الخطاب ٥٢

ضيقة عظيمة

"٢٢وَﭐجْتَازَ فِي مُدُنٍ وَقُرًى يُعَلِّمُ وَيُسَافِرُ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ ٢٣فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟» فَقَالَ لَهُمُ: ٢٤«ﭐجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ ٢٥مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجاً وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ افْتَحْ لَنَا يُجِيبُ وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! ٢٦حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا. ٢٧فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ. ٢٨هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجاً. ٢٩وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ. ٣٠وَهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ». ٣١فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «ﭐخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ». ٣٢فَقَالَ لَهُمُ: «ﭐمْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ. ٣٣بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ. ٣٤يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. ٣٥هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ»" (لوقا ١٣: ٢٢- ٣٥).

هذا الجزء من إنجيل لوقا يأتي بنا إلى الأزمة الكبيرة في تاريخ بني إسرائيل. لثلاث سنوات كان ربنا المبارك يقدم نفسه للناس على أنه الملك الموعود، ذاك الذي كان أنبياء العهد القديم قد تنبأوا بأنه سيأتي في ملء الزمان ليحكم هنا على الأرض؛ ولكنه قُبل بمعارضة متزايدة متصاعدة. من بدء البدء عارضه الرؤساء والقادة. ما كانوا ليرضون أن يعترفوا به ولا بأوراق اعتماده. لقد رفضوا بقوة أن يروا فيه المسيا الموعود. لثلاث سنوات أغلقوا قلوبهم عنه، وكان قد جاء الوقت الذي استوجب تنحية بني إسرائيل جانباً للوقت الحاضر، وأن تنطلق دعوة الله إلى العالم الأممي.

ترك يسوع الجليل وسافر ببطء نحو الجانب الشرقي من بحر الجليل ونهر الأردن، عبر الْعَشْرِ الْمُدُنِ وبيرية، لكي يصل إلى أورشليم في وقت الفصح- عشاء الفصح الأخير الذي كان سيتناوله مع تلاميذه. في نفس يوم العيد كان سيموت لأنه حمل الفصح الحقيقي. إذ انتقلوا عبر القرى وتكلموا معاً، التفت أحدهم إليه وسأله: "يَا سَيِّدُ أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟” هذا سؤال يراود قلوب كثيرين. هل سيكون هناك بضعة فقط في السماء نسبياً، أم سيكون هناك كثيرون؟ لا يجيب الرب تماماً وبدقة على هذا السؤال هنا. هناك عدة مقاطع أخرى من الكتاب المقدس أعتقد أنها تجيب على هذا السؤال بشكل واضح جداً. إننا نعلم أن كل الأبناء الذين يموتون وهم رضع سيخلصون، لأن ربنا يسوع أعلن بشكل واضح قائلاً: "لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ". هذا، بحد ذاته، يعطينا فكرة عن الجموع الغفيرة من المفديين. ولكن بالنسبة لأولئك الذين نموا ونضجوا، سيكون هناك عدد أكبر من الذين رفضوا كلمة الله من أولئك الذين قبلوها. ما من أحد يخلص سيرفض النور الذي يعطيه الله لهم. كل هؤلاء يدانون بشكل عادل. ولكن في هذه المناسبة، أكد ربنا، وبدلاً من أن يجيب على الأسئلة، على أهمية أن نكون جديين للغاية في ما يتعلق باليوم الآتي. قَالَ لَهُمُ: "ﭐجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ". هذا لا يعني أننا سنخلص بجهودنا الشخصية، لأن هذه لن تخلّصنا على الإطلاق؛ ولكن يجب أن نكون جديين عندما يُفتح باب الحياة، ونُدعى للدخول إليه، يجب أن نحرص على أن ننتبه إلى الدعوة الثمينة وألا نتجاهلها بلا مبالاة، لئلا نجد أخيراً أننا فقدنا فرصتنا.

يضيف يسوع قائلاً: "مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجاً وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ افْتَحْ لَنَا يُجِيبُ وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!". ألا ليتنا نأخذ هذه الكلمات التحذيرية بشكل جدّي في قلوبنا اليوم لأنها تعنينا كما كانت تعني شعب إسرائيل القديم. الباب إلى ملكوت الله لا يزال مفتوحاً، ولكنه باب ضيق. ما من أحد يستطيع أن يعبر من ذلك الباب مع خطاياه التي يحملها عليه. ولكن كما أن المسيح نفسه هو الباب، فلعلنا نجد فيه انعتاقاً من خطايانا، وهكذا ندخل إلى طريق الحياة. الطريق الضيق هو طريق الإذعان للمسيح؛ طريق يتطلب نكراناً للذات واعترافاً بمسؤوليتنا لأن نحيا لأجل المسيح الذي نعمته وحدها يمكن أن تخلّصنا.

أناشدكم أن تنتبهوا إلى كلمات ربنا: "ﭐجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ". لا تدعوا شيئاً يمنعكم من أن تكونوا على يقين من خلاصكم الأبدي. بل كونوا كمثل ذلك الرجل في كتاب بنيان: "Pilgrim’s Progress "، الذي، عندما سمع عن الدمار الوشيك الذي سيصيب المدينة التي يعيش فيها وعرف أن النجاة تكون من خلال دخول ذلك الباب الصغير، رفض أن يثنيه عن عزمه أي من أبناء بلدته، فوضع أصابع يديه في أذنيه، وفرّ منهم وهو يصيح قائلاً: "الحياة! الحياة! الحياة الأبدية!" وشقّ طريقه على هذا النحو نحو ذلك النور المشرق الذي دلّه عليه المبشِّر.

يسوع يحذّر من خطر الضلال وهو يتابع خطابه قائلاً: "حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا". أو، كما يمكن أن يقول البعض: "لقد حضرنا إلى الكنيسة؛ ورنّمنا ترانيم الإنجيل؛ واستمعنا إلى كل العظات؛ وقدّمنا نقوداً لنساعد في المساعي الإرسالية". ولكن هذه الأمور لا تخلّص. إذ يضيف "فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ". ستتذكرون حينها في الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا ما يقوله ربنا "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي". والآن لاحظوا العكس. خرافه نفسها هم أولئك الذين يدخلون عبر بوابو الضيقة ويسلكون الطريق الضيق. إنهم جميع أولئك الذين آمنوا بالإنجيل. يقول عن تلك الخراف: "أَنَا أَعْرِفُهَا". لاحظوا الفرق بين هؤلاء وأولئك المذكورين هنا الذين سيقول لهم: "أَقُولُ لَكُمْ لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ". لن يكون هناك أحد سيقول له يسوع: "اعتدت أن أعرفك ولكن ما عدت أعرفك؛ عرفتك مرة، ولكنك خسرت الحق بكل الاعتراف". إن يسوع يقول لكل الضالين: "لم أعرفكم!" ما من نفس توجد تقرع الباب خارج ذلك الباب المغلق الذي كان يوماً مخلّصاًَ ثم خسر خلاصه؛ ولكن ستكون هناك آلاف مؤلفة، على ما أخشى، من الذين فكروا بأنهم مسيحيون، وأصدقاءه على الأرض ظنوا أنهم كذلك، ومع ذلك فإن الرب سيقول لهم في ذلك اليوم: "لا أعرفكم". فهم لم يولدوا حقاً من الله على الإطلاق.

كان الرب يتكلم بشكل محدد إلى أولئك الذين من بني إسرائيل والذين سمعوا رسالته، والذين قيل لهم بأنه المسيا والملك الموعود؛ ومع ذلك فإن الغالبية العظمى رفضوا أن يؤمنوا به. يقول: "هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجاً". لاحظوا الدليل على الاعتراف الكامل لأولئك الذين دخلوا إلى العالم الآخر- سوف يعرفون إبراهيم، واسحق ويعقوب. سيرونهم رغم أنهم سيكونون على الجانب الآخر من الهاوية العظيمة؛ سيرون ما وراء الجانب السماوي من الملكوت، آباء إسرائيل، والأنبياء الذين كان اليهود يقولون أنهم يفتخرون بكتاباتهم؛ إلا أن هؤلاء أنفسهم الذين أخفقوا في معرفة الفادي عندما جاء ليحررهم، سيُغلق عليهم في الظلمة. فانتبهوا لئلا يأتي يوم ترون فيه في المجد هناك أبيكم، وأمكم، وأصدقاءكم، والأعزاء الذين عرفوا المسيح وأحبّوه؛ ومع ذلك تكونون أنتم خارجاً لأنكم لم تقبلوا المخلّص. اقبلوه الآن إن لم تقبلوه من قبل، وأنتم تسمعون الآن هذه الكلمات تطنّ في آذانكم. أنتم في حاجة إلى دمه لتغتسلوا من خطاياكم. اقبلوه الآن بإيمان. وفي اللحظة التي تفعلون فيها ذلك فإنه سيقبلكم، وتمرون من الباب الضيق. كان لدى إسرائيل هذه الفرصة ولكنهم لم يستفيدوا منها. لقد خسروا امتيازاتهم؛ ولذلك فقد اقترب ذلك اليوم الذي سيُلقون فيه خارجاً ويأخذ آخرون مكانهم. "وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ". هناك ملايين من العالم الأممي الذين دخلوا وتمتعوا بالفرح الذي ازدرى به بنو إسرائيل. وهكذا يخبرنا الإنجيل قائلاً: "وهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ". كان بنو إسرائيل أوّلين في مخطط الله للبركة وصاروا الآن آخرين.

"فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «ﭐخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ»". لقد ادعوا أنهم مهتمين بتخليص حياة ربنا، ولكنهم لم يفهموا أنه ما من شيء كان ليمكن أن يسلب منه الحياة ما لم يضعها بنفسه. وإذ كان يعرف بكل هذه الأمور التي ستجري له ويفهم موقفهم المخادع الكاذب، "قَالَ لَهُمُ: ﭐمْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ". أي، أنه يكمّل الخلاص. نقرأ في الأصحاح الثاني من الرسالة إلى العبرانيين أن ذاك الذي كان كاملاً في شخصه، قد كَمَّلَ رَئِيسَ خَلاَصِنا بموته على الصليب.

لقد ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وينهي شهادته هناك، حيث كان يُزمع أن يضع حياته لأجل فدائنا. وإذ فكّر بتلك المدينة- المدينة التي امتازت عن كل مدن الأرض ومع ذلك لم تعرف وقت افتقادها- صرخ قائلاً: "يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا". بهذه الكلمات يخبرنا عن توق قلب الله، ليس فقط نحو أُورُشَلِيم وشعب إسرائيل، بل لكل البشر في كل مكان حيث أشاحوا بوجههم عنه ورذلوا رسالته بلا مبالاة.

"تطلّع الرب من السماء،
ولا يزال ينظر إلى الأرض،
حيث يجول في تلك البرية،
ابنٌ مصيره الهلاك.
لقد تمرّدوا عليه وأغضبوه،
وعلى الثياب اقترعوا،
ولكن في أعماق قلبه يكمن الحب،
فإلى ظلّ جناحية أستتر".

إن كنتَ غير مخلّص بعد، فإني أناشدك، ألا تجرح قلب الله بالاستمرار في رفض ابنه. لقد أحبّك لدرجة أنه وهب المسيح ليموت عنك. فلا تمعن في إهانته أكثر برفضك لتلك العطية وقولك: "لستُ مهتماً بالمسيح". من جهة أخرى، ما من شيء آخر يمكنك أن تفعله لتسرّ قلب الله أكثر من قولك: "إني أقتبل ابنك؛ وأومن به مخلّصاً لي؛ وأقرّ به ربّاً على حياتي". مكتوبٌ "أَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ".

ثم نرى تالياً كلمات الرب التي وجهها إلى أولئك الذين رفضوا شهادته. كان ذلك الرفض نهائياً عند بني إسرائيل. لم يدركوا أنهم تجاوزوا خط الموت. قال الرب يسوع: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ". وصلت الضيقة إلى حد تعامل الله مع إسرائيل في ذلك العصر. ومنذ ذلك الحين فصاعداً كما نفهم من كل الأناجيل، لم تكن هناك أية محاولات لاستعادة شعب إسرائيل. لقد أغلقوا الباب على أنفسهم. ولذلك فقد تخلّى الله عنهم وأسلمهم إلى قساوة القلب. وسوف لن يتوب هؤلاء حتى يعود ربنا. ومنذ ذلك الوقت قال الرب: "بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ خَرَاباً". لقد تمت تنحية إسرائيل وما عاد شعب الله الأثير. من جهة أخرى يقدّم الله الانعتاق لكل إسرائيلي يعود إليه ويؤمن به. وليس هناك فرق، إذ "الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". "لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ لأَنَّ رَبّاً وَاحِداً لِلْجَمِيعِ غَنِيّاً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ". في سفر أعمال الرسل نرى الرب، من خلال بطرس، يطلب من بني إسرائيل أن يخلّصوا أنفسهم من ذلك الجيل الفاجر بالاعتراف بالمخلّص الذي أنكره الشعب. إلا أن يوم استعادة شعب إسرائيل أُرجئ إلى أن يتجلّى بالمجد ذاك الذي رفضوه يوماً، وسينظرون إلى ذاك الذي طعنوه ويجثون عند قدميه تائبين.