركة أن نعرفه هكذا! الله نفسه انحدر بالنعمة، وربط لاهوته بناسوتنا، لكي يحقق حتى التمام فداءنا. هناك شيء في التقدمة التي جلبتها مريم ويوسف، وهو محزن ومؤثر فيَّ. بحسب الناموس، بعد أن يُولد الطفل، وتنقضي أيام معينة، كان يجب تقديم ذبيحة اعترافاً بصلاح الرب وجوده على الأهل، وأيضاً اعترافاً بحقيقة أنه حتى الأطفال الصغار، ورغم لطفهم وبراءتهم نسبياً، يأتون من جنس خاطئ ويحتاجون إلى المخلّص. بحسب الناموس، يجب أن تكون الذبيحة أحد حيوانات عديدة. قد يكون حملاً من الماشية، أو صغير ماعز، أو كما تقول الكلمة، إن كانوا غير قادرين على الإتيان بحمل أو صغير ماعز، فيمكن أن يقدّموا فرخي يمام أو فرخي حمام. وهنا نجد الأمر ذي المغزى الكبير. عندما جاءت مريم ويوسف ليقدموا هذه الذبيحة المترافقة مع تقديم ربنا المبارك يسوع، ابنهما المحبوب الرائع، نقرأ أنهما جلبا زَوْجَ يَمَامٍ. ما كانا ليستطيعا أن يحضرا تقدمة أعلى ثمناً. لقد كانا يُعتبران من فقراء إسرائيل. وهذا يعطينا فكرة ما عن المكان الذي اتخذه مخلّصنا بالنعمة- ذاك الذي كان أعلى من العلي. ذاك الذي خلق كل الأشياء جاء إلى هذا العالم واتخذ مسكناً له هذا المكان في عائلة فقيرة جداً كانت عاجزة عن أن تقدم حملاً كذبيحة، بل أحضرت تقدمة أفقر الفقراء- زَوْجَ يَمَامٍ.

إلى ذلك لدينا الاعتراف بالمخلّص من قِبل سمعان والنبوءة المتعلقة بالمسيح. يخبرنا الإنجيل أنه "كَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ". لا بد أنه كان هناك الكثير من اليهود في ذلك الوقت الذين أدركوا حقيقة أن تلك النبوءة العظيمة التي وردت في دانيال ٩ قد آن أوان تحقيقها وأنهم لم يلبثوا أن يروا المسيا الموعود، ملك إسرائيل ومخلّصه، الذي يجب أن يظهر بحسب كلمة الله؛ ولذلك فقد كانوا ينتظرونه. أتساءل كم منّا ينتظرون مجيء المسيح الثاني. لقد انقضت سنين كثيرة منذ أن غادرنا. لقد قال: "إن مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إلي". ويقول بولس عن مؤمني تسالونيكي: "رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ، وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ". أترانا محصون بين أولئك الذين ينتظرون الرب يسوع- الذين ينتظرون عودته ثانية؛ ينتظرونه أن يدعوا كنيسته لتكون معه، ومن ثم ليتجلى بالمجد ويمنح البركة الكاملة لإسرائيل والأمم؟ كما الحال مع هذه الحفنة القليلة التقية من إسرائيل الذين ينتظرون الرب أن يأتي للمرة الأولى، كذا نحن يجب أن نكون منتظرين إياه ليظهر للمرة الثانية، بمعزل عن مسألة الخطية، لأجل خلاصنا الكامل والنهائي.

هذا الرجل، سِمْعَان، الطاعن في السن، كان ينتظر العزاء من مجيء المسيا، وقد أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ؛ أي، إلى أن يكون قد رأى المسيا الذي وعد به الرب. عندما دخلت مريم ويوسف إلى الهيكل ممسكين بذراعهم الطفل الصغير، دخل سمعان أيضاً، وعندما قدّم الوالدان يسوع الطفل، رآه سمعان في الحال وقال: "هذا هو"، وبدون لحظة تردد مضى نحو مريم ورفع الطفل بذراعيه وبارك الله وقال: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ". ما كان ينتظره تحقق فعلياً للتو. لقد أوضح له الروح القدس المسألة فقال: "هذا ما كنت أنتظره. هذا ما كنت أريده، والآن صار لديه ما كنت أتوق إليه، وأنا على استعداد لأن أمضي. فدعني أغادر الآن في سلام، لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك". لاحظوا التعبير الأخير- خلاص الله كامن في شخص. عندما رأى المسيح قال: "عَيْنَيَّ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ". إن كنت سترى خلاص الله فإنك ولا بد سترى الرب يسوع المسيح. عندما تنظر بالإيمان إلى يسوع، عندما تراه على أنه المُرسَل من الآب، الذي جاء إلى هذا العالم بالنعمة، وقدّم نفسه فدية عن نفوسنا- عندما تستطيع أن تراه فإنك تعاين خلاص الله. لذا، إن أردت أن تعرف خلاص الله عليك أن تقبل المسيح.

ويكمل سمعان بعدها فيتنبأ ويقول: "عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ". لا بد أنكم كنتم تتوقعون أن يقلب سمعان العبارة، إذ أن النبوءة في العهد القديم كانت تفترض أن المسيا سيأتي أولا ليجلب البركة لإسرائيل ومن ثم، من خلال إسرائيل، إلى العالم الأممي. يدرك سمعان ويعترف بأن هناك تغيّراً في طريقة تعامل الله مع البشر؛ ولذلك فإنه يذكر الأمميين أولاً، ثم إسرائيل. روح قدس الله كان يعرف أن ربنا يسوع المسيح عندما سيأتي لأول مرة متواضعاً بالنعمة، فإن شعبه سيرفضه. سيحولون أبصارهم عنه. ولن يقبلوه كمسيا. ولذلك فإن ساعة بركتهم كان يجب تأجيلها وإرجاؤها. ولكن سمعان قال أن يسوع سيكون "نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ"، وذلك يفسّر كيف أن ربنا المبارك يسوع المسيح، ورغم رفض إسرائيل له كمخلّص، سيتجلى إلى ملايين لا تُحصى من الأمميين الذي سيعترفون به ويؤمنون به. هل تخلّى الله عن اهتمامه ببني إسرائيل؟ لا؛ ففي الوقت الحاضر حدث عمى جزئي لبني إسرائيل سيستمر إلى أن يكتمل دخول الأمميين. وعندما ينتهي العمل بين الأمميين، فإن الله سيهتم ببني إسرائيل من جديد بطريقة ما. ولذلك يقول سِمْعَان: "نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ". يا له من يوم ذاك الذي سيرجع فيه بنو إسرائيل إلى الرب، والذي سيعترفون به على أنه ذاك الذي رفضه آباؤهم- المخلّص الذي كان الله قد وعد به، والذي عمله المُنجَز على الصليب وحده هو الذي يفدي.

ثم لاحظوا بالدرجة الثالثة، الكلمة الخاصة الموجهة لمريم، أم ربنا المبارك. قال لها سمعان: "هَا إِنَّ هذَا (الطفل) قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ". كم أكّد هذا الكلام لأم ربنا المبارك تلك الكلمات التي قالها لها الملاك قبل ولادة يسوع. لقد كان الأمر برمته غريباً جداً وغامضاً مكتنفاً بالأسرار، ولكن عندما قال خادم الله المقاد بالروح لمريم، وبشكل واضح قاطع، أن "هذَا (الطفل) قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ"، فإن هذا أكّد لها ما كان قد أُعلن لها سابقاً. ما الذي يعنيه بقوله "سقوط وقيام"؟ سوف تذكرون، أن يسوع قال أنه حجر الخلاص، ولكنه قال: "كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذَلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ". تعثّر إسرائيل بيسوع المتواضع. لقد كان يسوع حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ؛ ولذلك فقد وُضِعَ لِسُقُوطِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ؛ ولكن من جهة أخرى، وعبر القرون، آلاف وآلاف من الناس تحولوا إليه، كما فعل كثيرون في الأيام التي تلت قيامته مباشرة- ثلاثة آلاف في يوم الخمسين، وآلاف أخرى فيما بعد، وعشرات الألوف التي لا حصر لها عبر العصور منذ ذلك الحين. أعداد هائلة من بني إسرائيل تحولوا إلى الله ووجدوا في الرب يسوع مخلصاً لهم، وبعد حين ستهتدي كل الأمم إلى الرب. وهكذا فإن هذا الطفل وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. يا للأشياء المريرة والتجديفية التي قيلت عن الرب يسوع المسيح! عندما يرفض الناس الرب يسوع المسيح، فإنه لا يكون هناك حد لما يقولونه لكي يعززوا ويدعموا اعتقاداتهم الزائفة الكاذبة.

بعدئذٍ التفت سِمْعَان إلى مريم مباشرةً وقال لها: "وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ". أتساءل إن لم تكن مريم قد تذكرت هذه الكلمات وهي واقفة عند الصليب ترى ابنها المبارك مسمراً إلى عود الصليب، وهي تنظر إلى رأسه المكلل بالشوك، وهي ترى الدم يتدفق من كل جرح فيه، وهي ترى اليدين اللتان كانتا تمسّان جبينها برفق مسمرتان على ذلك الصليب. وتلك الأقدام التي حملت صاحبها المبارك في رحلات المحبة والرحمة، مسمرة إلى تلك الخشبة. لا بد أن أحزانها كانت عميقة بالفعل، ومع ذلك فقد كانت تعرف أن كل شيء كان بعلم الله المسبق، وأن مصيرها الذي قُدِّر لها كان أن تجلب على العالم ذاك المخلّص الذي كان سيقدم حياته على هذا النحو فدية عن الجميع.

الأمر التالي الذي نلاحظه هو ذلك الذي في الآية ٣٦، حيث يقدم الله المزيد من التأكيد. فهذه المرة امرأة طاعنة في السن تظهر في المشهد، وهي نبية تُدعى حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ. كانت قد عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا، وكانت أَرْمَلَةً نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، فلا بد أنها كانت تتجاوز المئة في العمر. كانت إحدى البقية التقية في إسرائيل الذين ينتظرون مجيء المسيّا. لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. وإذ أتت في تلك اللحظة، عرفت فجأة في الطفل أنه المخلّص، واعترفت به وسبّحت الرب على نفس المنوال، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. هذه المرأة الطاعنة في السن، تصبح أول المبشّرين في الدهر الجديد، قائلة: "لقد رأيت المخلّص. لقد جاء، ذاك الذي سيجلب الفداء".

الجزء الختامي من مقطعنا يتعلق بطفولة ربنا المبارك. لَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ. وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ. إنها صورة محببة لهذا الطفل الذي يترعرع في مكان منعزل في بيت ويمجّد الله، أباه، في كل الأمور. لم يكن هناك شيء غير طبيعي يتعلق به. لم يكن يُجري أموراً معجزية أو لافتة للانتباه. إن كنتم تريدون آيات وعجائب، فإن "الأناجيل الأبوكريفية المنحولة" حافلة بكل أنواع تلك الأشياء المنسوبة لربنا المبارك. ستجدون فيها حديثاً عنه عندما كان طفلاً صغيراً، أنه ذهب إلى المدرسة وبدأ المعلّم يعلّمه الأبجدية. فقال له المعلّم: "قُلْ ألف"، فكرّرها وراءه. ثم طلب منه المعلّم أن يقول: "باء"، فرد يسوع وقال: "لا، لن أقول باء حتى تخبرني ما تعني الألف". وعندها رفع المعلّم يده ليصفعه وإذا بيده تُشلّ. هكذا يصفون يسوع في الأناجيل الأبوكريفية.

ليس شيء من هذا القبيل في كلمة الله المقدسة. فهذا طفل عادي سوّي بشكل كامل وهو لطيف وجميل يترعرع في بيت متواضع حيث يوقّر الله ويتغذى على كلمة الله إلى أن تأتي الساعة التي ينطلق فيها في مهمته العظيمة ليفتدي العالم. تلك السنوات المحتجبة كانت إعداداً ملائماً لخدمته المستقبلية.