الخطاب ١٩

يسوع يرسل الاثني عشر

"١٢وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ لِلَّهِ. ١٣وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضاً «رُسُلاً»: ١٤سِمْعَانَ الَّذِي سَمَّاهُ أَيْضاً بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ. يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فِيلُبُّسَ وَبَرْثُولَمَاوُسَ. ١٥مَتَّى وَتُومَا. يَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى وَسِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ. ١٦يَهُوذَا أَخَا يَعْقُوبَ وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ الَّذِي صَارَ مُسَلِّماً أَيْضاً" (لوقا ٦: ١٢- ١٦).

نقرأ في هذا الإنجيل مراراً وتكراراً عن أوقات أمضاها ربنا في الصلاة. وهذا يتلاءم تماماً مع طبيعته الخاصة التي تصوّر ناسوتاً كاملاً في ذاك الذي هو أيضاً ابن الله. كإنسان، لم يشعر فقط بالحاجة إلى هذه الأوقات من الشركة مع أبيه، بل أيضاً بالرغبة في ذلك. وفي هذه المناسبة، وقبل اختياره الاثني عشر الذين كانوا سيمثّلونها كرسل له، أمضى طوال الليل على سفح الجبل، وحيداً مع الله الآب.

لم يكن الأمر هو أنه يرفع إلى الله حاجاته الخاصة. بل بالحري كان يتشارك مع الآب فيما يتعلق بهؤلاء الرجال الذين كان على وشك أن يعيّنهم في أرفع المناصب، ويصلّي لأجل أن تحل البركة الإلهية عليهم. لقد عاش دائماً وأبداً في طاعة لمشيئة الآب، ولم يفعل شيئاً سوى ما يتوافق مع إرشاده. إن كان، وهو الذي لا خطيئة فيه، الإنسان الإله، يعرف أهمية وقيمة الصلاة على هذا النحو، فكم بالحري بنا نحن أكثر، نحن الذين ندرك تماماً ضعفنا وإثميتنا، ومع ذلك نجهل ما هو الأفضل لنا، أن نمضي وقتاً طويلاً في الصلاة، سائلين الحكمة لمعرفة الطريق والنعمة التي تؤازرنا في كل ساعة من ساعات احتياجنا. ليست الصلاة هي مجرد الطلب من الله. إنها الحديث إلى الله. إنها تشتمل على العبادة، والشكر، والشركة، وأيضاً التضرع والتشفع.

في الصباح، بعد ليلة من الصلاة، دعا يسوع الاثني عشر من ضمن المجموعة الأكبر التي تبعته، والذين أفرزهم بشكل خاص ليكونوا معه ويدرّبهم لينطلقوا ويكونوا ممثلين عنه. ولهؤلاء أعطى الاسم "رُسُلاً". والرسول هو الشخص المُرسَل؛ حرفياً، مُرسَل. ولكن رسولية الاثني عشر تشتمل على ما هو أكثر من ذلك. لقد عُهد إليهم بشكل خاص أن يمثّلوا المسيح كسفراء له، أولاً للخراف الضالة من بني إسرائيل، ومن ثم إلى العالم الأممي الكبير. يهوذا، كما نعلم، أخفق في هذا، ولكن متياس اختير ليشغل مكانه. وبولس كان رسول النظام الجديد، مع تفويض خاص للدهر الحاضر فقط.

لقد ترك هؤلاء الاثني عشر مهنهم في الحياة، وراحوا يجولون مع معلّمهم وتعلّموا أن يتكّلوا على الله لأجل معيشتهم وأن يشاركوا يسوع في الصعوبات والمشقات التي مرّ بها طواعية، كخادم لله والإنسان. تدريبهم كان استعداداً للمهمة العظيمة التي ستُلقى على عاتقهم بعد موت وقيامة الرب يسوع.

دعوني أؤكد على أمر مهم يتعلق بهم وغالباً ما يتم إغفاله. لقد كانوا جماعة من الشبّان نسبياً. فنعرف من أحد آباء الكنيسة الأولى، أن يوحنا كان شاباً مراهقاً عندما دعاه يسوع ليتبعه. والآخرون أيضاً، كانوا إما شبّان أو في ريعان الشباب. الفنانون غالباً ما يصورون معظم هؤلاء التلاميذ ككهول شيوخ من بداية علاقتهم بيسوع. ولكن الحقيقة، أنهم استُشهدوا باكراً وإلا لكانوا استمروا في الشهادة للمسيح لسنوات عديدة بعد بدء الدهر التدبيري الجديد، وهذا دليل على أنهم لم يكونوا طاعنين في السن عندما دعاهم المخلّص في البداية. هذا أمر موحٍ: الشباب هو الوقت الملائم أكثر ليسلّم المرء خدمة حياته للمسيح. ينتظر كثيرون إلى أن تذبل زهرة الحياة قبل أن ينتبهوا إلى الدعوة الإلهية ويقبلوا الصليب، بكل ما يعنيه ذلك. كلما خلص المرء وسلّم حياته للرب، كلما سُمح له أن يحقق إنجازات لأجل الله. فكّروا في الكثيرين الذين سمعوا وانتبهوا إلى الدعوة، فتبعوا يسوع بينما كانوا لا يزالون شبانا. فكروا في مارتن لوثر الشاب، وتلاميذ الجامعة، جون وتشارلز ويستلي، وجورج وايتفيلد ورفاقهم، الشاب دي إل مودي، وشاس. هـ. سبرجن الذي كان يبلغ السادسة عشر من العمر، والفتى الجدّي، واو. م. بوث، وجمعٌ من الآخرين الذين يمكن تسميتهم، وكلهم يمثّلون تجسيداً للبيتين القديمين الذين يقولان:

"الشباب هو وقت الخدمة للرب،
الوقت الذي نضمن فيه عظيم الثواب".

دعونا نتأمل في هذه القائمة من الشبان الذين اختارهم المسيح رسلاً له. كل اسمٍ يلفت الانتباه وموحٍ لنا ونحن نتذكر ما يخبرنا به الكتاب المقدس عنهم.

أولاً، لدينا الطائش المندفع، ولكن المخلص سمعان صياد السمك، الذي سمّاه يسوع بطرس: الرجل الذي يشبه الصخرة، الصخرة التي يجب أن تُبنى على المسيح، صخرة الأساس العظيمة الذي ستستقر عليها كل الكنيسة. لقد كان رجل التناقضات، الذي يشابه كل المؤمنين الحقيقيين، إذ كانت له طبيعتان. نرى أحياناً الجسد هو الفاعل، وغالباً نرى الروح. رغم أنه أنكر الرب في ليلة الخيانة والمحاكمة الهازئة أمام قيافا، صار شجاعاً للحق بعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين، وفي النهاية، وإذ هو طاعن في السن، حوالي عام ٦٩ أو ٧٠ م.، ختم شهادته بموت الاستشهاد.

أندراوس، شقيق بطرس، تفوق كعامل مجتهد شخصياً. هو الذي قاد بطرس أولاً إلى المسيح. ليس لدينا الكثير من المعلومات عن خدمته الأخيرة في الكتابات المقدسة، ولكن أينما ذُكر يُرى كشخص معاون مفيد، وخادم بتواضع. بحسب روايات الكنيسة الأولى، استُشهد هو أيضاً مسمراً على الصليب.

يعقوب ويوحنا، ابنا زبدي، كما الآخران اللذان سبق ذكرهما، كانا صيادي سمك. سمّاهما يسوع "بُوَانَرْجِسَ" أَيِ ابْنَيِ الرَّعْدِ. وهذا يوحي بأنهما كانا شابان نشيطان متحمسان كالعاصفة، ومهتمان جداً، علماً أن يوحنا يعطيه الفنانون ملامح شخصية متأنّثة تقريباً. يعقوب كان أول من استُشهد لأجل الإنجيل، قُتل بالسيف بأمر من هيرودس. عاش يوحنا مطولاً إلى ما يفوق التسعين سنة من العمر، ورغم معاناته كثيراً لأجل المسيح، فقد مات موتاً طبيعياً في أفسس.

فِيلُبُّسَ وَبَرْثُولَمَاوُسَ (أيضاً يُدعى نثنائيل) مرتبطان معاً. لقد كانا صديقين قبل أن يعرفا الرب وظلّا رفيقين حميمين فيما بعد.

وكان متى، كما رأينا، جابي ضرائب تحت إمرة الحكومة الرومانية، ومركز وظيفته في كفرناحوم. وترك هناك كل شيء وتبع يسوع، وربما وضع ثروته في خدمة القضية التي تطوع لها.

أما توما، وبسبب موقفه الذي تلا القيامة، فإنه غالباً ما يُدعى توما الشكّاك. إلا أن توما كان أكثر من ذلك. لقد وصل إلى الاستنتاجات على مهل، ولكنه كان أميناً ومخلصاً وكان على استعداد أن يذهب إلى اليهودية مع يسوع وأن يموت معه إن اقتضى الأمر. يبدو أنه نقل بشرى الإنجيل إلى الهند. وحتى هذا اليوم، هناك كنيسة فيها الكثير من الأعضاء في تلك الأرض يدعون أنفسهم مسيحيي القديس توما.

وعن يعقوب، بن حلفى، لا نعرف الكثير. كان هو وأخوه يهوذا (غير الإسخريوطي) من أقارب يسوع بحسب الجسد. ربما يكون يهوذا هو من كتب الرسالة التي نعرفها باسم رسالة يهوذا، ولكن يعقوب الذي كتب الرسالة التي تحمل اسمه يبدو أنه كان أخاً ليسوع، مشرفاً على كنيسة أورشليم. وفي الأماكن الأخرى يهوذا هذا يُدعى تداوس.

سمعان الغيور، أو القانوي، كان سابقاً عضواً في منظمة سرّية كانت تهدف إلى قلب نظام الحكم الروماني وتحرير اليهود من سلطتهم. فتحول من ذلك إلى المسيح باعتباره المحرّر والمخلّص الحقيقي لإسرائيل.

وإلى الأبد، آخر شخص في المجموعة سيُعرف باسم "يَهُوذَا الخائن". وقد أعلن الرب قائلاً عنه أنه: "كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!" يبدو واضحاً أنه كان اليهوذاوي الوحيد في الجماعة، رجلاً من قَرْيُوتَ والتي منها تأتي كلمة إسخريوطي. على الأرجح أنه كان الأكثر ثقافة وعلماً بين الاثني عشر وأمين الصندوق لهم، ولكن ثبت أنه كان خائناً لهذه المسؤولية وانحدر إلى الخزي الأبدي باعتباره هو من حقق نبوءة زكريا، الذي يبيع راعي إسرائيل مقابل ثلاثين من الفضة.

ويُطرح السؤال دائماً عن سبب اختيار يسوع ليهوذا وعن علاقته الفعلية به. علينا أن نتذكر أن ربنا في اختياره للأشخاص يستند إلى الاعتراف إلى إيمانهم وولائهم له، ثم يعطيهم الفرصة ليظهروا الطبيعة الحقيقية لذلك الاعتراف. لقد كان يهوذا، مثل كثيرين في إسرائيل، يتطلعون إلى تأسيس الملكوت بقوة، ولربما كان صادقاً في تعلّقه بيسوع باعتباره رجل الساعة. ولكن بالرغم من أنه كان تابعاً مؤتمناً، معيناً كأميناً للصندوق لجماعة التلاميذ الصغيرة، إلا أنه لم يكن صادقاً داخلياً بشكل حقيقي (يو ١٢: ٦؛ ١٣: ٢٠)، وفي أعماق قلبه كان شيطاناً كما وصفه يسوع (يو ٦: ٧٠). لم تفلح ثلاثة سنوات من الاحتكاك بالمسيح في أن يقدر حقاً شخص المسيح وأن تدخل في قلبه ولاء للرب. إنه تحذير مميت من خطر الخلط بين مجرد الاعتراف بالخلاص ونيل الخلاص الحقيقي.

إذ نتأمل في هؤلاء الرجال، يا للدروس التي نستفيد منها. ليكن لنا أن نحاكي فضائلهم وأن نتحاشى أخطاءهم!