الخطاب ١٢

اهتداء السامريين

"وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تلاَمِيذُهُ وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: مَاذَا تَطْلُبُ أَوْ لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا. فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟». فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ قَائِلِين: «يَا مُعَلِّمُ كُلْ» فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». فَقَالَ التّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَﭐلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً. لأَنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ». فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ»" (يوحنا ٤: ٢٧- ٤٢).

هناك ثلاثة أقسام متمايزة أمامنا هنا. في الآيات ٢٧- ٣٠ لدينا عودة التلاميذ من المدينة، حيث كانوا قد ذهبوا ليبتاعوا طعاماً، وعودة المرأة السامرية إلى منزلها في سوخار لتقدّم شهادتها هناك. في الآيات ٣١- ٣٨ لدينا كلمات الرب الجدية المتعلقة بالحصاد العظيم للنفوس والحاجة الماسة لمزيد من العمّال والفعلة. وفي الآيات ٣٩- ٤٢ لدينا شهادة السامريين الذين أتوا إلى المسيح بفضل المرأة التي كشف الرب يسوع مسيانيته لها كما يدون الجزء الأول من الأصحاح.

تقرأ في الآية ٢٧: "عند ذلك"؛ أي تماماً في الوقت الذي سمعت فيه المرأة السامرية الرب يسوع يقدّم ذلك الإعلان الرائع: "أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ"، رداً على قولها المتشكك ونصف المتسائل: "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي"، وذلك في اللحظة التي رجع فيها تلاميذ الرب. لقد تعجّبوا من أنه كان يتحدث إلى المرأة. لا شكّ أنهم عرفوا من تكون هذه المرأة، وهذا جعلهم يستغربون أن يكون الرب قد تحادث إليها. ولكن كم كان ضئيلاً فهم الناس للمحبة التي في قلبه! مراراً وتكراراً نجد أناساً معينين ينذهلون بسبب عمق اهتمامه بالبؤساء المبتلين بالخطية، رجالاً ونساءً. لقد كان يحب أن يكون مع الخطاة؛ لقد كان يحب أن يُظهرَ رحمتَه ونعمتَه وحنوَّه لهم. ولكنه لم يحتكّ بالخطاة لكي يسايرهم في طرقهم؛ لقد خرج يطلبهم لكي يربحهم ويبعدهم عن طرقهم وليكشف لهم الله مصدر كل نعمة ورحمة.

ولذلك وقف التلاميذ جانباً هنا، ينظرون في تعجب واندهاش، ولكن لم يُرِدْ أحدٌ منهم في أن يصرّح بما في قلبه. أبوا أن يسألوه: "ماذا تريد منها يا سيد؟" أو: "لماذا تتكلّم معها؟" لا، كان في مقدوره بالتأكيد أن يجيبهم على الفور. كان يستطيع أن يقول لهم: "إني أسعى لخلاص نفسها الثمينة. إني أسعى لأن أعطيها ماء الحياة لئلا تعطش أبداً ثانيةً. أطلب أن أجعلها من خاصتي وأن أطهّرها من كل خطاياها". إن كنتُ أتحدث اليوم إلى أي شخص لا يزال بعيداً عنه، فدعوني أقول أن هذا هو ما يتوق لأن يفعله لأجلكم: "هذا الرجل يقبل الخطاة ويأكل معهم"، قال الفرّيسيون ذلك وظنوا أنهم كانوا يلقون عليه بذلك تهمةً سيئة عندما استخدموا هكذا لغة، ولكن كان هذا لمجد خدمته أن يقبل الخطاة. إني أحبّ تلك الكلمات التي يقولها جون بنيان: "يا لحمل الله هذا! لديه السماء بأكملها لنفسه، آلاف مؤلّفة من الملائكة لتنصاع لأوامره، ولكن هذا ما كان ليرضيه. لقد آثر أن يشاطره الخطاة كل ذلك". وإننا لنودّ أن نرنّم:

"الخطاة سيقبلهم يسوع؛
ويمنح كلمة النعمة للجميع،
لكل من يبتعد عن الطريق القويم،
ويتلكأ ويسقط.
فلنرنّم أيضاً وأيضاً،
المسيح يقبل الناس الخطاة".

لقد قَبِلَ هذه المرأة البائسة الخاطئة. وكشف نفسَه لها. وأعطاها ماء الحياة. وبعدها نقرأ: "تَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ". لاحظوا ما يلي: لقد جاءت عطشى؛ جاءت لتحصل على الماء من بئر يعقوب، ولكنها وجدت في المسيح ذلك الماء الذي يروي ظمأ قلبها فنسيت جرّتَها بفضل محبته، وهرعت إلى المدينة على عجل. "قَالَتْ لِلنَّاسِ: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟»". وهكذا فإن تلك المرأة، التي كانت صغيرة الشأن قبل قليل، والتي كانت مبتلية بالخطية، التي كانت بلا شخصية، قد صارت الآن مبشّرةً مهمة جدية. هذا هو الذي ما برح الرب يسوع يعمله عبر كل القرون، فيكشف نعمته للنفوس المحتاجة، فإن كنتم لم تعرفوا قدرته الخلاصية بعد، فإني أقول لكم أنه ينتظركم ليقدّمها لكم.

ونقرأ بعد ذلك أنهم، أي السامريين، قد "خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ". وفي هذه الأثناء كان التلاميذ يطلبون من معلّمهم (المسيح) أن يتناول الطعام. "فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ»". لقد كانوا مهتمين بسد الحاجات الجسدية المادية. وكان الرب يسوع يفكر بشيء أعلى من ذلك بكثير وأسمى. فأول فكرة كانت لديه هي ليس أن يلبّي رغبات الشهية الجسدية: كان اهتمامه العظيم هو المحبة التواقة الشفوقة نحو الفقراء البؤساء والخطاة رجالاً ونساء، والرغبة في إعتاقهم من بؤسهم وتطهيرهم من إثمهم وجعلهم أنقياء ومقدّسين في نظر الله.

"أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ". بمعنى آخر، لم يكن هناك شيء ليقدّم له هكذا رضى وإشباع، لم يكن هناك شيء يعني له الكثير بقدر رؤية النفوس التواقة المستعدة لاقتبال رسالته. ويا أصدقائي الأعزاء، أريد أن أقول لكل خاطئ بائس مسكين: لا حاجة لأن تتردّد في المجيء إلى الرب يسوع. إنه يتوق لرؤيتك تأتي. يقول لي الناس أحياناً: "أخشى أن أكون خاطئاً كبيراً جداً". لستَ خاطئاً كبيراً جداً بالنسبة له. إنه يحب أن يقتبل حتى أكثر الخطاة إثماً وشراً، وأن يطهرهم من خطاياهم. إنه يترقب أن يفعل ذلك من أجلك أنت أيضاً. "نعم، على حدّ قوله، "أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ".

والتلاميذ، الذين كان تفكيرهم لا يزال على المستوى الطبيعي، التفتوا نحو بعضهم البعض وهزوا رؤوسهم محتارين وقائلين: "ما الذي يقصده؟ أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟" أما يسوع فكان يعرف ما يدور في أذهانهم، فقال: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ". من أجل أن يعمل تلك المشيئة جاء من المجد الذي كان له مع الآب قبل تأسيس العالم. ونسمعه في المزمور ٤٠ يقول: "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ. وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي" (مز ٤٠: ٨). القيام بذلك يعني أن يتّخذ بشريتَنا؛ لقد كان يعني أن يأتي إلى الأرض كطفل صغير مولود من أمّ عذراء؛ لقد كان يعني أن ينمو ويترعرع في الناصرة، تلك المدينة الوضيعة الفاسدة الشريرة- فيكبر في قداسة الحياة ونقاوة القلب، طفلاً لا لطخة خطيئة على وجدانه وغير منجّس بأي فكر شرير وأي شيء دنس نجس، رجلاً يرى أن إرادة الله هي الأمر الأهم والأسمى بالمطلق، رجلاً تقسّت يداه وهو يستخدم أدوات النجارة، ذاك الذي عمل في دكان النجار، فانذهل الناس لاحقاً عندما خرج ليكرز، وقالوا: "أليس هذا هو النجار؟ فكَيْفَ يَعْرِفُ كل هذه الأمور وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟" ولكنه في كل هذه كان يعمل إرادة الله، وكان دائماً وأبداً يتطلّع قدماً إلى الصليب. وفي الوقت المناسب الذي اختاره الله، ترك أدوات نجارته، وترك المحل، وخرج ليكرز بإنجيل ملكوت الله، وليشفي الإنسانية البائسة المحتاجة من أمراضها، وطيف الصليب يلوح أبداً أمام عينيه ووجهه كلما تحرّك. في الأصحاح ١٧ من هذا الإنجيل نراه في حالة صلاة منحنياً أمام الله، وقلبه صاعد إليه، ذاك الذي كان قد أرسله إلى العالم والذي لن يلبث أن يرجع إلى العلاء. فيقول: "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ" (يوحنا ١٧: ٤). وفي هذا كان يستبق حدوث عمل الصليب، لأن العمل الذي كان قد أُعطي له بشكل خاص كي يعمله كان أن يصنع كفّارة عن الخطية. إنه يقول: "إنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (متى ٢٠: ٢٨). كان ذلك هو العمل الذي أمام ناظريه. ذلك كان العمل الذي وَجَبَ عليه أن يكمله. لن يعود إلى المجد حتى ينجز ذلك العمل الذي كرّس نفسَه من أجله منذ البدء. وهكذا، ففي النهاية، وبعد كل ساعات الألم تلك المروعة المرعبة على خشبة الصليب، عندما جعله الله خطية عنا، ذاك الذي كان بلا خطية، لكي نصبح برّ الله فيه، بعد أن يكون قد شرب، حتى آخر نقطة، كأسَ الدينونة المريرة، الكأس التي ملأتْها خطايانا، بعد أن حمل داخل نفسه كلّ ما كانت تعدّياتنا وآثامنا تستحق، وهو "مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (أش ٥٣: ٥)- ثم نسمعه يقول: "يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" (لوقا ٢٣: ٤٦)، ويصرخ بصوت عظيم قائلاً: "«قَدْ أُكْمِلَ»" (يوحنا ١٩: ٣٠)، ثم أمالَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. في اليونانية نجد كلمة واحدة فقط وهي: "تَمَّ". وهذه تعني أن عمل الخلاص قد تمَّ؛ فالعمل الذي به يتطهر الرجال والنساء من خطاياهم ويقفون متبررين من أية تهمة أمام الله القدوس، قد تم إنجازه بالتمام، وعلى أساس العمل الذي تم إنجازه يكون الله باراً ويبرّر أولئك الذين يؤمنون بيسوع.

كان مؤمنٌ عزيزٌ يحتضر، ووقف أحدهم إلى جواره وسأله: "هل كل شيء على ما يرام؟" فرفع بصره وأجاب بابتسامة: "نعم، "لقد تم". وعلى ذلك أُعلّق كلّ آمالي بالأبدية". هل تدركون البركة في هذا الكلام؟ "لقد تمّ". لا يمكنكم أن تضيفوا شيئاً إلى عملٍ تمّ واكتمل. إنها ليست مسألة أن يسوع قام بدوره في العمل وأن عليكم أنتم الآن أن تقوموا بدوركم لإزالة الخطية: ولكن الحقيقة المباركة هي أن المسيح قد أزال وإلى الأبد الخطية بتقريب نفسه على الصليب، والله يريدنا أن نقبل تلك الشهادة لنؤمن وتقدم لله مجداً لأجلها. وفي اللحظة التي نؤمن، كل العمل الذي قام به الرب يسوع المسيح يمحي خطيتنا وإثمنا، ونتبرر مجاناً بنعمته.

"طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ". لقد جاء إلى العالم لأجل ذلك الهدف الواضح، ولن يعود إلى السماء إلى أن يكون قد أتمّه وأكمله.

ولكن الآن، إنه يفكر في الملايين، الملايين التي لا عدد لها في العالم الذين سيضطرون إلى الانتظار طويلاً قبل أن يسمعوا الرسالة، ولذلك يقول لتلاميذه: "أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟" من الواضح أن هذا كان في وقت باكر جداً من السنة وكان في مقدورهم أن يروا الحقول الخضراء حولهم، وكان يمكنهم أن يقوموا بحسابات ويقولوا: "حسناً، خلال أربعة أشهر سيحين وقت الحصاد". يقول يسوع: "لا تقولوا ذلك؛ لا تقولوا أن هناك أربعة أشهر بعد ثم يأتي الحصاد. انظروا، أقول لكم، ارفعوا أبصاركم وانظروا إلى الحقول، فها قد ابيضّت للحصاد"- ليست حقول القمح، وليست حقول الحنطة، بل تلك الحقول الكبيرة من أقوام البشر في كل الأرجاء في كل مكان في العالم. لقد ابيضّت لتوها للحصاد، رجال ونساء في كل مكان يحتاجون إلى المسيح، رجال ونساء يعيشون في خطاياهم، يموتون في خطاياهم، يصرخون قائلين: "من يرينا الخير وطريق الصلاح؟" والآن هي مسؤولية خدام المسيح، أولئك الذين عرفوه، أولئك الذين خلصوا بنعمته، أن يقدّموا رسالته، أن يلعبوا دورهم في تقديم رسالة الإنجيل إلى أولئك الذين لا يزالون يعيشون في الخطيئة.

ولعله يمكنني أن أقول هنا أن التحدي هو في الإرساليات الأجنبية. يقول الناس أحياناً: "لا أومن بدور الإرساليات الأجنبية". يمكنكم أن تكونوا شاكرين لأن هناك آخرين يؤمنون بذلك. لو لم يؤمن أحد بالإرساليات الأجنبية قبل زمنٍ طويل، لكنتُ أنا وأنتم من أتعس الوثنيين الذين لا يزالون يعيشون في جهل لله وفي خطيئة وفي فساد. ولكن أحدهم اهتمّ يوماً ما كفاية بالإرساليات الأجنبية لتأتي إلى آبائنا في مختلف الأصقاع في أوروبا التي منها جاء أسلافُنا، وهناك أخبروا القصة التي أحالت الظلمة إلى نور وخلّصتهم من سطوة الشيطان وجعلتهم تحت سلطان الله؛ واليوم نحن نتمتع بمعرفة المسيح بفضل إخلاص هؤلاء خلال القرون الماضية. فلنكن صادقين اليوم ومخلصين، لنكن اليوم صادقين في اهتمامنا بوصية ربنا يسوع المسيح بأن نكرز بالإنجيل إلى العالم أجمع بأقصر وقت ممكن! دعونا لا تؤجل ذلك. لا تقولوا: "سأذهب في يوم آخر". إنه يقول هنا: "أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ؟" أعتقد أن هناك بعضاً من الذين يمكن أن يقول لهم اليوم، لو كان لا يزال يحيا على الأرض: "لا تقولوا أن هناك دهراً تدبيرياً آخر، عندما ستقوم البقية التقية من بني إسرائيل بالحصاد وتجني المحصول في هذا العالم، لا تقولوا ذلك بل ارفعوا أعينكم وانظروا. فالحقول ابيضّت لتوها للحصاد وهي مسؤولية ملقاة على عاتقكم أنتم أن تفعلوا ما تستطيعون لتقدّموا لهم الحقيقة. وكونوا أكيدين من ذلك: إن كنتم أنتم وأنا مخلصين في عملنا، سواء ذهبنا بأنفسنا أو قمنا بتأييد أولئك الذين يذهبون بالصلوات والتقدمات، فإنه والحالة هذه سيرى ويكافئنا بالنتيجة. ويضيف الرب قائلاً: "ﭐلْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً. لأَنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ".

كان الرسل قد أُرسِلوا إلى أرض إسرائيل، التي كان الله قد أرسل الأنبياء إليها خلال القرون السابقة، وكانوا ذاهبين ليحصدوا حيث زرع آخرون. وهكذا هو الحال اليوم، فهو يرسل خدّامه بعضاً ليزرع وبعضاً ليحصد، لكيما يبتهج الجميع معاً في النهاية.

والآن في الآيات ٣٩- ٤٢، لدينا تأثير شهادة المرأة السامرية. كلما خلّص الله نفساً، فإن تلك النفس المخلّصة تحاول أن تفيد شخصاً آخر بعطية نعمته. هل خلّصَكَ؟ إذاً فهل تحاول أن تصل إلى شخص آخر؟ لطالما سمعتم قصة طاقم الإنقاذ الذي خرج في قارب خلال عاصفة مخيفة وأنقذ رجلاً مثبّتاً إلى صاري المركب على حطام سفينة أعاقتها صخور وأمكنهم أن يروها بمناظيرهم بوضوح من الشاطئ. فرجعوا بذلك الرجل وهو غائب عن الوعي إلى مشفى قريب وأعطوه مواد منعشة لإعادة الوعي والصحة إليه. وكانت أول كلمة نطق بها عندما استعاد وعيه هي التالية: "هناك رجل آخر". "ماذا تقصد؟" "هناك رجلٌ آخر". فقالوا: "هل تقصد أن هناك رجل حي آخر على قيد الحياة قد نجا من ذلك الحطام؟" فأجاب: "نعم. هناك رجل آخر". وهكذا خرجوا ثانية خلال العاصفة، وهذه المرة اضطروا للصعود إلى ظهر السفينة وأن يفتشوها، فوجدوا رجلاً آخر حقاً في السفينة راقداً هناك فاقداً الوعي، وأتوا به إلى الشاطئ في قاربهم، وهكذا نجا. هل عرفْتَ نعمة الله الإرسالية في محبته الفدائية؟ حسناً، هناك رجل آخر، هناك امرأة أخرى، هناك شخص آخر في حاجة إلى المسيح. فحاول أن تفعل ما تستطيع لتصل إليهم.

لقد خلصت المرأة السامرية. ووجدت الماء الحي. فذهبت راجعة إلى قريتها- أعتقد أنه أمرٌ بالغ الأهمية؛ لقد كان الناس يعرفونها جيداً- وقالت للناس: "كلٍُّ شيء مختلفٌ الآن. هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَوليسَ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟" وهكذا نقرأ أنه "آمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ".

لقد كانت هناك يقظة رائعة في تلك المدينة السامرية، وذلك كله بفضل الشهادة الصادقة والمكرسة لهذه المرأة البائسة، التي أتت إلى معرفة الرب يسوع حديثاًً. "فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ»". إنها هي التي أثارت اهتمامهم؛ هي التي دفعتهم أولاً إلى المضي إليه. وبنتيجة ذلك، فقد دعوه إلى المدينة. ويقولون الآن: "إننا لا نؤمن بسبب شهادتك وحسب، بل لأننا سمعناه وتكلّم إلى قلوبنا، وحرّك ضمائرَنا، ونال محبتنا وعواطفنا، ووضعنا عليه ثقة إيماننا. وإننا نعلم أنه الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ".

هل تعرفونه أنتم؟ يا لها من بركة أن نكون على معرفة به وهو الحياة الأبدية، وأن نحاول، من ثم، أن نقود الآخرين أيضاً إليه!