الخطاب ٢٤

الوعد بالروح

"وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قَائِلاً: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ" (يوحنا ٧: ٣٧- ٣٩).

في هذه الآيات كان يوجه ربُّنا فكرَ مستمعيه إلى دهر تدبيري جديد. لقد جاء، كما نعلم، تحت الناموس. لقد جاء في توافق كامل مع كل ما ورد في العهد القديم من نبوءات. لقد جاء ليبجّل الناموس وليجعلَه مكرَّماً. ولكن طوال خدمته المجيدة، وبينما كان يُشير إلى إخفاقات الناس تحت الناموس، كان يتكلّم عن تلك النعمة والحق التي جاء يعرّف بهما. لقد تأمّلنا لتونا بلقاءاته العديدة في الهيكل والآن نأتي إلى شيء حدث في اليوم الأخير، اليوم العظيم من عيد المظال. لقد كانت عادةً في اليوم الأخير أن تكون هناك خدمة خاصة تدعى "سكب الماء". في ذلك اليوم كانت مجموعةٌ من الكهنة الذين يرتدون ثياباً بيضاء ينزلون إلى بركة سلوام. وكانوا يملأون أجاجينهم بالماء من البركة، ثم يسيرون عائدين إلى الهيكل ويسكبون الماء في حضور الناس. كان هذا بهدف تذكيرهم بالتدبير العجيب الرائع الذي صنعه الله لإسرائيل خلال أيام تجوالهم في البرية. عندما راحوا يتذمّرون لموسى، صرخ نحو الله، فقال له (الرب): ".... عَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَاذْهَبْ. هَا أنَا أقِفُ أمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ" (خروج ١٧: ٥، ٦). وقام موسى بذلك، وإذ انشقّت الصخرة خرج الماء منها وحصل الناس على كل ما كانوا يحتاجون إليه منه. في مناسبة أخرى، لاحقاً، قبل دخولهم بوقت قصير، وعندما حدث أنهم مروا بمحنة شديدة بسبب نقص الماء، فقال الله: "خُذِ العَصَا (عصا هارون) وَاجْمَعِ الجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا فَتُخْرِجُ لهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ" (عدد ٢٠: ٨). ولكن موسى ضَرَبَ الصَّخْرَةَ مَرَّتَيْنِ. خَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، ولكن موسى لم يتّبع تعليمات الرب بحذافيرها. لقد كان منزعجاً ومغضَباً قليلاً، وارتكب خطأ فادحاً أكثر. كما  تعرفون، يحدث أحياناً أن خُدّام الله ينزعجون ويغضبون. في الحقيقة، لقد فقد موسى أعصابه في هذه المناسبة. وبالنتيجة أفسد رمز الله المحبب. ضرب الصخرة في إطاعة لله، في خروج ١٧، كان رمزاً جميلاً لضرب المسيح بعصا الدينونة. عندما رفع موسى العصا فوق البحر الأحمر، انشقت المياه متباعدة عن بعضها وعبر الشعب على أرض يابسة جافة، لذلك كان من الملائم تماماً أن يستخدم نفس العصا ليضرب بها الصخرة. تلك الصخرة كانت المسيح. كان على المسيح أن يُضرب بقوة في الدينونة على صليب الجلجثة، وعندما سينسكب غضب الله عليه بدلاً منا ويحني رأسه تحت تلك العصا- عندما انشقت صخرة الدهور لأجلنا، تدفّق ماء الحياة لإنعاش عالم يموت عطشاً. ولكن تعلمون أنه ضُرِبَ مرةً بدينونة. أما وقد مات عن خطايانا، فهو لن يموت ثانيةً، وسوف لن يختبر ثانيةً ضربة عصا الدينونة. فتلك المسألة تمت تسويتها وإلى الأبد.

لقد أمر الله موسى في الحادثة الثانية أن يأخذ عصا هرون وأن يخرج ويكلّم الصخرة وستُخرج ماءً منها أي كان عليه أن يأخذ عصا الكهنوت، مذكّراً إيانا بأن مخلّصنا يخدم الآن في حضرة الله كرئيس كهنتنا العظيم. إنه لا يحتاج لأن يضرب ثانيةً ليزودنا بالحياة. ولكننا نقرأ في عدد ٢٠: "وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ" (عدد ٢٠: ١١)، بعد أن قال: "اسْمَعُوا أَيُّهَا المَرَدَةُ! أَمِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لكُمْ مَاءً؟" (عدد ٢٠: ١٠). ولذلك فقد أفسد رمز صورة الله المحببة عن العمل الحالي لابنه. ولكن- يا لنعمة الله!- فرغم إخفاق الخادم تدفّق الماء خارجاً. ولا يزال الله، بنعمته اللا محدودة، يسد حاجات الناس بشكل يفوق فهمهم. ولكن اقرأوا ما حدث لموسى. قَال الرَّبُّ (لِمُوسَى وَهَارُونَ): "«مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيل لِذَلِكَ لا تُدْخِلانِ هَذِهِ الجَمَاعَةَ إِلى الأَرْضِ التِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»- سوف لن تدخلا الأرض بل ستموتان في البرية" (عدد ٢٠: ١٢- ). كم صلى موسى وتضرع إلى الله كي يدخل الأرض، ولكن الله رفض ذلك وقال له في نهاية الأمر: "لا تحدثني بعد الآن عن هذه الأمور. سوف لن تدخل الأرض، ولكن يمكنك أن تصعد وترى هذه الأرض". وهكذا لم تُستجَب صلاة موسى في تلك المناسبة. وفيما بعد، بعد ألف وخمسمئة سنة، سمح له الله بدخول تلك الأرض. فعندما كان التلاميذ على جبل التجلي، رفعوا بصرهم ورأوا الرب يسوع المسيح، ومعه كان موسى وإيليا. لقد سمح له الله بالدخول، ولكن في الحالة التي يكون فيها مرافقاً للرب يسوع المسيح.

ولكن، إذ نعود الآن إلى ذكرى ضرب الصخرة، كان الكهنة- في حفظهم لعيد المظال- يخرجون الماء من بركة سلوام (والتي تعني "مُرسَل")، وكانوا يسكبون ذلك الماء أمام الرب في حضرة الناس. وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قَائِلاً: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ". واليوم يقف يسوع صارخاً بنفس الكلمات: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ". لاحظوا عالَمِيّةَ هذه الرسالة. هل من إنسان لا يعطش ولا يعرف ما يعني أن يتوق ويتشوق لذاك الذي هو أبدي؟ ويقول يسوع: "إن عطش أحدٌ"- وليس فقط حالات محددة معينة، بل إنه لا يشير إلى طبيعة العطش. لربما قال، كما حدث مرة: "طوبى للعطاش والجياع إلى البرّ". ولعله قال: "إن عطش أحدٌ إلى الصلاح، إلى النقاء، إلى القداسة، فليأتِ إلي ويشرب". ولكنه يجعل الأمر أوسع من ذلك بكثير. فيقول: "إن عطش أحدٌ"، أي أنه وجّه حديثه لكل واحد منا. نعم، قد تقولون: "أنا عطشٌ إلى السرور. أريد أن أجد فرحاً أكثر ومسرة أكبر في الحياة". حسناً، أصدقائي الأعزّاء، إن كان أحدٌ عَطِشاً إلى المسرة الحقيقة والفرح الأبدي، يقول يسوع: "فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ". مكتوبٌ: "فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ" (مز ١٦: ١١). ما قاله يسوع عن الماء في تلك البئر في السامرة يصح على كل ما تقدمه الأرض- "كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً". لعلكم تجربون كل المسرات المختلفة على الأرض، ولكنها لن تروِ عطشَكم. إننا نسلّم بأن هناك مقداراً من المتعة في الخطيئة، ولكنكم تعرفون أن الكتاب المقدس يقول: "بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ" (عبرانيين ١١: ٢٤، ٢٥). هذا كل شيء، فهي تدوم لبرهة وحسب. إنها تشبه بعضاً من تلك المشروبات الحلوة التي نتناولها في الصيف، وفي كل مرة نشرب منها نصبح أكثر عطشاً. فهكذا كان كل ما يقدمه العالم. أما يسوع فيقول لأولئك الذين يجربون العالم ولا يزالون عطاشاً: "تعالوا إليّ واشربوا، ولن تعطشوا أبداً".

قد يقول قائلٌ: "حسناً، أنا لستُ مهتماً بالمتعة، ولكنني عطشٌ إلى الثروة- لأنها وسيلةٌ لجعل الأمور مريحة في عائلتي ولنفسي". نعم، ولكن ثروة هذا العالم تزول، فإن أردتَ المتعة والسرور الذي يدوم إلى الأبد والغنى الذي يبقى، فتعالَ إلى يسوع وانتبه إلى دعوته الكريمة، وستكون أكثر غنى وثراء.

لعلكم متعطشون إلى السمعة الحسنة عند الآخرين- وأن تكونوا محبوبين من قِبَل الناس. فيا أصدقائي الأعزاء، ما من شيء يضاهي أن تكون لديكم سمعة حسنة لدى الله نفسه، ويمكنكم الحصول على ذلك عندما تؤمنون بابنه المبارك، عندما تقبلون الرب يسوع المسيح مخلّصاً شخصياً لكم، فعندها سيضمن لكم الله نفسه أن تشاركوه في المجد- وذلك سيدوم إلى الأبد.

يقول يسوع عن خاصته: "قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ" (يوحنا ١٧: ٢٢). لطالما أنشدنا تلك الترنيمة "غلوريا" التي تقول إحدى أبياتها:

"عندما سأنظر وجهَه بفضل نعمته،
فذاك سيكون مجداً، مجداً لي".

قد يعترض البعض على هذه العبارة ويقولون أنهم يفضلون أن ينشدوا: "ذاك سيكون مجداً له". حسناً، بالطبع، سيكون مجداً له، ولكن من جهة أخرى، سيكون مجداً لي إن عاينتُ وجهَه المبارك وكنتُ معه إلى الأبد. كم سنكون راضين في ذلك اليوم! نعم، "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ".

ثم يضيف قائلاً: "مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ". أن نأتي إليه ونشرب يعني أن نؤمن به وبالرسالة التي آتانا بها وأن نضع ثقتنا فيه. "مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ". والآن أين قال الكتاب المقدس ذلك؟ حسناً، ربما ليست هناك آية محددة واضحة من الكتاب المقدس تقول تماماً أن من يؤمن بيسوع ستجري في داخله أنهار ماء حي، ولكن أفهم من هذه الكلمات أن الرب كان يشير إلى النزعة العامة السائدة في الكتاب المقدس. فالماء الحي الذي يتدفق من الصخرة المضروبة- تشير إليه نصوص كتابية الواحد تلو الآخر. في أشعياء ٤١: ١٧، ١٨ هناك وعد مجيد يشير فعلاً إلى نفس الأمر كذاك الذي يتكلم عنه ربنا يسوع المسيح. إن الانتعاش والبركة الروحية هي لأولئك الذين يضعون ثقتهم في هذا المخلص الذي قدّمه الله. "اَلْبَائِسُونَ وَالْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا الرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. أَفْتَحُ عَلَى الْهِضَابِ أَنْهَاراً وَفِي وَسَطِ الْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ الْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ وَالأَرْضَ الْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ" (أش ٤١: ١٧، ١٨).

ثم في الأصحاح ٤٣: ١٩، ٢٠، من نفس السفر- أشعياء- نقرأ: "هئَنَذَا صَانِعٌ أَمْراً جَدِيداً. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً فِي الْقَفْرِ أَنْهَاراً. يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً أَنْهَاراً فِي الْقَفْرِ لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي".

ومن جديد نقرأ في أش ٤٤: ٣: "لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى الْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ".

واقتباساً آخر من نفس النبي (أش ٥٨: ١١): "وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ وَيُشْبِعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ". ها هنا صورة لقلب المؤمن. كينونة المؤمن الداخلية هي كَجَنَّةٍ رَيَّا فيها ينابيع تفيض بالبركة على الآخرين.

ويستخدم إرميا نفس الاستعارة في (إرميا ٣١: ١٢): "فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْخَمْرِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى أَبْنَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. وَتَكُونُ نَفْسُهُمْ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَلاَ يَعُودُونَ يَذُوبُونَ بَعْدُ".

ثم في ذلك الكتاب المحبَّب إلى النفس، نشيد الأنشاد، قدس أقداس العهد القديم لدينا المؤمن قد رُمِزَ إليه بالعروس وصُوِّرَ كشخص تنمو في قلبه حديقة يتدفق الماء منها: "أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ. .... يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ" (نشيد الأنشاد ٤: ١٢، ١٥). إنه ماء حي يتدفق من الحديقة لبركة الآخرين.

وفي نص كتابي آخر، (أمثال ٥: ١٥، ١٦)، نقرأ: "اِشْرَبْ مِيَاهاً مِنْ جُبِّكَ وَمِيَاهاً جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ. لاَ تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى الْخَارِجِ سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي الشَّوَارِعِ".

وهكذا في كل هذه المقاطع، والتي يمكن إضافة المزيد إليها، لدينا الفكرة في أن روح الله يقطن داخل ابن الله كماء حي ويتدفّق في بركة إلى الآخرين.

يشير هذا إلى عمل روح قدس الله في الدهر التدبيري الحالي وأيضاً في دهر الملكوت المجيد. هذا ما تشير إليه بوضوح الآية ٣٩ من إنجيل يوحنا التي تقول: "قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ".

كان الرب يسوع المسيح يشير إلى الزمان عندما سيعود إلى الآب، بعد أن يُضرب على الصليب، عندما سيأتي الروح القدس بمعنى جديد ليأخذ مكانه ويسكن داخل جميع المؤمنين، لكي يستطيعوا، من خلال شهادتهم، أن ينقلوا انتعاشاً وفرحاً إلى آخرين. فيا أعزائي المسيحيون، كم ينبغي أن ننتبه لئلا نسمح لشيء في حياتنا أن يعيق تدفّق الماء الحي. كما أن النبع الذي يتدفق من حديقةٍ يمكن أن تسدَّه وتعيقه صخورٌ ونفايات، هكذا الأمور غير المقدسة في حياتنا تسدّ وتعيق تدفّق البركة. أخشى أن نعيق، نحن المسيحيين، تدفق الماء الحي بأنانيتنا، باهتماماتنا الدنيوية، وبسلوكنا الطائش، وبالخطيئة الفاحشة فينا. كل هذه الأشياء تعيق تدفق الماء الحي. إن أتينا إلى المسيح، إن كنا نعيش في مسرة محبته، ولم نسمح لأي شيء أن يعيق شركتنا معه، فعندها سنكون بالفعل قنوات بركة، منها وبها يتدفق الماء الحي بشكل متواصل دائم.