الخطاب ٢٦

المسيح والمرأة التي أُمْسِكَتْ فِي زِناً.

"أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ وَمُوسَى فِي النَّامُوس ١ ِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِأُصْبُعِهِ عَلَى الأَرْضِ. وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» ثُمَّ انْحَنَى أَيْضاً إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسَطِ. فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَداً سِوَى الْمَرْأَةِ قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً»" (يوحنا ٨: ١- ١١).

على الأرجح أن الآية الأخيرة من الأصحاح ٧ تنتمي إلى الأصحاح ٨ فتشكل الآية الأولى فيها. يجب أن ندرك بدايةً أن كثير من الناس، والكثير من نقاد الكتاب المقدس، والعديد من الدارسين المسيحيين، يعتبرون هذا المقطع بجملته مشكوكاً فيه أو أنه موضع شك لأن بعض أقدم المخطوطات لا نجد فيها هذه الآيات الإحدى عشر. من جهة أخرى، إنها حقيقةٌ لافتة للانتباه جداً أن عدداً من المخطوطات القديمة جداً، وإذ تحذف هذه الآيات، فإنها تترك مكانها فارغاً في الصفحة، مظهرةً بوضوح أن الناسخ قصد أن يدل على أن هناك مقطعاً ما قد جاء في مخطوطات أخرى ووقع بين الآية ٥٢ من الأصحاح السابع والآية ١٢ من الأصحاح الثامن. وفي مخطوطات أخرى نجد هذا القسمَ محذوفاً كلياً. وفي مخطوطات أخرى أيضاً لدينا هذا المقطع ولكن ليس في مكانه هنا. فقد وُضِعَ هذا المقطع في نهاية إنجيل يوحنا كشكل من الحاشية أو الذيل الملحق. من جهة أخرى، هناك سبب قوي نجعلنا نعتبر أن هذا المقطع أصلي، فهو أولاً موجود في العديد من المخطوطات اليونانية القديمة، ويبدو واضحاً جداً أنه جزء من هذا الإنجيل. وسبب حذفه في حالات عديدة، على ما أعتقد، هو أن بعض المسيحيين الأوائل، على ما يبدو، قد شعروا أن هكذا قصة تبدو وكأنها تظهر تساهلاً تجاه سلوك غير أخلاقي، قد يُساء فهمها، وخاصة من قِبَلِ أناسٍ خرجوا من الوثنية التي كانت ذات ممارسات رديئة ونجسة، وهذه الممارسات كانت مرتبطة بعبادة آلهتهم. لعلّ هؤلاء المسيحيين رأوا أن البعض يمكن أن يعتبر أن الخطيئة التي يتكلم عنها هذا المقطع ليست خطيرة أو شنيعة في نظر الله. ولكن علينا أن نقرأ بقية الإنجيل لنرى أن هذا الافتراض ليس في محله.

إذ نقرأ في هذا الأصحاح فإننا نجد إشارات واضحة عديدة إلى هذه الحادثة. فهناك مقاطع لا يمكن فهمهما على نحو واضح وصحيح إن كانت هذه القصة غير موجودة. وأعتقد شخصياً أن المترجمين أحسنوا التصرف عندما ضمّنوها كجزء من النص المقدس في الكتاب بدون تمييزها أو فصلها عن بقية الكتاب المقدس. في بعض طبعات الكتاب المقدس يُوضع هذا النص كمقطع اعتراضي، وكثيرون لا يعتبرون هذا المقطع أصلياً. على كل حال، كل من يعرف نعمة الله، كما تكشفت في المسيح، على ما أعتقد، سيدرك أنه نص أصلي، لأن هذا المقطع له علاقة بما كان يصنعه يسوع هنا على الأرض. وفي نهاية الأمر، إن خطيئة هذه المرأة البائسة ليست أسوأ من خطايا أي أحد منا- "كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ" (أشعياء ٥٣: ٦). إن الجزء الأول من هذه الآية يحدثنا عن خطيئة الجنس البشري- فالجنس البشري برمته قد ضلَّ. لقد ضلَّ سواء السبيل مبتعداً عن الله. ولكن الجزء الثاني من الآية يشير إلى آثامنا وتعدياتنا الشخصية الفردية- "مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ". هناك أناس حفظوا أنفسهم من انغماسات جسدية شهواني كهذه، ومع ذلك فهم آثمون من منظار الله إلى الخطايا التي في الفكر وفي القلب، والتي لا تقل نجاسةً ورداءة في نظره عن خطايا الجسد. "الإنسان ينظر إلى الخارج، أما الله فينظر إلى ما في القلب". الكبرياء هو أمر بغيض يقول الله أنه يمقته وكذلك الغيرة، والاشتهاء، ومحبة المال، والاغتصاب، واللسان الرديء الذي يقول أشياء قاسية وكاذبة وينشر إشاعات وفضائح. هذه كلها تُعَدُّ من الأشياء الشريرة والبغيضة في عيني الله. "مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ". " وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا" (أشعياء ٥٣: ٦). هنا نتأمل في نعمة الله ورحمته نحو الخاطئ وتلك النعمة التي تمتد إلى كل الخطاة الذين يستفيدون من هذه النعمة. والآن لاحظوا المقطع بعناية أكبر.

"فَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ. أَمَّا- ". كم كان ليغيب عن ذهننا المغزى في هذا النص لولا وجود هذه الكلمة "أَمَّا". فقد كان النهار قد انقضى. وظلال المساء تسقط والجماعة تتفرق، فيمضي كل إنسان إلى بيته، أما يسوع- يسوع، خالق كل الأشياء- فلم يكن له بيت يذهب إليه. فخرج إلى جبل  الزيتون. كان سامعوه قد مضوا ليجدوا راحتهم، كان سامعوه قد مضوا ليناموا في أسرّتهم المريحة. كان في مقدور سامعيه أن يعودوا إلى عائلاتهم وإلى بيوتهم، أما يسوع، الغريب في عالمٍ صنعتْه يداه، فكان ينشد الراحة والهدوء على منحدرات جبل الزيتون. على الأرجح أنه ذهب، كما كان يفعل عادةً، إلى بستان جثسيماني. يا لذاك الغريب القدوس المبارك، الذي أمكنه أن يقول: "لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (متى ٨: ٢٠). كم دنا ربُّنا من الناس البؤساء المتشردين المضطربين المنزعجين المتضايقين! لنفكر في الرجال والنساء  المشردين في هذا العالم اليوم. تذكروا أن يسوع كان مثلهم- فلم يكن لديه مكان ليضع عليه رأسه. لقد ذهب إلى جبل الزيتون، وبعض قضاء شطر من الليل هناك على سفح الجبل، تحت ظل أشجار الزيتون، نهض في الصباح الباكر وعاد إلى الهيكل، وجاء إليه بعض الناس، فشرع يعلّمهم. لقد ذكَرْتُ قبلاً أنها كانت عادة عند المعلّمين أن يذهبوا إلى الباحات الخارجية في الهيكل إلى جوار أحد الأعمدة، وهناك كان تلاميذهم يتحلقون حولهم ليسمعوهم. وهكذا اتخذ يسوع مجلسه إلى جوار أحد أعمدة الهيكل وبدأ يعلّم الناس. كان يكشف لهم الحقيقة المتعلقة بملكوت الله، عندما حدث اضطراب وجاء الفريسيون يجرّون المرأة البائسة إلى وسط الحشد المتجمهر هناك. لقد كانت تصارع وتحاول أن تخفي وجهها. وهؤلاء راحوا يضايقونها غير مبالين بإحساسها بالخزي والعار، وأرادوا أن يضعوا الرب يسوع المسيح في موقف حرج، حيث يتوجب عليه أن يتخذ موقفاً ضد ناموس موسى، وإلا فإنه سيتوجب عليه أن يدين تلك المرأة البائسة الخاطئة التي تحتاج إلى معونته. وهكذا جرّوا هذه المرأة أمامه- امرأة أُمسِكت في زنى. أين كان الرجل؟ هل لاذ بالفرار، وهو عشيقها، تاركاً إياها لتواجه الخزي وحدها؟  هذا أمر يحدث آلاف المرات في هذا العالم. المعيار المزدوج الذي كان آنذاك لا يزال موجوداً الآن. لقد أتوا بها لكي يعرّضوها لازدراء أولئك الذين تجمهروا حولها، ولكن الرجل الذي هو أشد منها إثماً ومذنوبية، ليس هناك ليواجه ذلك الحشد. إنه غير موجود ليقف إلى جانب ضحية رغباته الشهوانية وليقول: "بسبب شري وإثمي جاءت هذه المرأة إلى هذا المكان المريع". هذا هو حال النساء البائسات الحمقاوات على مر العصور، إذ قُدِّرَ لهم أن يعانوا الخبرات المريرة مراراً وتكراراً. قَالُوا لَهُ: "«يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟»". ما الذي أمر به موسى في الناموس؟ هل أمر بأنه في حالة سقوط شخصين في خطيئة كهذه أن المرأة وحدها هي التي تُرجَم؟ لا، لا شيء من ذلك. لقد أمر أن يُرجم كلاهما. لقد أمر ناموس موسى أن يُعاقَبَ الرجل الخاطئ وكذلك المرأة الخاطئة.

ولكنهم جاؤوا محضرين إياها، وهي الأضعف بين الاثنين. فما الذي سيفعله يسوع الآن؟ لنفترض أنه التفت إليهم وقال: "بلى؛ لقد أمر موسى بأن تُرجم هكذا امرأة، والناموس هو كلمة الله المقدسة، وما علينا سوى أن نأخذ هذه المرأة خارجاً وأن نرجمها؛ ومن ثم، إن استطعتم أن تجدوا الرجل، فاقبضوا عليه، وارجموه أيضاً". لو كان قد قال ذلك، لما كان أي خاطئ بائس سيأتي إليه أبداً كمثل تلك التي نسمع عنها في الأصحاح السابع من لوقا، التي جاءت منتحبة عند قدمي الرب يسوع. كانت لتقول في هذه الحالة: "لا؛ فهو لن يشفق على امرأة خاطئة مثلي". ولو فعل ذلك لما كان أي بائس تعيس قد تعرض للإغواء ويعاني من الأسى ليجرؤ على أن يأتي إليه طالباً العون. كانوا ليقولوا: "لا؛ فهو سيدين أمثالي. وسيسلمني إلى الدينونة".

ولكن لنفترض، من جهة أخرى، أنه قال: "حسناً. لقد قال موسى ذلك، وبالطبع هذه هي كلمة الله، ولكني أقول لكم: دعوا المرأة تمضي في سبيلها. إني أعفيكم من إطاعة الناموس". في هذه الحال كانوا سيقولون له في الحال: "إنه يقول بأنه مُرسَلٌ من الله، نبي الرب، ويعلِّم أشياء تتناقض مع ناموس موسى، ولذلك فإن تعليمه لا يمكن أن يعول عليه". لقد ظنوا أنهم أوقعوه في الفخ، ولكن كم كان رد ربنا رائعاً وعظيماً! قالوا له: ها هي ذي المرأة؛ فماذا تقول؟ ليس من شك في مذنوبيتها والناموس يقول برجمها. والآن ماذا تقول أنت؟" يا لأولئك الرجال من أصحاب البر الذاتي! فما الذي أجاب به؟ نقرأ أن يسوع انحنى إلى أسفل وراح يكتب على الأرض، وكأنه لم يسمعهم. لماذا فعل ذلك؟ كان أولئك الناس على معرفة بما جاء في الكتابات المقدسة، ولكن، وهذا مما يدعو إلى الأسف، كانوا أيضاً قساة القلوب كمثل حجر الرحى السفلي، كانوا دائماً على أهبة الاستعداد لإدانة الآخرين، متناسين أن "الْجَمِيع أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية ٣: ٢٣). وبما أنهم كانوا يعرفون كتبهم المقدسة، فلا بد من أنهم كانوا يعرفون ذلك المقطع في إرميا الذي يقول: "أَيُّهَا الرَّبُّ رَجَاءُ إِسْرَائِيلَ كُلُّ الَّذِينَ يَتْرُكُونَكَ يَخْزُونَ. [الْحَائِدُونَ عَنِّي فِي التُّرَابِ يُكْتَبُونَ لأَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ]" (إرميا ١٧: ١٣). لعله يمكن ترجمة العبارة بـ "على الأرضِ يُكْتَبُونَ". انظروا إليهم وقد تحلقوا حوله، وهو ينحني إلى الأسفل ويكتب على الأرض. يلتفتون أحدهم إلى الآخر ويقولون: "ما الذي يفعله، يكتب على الأرض!- أليس في كتبنا المقدسة ما يشابه ذلك؟" نعم، هناك ما يشابه ذلك. سيتحولون إلى تراب الأرض في نهاية المطاف بسبب خطاياهم. كان الرب يبلّغ الناسَ رسالةً من الله يُفترَض أن تدخل إلى قلب كل واحد، ولكنهم بدلاً من ذلك، كانوا يستمرون في الإلحاح عليه ويسألونه: "ما الذي سنفعله بها؟ ما من فائدة من انحنائك هكذا تكتب على الأرض. نريد أن نعرف ما ينبغي علينا أن نفعله". لقد كانوا في غاية الرياء والنفاق بادعائهم أنهم غيورون، إذ أنهم في نهاية الأمر كانوا يحاولون أن يحرجوه بحيث يضعفوا الثقة به.

انتصب يسوع وواجه تلك الحفنة من رؤساء الشعب المنافقين المرائين، الذين ما كانوا يهتمون بالله أو يبالون به خلال كل ممارسات خطاياهم في حياتهم، بل كانوا يحاولون أن يخفوا شرهم بادّعاء حماسة لإدانة الآخرين. وإذ نظر إليهم مواجهة مباشرة إلى عينيهم، واحداً تلو الآخر، قال لهم بهدوء شديد، ولكن بحزم شديد جداً: "«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!»". لم يقل لهم: "لا تنفّذوا ناموس موسى". ولم يقل لهم: "لقد أتيتُ لأبطلَ ناموس موسى". بل أشار عليهم أن يطبّقوا ذلك الناموس إذا جرأوا على ذلك. "«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!»". لقد كانوا مخيبين مندحرين تماماً. وأشاح الرب بوجهه عنهم، وراح يكتب على الأرض من جديد. أتساءل إذا ما كانت الكتابة الثانية هذه قد أوحت إليهم بتلك الآية الواردة في (مز ٢٢: ١٥): "إِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي". بعد هنيهة سيذهب (يسوع) إلى تراب الموت، عندما ستُلقى عليه كل تعديات وآثام الخطاة مثل هذه المرأة، إذ سيقدّم نفسَه ذبيحةً لأجل فداء العالم.

ولذلك انحنى من جديد وراح يكتب على الأرض. وبينما كان يكتب، كانت هناك حركة تجري بين المشتكين على المرأة. لقد راح كل واحد منهم ينظر إلى الآخر، ثم ينظر إلى يسوع وإلى المرأة الخاطئة، وقبل أن يتذكر أكبر الرجال الحاضرين سناً خطاياه التي طالما كان يحاول أن يتناساها منذ سنين، أسقط الحجر من يده ومضى قائلاً: "لا أجرؤ على أن أرجمها". وهذا ما فعله الثاني ثم الثالث وهكذا دواليك وصولاً إلى أصغرهم. فانسلوا جميعاً مبتعدين. لقد ذهب الجميع. ذهبوا جميعاً؛ الجميع خطاة آثمون على حد سواء أمام الله. "لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية ٣: ١٠). ونقرأ: "خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ".

وتُرك يسوع وحدُه (أي كان لا يزال هناك بعضٌ من الحشد). ولكن يسوع تُرِكَ لوحده وسط تلاميذه وأولئك الذين كان يعلّمهم. كانت المرأة لا تزال واقفةً هناك راكعةً على ركبتيها منحنية في خزي، ولا شك أن دموعها كانت تنهمر غزيرة إلى الأرض. فالتفت يسوع إليها. كم أتمنى لو أني سمعته يتكلم ذلك اليوم. إني على ثقة بأنه كان حنوناً عطوفاً ومشفقاً على تلك المرأة البائسة أكثر مما يمكن لأي إنسان أن يتخيل. قال يسوع: "«يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟»" فرفعت المرأة بصرها وقالت: "«لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ ٢ »". لاحظوا كيف تخاطبه. لقد لمحت في يسوع شيئاً سامياً جداً، شيئاًً مختلفاً لم تجده عند أي إنسان، هذه المرأة الطريدة المسكينة- لقد رأت فيه يسوع، قدوس الله. "لا، يا رب، ما من إنسان تجرأ على رجمي". وهنا أجابها يسوع وقَالَ لَهَا: "«ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً ٣ »". لا بد أن هذا ما جعل بعض النسّاخ الأوائل يبقون هذا المقطع خارج الكتاب المقدس. لعلهم كانوا يفكرون هكذا: "ماذا؟ يسوع، القدوس، ألا يدين خطيئة كهذه؟ ألا يحرّم الزنى؟" بلى، لقد أدان الزنى بلهجة شديدة عدة مرات. ولكنه كان يعرف أن تلك المرأة البائسة كانت تدرك خطيئتها وإثمها. لقد كانت تدرك نجاستها ودنسها. وكان يسوع يعرف كل ما كان يجري في أعماق قلبها، وتكلم إلى قلبها وضميرها وهو يقول: "«ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً»".

لا أعرف شيئاً عن حياة تلك المرأة فيما بعد، ولا أعرف أين سكنت ولا كيف صارت تسلك بعد تلك الحادثة، ولكني أجرؤ على الاعتقاد بأنها لم تعد ثانية إلى تلك الخطيئة التي جعلتهم يأتون بها إلى حضرة المسيح. أشعر بقوة أن شيئاً ما حدث داخلها في ذلك اليوم. أعتقد أنه رآها تذهب خارجة من الهيكل في ذلك الصباح ونور السماء على محيّاها. أستطيع أن أتخيل أصدقاءها يقولون لها: "ما الذي يجعلك سعيدة جداً هكذا اليوم؟" فتقول: "آه. لقد ذهبتُ عند قدمي يسوع وقال لي: "«ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً»".

ولكن كيف أمكنه أن يقول لها: "ولاَ أَنَا أَدِينُكِ"؟ ذلك بسبب حقيقة أنه كان ماضياً في الطريق إلى الصليب، حيث كان سيأخذ خطيئته معها بعد هنيهة ويعالجها وكأنها خطيئته هو، محتملاً غضب الله وليتألم، وهو الطاهر، عن الدنسين، القدوس، الذي سيعاني عن الجاحدين، البار الذي سيتألم من أجل الفجار. ومن منظار الصليب، أمكنه أن يقول لتلك المرأة: "ولاَ أَنَا أَدِينُكِ". إنه على استعداد لأن يقول هذا الكلام اليوم أيضاً. إنه يقول ذلك لكل خاطئ بائس يأتي مؤمناً بنعمته ورحمته ويقبل إليه تائباً محطم الفؤاد ويجرؤ على أن يلتمس منه الرحمة. في (رومية ٨: ٣١) نقرأ: " فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ! نْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا!" (رومية ٨: ٣١- ٣٤). ولذلك "لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (رومية ٨: ١). كم من معانٍ كنا سنخسرها لو كانت هذه القصة خارج الكتاب المقدس. كم من خطاة بائسين، كم من من رجال ونساء زناةٍ جلبت لهم هذه القصةُ رسالةَ أمل ورجاء وسلام عندما أتوا عند قدمي يسوع وآمنوا به مخلّصاً. ويبدو لي أن هذا الحديث كان ليوجهه إلى كل خاطئ لأننا جميعاً، على حد سواء، ملطخون دنسون.

"قل لي كيف أكون طاهراً
في ناظري من يرى كل شيء؛
قل لي أليس من علاج شامل،
أو نجاة من الخطايا التي أستخف بها؟
هلا يمرّ المخلص عليَّ،
ليريني كم كنت على ضلال؟
أفلا يأتي عندما أصرخ إليه،
ألا فلتطهرني الآن؟"

بلى. مَنْ طهّرَ وخلّصَ هذه المرأةَ البائسة كما نقرأ في يوحنا ٨ ينتظر أن يخلّصكَ إن تأتي إليه وتثق به. "«ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً»".


١. الآية هي "فَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ" (يوحنا ٧: ٥٣). فحسنٌ أن تأتي تماماً قبل الآية (يوحنا ٨: ١): "أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ". وهكذا يمكن صياغة النص بشكل أكثر انسجاماً وتناسقاً ومنطقية بالقول: " فَمَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ" [فريق الترجمة].

٢. الترجمة الأدق هي: "لا أحد، يا رب" إذ ترد هنا الكلمة اليونانية ( kurios )، وتعني "الرب" [فريق الترجمة].

٣. "لاَ تُخْطِئِي أَيْضا"ً أي "لا تعودي بعد الآن إلى الخطيئة" [فريق الترجمة].