الخطاب ٤٣

الخائن ينكشف

>"لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لَكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. أَقُولُ لَكُمُ  الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». لمَّا قَالَ يَسُوعُ هَذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ وَشَهِدَ وَقَالَ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي». فَكَانَ التّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. وَكَانَ مُتَّكِئاً فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ. فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ مَنْ هُوَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ. فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه لأَنَّ قَوْماً إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئاً لِلْفُقَرَاءِ. فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً" (يوحنا ١٣: ١٨-٣٠).

الموضوع الأساسي في هذا الجزء المحدد من الأصحاح هو خيانة يهوذا. عندما يفكر المرء في الامتيازات التي تمتع بها يهوذا، ويدرك كم كان تأثرها ضعيفاً على قلبه وفكره وكيف كانت النتيجة النهائية، فإن هذه الأشياء تجعل كل واحد منا يختبر ذاته شخصياً ويسبر أغوار قلبه في حضرة الله. فها هنا رجل ظل يسير مع ابن الله المبارك لمدة ثلاث سنوات ونصف رائعة. كانت لديه الفرص ليرى أعمال نعمته العجيبة ويسمع الأمور العظيمة المذهلة التي نطقت بها شفتاه، ويرى حياته- (أمكنه أن يرى ما لم يستطع الآخرون أن يروه)- وبالتأكيد لا بد أنه عرف أن ذاك الشخص كان شخصاً فائق البشر يتحرك وسطهم. قال يوحنا، كما تذكرون: "ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً". لقد حظي يهوذا بالفرصة بأن يراه. ولا بد أنه اشترك معه في أحاديث كثيرة هادئة، ولا بد أنه كان في موضع تقدير عند بقية التلاميذ، ومع ذلك فطوال الوقت لم يُسلم قلبه أبداً للرب يسوع المسيح. تذكرون أن المخلص قال: "أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ الاِثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!" هو لم يقل: "واحد منكم سيصير شيطاناً"، بل "وَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!". وعندما يتكلم إلى الآب، كما في الاصحاح السابع عشر، يقول: "الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ". ولعله يمكننا أن نفكر إذا ما قرأنا الآية بدون اهتمام أنها تعني: "أولئك الذين أعطيتني إياهم قد حفظتُهم ولم يهلك إلا واحد فقط، ابن الهلاك". ولكن ليس هذا هو ما قاله. ابن الهلاك لم يكن أحد أولئك الذين أعطاهم الآب للمسيح. لقد كان بين رفاق يسوع ولكن لم يكن من أولئك الرفاق. من الممكن تماماً أن يكون لديك اهتمام بالكتاب المقدس، وأن تتمرن وتعرف إلى حد ما عن العالم المحتاج، وأن تسلك وتتكلم كمسيحي، ولكن دون أن تُولد من الله. هذا ينبغي أن يُشجعنا على مواجهة أسئلة عديدة مثل: "هل أتيتُ إلى الله بصدق وإخلاص كخاطئ تائب؟ وهل وضعتُ فيه إيماني، وأسلمت قلبي وحياتي له؟"

قلتُ قبل دقيقة أن من الواضح أن يهوذا كان موضع احترام كبير من قِبل التلاميذ. ولعلكم تتساءلون: "على أي أساس تفترض ذلك؟" لقد اختير ليكون أمين صندوق الجماعة الصغيرة. عندما تختار أمين صندوق فإنك دائماً تبحث عن رجل ذي أمانة واستقامة، وسمعة جيدة، شخص يمكنك أن تثق به وألا تشوبه شائبةٌ من الخيانة أو الخداع. وهكذا فإن الانطباع الذي تركه يهوذا عند التلاميذ في تلك الأيام الأولى، على الأقل، كان بأنه رجل ذو موثوقية مطلقة. لعلكم تقولون أيضاً أن يهوذا كان الجنتلمان الحقيقي بين التلاميذ الاثني عشر. فمعظمهم كانوا عمالاً كادحين. لقد أتوا من منطقة حول البحر الجليل حيث كان يسكن أفقر طبقة من الناس، بينما يهوذا أتى من اليهودية، من بلدة تدعى سخريوط، ولعله كان الشخص الأبرز بين كل جماعة الرسل. ومع ذلك فقد كان هو الرجل الوحيد الذي لم يكن يسوع قد ربح قلبه ولم يصل يسوع حقاً إلى وجدانه. في حديثنا الأخير لاحظنا أن يسوع قال: "ﭐلَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ". والروح القدس يوضح سبب قوله لذلك. "لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ لِذَلِكَ قَالَ: "لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ". وهذا أمر مذهل. ابن الله رأى النفاق والرياء في ذلك الرجل، لمدة ثلاث سنين ونصف، كما يرى الآن في الكثير من الناس. إنه يرى قلوب الناس غير الصادقين والمخلصين. قد يُظهرون خارجياً أنهم صادقون، ولكن المسيح ينظر إلى القلب ويعرف إن كانوا أنقياء أم لا.

يخبرنا في الآية ١٨: "أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لَكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ". إنه يعرف كل أولئك الذين وضعوا ثقة قلبهم فيه. كان الرب يعرف مسبقاً بخيانة يهوذا، ولكن هذا لا يعني أنه كان قضاءً وقدراً له أن يفعل ذلك الأمر الشنيع الرهيب. ليس شيئاً من هذا القبيل. هناك فرق كبير بين معرفة الله المسبقة وقدرية الله. لقد نظر (الله) عبر الأجيال وعلِم أن يهوذا سيفعل ذلك، ولكنه لم يقضي بذلك. إن خطر في بالك أن إنساناً حُراً يمكن أن يأسره الشيطان، فيمكنك أن تتخيل يهوذا حُراً. لقد كان حُراً في أن يُسلم نفسه للمسيح أو للشيطان، وهذا الخيار متاح لي ولك أيضاً. علينا أن لا نلوم إخفاقاتنا وخطايانا لسبب أي قدر محتوم مسبقاً. الله لم يقضي أبداً بأن يعيش أي رجل أو امرأة في الخطية، أو أن يهلك أي إنسان. قال الرب يسوع بنفسه: "لا تريدون أن تأتوا إلي لتكون لكم حياة"، ويقول لكل الناس: "من يشاء، فليأخذ ماء الحياة مجاناً". ولذلك فقد كان بإمكان يهوذا أن يخلص، ولكنه لم يؤمن بيسوع؛ وكان الله يعرف مسبقاً بهذا، ولذلك فقد تم الحديث عن خطيئته مسبقاً في سفر المزامير. لقد عرف الرب يسوع بذلك. طوال الوقت كان يسوع يعرف بما كان يجول في قلب يهوذا، وكان يعرف أنه سيكون الشخص الذي سيستخدمه الشيطان ليسلمه للأشرار.

لقد قال: "أَقُولُ لَكُمُ  الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ". بمعنى آخر، يقول: "لا أريدكم أن تفكروا أني كنت عاجزاً أو لا حول ولا قوة لي عندما وضعوا أيديهم علي ليعتقلوني، أو أني أُخذت على حين غرة. لقد رأيت مسبقاً كل ذلك. كنت أعرف ما سيحدث؛ وأنه يجب أن أصلب". ولكنه أخبرهم أنه في اليوم الثالث سينهض من بين الأموات ثانيةً. فيقول: "أَقُولُ لَكُمُ  الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ". ومن جديد يستخدم الاسم الإلهي: "أنا هو". "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي". كان هذا أمراً مريحاً للرسل، إذ بعد قليل سيبدأون عمل البشارة في عالم هالك. سيتوجب عليهم أن يمضوا إلى العالم كممثلين له. قال بولس بعد سنوات: "نحن سفراء للمسيح". والسفير يتكلم بالنيابة عن حكومته، وإذ يُرسل المسيح خدامه إلى العالم يخرجون ليشهدوا له. ومن هنا، فقد قال: "من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت". ليست هذه وظيفة كهنوتية خاصة، بل تعني أن كل خادم للمسيح يمكنه أن يذهب إلى أي خاطئ ويقول له: "لقد أتيتُ أعلن لك غفران الله لخطاياك إن أتيتَ إلى المسيح، ولكن إن رفضت المجيء إليه لأجل مغفرة الخطايا فإنها لا يُمكن أن تُمحى". هذا السلطان يتمتع به كل خدامه. من يقتبلهم يقتبل المسيح. "لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هَذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ". إلى جانب كونه إلهاً، كان ربنا أيضاً إنساناً حقيقياً. لم يكن الله وحسب، بل الله متجلياً في الجسد. وإذ صار إنساناً فإنه أخذ روحاً بشرية وجسداً بشرياً. ونقرأ هنا أنه "اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ". إذ نظر قُدماً إلى ما ينتظره، أنَّ من الألم والكرب إذ فكر بالدينونة التي ستصيب يهوذا من جراء خيانته. ما من نفس تهلك إلا وتسبب لروحه حزناً شديداً. "ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي (أحدكم أنتم المقربون إلي، واحدٌ منكم أنتم الذين شاركتموني بأشياء كثيرة، واحدٌ منكم وهو الذي أخفق في أن يؤمن بي وأن يثق بي)- إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي". آهٍ، إني أتساءل إذا ما كان ينظر إلى السماء اليوم إلينا هنا وإذا ما ميزت عيناه القدوستان هنا وهناك بين أولئك الذين يقرأون هذه الصفحات شخص غير صادق وغير أمين، وأتساءل إذا ما كان يقول: "أحدكم سيسلمني". لأنه إن كان أحد يعترف بكونه مسيحياً بالاسم وليس له قلب صادق حقيقي يؤمن بالرب، فإن ذلك قلب يغوص في آثام عميقة لا غور لها ولا يمكن الكلام عنها.

اضطرب التلاميذ، وشكوا وتساءلوا عمن يقصد بكلامه. ما كانوا واثقين من أنفسهم. فتساءل كل منهم: "أيمكن أن أكون أنا؟" وسأل كل واحد منهم الآخر: "أهو أنا؟" وعلى صدره كان يتكئ أحد تلاميذه، وهو يوحنا، الكاتب البشري لهذا السفر، الذي لا يشير إلى نفسه أبداً بالاسم. لقد كان أصغر الرسل. أحد كُتَّاب الكنيسة الأولى، ترتليان، يقول أن يوحنا كان مراهقاً عندما دعاه يسوع. كان هذا الفتى عزيزاً جداً على قلب ابن الله. آهٍ، كم يحب يسوع أن يرى الشبيبة يكرسون أنفسهم له، مسلمين حياتهم كلياً له. يا أيها الشبان، ما من شيء على هذه الأرض أعظم من أن تقدموا حياتكم للمسيح. يمكنكم التأكد من ذلك، أنه يحبكم بالفعل كأفراد. أعتقد أنكم تذكرون ذلك الشاب الذي جاء إلى يسوع يسأله عن الحياة الأبدية، فوضعه يسوع على المحك قائلاً له: "بِع كل ما لك.... وتعال اتبعني"، فانصرف الشاب حزيناً لأنه كانت لديه ممتلكات كثيرة. أما يسوع، الذي نظر إليه، فقد أحبه. لقد رأى الإمكانيات في ذلك الشاب لقد رأى ما كان ليُمكن أن يكون لو سلم نفسه للمسيح. فها هنا كان الشاب يوحنا ذو القلب الرقيق أتى إلى المسيح بطريقة ما كان للأكبر منه سناً ليُعبروا بها عن أنفسهم. فاتكأ برأسه على صدر الرب. أومأ سمعان بطرس له وقال: "اسأله ليخبرنا من عسى أن يكون". فقال يسوع، بصوت منخفض جداً: "هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ". لقد كان أمراً مألوفاً في تلك الأيام أن تقدم لقمة لشخص مميز يوماً ما كعلامة على محبة حقيقية. فقال يسوع: "يا يوحنا، انظر ذاك الذي سأعطيه هذه اللقمة؛ إنه الذي سيسلمني". وهكذا غمس يسوع اللقمة وسلمها إلى يهوذا. هل سيقبلها يهوذا؟ كانت ليهوذا الوقاحة بأن يمد نفسه مقترباً من يسوع وأن يأخذها من ذاك الذي كان قد ساوم على اعتقاله لتوه. ونقرأ: "فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ"- بطريقة جديدة الآن. إن يهوذا، بهذا الفعل الأخير، قد وضع نفسه بشكل مطلق ونهائي تحت سيطرة الشيطان. والآن قُضي الأمر مع يهوذا وما عاد هناك إمكانية بعد للتوبة. أدرك يهوذا أنه تجاوز الخط الأحمر. ولذلك التفت إليه الرب وقال له في هدوء: "مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ". بمعنى آخر، "يا يهوذا، لقد بعت نفسك للشيطان. لقد استنفذت كل فرصة للرحمة. لقد وطِئت محبتي ونعمتي. لقد قسَّيت قلبك إزاء صلاح الله. والآن، يا يهوذا، ضع نهاية لذلك. فما تريد أن تفعله، افعله بسرعة". لم يفهم أحد على المائدة ما معنى كلامه. فكر البعض، ولأن يهوذا هو أمين صندوق الجماعة، أن يسوع قد قصد القول: "اذهب واشترِ تلك الأشياء التي نحتاج إليها للعيد". لم يعلموا أن الخائن كان على وشك أن يبيع الرب لقاء ثلاثين من الفضة. ولعل البعض فكر أن يسوع قد طلب منه أن يعطي شيئاً ما للفقراء. يا لها من فكرة شيقة! هل كانوا ليفكروا على هذا النحو لو لم يكن ذلك أمراً شائعاً في حياة ربنا؟ ألا ترون، لقد كان معتاداً على فعل ذلك. لقد كان يفكر دائماً بالفقراء. قال: "لديكم الفقراء في كل حين". فكان من الطبيعي أن يفكروا: "لقد عرف بفقير ما في حاجة ما، وها هو يرسل يهوذا ليقدم المعونة". كان هذا قلب ابن الله. ويا له من قلب يتناقض مع قلب يهوذا! كان قلب يهوذا مليئاً باشتهاء ما للغير. كان ذاهباً ليملأ كيس الدراهم بالفضة التي أتت من بيع ابن الله.

"فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً". الوقت يكون ليلاً دائماً عندما يدير الناس ظهورهم لله. إنه دائماً ليلٌ عندما يدوسون صلاح يسوع تحت أقدامهم. وغن كنتم تفعلون ذلك اليوم، وحتى ولو كانت الشمس ساطعة في الخارج، يبقى الجو ليلاً في قلوبكم إلى أن يدخلها يسوع، الذي هو نور الحياة. بالنسبة ليهوذا، ما عاد لديه نور أبداً على الإطلاق. خرج وكان ليلاً في داخل نفسه البائسة المعتمة، وكانت تلك بداية سواد الظلمة التي تستمر إلى الأبد. آهٍ، كم منا يستطيع أن يشكر الله لأنه في غنى رحمته ونعمته قد كسِب تلك القلوب البائسة كمثل قلوبنا. لماذا وطأ يهوذا على كل محبته؟ لا يمكننا أن نفهم ذلك، ولكننا متأكدين بأنه نال كل فرصة ليخلص.