الخطاب ٥٦
الوكيل الظالم
"١وَقَالَ أَيْضاً لِتَلاَمِيذِهِ: «كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ. ٢فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ. ٣فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ لأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ. ٤قَدْ عَلِمْتُ مَاذَا أَفْعَلُ حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ عَنِ الْوَكَالَةِ يَقْبَلُونِي فِي بُيُوتِهِمْ. ٥فَدَعَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مَدْيُونِي سَيِّدِهِ وَقَالَ لِلأَوَّلِ: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟ ٦فَقَالَ: مِئَةُ بَثِّ زَيْتٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاجْلِسْ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ. ٧ثُمَّ قَالَ لآخَرَ: وَأَنْتَ كَمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاكْتُبْ ثَمَانِينَ. ٨فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ لأَنَّ أَبْنَاءَ هَذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ. ٩وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ. ١٠اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ. ١١فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَالِ الظُّلْمِ فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ؟ ١٢وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْرِ فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ؟ ١٣لاَ يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ». ١٤وَكَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضاً يَسْمَعُونَ هَذَا كُلَّهُ وَهُمْ مُحِبُّونَ لِلْمَالِ فَاسْتَهْزَأُوا بِهِ. ١٥فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ تُبَرِّرُونَ أَنْفُسَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ! وَلَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ. إِنَّ الْمُسْتَعْلِيَ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ رِجْسٌ قُدَّامَ اللهِ. ١٦«كَانَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَغْتَصِبُ نَفْسَهُ إِلَيْهِ. ١٧وَلَكِنَّ زَوَالَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ. ١٨كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي وَكُلُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ مِنْ رَجُلٍ يَزْنِي" (لوقا ١٦: ١- ١٨).
أود الآن أن أتناول الجزء الأول من هذا المقطع. مثل الوكيل الظالم/وكيل الظلم هو أحد الأمثال الذي لطالما أُسِيءَ فهمُه. ففي البلاد الغربية مفهوم الوكيل يختلف كثيراً عنه في بلاد الشرق. ونقرأ أن السيد أطرى على ما صنعه وكيل الظلم. يحتار أناسٌ كثيرون حول هذه، لأنهم أخفقوا في ملاحظة أن كلمة "السيد" هنا ليست هي "الرب". ليس ربنا هو من أطرى عليه بل سيد وكيل الظلم. في البيت الشرقي الخادم يكون مناظراً لمسائل كل البيت، والسيد يضع بين يديه مقداراً معيناً من المال به يستطيع أن يشتري حاجات المنزل وما تطلبه العائلة. إن كان الخادم أو الوكيل قادراً على أن يشتري هذه الأشياء بسعر أقل من قيمة السوق العادية، فإن هذا المال يكون من حقه أن يضعه في جيبه. الوكيل الحكيم هو شخص ذو أهمية كبيرة جداً في البيت الشرقي، وما من أحد ينزعج منه إذا ما استطاع أن يكسب بعض النقود كعلاوة أو أجر إضافي. إذا وضعنا هذا في أذهاننا فسنستطيع أن نفهم بشكل أفضل ما عناه ربنا هنا. "قَالَ أَيْضاً لِتَلاَمِيذِهِ: كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يُبَذِّرُ أَمْوَالَه". كما أنه ممكن عن طريق الادخار، والاقتصاد أن يوفر بعض المال لأجل سيده وأيضاً يكسب ربحاً كبيراً لنفسه، كذلك كان يمكن أيضاً لوكيل الظلم أن يبدد ما عُهد إليه من مال بمشتريات طائشة، أو بأن يكون لديه حسابات غير نظيفة. يبدو واضحاً أن هذه هي الحال في المثل الذي أمامنا.
"فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ. فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ لأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ". يمكننا أن نتخيله يقول: "سوف أفقد عملي، ولا أستطيع أن أعمل بجد". وبعد التفكير في المسألة وتقليدها في فكره، يقول: "أعرف ما سأفعل؛ سأتصل مع مديني سيدي وأرى ما أستطيع أن أفعل معهم". ولذلك فإنه دعا الأول وسأله: "كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟ فَقَالَ: مِئَةُ بَثِّ زَيْتٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاجْلِسْ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ". بتخفيف هذا الجزء من الدين، اقتطع الوكيل فعلياً الحصة التي كانت ستعود إليه. "ثُمَّ قَالَ لآخَرَ: وَأَنْتَ كَمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ". لقد قال لهذا أن يقتطع عشرين كُرِّ. عندما وصل خبر ذلك إلى مسامع السيد، "مَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ لأَنَّ أَبْنَاءَ هَذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ". نرى سيد البيت قادراً على أن يفهم حقاً حكمة هذا الإجراء، فقال: "في نهاية الأمر، كان يتصرف بحكمة شديدة. لقد كون أصدقاء جيدين لنفسه بأن اقتطع ربحه الشخصي". هؤلاء الأصدقاء سيكونون على استعداد بأن يرحبوا به ويساعدوه في ساعة الحاجة. يطبّق الرب يسوع هذا بأن أبناء هذا العالم هم أكثر حكمة ودهاء في جيلهم من أبناء النور. كم من أولاد لله قلقون ومهتمون بمكاسبهم الحالية أكثر بكثير مما هم مهتمون بالبركات المستقبلية. فيعطينا الرب يسوع هذا التطبيق المحدد: "وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ. اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ. فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَالِ الظُّلْمِ فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ؟" إنه يتكلم عن تكوين أصدقاء بالاستخدام الصحيح للثروة. كلمة "مال mammon " تعني فعلياً "الغنى". في الواقع إنه أصلاً اسم إله الغنى الكنعاني، وقد دخلت الكلمة إلى اللغة العبرية كمرادف يعني الغنى أو الثروة. هكذا يقول الرب يسوع، وكأنه يعني: "إن كان الله يعهد إليكم بالثروة، فيمكنكم أن تكوّنوا أصدقاء بها"، حتى وإن كان يدعوها "مَالِ الظُّلْمِ". لو لم يسقط الإنسان لكان استطاع أ يعيش حياة نقية بريئة هنا على الأرض، مقتبلاً كل شيء من يد الله الصالحة بدلاً من أن يُضطر للعمل والكدّ لأجل أن يكسب رزقه. وما كانت ستكون هناك حاجة إلى المال كوسيلة تبادل ومقايضة. حقيقة أن المرء لديه بضعة دولارات في جيبه هي بحد ذاتها شهادة على أن الخطيئة هي في العالم؛ وهكذا فإن المال، والغنى، هو مَال الظُّلْمِ. ربما يسأل أحدهم: "إن كان صحيحاً أن المال جاء إلى العالم فقط بسبب الخطيئة، فلماذا لن يحاول التخلّص منه؟ في الظروف الحالية، هذا أمر غير ممكن. لا نستطيع أن نستمر فيا لحياة بدون المال في عالم مثل هذا. ولكن إن كان الله قد أعطانا ثروة أو غنى فعلينا أن نستخدمها في مجده لنشر إنجيله، وفي إراحة الإنسانية المبتلية بالضيقة والمعاناة والألم. بهذه الطريقة نكون أصدقاء باستخدام مَالِ الظُّلْمِ؛ وعندما نأتي إلى ساعة الموت ونترك هذا العالم وراءنا، فإن هؤلاء الأصدقاء الذين كوّناهم من خلال الاستخدام الصحيح لمَالِ الظُّلْمِ سوف يقبلوننا بفرح بين سكان الحياة الأبدية. لإيضاح ذلك: لنفترض أن الرب يسوع عهد إليك بكمية من المال، وأنت تقول: "لقد أعطاني الله هذا المال. سوف أعطي قسماً منه للمساعدة بإرسال الإنجيل إلى الأراضي الوثنية". وتساهم بشكل منتظم بخدمة ما، وبسبب دعمك المالي لتلك الإرسالية ينتهي الأمر بإيصال الإنجيل إلى النفوس الضالة. قد لا تستطيع على الأرض أن ترى أولئك الذين رُبحوا للمسيح من خلال جهود وعمل تلك الخدمة الإرسالية؛ ولكن في نهاية الأمر، عندما تغادر هذا العالم وتذهب إلى الديار السماوية، ستجد هناك أولئك الذين يرحّبون بك بفرح وسرور وهم يقولون: "إن مالَكَ هو الذي مكّن المعلّم من أن يأتي إليّ ويقودني مخرجاًَ إياي من ظلمة الوثنية إلى نور إنجيل المسيح. لطالما كنا ننتظرك هنا لنرحّب بك وسط سكان الأبدية هؤلاء وأن نخبرك كم نحن ممتنين لك على اهتمامك بنا". يمكنك أن تطبّق المبدأ بألف طريقة. يمكنك أن تستخدم بعضاً من مالك لتساعد فقيراً، أخاً محتاجاً أو أختاً، أو لتساعد بعض الأطفال المعدمين. إن لطفك وصلاحك وصدقتك عليهم قد لا تقدر بشكل كامل أو يكون لها اعتبار هنا على الأرض، ولكن سيأتي يوم، إن كانوا في المسيح، سوف يقابلونك هناك في تلك الأرض ويعبّرون عن امتنانهم لك لأجل الطريقة التي استخدمت بها مَال الظُّلْم.
يركز ربنا هنا على الخدمة التي نقدمها باستخدام المال. إنه يقول: "اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ". المال في نظر الله ذو قيمة ضئيلة جداً؛ وفي نظر الإنسان إنه الأمر الأكثر أهمية. في سفر الجامعة نقرأ: "الْفِضَّةُ تُحَصِّلُ الْكُلَّ". قال أحدهم: "المال هو مزود عالمي لكل شيء إلا السعادة". لقد سمعنا عن الأب الذي قال لابنه: "يا بني، اكسب مالاً. اكسبه بشرف إن كنت تستطيع، ولكن اكسب مالاً". بعض الناس لديهم فكرة أنه ما من شيء أكثر أهمية من المال. ولكن ربنا المبارك يتكلم عنه على أنه أمر ذو قيمة وشأن قليلين؛ ويقول: "اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ". هل لاحظتم أن استخدام الإنسان لماله غالباً ما يكون الامتحان اللاذع لشخصيته؟ الإنسان الذي يحب المال سيكون جلفاً وفظاً وشريراً بأشكال مختلفة. محبة المال ليست تماماً الأصل لكل الشرور، بل هي أصلٌ لكل الشرور. الاشتهاء هو كمثل جذرٍ صفيق تقتات عليه كل نباتات الشر. إن كان الإنسان يحب المال بشكل جامح فإنه يعرّف نفسه لكل أنواع الإثم.
"وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْرِ فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ؟" قد يسال المرء: كيف لي أن أعرف إذا ما كنتُ أميناً بالنسبة إلى مَالِ الظُّلْمِ؟ عندما نفتح الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (١ كور ١٦: ٢)، نقرأ: "فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ خَازِناً مَا تَيَسَّرَ". هذه قاعدة على كل مسيحي أن يحفظها ويلتزم ها. إن أخفقنا في أن نصنع ذلك فإننا نخسر بطرق عديدة. ثم قد يسأل المرء: "كم يجب أن أستخدم من المال لنفسي، وكم يجب أن أضعه جانباً لأجل الله والآخرين؟ لو كنتَ يهودياً تحت الناموس لكان هذا يتطلب منك أن تقدم عشر ما تملك. ولكن كمسيحي تحت النعمة بالتأكيد لستم مطالبين بأن تعطوا أقل من اليهودي الذي تحت الناموس. على المرء أن يعطي أكثر إن كان يستطيع، وبقيامه بذلك يكون أميناً في ذاك القليل. وسيكون أميناً في الكثير.
"لاَ يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ". لا يمكنك أن تكون محباً لله ومحباً للمال في نفس الوقت. إن كنت تخشى أن تتحكم بك محبة المال يكفي أن تحاول أن تتخلى عن جزء منه، فإن شعرت بالفرح والسعادة أكثر من ذي قبل، فإن محبة المال لا تكون قد أحكمت قبضتها عليك. ولكن إن وجدت أنه يزعجك أن تعطي، فعندها يمكنك أن تخشى فعلاً من أن يكون الاشتهاء قد تحكم بك وسيطر على نفسك. العالم يُعجب بالإنسان الذي يصنع جيداً لنفسه؛ العالم يُعجب بذاك الذي يصير غنياً ويستطيع أن يحيا في قصرٍ جميل. ولكن الله يقدّر العظمة الحقيقية بطريقة مختلفة كلياً. قلب الله يميل بتقدير محب إلى الإنسان الذي يعيش لخير الآخرين ويستخدم ما ائتُمن عليه على نور الأبدية.
"كَانَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ إِلَى يُوحَنَّا. وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُبَشَّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَغْتَصِبُ نَفْسَهُ إِلَيْهِ. وَلَكِنَّ زَوَالَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ". خدمة يوحنا المعمدان دشّنت حقبة جديدة. الدهر التدبيري القديم قارب على الانتهاء، وسرعان ما ينتهي عند الصليب، وفي هذه الأثناء ملكوت الله كان يُعلن، وكان الناس يُدعون إلى أن يدخلوا من باب التوبة والإيمان. حاول كثيرون أن يدخلوا ملكوت الله ولكنهم ليسوا أولاد الملكوت. فقط بالولادة الجديدة، كما أوضح ربنا لنيقوديمس (يو ٣: ٣)، يستطيع المرء فعلياً أن يدخل إلى ذلك الملكوت. ما من كلمة نطق بها الله يمكن أن يخفق تحقيقها، مهما كان تفاعل الإنسان على الدعوة إلى الملكوت. كل مطالب الناموس يجب تسديدها إما عن طريق أولئك الذين يأتون تحت إدانته أو عن طريق ذاك الذي جاء بالنعمة ليحمل لعنته عن الآخرين. كان على كلمة الله أن تُنقل حتى إلى مرحلة صلب ابنه المبارك عندما أخذ مكانة الخاطئ.
الآية الأخيرة من هذا المقطع هي ذات أهمية هائلة في هذه الأيام إذ نرى الناس يبدون متساهلين جداً من حيث انتهاك نذور زواجهم. "كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي". لو أُذيعت هذه الكلمات عبر السماء لربما بكّتت الكثيرين ممن يمارسون هذه الخطيئة اليوم المُدانة هنا. صحيح أن يسوع قام باستثناء في إحدى المناسبات، حيث يمكن للطرف البريء، الذي تطلق لارتكاب شريكه عملاً غير أخلاقي، أن يتزوج من شخص آخر. ولكن كلمة الله تشجب كل من يتعامل باستخفاف مع هذه العلاقة المقدسة. الزواج يدوم لكل الحياة، وليس فقط على مدى استمتاع طرفي الزواج مع بعض. الرباط الذي ينشأ بالزواج لا يفصمه سوى الموت أو خطيئة مميتة.