الخطاب ١٥

تطهير الأبرص

"١٢وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». ١٣فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. ١٤فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «ﭐمْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ». ١٥فَذَاعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَاجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ" (لوقا ٥: ١٢- ١٥).

في هذه المعجزة الرائعة لربنا- معجزة تتكرر عدة مرات في خدمته على الأرض- نجده يتعامل مع رجل مصاب ببرص، اعتيد في الكتاب المقدس أن يُوصف هذا المرض على أنه داء الخطيئة. هناك أربعة أشياء يمكن أن نقولها عن البرص تنطبق على الخطيئة. أولاً، أنه مرض يتعلق بصحة الإنسان؛ وثانياً، إنه مرض كريه؛ وثالثاً إنه مرض معدٍ؛ وأخيراً، ومن ناحية قدرة البشر على الشفاء، في الأيام القديمة تلك، إنه مرض مستعصٍ. في أيامنا، اكتشف العلم طرقاً عديدة للشفاء منه إذا ما تمّ العلاج في الوقت المناسب، ولتسكين الألم عند أولئك الذين تطول فترة مرضهم. ولكن في أزمنة الكتاب المقدس، لم تكن تُعرف أي من هذه الطرق. الله وحده كان في مقدوره أن يشفي الأبرص. وهذا ما جعل الأعجوبة التي قام بها الرب في غاية الأهمية.

البرص مرض بنيوي، وبهذا يُصور حالة الإنسان الخاطئة بالطبيعة. كما ترون، المشكلة في كل البشرية ليس أنهم يصبحون خطاة بارتكاب الخطيئة، بل أنهم يخطئون لأنهم خطاة. نحن مولودون في الخطيئة ومجبولون بالإثم. فيروس الخطيئة هو في كياننا، من اللحظة التي نتنشق فيها أول نفسٍ. لدينا استعداد كبير لعصيان الله والانتقال من خطيئة إلى أخرى بسبب الطبيعة الخاطئة التي نولد فيها. لا نخطئ جميعنا بنفس الخطيئة، ولكن الكتابات المقدسة تقول: "الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رو ٣: ٢٣).

أتذكر أني قرأت قبل بضعة سنوات في مجلة طبية عن رقصة كانت تُقام في مدينة كالكوتا، في الهند، حيث يجتمع عدة سيّدات، ورجال نبلاء، وأناس يتمتعون بالغنى والثقافة. وكانت إحدى النساء الفتيات، حسناء الحفل، ترقص مع طبيب اسكوتلندي. قال لها عندما رجعا إلى كرسيها: "هل لي بكلمة معك؟" آمل ألا تنزعجي. لم أستطع إلا أن ألاحظ وجود لطخة معينة على كتفك. هل هي هنا منذ زمن بعيد؟" تلوّن وجه الصبية وقالت: "نعم يا دكتور؛ لقد ظهرت قبل بضعة أشهر، وهي تزعجني للغاية". فقال: "أتمنى أن تمرّي لأراك غداً. أود أن أستدعي أخصائي على معرفة جيدة بهذه الأمور ليعاين هذه اللطخة". شعرت الصبية بالخوف، ولكنها عملت كما قال لها، وفي اليوم التالي، وبعد فحص دقيق للبقعة، فوجئت لمعرفتها بأن لديها برص. صحيح أن هناك لطخة صغيرة فقط على كتفها إلا أن الوباء كان يتفاعل فيها، ولم يلبث أن يظهر أكثر وأكثر، وذلك الجسد الجميل ستعلوه علامات وندوب.

ألا تشبه الخطيئة هذه الحالة؟ فتبدأ على ما يبدو بأمر صغير؛ عادة غير سليمة، تكون تافهة، ثم تنمو وتتعاظم إلى أن تتجلّى الخطيئة في النهاية بكل فسادها الفظيع. الخطيئة الصغيرة تؤدي إلى أمر أسوأ، وتزداد إلى أن تظهر بشكل واضح يطغي على كل الحياة وتشكل نوعاً من البرص الروحي.

البرص هو أحد أكره الأمراض، والخطيئة كريهة أيضاً. إنها الأمر الأكثر بغضاء في كل عالم الله. إنها الأمر الذي أفسد كل الكون، وحطّم مئات من القلوب وجلب الخزي تجاه الله، ذلك الذي خلق العالم. ما من شيء بغيض في نظره بمقدار الخطيئة. ونعلم من سفر الأمثال القول: "اَلْجُهَّالُ يَسْتَهْزِئُونَ بِالإِثْمِ وَبَيْنَ الْمُسْتَقِيمِينَ رِضىً" (أم ١٤: ٩). كثيرٌ من الناس جُهّال عابثون طائشون يقولون: "الحياة قصيرة فلنحياها بفرح"، و"حسنٌ أن ننال كل متعة نستطيعها وأن ننغمس في كل شر". إنهم على ما يبدو لا يدركون كم هي كريهة الخطيئة.

البرص مرض معدٍ. يكن للمرء أن ينقله بسهولة للآخرين بالاحتكاك بهم؛ وهذا هو السبب في أن البرص، عندما كان يُكتشف أمره، كان يُقصى عن أصدقائه وعائلته. كان يتوجب عليه أن يعيش بعيداً عنهم في البرية. وأعراف وقوانين العهد القديم كانت صارمة جداً. كان يتوجب عليه أن يُظهِر نفسه أمام كاهن ليُفحص، وإن وُجد أبرصَ، فكان يُجبَر على أن يبقى خارج المحلّة، بعيداً عن مسكن الأصحاء. وكان يجب عليه أن يضع غطاءً على شفته العلوية ويصرخ: "نجس، نجس". تلك هي صورة الله عن الخاطئ. كما ترون، يكون الخاطئ مفصولاً عن الآخرين لأنه قد يعديهم. أولئك الذين يعيشون في لخطيئة يعدون الآخرين على الدوام، لأن "خَاطِئاً وَاحِداً يُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً" (جا ٩: ١٨). ومع ذلك فإن هذا الفيروس يعمل في كل قلب إلى أن تفحصه النعمة الإلهية.

وكان البرص مرضاً مستعصياً في أيام القديم، والخطيئة لا شفاء لها إن كان الاتّكال على العون البشري فقط. حاول العلماء والفلاسفة أن يستنبطوا خططاً يتخلّصون بها من خطيئة الجنس البشري، ولكن اليوم، ورغم كل العمل والجهود المبذولة، تسود الخطيئة وتهلك تماماً كما الحال في الماضي. نحن أناس أشرار كما حال الجنس البشري دائماً وأبداً. ما من علاج تم ابتكاره سوى العلاج الإلهي- القدرة العظيمة لإنجيل الرب يسوع المسيح.

ليس من احتمال للخطأ في تشخيص هذه الحالة. كان البرص يتجلى بشكل ظاهري واضح. خطايا بعض الناس ظاهرة للعلن. وعند بعض الناس لا تكون الخطايا واضحة. لا نجد صعوبة في اعتبار السكّير المحطم خاطئاً؛ العادات السيئة عند الإنسان الفاسق سرعان ما تصبح واضحة للجميع. البعض يستطيع أن يخفي خطاياه، كأن يضع غطاء للبرص على جسده مرتدياً ثياباً جميلة. ولكن الله يرى ويعرف كل شرّنا وسيتعامل مع كل إنسان وفق كلمته.

ولكن مهما كانت الخطيئة أو الحجاب الذي نضعه؛ ومهما كان التلوث والنجاسة في قلوبنا، هناك شفاء وتطهير إن أردنا فقط أن نأتي إلى ربنا المبارك الذي هو على استعداد اليوم ليخلّصنا من الخطيئة ويحررنا من إثمها وقوتها، تماماً كما كان قادراً على أن يشفي ويخلّص أولئك الذين كانوا يأتون إليه في الزمن القديم. ما من حالة يراها المسيح سيئة للغاية أو ميئوساً منها. اعتاد جورج وايتفيلد أن يهتف أحياناً قائلاً: "يا أصدقائي، يسوع يُعنى حتى بأولئك الذين طرحهم الشيطان". هذه العبارة سببت انزعاجاً كبيراً لليدي هنتينغدون، التي كانت صديقة حميمة لوايتفيلد كما أيضاً لويلسي، ولكنها رأت في هذه العبارة كلاماً يدل على عدم توقير وأنه ما كان يُفترض أن يخرج من فم كارزٍ بالإنجيل. فأرسلت تستفهم من وايتفليد عن هذا الأمر، وأصغى ذاك بتواضع وفيما بعد طلب من أحد الذين كانوا قد اهتدوا خلال خدمته أن يذهب ويرى الليدي هنتينغدون وأن يخبرها بقصة اهتدائه. فأخبرها ذاك كم كان في أسفل دركات الخطيئة، سكّيراً مجدّفاً، إلى أن شعر في النهاية بأنه لم يبقَ له سوى الانتحار. لقد كان يفضّل أن يحيا في بؤس لا نهائي في العالم الآخر على أن يعاني من التعاسة الفظيعة التي جلبتها له الخطيئة في حياته هنا. وإذ وضع ذلك في ذهنه، كان في طريقه في صباح باكر في أحد الأيام إلى نهر التين لكي يضع حداً لحياته، وإذا به يمرّ ببلدة مورفيلد، ويرى جمعاً محتشداً هناك في تلك الساعة المبكرة، ورأى أنهم كانوا يستمعون إلى ذلك الواعظ الشهير جورج وايتفيلد. وإذ كان يقترب من أطراف الجموع المحتشدة هناك، سمع صوت ذلك الواعظ الجهوري يقول: "يا أصدقائي، يسوع يُعنى حتى بأولئك الذين طرحهم الشيطان". فدخلت الكلمة إلى قلبه وجاء إلى المسيح. ما إن سمعت الليدي هنتينغدون هذه القصة حتى اغرورقت عيناها بالدموع، وعندما التقت بوايتفيلد ثانية قالت له: "لا تخشَ أن تقول أن يسوع يُعنى حتى بأولئك الذين طرحهم الشيطان".

نعلم في الحادثة هنا أن يسوع وضع يده على الأبرص وشفاه. لو كان يسوع إنساناً عادياً، فإن هكذا احتكاك مع الأبرص كان سيجعله نجساً طقسياً، ولكن بدلاً من ذلك، تطهّر الأبرص في الحال، وأمره يسوع أن يذهب إلى الهيكل ليري نفسه لأجل أن يتطهّر بحسب التعليمات التي كان موسى قد أعطاها. وهذه التعليمات نجدها في الأصحاح ١٤ من سفر اللاويين. قبل هذه الحادثة ربما لم يُضطر أي كاهن في إسرائيل وعلى مدى مئات من السنين أن يطهّر أبرص يأتي إليه لأجل إجراء هذه الخدمة. قال يسوع أن هذه ستكون شهادة لهم؛ وكم كانت حادثة ذات مغزى ومعنى أن رجلاً يُشفى هكذا يأتي إلى الكاهن ويطلب منه أن يفحصه بعناية، ومن ثم أن يقدّم القرابين التي ورد ذكرها في ذلك الأصحاح. في الأصحاح ١٣ من اللاويين نرقأ كيف كان الكهنة يشخّصون حالات البرص وكانوا يُضطرون بلا شك إلى الإشارة إلى هذا الجزء من كلمة الله مرات عديدة إذ كان هناك عدد هائل من البرص في إسرائيل في تلك الأيام. ولكن لعل الأصحاح ١٤ كان عملياً رسالة ميتة، إذ لم تمر بهم أية حادثة يقومون فيها بتلك الإجراءات المفروضة. فيا لها من شهادة كانت تلك عندما جاء ذلك الأبرص، وتبعه برص آخرون في الأشهر التي تلت ذلك، إلى الهيكل لكي يتم الإعلان رسمياً عن تطهّرهم ويُعادوا إلى جماعة شعب الرب. ولعلنا نستغرب إذا ما فتحنا سفر الأعمال وقرأنا: "جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ" (أع ٦: ٧). لقد عرفوا في حالات كثيرة قوة الرب يسوع على الشفاء ولا بد أنهم أدركوا، وخاصة بعد أن علموا بقيامته من بين الأموات، أنه كان بالحقيقة مسيّا إسرائيل الموعود.