الخطاب ٤٤

الخطيئة التي لا تُغتَفر

"١وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ إِذِ اجْتَمَعَ رَبَوَاتُ الشَّعْبِ حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضاً ابْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ: «أَوَّلاً تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ ٢فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. ٣لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي النُّورِ وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذُنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى السُّطُوحِ. ٤وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. ٥بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هَذَا خَافُوا! ٦أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيّاً أَمَامَ اللهِ؟ ٧بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضاً جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ! فَلاَ تَخَافُوا. أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! ٨وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. ٩وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. ١٠وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلاَ يُغْفَرُ لَهُ. ١١وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ ١٢لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ»" (لوقا ١٢: ١- ١٢).

بعد إعلان الويلات على الفريسيين والناموسيين، نجد يسوع في أصحاحنا الحالي، يتطلع إلى ذلك اليوم الذي لن يكون فيه بعد على الأرض، ولكن تلاميذه سيكونون هنا، وسيكونون موضع اضطهاد شديد على يد أولئك الذين رفضوا رب هؤلاء التلاميذ وازدروا للشهادة التي أعطاها. في الآيات ١- ٣ يحذر من الرياء. وذلك أمر جميعنا عرضة له. إنه أمر سهل جداً أن ندعي أن نكون أكثر مما نحن. قد نظهر مخلصين وأتقياء أكثر مما نحن ونزعم الاعتراف بالتقوى التي لا نكون قد حققناها فعلياً. ولذلك يجب أن نأخذ كلمات ربنا هذه باهتمام وأن نضعها في قلبنا. يخبرنا الإنجيل أن جموعاً من الناس لا عدد لها كانت تتجمع هناك. لقد كان عامة الناس يحبون أن يسمعوا الرب يسوع. وفي الواقع كان هؤلاء يطلبونه أكثير من رؤساء الدين ونعلم من الإنجيل أنه "كَانَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ". ولكن أن يسمعوه هو أمر؛ ولكن أمراً آخر هو أن يقبلوا كلماته في قلبه ويتحولوا إلى الله في توبة. كم كان هناك في هذه المجموعة الكبيرة من أناس قبلوا المسيح حقاً كمخلّص، واعترفوا بحالة الخطيئة التي يعيشوها وحاجتهم إلى مخلّص، لا يمكننا أن نعرف، لا شك أن كثيرين فعلوا ذلك. ولكن الغالبية العظمى كانوا مهتمين ببساطة بالإصغاء إلى رسالته وأن يروا أعمال اقتداره. كان هناك عدد كبير من الناس، كما يخبرنا الإنجيل، حتى أنهم كانوا يتدافعون في ازدحام؛ وبدأ يقول لتلاميذه: "تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ". كان محظوراً على اليهود في العهد القديم أن يضعوا خميرة في بيوتهم في زمن الفصح. الخميرة هي رمز للشر. في كل الكتابات المقدسة نجد هذا المعنى. وفي الأناجيل ليدنا الرب يشير إلى الخميرة بثلاثة طرق. هنا نجده يحذر تلاميذه من خميرة الفريسيين، ونعلم بشكل محدد أنه يقصد الرياء, وفي مكان آخر يحذر تلاميذه من خميرة الصدوقيين- أي النزعة المادية، أو العقيدة الزائفة. لم يكن الصدوقيون يؤمنون بقيامة الأموات، ولا بالملائكة ولا بالأرواح. وفي مكان آخر يحذر تلاميذه من خميرة هيرودس، والتي هي الاهتمامات الدنيوية والفساد السياسي: الإخفاق في أن يعطي الله مكانته الشرعية في حكم الأرض. تودَّدَ الهيروديون إلى الرومان لكي ينالوا تلك الحظوة، فكانوا غير صادقين مع الإعلان الذي أعطاهم الله إياه.

فالخميرة إذاً هي دائماً رمز للشر، والفساد. يفكر البعض في مثل الخميرة، ويقولون: "لا شك أن الخميرة المخفية في الدقيق ليست رمزاً للشر. أليست هذه هي الإنجيل الذي ينتشر تدريجياً في كل العالم؟" إلا أن "ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ" ليست صورة عن العالم. إنها تقدمة الدقيق، رمز الإنسانية الحقيقية والكاملة لربنا يسوع المسيح. حقيقة أن المرأة خبأت الخميرة في ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ تدل على أنها كانت تقوم بعمل يُعتبر خطأً. ما كان يجب وضع أي خميرة في تقدمة الدقيق. ليس المثل هو صورة عن الإنجيل الذي ينتشر وسط الناس، بل إنه الخطأ الذي يتفاعل حيث تُعرف الحقيقة، وإعطاء البشر أفكار خاطئة بما يتعلق بشخص ربنا يسوع المسيح وعمله. الخميرة هي شر دائماً، ليست جيدة أبداً، ولذلك كان على التلاميذ أن يحذروا منها بأي شكل كانت. كيف نفهم هذا التحذير اليوم؟ كمسيحيين علينا أن نتخلى عن خميرة المكر والخداع ولشر. يجب أن تكون حياتنا كمثل كتاب مفتوح. ينبغي أن نكون قادرين على أن نقول مع التقي فليتشر الذي من مادلي: "ليتني أضع مرآة على قلبي لكي يستطيع الناس أن ينظروا فيها ويروا كم هي صادقة دقات قلبي نحو الله". ألا ليت هذا ينطبق على كل واحد منا، إذ " لَيْسَ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ مَكْتُومٌ لاَ يُعْلَمُ وَيُعْلَنُ". قد نعتقد أننا نخفي شيئاً؛ قد نعتقد أننا نغطي شيئاً بأن نقدّم اعترافات جريئة، ولكن كل شيء سيظهر يوماً ما وسينكشف بشكل كامل. من الأفضل أن ندين كل طريق شريرة الآن، على أن ننتظر لأن تنكشف في يوم الدينونة أمام كرسي المسيح. يعلمنا الإنجيل أن عمل كل إنسان سيظهر مهما كان نوعه. يقول يسوع: "كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذْنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى السُّطُوحِ". إن أبقينا هذا في أذهاننا أعتقد أنه سيوقف مقداراً كبيراً من القيل والقال. إن أدركنا أن كل ما نهمس به عن أي شخص آخر، حتى ولو كان انتقاداً بسيطاً أو رواية سيئة ننشرها حول الآخرين سيعرفها في نهاية الأمر هؤلاء وكل إنسان آخر، فلا يكون هذا رادعاً لنا ومحفّزاً لنكون أكثر حذراً في استخدامنا لألسنتنا؟ كل شيء سينكشف يوماً ما لأن "كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ".

في القسم الثاني من هذه الخطبة لدينا حض وتحذير يعزّي التلاميذ بسبب ما سيعانونه. فبعد أن يُرفض المعلّم ويُصلب، سرعان ما سينهض من بين الأموات وسيعود إلى السماء في المجد. أما شعبه فسيُرتك في العالم ليخبر الآخرين عن نعمته. لقد قال: "أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي". هناك أمرٌ ثمين جداً يتعلق بهذه العبارة "أَحِبَّائِي"! إنه يعتبر أن كل من يحبه ويبرهنون محبتهم له بإطاعة كلمته هم أحبّاءه. "أَحِبَّائِي"! كم هم كثيرون الذين تنطبق عليهم هذه التسمية! عندما يخاطب الرب خاصّته بـ"أَحِبَّائِي" فذلك لأن لديه اهتمام شخصي عميق لكل واحد منهم، ويجب أن يكون هناك تجاوب ملائم من جهتنا إذ نزعم أنه "مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ".

في الأصحاح ١٥ من يوحنا، يقول ربنا: "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي". ليس متوقعاً من السيّد أن يفتح قلبه للعبد ويكشف له أسراره. ولكن ربنا يحب أن يفعل ذلك مع أولئك الذين يدعوهم "أَحِبَّائِي". لثلاث مرات في الكتاب المقدس يُكرَّم إبراهيم بأن يُدعى "خَلِيلَ اللَّهِ"، إذ عندما كان الله على وشك أن يُنزل الدينونة على سدوم، قال: "هَلْ أخْفِي عَنْ إبْرَاهِيمَ مَا انَا فَاعِلُهُ؟" تنازل الله بنعمته لكي "يَتَكَلَّمَ مَعَ إبراهيم" بما يتعلق بمقاصده. بالنسبة لي، إنه لأمر مثير حقاً أن أفكّر أني أنا، الذي كنت يوماً خاطئاً بائساً ومتجهاً نحو الدينونة الأبدية، قد خلصت الآن بالنعمة اللامتناهية، وأني أستطيع أن أرفع بصري إلى وجه الرب يسوع وأقول: "أنتَ حبيبي".

قال لهم: "يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!" بعد أن يُقتل الجسد تستمر الروح في الحياة، إما في سعادة أو في بؤس. الماديون يرفضون أن يؤمنوا بهذا، ولكن ربنا يؤكد ذلك بشكل واضح محدد. لا يمكن أن تهلك النفس عندما يُقتل الجسد. يدون متى كلام ربنا وهو يقول: "لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلَكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ". كلمة "يُهْلِكَ" تُستخدم بمعنى "هالِك"، في مكان آخر من الأمثال- هالكين في جهنم. رغم أن البشر قد يقتلون الجسد إلا أنه لا يمكنهم أن يلمسوا الروح. عندما يموت الجسد فإن روح المؤمن تغادر الجسد وتكون حاضرة فوراً مع الرب. فمن سيخشى الموت إذاً ونحن نعلم هذه الحقيقة المجيدة؟ من جهة أخرى، إن لم يكن المرء مستقيماً في عيني الله فيجب أن يخاف من الله الذي، وبعد الموت من الجسد، ستكون له القوة ليلقي بروحه إلى الجحيم. يقول يسوع: "نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!" هناك أناس اليوم لا يؤمنون في يوم الدينونة، أناس لا يؤمنون بجهنم والعقاب بعد الموت. ولكن كل الجدال الذي يقدمونه ضد هذه الحقائق لا يمكن أن تنزع كلمة الله. الكتابات المقدسة تقول بوضوح أن: "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ". لقد قال الرب أشياء كثيرة عن الدينونة بعد الموت أكثر من أي كارز آخر في العهد الجديد.

في القسم الثاني من هذا الخطاب يعزي الرب تلاميذه بخصوص الخبرات التي سيُدعون لاجتيازه بينما هم يعيشون هنا على الأرض: "أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟ بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!" كانت العصافير زهيدة السعر. كان الناس يمسكون بهم ويأخذونهم إلى البيت ويزيّنون ويبيعونهم في السوق الاثنان بفلس والخمسة بفلسين. وكان يشتريها أفقر الناس الذين لا يستطيعون الحصول على طعام أفضل. بالحديث عن العصافير الخمسة، اعتاد الدكتور جيمس س. بروكس أن يقول: "أعتقد أن الحديث هو حول كيف أخلص: أربعة آخرون اهتدوا، وأنا أُلحقت بهم". يقول يسوع أنه ما من أحد من هؤلاء العصافير ينساه الله. "بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!" قال أحدهم أن الله يذهب إلى جنازة كل عصفور. وقال يسوع أنه ما من عصفور يسقط إلى الأرض بدون معرفة الله. فكم هو مهتم بكم أكثر أنتم الذي تؤمنون بالآب وتؤمنون بابنه!

في الآيتين ٨ و٩ يتكلم يسوع عن الاعتراف به أو نكرانه، وهذا أمر في غاية الأهمية "وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ. وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ". لاحظوا أن السؤال ليس عما إذا كنتم تؤمنون بأن المسيح هو ابن الله، بل إن كنتم قد اعترفتم به بالتأكيد أم لا. "لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ". هناك الكثير من الناس الذين سمعوا قصة الإنجيل طوال حياتهم ولم يشكّوا ولو لوهلة بحقائقهم العظيمة، ولكنهم اقتبلوا هذه الحقائق كما اقتبلوا أية حقائق تاريخية أخرى، ولم يسلّموا أنفسهم للمسيح ويعترفوا به مخلّصاً. ألا ليتكم تقوموا بهذا الاعتراف اليوم! ليقل كل واحد منكم في نفسه أن: "نعم، أنا أعترف بيسوع المسيح ابن الله مخلّصاً لي. وأعترف أني بفضل ذلك سيكون وقوفي معه". إن اعترفتم به هكذا، فإنه سيقول لكم: "وأنا اعترف بكم أمام الملائكة. سأقول أنكم تخصونني، وأنكم لي، وأني اشتريتكم بدمي الثمين". ولكن من جهة أخرى، مهما كان إيمانكم به، إن كنتم ترفضون الاعتراف به مخلّصاً لكم، إن كنتم تنكرونه في هذا اليوم الذي يُرفض فيه، فإنه سيرفض أن يعترف بكم؛ سوف ينكركم في ذلك اليوم من تجليه العظيم، إذ "مَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ". إن أردتم أن يعترف بكم عندئذ ، فيجب عليكم أن تعترفوا به الآن.

في الآية ١٠، نأتي إلى حقيقة جديدة مهيبة أوحت بعنوان هذا القسم: الخطيئة التي لا تُغتفر. دعونا نتريث هنا لوهلة. لقد كان الرب يسوع يعرف أن كثيرين تكلموا ضده؛ وكان يعرف الأشياء الشريرة التي قيلت عنه، ولكن كان لا يزال يقول بأن كل ذلك سيُغفر لهم إذا ما اتجهوا على الله وآمنوا بذاك الذي أخطأوا تجاهه. إن كل خطاياهم وتعدياتهم سوف تنكشف. ويضيف يسوع قائلاً: "أَمَّا مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلاَ يُغْفَرُ لَهُ". بنما كان هنا على الأرض طرد الشياطين بالروح القدس، مؤكداً بذلك مسيانيته. نسب البعض هذه القوة إلى بعلزبول- وهذه هي خطيئة ضد الروح القدس. كانت بسبب أنهم كنوا عازمين ومصممين على ألا يقبلوا معجزاته كأدلة على حقيقة شهادته لدرجة أنهم نسبوا عمله إلى الشيطان. عن هذه الخطيئة قال يسوع أنه لن تكون هناك مغفرة في ذلك الدهر أو في الدهر الآتي. إن التجديف على الروح القدس في ذلك الدهر يعني رفض قبول شهادة الروح القدس عن شخص وعمل الرب يسوع المسيح. والأمر نفسه اليوم. الخطيئة التي لا يمكن أن تغتفر هي الرفض النهائي لشهادة الروح القدس على الرب يسوع. إن رفضتم المسيح فلن تنالوا سوى الدينونة. كل خطيئة- السرق، والقتل، والكلام الشرير، والمكر، والخبث، والبغضاء- كل هذه كان قد كفر عنها الرب في صليب الجلجثة، والروح القدس جاء من السماء ليشهد على ذلك. ولكن إذا ما رفض الناس هذه الشهادة فإنهم يخطئون قصداً وعمداً ضد الروح القدس. وما من مغفرة لهم. لذلك أرجو منكم، إن كنتم غير مخلّصين، لا تجازفوا وتستمروا برفض المسيح، لئلا تأتون إلى مكان حيث سيكون الروح القدس لآخر مرة يجاهد معكم، وفي تلك الحالة لن تكون لكم مغفرة على الإطلاق.

في الآيتين الأخيرتين من هذا القسم يخبر ربنا تلاميذه أنه بالروح القدس نفسه ستكون لهم القوة ليعلنوا الإنجيل في تلك الأيام الآتية: "مَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ". لدينا أمثلة توضيحية في سفر أعمال الرسل، عندما أُحضر الرسول بطرس إلى السنهدريم لم يلقِ خطبة عظيمة حرّرته في صباح اليوم التالي. الروح القدس أعطاه أن ينطق. لقد وقف أمام هؤلاء الرجال وكرز بالمسيح، وفعل ذلك بقوة حتى أنهم لم يعرفوا كيف يردوا عليه. وعندما ظهر شاول الطرسوسي أمام الملوك والحكام ورؤساء الكهنة وحكام ورؤساء إسرائيل، لم يعطِ أية رسالة؛ ولكن بقوة الروح القدس دافع عن نفسه بطريقة مقنعة جداً. الكرازة الحقيقية الوحيدة اليوم هي الكرازة بقوة الروح القدس. لا نقول أن خدام الإنجيل يجب ألا يكرسوا وقتاً للصلاة، والدراسة، وللكلمة التي يستعدون لإعطائها للناس في المستقبل، بل أن اتّكالهم يجيب أن يكون على قوة روح قدس الله الذي يستطيع وحده أن يجعل الكلمة مثمرة.

وهكذا أظهر بنا لتلاميذه أين تكمن قوتهم في الأيام التي سينطلقون فيها باسمه ليعلنوا رسالته إلى العالم. كم كرَّم تلك الكلمة بشكل رائع عبر العصور! وكم نشكره على أنه سُرّ بأن يستخدمها للبركة في خلاص الناس في كل مكان، أولئك الذين قبلوها بإيمان وهكذا جعلوا المسيح يسوع مخلّصاً لهم واعترفوا به ربّاً!