الخطاب ١٦

شفاء ومغفرة

"١٦وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي. ١٧وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ. ١٨وَإِذَا بِرِجَالٍ يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ إِنْسَاناً مَفْلُوجاً وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ أَمَامَهُ. ١٩وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ الْجَمْعِ صَعِدُوا عَلَى السَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ الْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ الأَجُرِّ إِلَى الْوَسَطِ قُدَّامَ يَسُوعَ. ٢٠فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». ٢١فَابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ: «مَنْ هَذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» ٢٢فَشَعَرَ يَسُوعُ بِأَفْكَارِهِمْ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟ ٢٣أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ قُمْ وَامْشِ. ٢٤وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا»- قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». ٢٥فَفِي الْحَالِ قَامَ أَمَامَهُمْ وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. ٢٦فَأَخَذَتِ الْجَمِيعَ حَيْرَةٌ وَمَجَّدُوا اللهَ وَامْتَلأُوا خَوْفاً قَائِلِينَ: «إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا الْيَوْمَ عَجَائِبَ!»" (لوقا ٥: ١٦- ٢٦).

كانت تلك أيام حافلة مزدحمة بالانشغالات بالنسبة لربنا إذ كان يجول من مكان إلى آخر عاملاً بقوة اقتداره وصانعاً أعمال رحمة كثيرة. في الآية ١٦ نقرأ: "كان يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي". لا أعرف أمراً يمكن أن يؤكد لنا حقيقة إنسانية ربنا أكثر من حقيقة أنه كان يشعر بالحاجة إلى أن يصلّي وأن يختلي بنفسه في الصلاة. ذاك الذي كان هو الله، ذاك الذي كان يسمع صلوات الآخرين، نزل إلينا كإنسان وأخذ مكانة المتكّل ورفع قلبه إلى الآب في صلاة حارّة. إنه لأمر حسنٌ لنا جميعاً أن ننعزل في البرية ونختلي بأنفسنا ونصلّي. كلما دخلنا أكثر في حياة الصلاة كلما وجدنا قوة متجددة وشجاعة لأداء مهامنا وواجباتنا اليومية.

"وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ". ذهب إلى أحد البيوت وتجمع كثيرون حولهم، ووقف آخرون في المدخل وعلى الأبواب والنوافذ بينما كان يكرز الكلمة لجميع الذين كانوا قريبين بما يكفي لسماعه. وخلال ذلك الاجتماع، جاء أربعة رجال يحملون قريباً لهم بائساً على فراشٍ، وكان رجلاً مشلولاً، "إِنْسَانًا مَفْلُوجًا". ولكن لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ الْجَمْعِ. لعلهم قالوا: "آهٍ، علينا أن نحاول في وقت آخر. لا نستطيع أن نمر عبر تلك الجموع الآن". هذا ما يخطر في بالكم وفي بالي إذا صحّ القول. كنا لنمضي ونؤجل الأمر إلى وقت مناسب آخر. يروق لي إصرار هؤلاء الرجال. لقد أرادوا أن يوصلوا هذا الرجل إلى احتكاك مع الرب، وهكذا صَعِدُوا به عَلَى السَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مِنْ بَيْنِ الأَجُرِّ.

كانت الأسطح في الشرق منبسطة، كما يمكنك أن ترى بعضاً منها اليوم في عدة أماكن في فلسطين وسورية، وفي مناطق أخرى من الشرق. رفع هؤلاء الرجال صديقهم البائس المشلول إلى الأعلى فوق السطح، ثم أزالوا الطمي الذي قسّته الشمس، ورفعوا القرميد وعندما صار لديهم فسحة كافية دلوا السرير، مستخدمين حبالاً تحته وأنزلوه عبر السقف إلى الوسط أمام يسوع.

يمكنني أن أتخيل الناس هناك يتساءلون عما يجري عندما رأوا قطع الطين والقرميد تتساقط؛ ومن ثم عندما أُنزل هذا السرير، قالوا بلا شك شيئاً ما عن إتلافهم للسطح ولربما وبخوهم على مقاطعة اللقاء.

يصور الشلل حالة عجز الخاطئ. كان هذا الرجل مريضاً بشكل ميئوس منه. ولعله كان قد رقد على ذلك السرير لمدة سنوات ولعله كان متشائماً من حالته. يبدو أنه لم يكن هناك إمكانية للشفاء. كم يشبه تلك الحالة ذلك الإنسان الخاطئ البائس العاجز! كثيرون يعرفون أن خطأة ولكن لا يدركون أنهم عاجزون تماماً عن التخلص من الحالة التي يرزحون تحتها.

لسنا ضعفاء بالكلية فقط بسبب الخطيئة ولأننا عاجزون عن القيام بأي شيء لتخليص نفوسنا، بل إننا عاجزون عن الاستفادة من أي مساعدة بشرية. ما من أحد آخر يمكنه أن يحررنا، مهما كان إنساناً صالحاً ومهما كانت نواياه طيبة. إن كنا سنخلص أبداً فذلك لا بد أن يكون عن طريق تدخل أو توسط ذاك الذي هو أكثر من إنسان. بعيداً عن المسيح، لا إمكانية للتحرر والخلاص.

ولكن هذا الرجل كان له بضعة أصدقاء مهتمين به. إنه لأمر عظيم أن يكون لديك صديق يهتم بك. إنه لشان عظيم عندما يرى الإنسان غير المخلّص بضعة مؤمنين يهتمون به. أيها الرجال أو النساء غير المهتدين، إنه لأمر عظيم أن يكون لديكم من يصلّي لأجلكم! أيها الزوج، لعلك لا تدرك ذلك، ولكن إنه أمر رائع أن تكون لديك زوجة مصلّية؛ أيتها الزوجة، إنه أمر رائع أن يكون لديك زوج مصلٍّ. يا أصدقائي إنه لأمر عظيم أن يكون لديكم أصدقاء بما فيه الكفاية ليصلّوا من أجلكم. عليكم أن تشكروا الله لوجود أناس يهتمون بالصلاة لأجلكم. البعض يستاء من ذلك، ولكن لماذا يغضب أي شخص إذا كان هناك آخرون يهتمون بالصلاة من أجله؟

كان لهذا الرجل أصدقاء وكانوا عازمين أن يأخذوه إلى يسوع مهما كلّف الأمر. أيا المسيحي، ألديك في ذهنك أشخاصاً حولك تقول في قلبك أن: "يجب أن آتي بهم إلى يسوع"؟ لم تثبط همة هؤلاء الرجال الأربعة بسبب الصعوبات، بل أصروا على أن يحضروا صديقهم إلى يسوع حتى ولو اضطروا إلى أن يخرّبوا جزءاً من السقف. ألا يمكننا أن نتخيلهم ينزلونه وهم يفكرون في أنفسهم قائلين: "عندما نوصله إلى يسوع، نعلم أن شيئاً ما سوف يحدث". لعلهم كانوا يستطيعون القول- ولكن بالتأكيد لم يفعلوا- "انظروا إلى جموع الناس، ليس لنا الكثير من الأمل اليوم؛" أو "انظروا إلى الجموع، ولكن ربما، عندما يرون حالة صديقنا هذا، سيفتحون الطريق لنا". ولكن ما كان هناك أحد يريد أن يفتح طريقاً لهم، وما كانوا يستطيعون أن يدخلوا صديقهم إلى يسوع عبر المدخل.

ربما فكروا أن: "ليس هذا وقت الرب؛ ينبغي علينا أن ننتظر إلى أن يكون الرب مستعداً أكثر ليصنع شيئاً له"، وربما كانوا سيعودون إلى المنزل وتفوتهم مباركة يسوع له ولهم. لكن هؤلاء الرجال المثابرون جداً كانوا عازمين على أن يحضروا صديقهم أمام يسوع، ولذلك قالوا: "لا بد أن هناك طريقة أخرى؛ سوف نحاول عن طريق السطح". وأعتقد أنه عندما كان الرب يعلّم، اندهش الناس لرؤية الوجوه الأربعة التوّاقة لهؤلاء الرجال يحدّقون إليهم من خلال الفتحة التي صنعوها في السقف بينما دلّوا السرير إلى الأسفل. وربما قالوا أن وعظ يسوع وكرازته كانت أكثر أهمية من الانزعاج بحضور هكذا شخص مشلول. كان هؤلاء الرجال مهتمين للغاية؛ ولعله يمكننا أن نتبع مثالهم. لعل البعض قال، عندما ذهبوا في البداية ليحضروا صديقهم المريض إلى يسوع، أنه لم يكن هناك من فائدة. ولكن عزيمتهم لم تنثني. لقد عرفوا أن يسوع شفا آخرين وكانوا مصرّين على أن يحضروا صديقهم إلى يسوع أيضاً ويروا ما يستطيع أن يفعله. ولعل الرجل المريض قال في نفسه: "حسنٌ؛ إن أمكننا أن نصل إلى هناك، فأنا سأذهب معكم". غالباً ما نسمع نفوس ساعية تُنصَح بأن "يصلّوا بإلحاح" لكي يخلصوا، إلا أن أصدقاء الخاطئ هم الذين في حاجة إلى أن يصلّوا لأجله لكي يأتي إلى الإيمان بالرب يسوع المسيح ويخلص.

أياً كان ما فكر به الآخرون، إلا أن قلب يسوع كان قد سُرّ. إنها دائماً فرحة له عندما يجد أناساً جدّيين مثابرين حقاً. "لَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ"- أعتقد أنها تعني إيمان الرجال الأربعة وإيمان الرجل المريض أيضاً؛ لأن الإيمان هو الذي جعله راغباً بأن يأتي. الدليل على إيمانهم تبدى فيما فعلوه وبرغبتهم الجدّية بأن يوصلوا صديقهم إلى أمام يسوع. "لَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ»". لقد رأى يسوع أن حاجة هذا الرجل الروحية كانت أكبر بكثير من حاجته الجسدية. الحاجة الروحية هي الأكبر دائماً. "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (مت ٦: ٣٣). لعل كثيرين يقولون: "أتمنى أن تصلّي من أجلي لكي أُشفى من مرضي". ولكن قليلين يدركون الحاجة إلى مغفرة الخطايا.

كن مستقيماً في العلاقة مع الله أولاً- واعرف معونته المخلّصة قبل كل شيء. غالباً ما يفكر الناس بعادة شريرة معينة ما. يقولون: "ليتك تصلّي من أجلي لكي أتغلب على هذه العادة الشريرة أو أتخلّص منها". ولكن لا يبدو أنهم يدركون أن ربنا يسوع ليس متخصصاً بإصلاح الناس فقط، بل في إعطائهم المغفرة عن خطاياهم ومنحهم حياة جديدة.

نظر يسوع إلى الرجل وقال: "أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". بالطبع كان ذلك خبراً سارّاً. هل سمعتموه يوماً يقول ذلك لكم؟ قد لا تسمعوا صوتاً منطوقاً، بل نجده في كلمته. إنه يقول لمن يؤمن به: "مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". والطريقة الوحيدة التي يمكنك أن تكون واثقاً من ذلك هي أن تتكل عليه وتثق بكلمته.

أنى لذلك الرجل أن يعرف أن خطاياه قد غُفرت؟ لأن يسوع قال ذلك. لو سأل الناس هذا الرجل كيف عرف ذلك، لكان قد أجاب: "إني أتكل على كلمته، وإني أثق به". هل وثقتم بكلمته؟ لكم أغضب هذا الحدث أولئك الناموسيين! كانوا يعتقدون بأن على المرء أن يشتري أو يدفع ثمن كل شيء. لقد كانوا يعتقدون أن الله لا يقدم أي شيء لكم إن لم تدفعوا مقابله، وأن الخلاص يجب أن يُكتسب عن طريق شيء ما تفعله لله. لم يفهموا النعمة، وسألوا: "مَنْ هذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟" ما لم يعرفوه هو أن الله في الجسد كان واقفاً وسطهم وهو الذي قال: "أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". لو كان يسوع إنساناً فقط، لكان ما يقوله تجديفاً، ولكن بما أنه الله متجلٍّ في الجسد، أمكنه أن يقول ذلك ولا يكون تجديفاً. ما كان يسوع في حاجة لأحد ليقول له ما كان يفكر به هؤلاء الرجال، ولذلك فقد أجابهم قائلاً: "مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَامْشِ؟" كان الأمران كلاهما صعب. ما كانوا ليستفيدوا من أن يقولوا لأي أحد: "مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ" لأنه لم تكن لديهم السلطة ليقولوا ذلك أو يفعلوا ذلك. وما كان بإمكانهم أن يعطوا القوة لأعضاء مشلولة.

قال يسوع: "وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا". قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:"لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!" فعل ذلك لكي يعرفوا أنه ما كان ليكذب؛ لكي يعرفوا أنه كانت لديه السلطة على أن يغفر الخطايا.

لقد سدّ يسوع الحاجة الروحية أولاً، ثم أظهر قوته الإلهية بشفاء المرض الجسدي للرجل. لقد غفر له أولاً ثم شفاه. نقرأ: "فَفِي الْحَالِ قَامَ أَمَامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعًا عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ". لا أعتقد أنه سار كمثل أي إنسان عادي. يمكنني أن أتخيل أنه يثب من الفرح، وهو يسارع الخطى ليُظهر ما صنعه يسوع له. أتخيل الرجل ذاهباً إلى بيته وهو يقول: "يا أصدقائي، ماذا تعتقدون؟ لقد ذهبت إلى يسوع وغفر خطاياي وشفى مرضي". يا لها من شهادة! يا له من دليل حي على ألوهية ورأفة ورحمة المخلّص.