الخطاب ٢٢

موقف العالم من الله ومسيحه

"وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. وَكَانَ عِيدُ الْيَهُودِ عِيدُ الْمَظَالِّ قَرِيباً فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «ﭐنْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ لِكَيْ يَرَى تلاَمِيذُكَ أَيْضاً أَعْمَالَكَ الَّتِي تَعْمَلُ لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئاً فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ علاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ». لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ. وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ. لاَ يَقْدِرُ الْعَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْغِضُنِي أَنَا لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ. اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إِلَى هَذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هَذَا الْعِيدِ لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ». قَالَ لَهُمْ هَذَا وَمَكَثَ فِي الْجَلِيلِ. وَلَمَّا كَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ صَعِدُوا حِينَئِذٍ صَعِدَ هُوَ أَيْضاً إِلَى الْعِيدِ لاَ ظَاهِراً بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ. فَكَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَهُ فِي الْعِيدِ وَيَقُولُونَ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» وَكَانَ فِي الْجُمُوعِ مُنَاجَاةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ نَحْوِهِ. بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّهُ صَالِحٌ». وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: «لاَ بَلْ يُضِلُّ الشَّعْبَ». وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ جِهَاراً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ. وَلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ صَعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْهَيْكَلِ وَكَانَ يُعَلِّمُ. فَتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا ٧: ١- ١٧).

أما وقد أنهينا دراستنا لذلك الأصحاح السادس الرائع من إنجيل يوحنا، والذي يصور فيه الرب يسوع نفسَه كخبز الله، نبدأ الآن بمتابعته وهو يستأنف سيره متجولاً من مكان إلى آخر كارزاً بالكلمة للمؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء بحسب حاجاتهم.

نقرأ: "وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ". لقد وعظ تلك الوعظة عن خبز الله في كفرناحوم، في القسم الشمالي من الجليل، ومن هناك مضى منطلقاً إلى أمكنة أخرى في نفس المنطقة، وفيما بعد نزل إلى اليهودية. بما أن اليهود كانوا يحاولون أن يقتلوه، فإنه لم يذهب أولاً إلى اليهودية. إنها في الجنوب. أعداؤه كانوا أكثر عنفاً منهم في الجليل حيث لم يكن الناس يأخذون الأمور على محمل الجد كما كان يفعل أولئك الناموسيون المتعصّبون في اليهودية، الذين كانوا ممتلئين كبرياء ومجداً فارغاً وغير متسامحين أبداً مع من يعارض وجهات نظرهم. لقد كانوا مطمئنين تماماً إلى مكانتهم (وسط الشعب). وإضافة إلى ذلك، فقد كانوا يمقتون كل ما هو معقول في آراء الآخرين الذين ما كانوا يوافقونهم في الرأي. كانوا قد قرروا لتوهم أن الرب يسوع المسيح كان نبياً كذّاباً. لقد أعلنوا أنه كان يتوجّب عليه أن يصمت، وكانوا ليتعاملوا بعنف وقسوة معه لأنه كان يسعى إلى تحييد الناس عن ناموس الله، الذي كانوا يخلطون بينه وبين تقاليدهم الخاصة. بحسب سفر التثنية، مثل هكذا إنسان كان يجب أن يُرجَمَ حتى الموت. وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نفهم خلفية موقفهم نحو الرب يسوع المسيح. لقد كانوا يبغضون تعليمه، ويعتبرون أنه يتناقض مع ناموس موسى. وبالطبع كانوا مخطئين في ذلك. "النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا". لقد جاء ليحقّق، بطريقة رائعة، ذلك الناموس نفسه الذي كان قد أُعطِيَ ليُظهر للناس أنهم في حاجة إلى مخلّص، وليؤكّد على إثمية خطيئتهم المتزايدة ومذنوبيتهم. يقول بولس: "قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ". والآن لدينا الإعلان الكامل عن نعمة الله كما انكشفت في الإنجيل.

يتم لفت انتباهنا إلى حقيقة أن أحد آخر تلك الأعياد الثانوية الكبيرة في اليهودية كان على وشك أن يُحتَفَلَ به. ونقرأ "كَانَ عِيدُ الْيَهُودِ عِيدُ الْمَظَالِّ قَرِيباً، فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «ﭐنْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ". لاحظ التعبير ذا المغزى: "عِيدُ الْيَهُودِ عِيدُ الْمَظَالِّ". في لاويين ٢٣ يُصنّف هذا العيد ضمن أعياد الرب. لماذا التغيير؟ لأنهم فقدوا المعنى الحقيقي له. لقد حافظوا عليه فقط بشكل ناموسي شكلي بارد؛ ولذلك يرفض الرب أن يربط اسمَه به. يمكننا أن نرى نفس الأمر اليوم. لقد أعطانا الرب فريضتي المعمودية وعشاء الرب. والآن، حيث يتم حفظهما بحسب كلمة الله، يكون معناهما حقيقياً، ولكن حيث يستبدلُ الناسُ التجدد بالمعمودية، حيث يؤمنون بأن الأطفال المعمّدين يصبحون أعضاء في ملكوت الله، أو يفكر الناس الأكبر سناً بأنهم بالمعمودية يمكن أن تُزال خطيئتُهم، عندها يصبح هذا الترتيب أو الطقس بغيضاً في عيني الله. الأمر نفسه يصح على حفظ العشاء الرباني الثمين. عندما نأتي معاً لنتشارك في الخبز والكأس تذكّراً لمخلصنا المبارك الذي بذل نفسَه عنّا، فإن هذا أمرٌ عظيم في نظر الله. إنه يُسَرّ إذ يجد شعبَه يأتي معاً في وقار ليتذكّر ذاك الذي افتداهم. ولكن عندما يجعلون من عشاء الرب مجرد خدمة شعائرية ناموسية ويعتقدون بأنهم يساعدون بملائمة أنفسهم للسماء وأنهم يخلّصون أنفسَهم بحفظ هذه الفريضة، فعندها يصبحُ عيدَهم وليس عيد الرب. إنه يصبح شيئاً بشرياً، من الناس، وليس شيئاً من الله.

إن عيد المظال هذا، كما نلاحظ دائماً هو في غاية الأهمية وذو مغزى عظيم. نقرأ في لاويين ٢٣: ٤: "هَذِهِ مَوَاسِمُ الرَّبِّ". إن كلمة "موسم" لا تعني بالضبط عيداً في كل الأحوال، بل وقتاً مكرّساً. بمعنى آخر، فقد كانت أحداثاً بارزة في السنة الطقسية اليهودية، وستجدون أنه كان هناك أربعة أعياد في بداية السنة وثلاثة في الخريف، وعيد المظال كان آخرها جميعاً. أول عيد كان عيد الفصح، وفي الأصحاح الخامس من رسالة كورنثوس الأولى يُقال أن المسيح، فصحنا، قد قُرِّبَ عنّا. لقد حُفِظَ الفصحُ أولا في مصر، عندما افتقد الله الأبكارَ بالدينونة. فهناك قسموا الحمل إلى أجزائه وكانوا يحتفلون بتناوله، ولكن الدم كان يُرش على دعامات الباب وعتبات البيوت، وهكذا كان الناس داخل البيت في مأمن من الدينونة؛ وهذه صورة رائعة عن المسيح- المسيح حمل الفصح- وكما قال الله في القديم: "أرَى الدَّمَ وَأعْبُرُ عَنْكُمْ" (خروج ١٢: ١٣)، كذلك هو الحال اليوم؛ فعندما يضع الناس ثقتهم في ذلك الدم الثمين يصيرون في مأمن من الدينونة، وعندها يقتاتون روحياً على مخلصنا المبارك الذي سفك دمه الثمين من أجل فدائنا. ذاك هو عيد الفصح. وكما تعلمون ففي زمن عيد الفصح مات ربّنا يسوع المسيح على الصليب. لقد مات حمل الله في عيد الفصح ليرفع خطايانا.

العيد الثاني هو ذاك المتعلّق بالخبز الفطير. لقد كانوا يبدأون بعيد الفصح ويستمرون لسبعة أيام، فيأكلون الخبز الفطير فقط. ومرة أخرى نقرأ في ١ كورنثوس ٥: ٨: "إِذاً لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ". أولئك الناس الذين كانوا يغتذون على خبز الفطير كانوا يمثّلون المسيحيين الذين يتغذون على المسيح ويعيشون لمجد الله، مُقصِينَ من حياتهم ما هو دنيوي وما هو دنس وما هو مرتبط بالحياة القديمة، سالكين في جِدّة الحياة.

العيد الثالث المعين كان عيد البواكير. لقد كان يُحتفل به في اليوم الأول من الأسبوع الذي يلي الفصح، عندما كانوا يأخذون الحزمة الأولى التي كانت تنضج من المحصول. وكانوا يأتون بها أمام الله ويقدّمونها له. كان ذلك يمثّل ربَّنا يسوع المسيح لكونه القائم. يتوضح هذا لنا في ١ كورنثوس ١٥: ٢٠ حيث نقرأ: "وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ". كان لا بدّ لحبة الحنطة أن تموت ولكن بموتها كانت تؤتي بثمار كثيرة. وهكذا، إذ كان الكاهن يأتي بالحزمة ويقدّمها للرب، فإنها كانت تمثّل مخلّصَنا المصلوب المبارك وهو يقوم من بين الأموات في الصباح الذي يلي الفصح اليهودي. كم كان هذا الرمز مناسباً جداً للتعبير عن طريقة تحقيقه، إذ كان في اليوم الأول من الأسبوع الذي يلي سبت الفصح (عند اليهود) الذي فيه قام يسوع من الموت. "أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رومية ٤: ٢٥).

ثم، وإذ نتابع في سفر اللاويين، نجد أن الناس كانوا يعدّون خمسين يوماً إلى أن يأتي الصباح الذي يلي السبت السابع عندما كان يتم تقريب تقدمة جديدة أمام الرب: رغيفا خبز مخبوزان بالخميرة. لقد كانت الخميرة رمزاً للخطيئة، ولذلك ما كان ليمكن أن يكون أي شيء منها في الخبز الذي كان يمثّل المسيح. ولكن في اليوم الخمسين، عيد الخمسين، الذي يلي السبت اليهودي، الذي أُلقيَ الآن جانباً، نجد "رَغِيفَيْنِ عُشْرَيْنِ" مقدمين لله، وهما مصنوعان من عجين خمير. إنهما يمثلان اليهود والأمميين وقد خلصوا بالنعمة وشكّلوا ذبيحة تقدمة جديدة. وهذا يصور بداية دهر الكنيسة التدبيري. كل هذه الأعياد كانت تشكّل أرضيةً لخلاصنا، وقد تحقّقت للتو.

ومن ثم، في خريف السنة، كانت هناك ثلاثة أعياد أخرى رمزية. الأول، نفير الأبواق، الذي كان يرمز إلى ذلك الوقت عندما سيعود إسرائيل إلى الله. ثم كان يوم الكفارة العظيم، وسنراه قد تحقق، كما في الصورة في زكريا ١٢، إذ يوماً ما بنو إسرائيل سوف "يَنْظُرُونَ إِلَيَّ الَّذِي طَعَنُوهُ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ" (زكريا ١٢: ١٠). كان ذلك ليكون يوم الكفّارة الحقيقي لليهود، عندما سيكتشفون في نهاية الأمر أن الرب يسوع المسيح الذي مات على صليب الجلجثة كان حقاً ذبيحة خطية عظيمة وقد مات ليمحو خطاياهم، وسيعرفونه عندئذ، وإذ يؤمنون به، وسيمكنهم أن يقولوا: "مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا" (أش ٥٣: ٥).

ثم الموسم الأخير المحدد في الشهر السابع، وكان يُدعى عيد المظال. وكان ينبغي فيه على الشعب أن يسكن في خيام كتذكار لما حدث في البرية. لقد كان هذا العيد يرمز إلى ذلك الزمان عندما سيسكن الشعب المتجدد في سلام وطمأنينة مع ربنا يسوع المسيح وهو يملك عليهم. إذ في زكريا ١٤ نجد أن العيد الحقيقي للمظال سيكون عندما يتمتع إسرائيل والعالم بأسره بنعمة الله المخلِّصة وسيحيَون تحت مُلكِ ربنا يسوع المسيح المجيد.

ولكن للأسف، إن اليهود في زمن المسيح لم يعرفوا أن الملكَ كان بينهم، وحتى إخوة يسوع لم يؤمنوا به إلى أن قام (من بين الأموات). لدينا أسماء بعضهم، نعرف عن يعقوب، ويهوذا، وسمعان، ويوسي أنهم كانوا إخوة ليسوع؛ لا نعرف إن كانوا إخوة بشكل كامل أم نصف أخوة ليسوع، إذ أن هذا كان ولا يزال مثار جدلٍ، ولكن كانوا بكل تأكيد من عائلة يسوع بمعنى أو بآخر وكانت تربطهم قرابة بالرب يسوع المسيح. هناك نصوص كتابية أخرى تظهر أنه كانت له أخوات أيضاً. وكان إخوته يصعدون في هذه المناسبة إلى عيد المظال (أي إلى الاحتفال بعيد المظال في أورشليم). إنهم يقولون: "هل ستذهب؟" "ﭐنْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ لِكَيْ يَرَى تلاَمِيذُكَ أَيْضاً أَعْمَالَكَ الَّتِي تَعْمَلُ". هناك سخرية في هذا الكلام. يبدو أنهم سوف "يضعونه على المحكّ". "لماذا لا تذهب إلى اليهودية؟ أنت يهودي صالح؛ لماذا لا تحفظْ عيدَ المظال وتحتفل به مع البقية بدلاً من عمل الأشياء في الخفاء؟ إن كنتَ تظن أنك المُرسَل، إن كنت تفعل هذه الأشياء، فأظهر نفسَك للعالم".

لا بد أنه كان من الصعب عليه أن يسمع هذه الكلمات من إخوته، وأن يجد أن أولئك الذين ترعرعوا معه لم يؤمنوا به. "إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ". فكّروا في ذلك! إنه أمرٌ في غاية الصعوبة أحياناً أن تقنع الناس في بيتك. ألم يجد الكثيرون منا أنه من الأسهل أكثر أن ندنو من الناس خارج إطار أعضاء العائلة؟ إن كانت لديكم أخطاء أو ضعفات، فإن كل نقص يتم تعظيمه، ويصبح كبيراً جداً؛ ولذلك فإن الأمر أصعب بكثير أن تؤثّر على أولئك الذين هم من عائلتك فيما يتعلّق بالبركة الروحية التي أعطاها الله. يسوع نفسه، القدوس، احتمل ذلك. ويمكنه أن يفهم الاضطراب الذي ينتابنا في عائلتنا بسبب شهادتنا المسيحية.

لقد جاء الوقت عندما آمن هؤلاء الأخوة به، ولكن ذلك كان بعد قيامته، بعد أن نهض من بين الأموات. ومن ثم، في نهاية لأمر، اقتنعوا، وصار يعقوب ويهوذا اثنين من تلاميذه البارزين. وسمعان، وهو أخ آخر، كان لسنوات عديدة موضع احترام وتقدير كخادم مكرّس لربّنا، كما يخبرنا الكُتّاب المسيحيون الأوائل. وكان هناك أخٌ رابع، يوسف، أو يوسي، الذي لا نعلمْ شيئاً عنه. لدينا أسماؤهم في إنجيل متّى ١٣: ٥٥.

ولكن الآن، وبدلاً من أن يردّ على استهزائهم باستهزاء، أو يشتم، كما شتموا، أجابهم بلطف شديد قائلاً: "إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ". كما ترون، بما أنه نزل إلى الأرض وأخذ مكانة خادمٍ، فإنه لن يتحرّك إلى أن يسمع أمر الآب. "لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي". إننا نرتكب أخطاء كثيرة عندما نتصرف بناء على إرادتنا الذاتية. لم يفعل الرب يسوع ذلك أبداً. فقد كان دائماً ينتظر كلمة من الآب. "إِنَّ وَقْتِي لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ. وَأَمَّا وَقْتُكُمْ فَفِي كُلِّ حِينٍ حَاضِرٌ". أي أن وقت الإنسان بحسب الجسد دائماً حاضر جاهز. "لاَ يَقْدِرُ الْعَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْغِضُنِي أَنَا لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَةٌ". كان هذا هو السبب في أن الناس ما كانوا راضين عن الرب يسوع المسيح. لو كان على استعداد لأن يتغاضى عن خطاياهم وأن ينظر بلطف إلى أعمال شرهم، أو يتجاهلها، لكان يمكن أن يكونوا متساهلين متسامحين معه، أو حتى أن يصبحوا مشايعين متحمسين له، ولكن ليس الأمر كذلك، فقد كان يحمل شهادة ضد الخطيئة والفساد والإثم في العالم ولذلك فقد أبغضوه بدون سبب، فقط بسبب قداسته وطهارته ونقاوته التي كانت تتناقض مع إثميتهم.

والآن يقول لهم: "اِصْعَدُوا أَنْتُمْ إِلَى هَذَا الْعِيدِ. أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هَذَا الْعِيدِ لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ". وهكذا صعد إخوته بدونه، أما هو فقد "مَكَثَ فِي الْجَلِيلِ". لاحقاً، وبعد صعودهم، صعد وراءهم في الخفاء. وبدون تباهٍ، وبدون أي إعلان عام، صعد إلى أورشليم. من الواضح أن اليهود كانوا يتوقّعون وجوده، إذ نعلم أنه "كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَهُ فِي الْعِيدِ وَيَقُولُونَ: «أَيْنَ ذَاكَ؟»". لماذا كانوا يتوقّعون وجوده هناك؟ لأنه كان دائماً حريصاً على أن يحفظ الناموس، والناموس يقول بأن على كل إسرائيلي أن يتواجد ثلاث مرات في السنة أمام الله في المكان الذي يُدوّن اسمُه فيه؛ ولذلك فإن الرب يسوع المسيح كان سيحفظ عيد الفصح ويوم الخمسين وعيد المظال. ولذلك فقد توقّعهم في محلّه إذ كانوا يفترضون أنه سيكون هناك. لقد كان هناك الكثير من اللغط. فإذ لم يجدوه راحوا يتكلمون عنه. "بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّهُ صَالِحٌ». وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: «لاَ بَلْ يُضِلُّ الشَّعْبَ»". لقد كان اسمُه يحدث انشقاقاً وسط الشعب آنذاك، كما هو عليه الحال اليوم أيضاً في العالم. لقد عرف البعضُ في يسوع إنساناً صادقاً. ورأوا فيه رجلاً صالحاً، وبما أنه  كان رجلاً صالحاً كان لا بد من الاعتراف بأنه كان يقول الصدق والحق. ولكن كان هناك آخرون أيضاً يقولون عنه: "لا، فإنه مخادعٌ يضلّل الناس". وهكذا نجد العالمَ اليوم أيضاً منقسماً حول هذه المسألة. بأي جانب أنت؟ هل أنت من بين أولئك الذين يؤمنون بما يقوله يسوع؟ أم أنك من أولئك الذين يرفضونه؟

ما من أحد منهم كان يتكلّم علانيةً لأنهم كانوا يخشون أن يسمعهم بعضُ القادة وهذا سيسبّب لهم مشكلة. ولكن كان ذلك الآن في غمار العيد. فظهر يسوع فجأةً في الهيكل. لقد كان من عادة المعلّمين في القديم أن يدخلوا ساحات الهيكل. كان مختلف الربانيين يتّخذون مكاناً لهم بجوار الأعمدة. وفي وقت محدد من اليوم كان يمكنك أن ترى مجموعات متنوعة تتحلق حول معلّميها. كان ليمكنك أن تأتي إلى جوار أحد الأعمدة فتجد معلّماً صدّوقياً حوله مجموعة من الناس. وعند عمود آخر كان يمكنك أن تجد فرّيسياً يخطب في الناس. وكان يسوع يأخذ مكانه كأحد المعلّمين عند أحد الأعمدة، وكان اليهود يتجمّعون حوله ويصغون إليه بانذهال وهو يعلّمهم. يا لتلك المجموعة من الأمور التي كان يتكلّم عنها! كم كانت كلماته وتعاليمه تتمتع بسلطان عجيب! فكانوا يقولون مستغربين: "«كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟»". بمعنى آخر: "هذا لم يذهب إلى كلية، ولم يتتلمذ على يد أي من معلمينا العظماء، فمن أين له كل تلك المعرفة؟ أين تعلّم كل تلك الأمور الرائعة؟" قد يقول أحدهم: "لم الاستغراب؟ فهو الله". لماذا لم يقل لهم ذلك؟ ولكن لم يكن هذا هو الجواب. ما كان ليسترعي انتباههم إلى معرفته الإلهية، بل اختار أن يتعلم من كلمة الله ومن تواصله مع الله الآب يوماً فيوماً. فكروا في هذا. الابن المبارك لله- الحكمة السرمدية- الحكمة الذي خلق السموات والكون، قد صار الآن إنساناً على الأرض يتأمل في الكتاب المقدس، كما هو مطلوب مني ومنك، منتقلاً من صفحة إلى أخرى في كلمة الله، كإنسان، فيتعلّم كتلميذ من يوم لآخر. يا له من مثال لنا لنحتذي به!

وكان هذا هو الشيء الذي جعل خدمتَه غنيةً جداً وكاملةً، وإن كنتٌ أتكلّم الآن إلى أي ممن يمكن أن يكون بركةً للجنس البشري، فإني أؤكد أن تشبّعوا بهذا الكتاب. لا تضيعوا وقتكم فقط على أعمال الإنسان ظانّين أن فهمكم ومفرداتكم ستزداد. عيشوا في كتابكم المقدّس! كلما اطلعتم على هذا الكتاب أكثر، كلما استطعتم أن تعطوا صورة عن كلمة الله الحقيقية للبشر.

"كَيْفَ هَذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ؟" لقد تعلّم على يديّ الآب أبيه، ونحن نتعلم بنفس الطريقة. أجابهم يسوع قائلاً: "َتعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي". ويقصد أن يقول: "إن التعليم الذي أعطيه لا أعطيه من نفسي بل هو تعليم أبي". "إن تعليمي ليس خاصاً بي بل هو تعليم الذي أرسلني". إن قال أحد: "أتمنى لو أعرف بيقين إن كانت هذه التعاليم صحيحة"، فعندها سيخبره بنفسه كيف يتحقق من ذلك على نحو أكيد. إنه يقول: "إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ هَلْ هُوَ مِنَ اللَّهِ أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي". ولعله يمكن فهم الأمر أيسر إن قلنا: "إن شاء أحدٌ أن يفعل مشيئة (الله)"، أي إِنْ عزم أحدٌ في قلبه أن يريد أن يعرف إرادة الله، وإن جاء إلى الله تائباً قائلاً: "أريد أن أتحرر من خطاياي وأريد أن أعمل مشيئة الله"- إن اتّخذ إنسانٌ هذا الموقف، فإن كلمة ابن الله كما سمعتم لن تتركه في شك من ناحية تلك المشيئة. هذا اختبار قد يستخدمه أي إنسان ليكتشف بنفسه إن كان تعليم يسوع صحيحاً أم لا.

يأتي الناس إلي ويقولون: "ليتني أستطيع أن أومن مثلك، ولكن مشكلتي هي أني لستُ متيقّناً فيما إذا كان الكتاب المقدس هو كلمة الله أم لا. لا أعرف إذا ما كانت هذه الأشياء حقيقية أم لا. لو أني استطعتُ أن أومن بها فسيكون كل شيء على ما يرام". يا صديقي، هنا كلمة المسيح ذاتها تقول لك كيف تعرف بشكل مؤكد فيما إذا كانت هذه الأشياء حقيقية. هل ترغب فوق كل شيء آخر أن تفعل إرادة الله؟ هل أنت مهتم بهذا أكثر من تكديس الأموال، أو الازدهار في الحياة؟ إنه يقول لك أنك إن وضعتَ ذلك كأولوية فإنك ستعرف العقيدة. إن كنتَ تبحث عن انعتاق من خطاياك وتريد أن تكون على علاقة سليمة مع الله وأن تطلب منه بروحه أن يكشف الحقيقة لك، فإنه يعلن لك في هذه الآية بأنه سيفعل ذلك بالتأكيد. لطالما جاء الناس إليّ بهذه الحالة، وكنتُ دائماً أحوّلهم إلى إنجيل يوحنا. ففي يوحنا ٢٠: ٣٠، ٣١، نقرأ: "وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ". إن كنتَ ترغب في تعمل مشيئة الله وليس لديك شك في تلك المشيئة، فخذ إنجيل يوحنا هذا واقرأه بهدوء ووقار. لا تأخذ آيات كثيرة دفعة واحدة، اقرأ الإنجيل آية فآية، وإذ تقرأ ارفع قلبَك إلى الله وقل: "يا رب، فوق كل شيء، إني أرغب أن أعرف إرادتك، وبما أن هذا السفر قد كَتِبَ ليبرهن عليها، وبينما أنا أدرسها، أعلنْ حقيقتك لي وعرّفْني إذا ما كان يسوع هو حقاً ابنَك". أناسٌ كثيرون ذهبوا إلى الله على هذا النحو واكتشفوا إرادة الله لهم، وتلاشت جميعُ شكوكهم.

كان لدي صديق من رعاة البقر في أريزونا. كان قد ابتعد كثيراً عن الله، ولكن جاء يومٌ تكلّم الله بقوة إليه. سمعتُه يخبر كيف أنه لم يؤمن لسنوات بالكتاب المقدس وكيف كان يسخر منه ويرفض شهادته. وأخيراً، وتحت إدراك عميق للخطيئة، قال أحدُهم: "لماذا لا تذهب إلى الله بنفسك وتسأله أن يوضح لك ذلك بشكل أكيد؟" ولذلك ففي إحدى الليالي ركع إلى جانب سريره وصلى قائلاً: "يا رب، إن كان هناك إله، وإن كنتَ تنظر من عليائك إلى خاطئ بائس مثلي، وإن كنتَ تسمع صلاتي، وإن كان يسوع المسيح ابنَك، فاكشف لي ذلك وإني أعدُك بأن أخدمَك بقية أيام حياتي". وبدأ يبحث في الكتاب المقدس، وأخبرنا فيما بعد قائلاً: "لا أستطيع أن أعبّر عن الأمر أو أن أفسّره، ولكن أعرف أن شيئاً حدث، وخلال ثلاثة أيام عرفتُ بدون أدنى شك أن الرب يسوع المسيح كان ابنَ الله ومخلّصي". لقد كان خادماً مخلصاً لله، إلى أن مضى إلى ديار الرب في السماء. لقد مات بالإيمان الذي اعترف به لزمان به.

والآن إن كنتَ تقول: "لا أستطيع أن أومن بالكتاب المقدس"، فإني أستطيع أن أعرف السبب. إن ذلك هو لأنك تعيش في خطيئة ما يدينها الكتاب المقدس. إن كنتَ لا تستطيع أن تؤمن بالكتاب المقدس، فإن ذلك هو لأنك تعيش في الخطية. إن واجهْتَ خطيتَكَ تلك بصدقٍ أمام الله، فإنه سيعطيك نوراً كافياً لتخلص.