الخطاب ٥١

ليس من العالم

"إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ. اُذْكُرُوا الْكلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كلاَمَكُمْ. لَكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هَذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ. اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضاً. لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي. لَكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ. وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الاِبْتِدَاءِ" (يوحنا ١٥: ١٨- ٢٧).

هذه الكلمات توقِع في النفس مهابة وجلالاً عندما نتذكر حقيقة أن الرب يسوع المسيح هو الذي نطق بها عندما خيم على طريقه الظل المعتم للصليب، الذي كان يعبر عن كراهية العالم له. فمسبقاً رأى الجلجثة حيث، من كان بلا خطيئة، سيصير خطيئة لأجلنا. وهناك سيختبر كل الكراهية والحقد الذي عند البشر، وقد حثته قوة الشيطان، فيثقل عليه. لم يكن متوهماً فيما يخص مستقبله. لقد عرف من البداية كيف ستكون خاتمة خدمته على الأرض. لقد جاء من السماء ليختمها على ذلك النحو. وكان قد قال قبلاً بزمن طويل: "ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". لقد كان يعرف أنه سيلاقي رفضاً من كل جانب، ولكنه جاء ليموت عن أولئك الذين أبغضوه، عن أولئك الذين داسوا على محبة الله ونعمته متبديتين فيه.

والآن يدعو أولئك الذين آمنوا به ليسيروا معه، مدركين حقيقة أن هذا الشر الذي لا شفاء منه الذي في نظام العالم لا يمكن تحسينه بل سيبقى دائماً وأبداً ضد الله. تخيل الكثير من المسيحيين أن هذا يمكن تحسينه. وافترض كثيرون أن برنامج الكنيسة هو أن تجعل العالم أسمى وكذلك أفضل. ولكن عندما تنظرون إلى هذا العالم اليوم بعد ألفي سنة من الكرازة بالإنجيل، ستجدون انه نفس العالم الشرير. وأن الشر قائم حالياً كما كان في الماضي. يسأل الناس: "ولكن أليس العالم أفضل، لأن فيه الآن ملايين عديدة من المسيحيين؟" إنهم ينسون أن المسيحيين ليسوا من العالم، لأن الرب يسوع المسيح يخبرنا هنا أنه قد اختارنا من العالم. ولذلك فعندما تريد أن ترى إذا ما كان العالم أفضل مما كان عند صلب رب المجد، أسقِط الكنيسة وكل ما يتعلق بها، وعندها ستجد أن ما تبقى هو العالم ببشاعته الشديدة وكراهيته لله- العالم الشرير اليوم هو تماماً كما عندما صرخ ممثلوا هذا العالم في قاعة محكمة بيلاطس قائلين: "ليس لنا ملك سوى قيصر"، وعن يسوع قالوا: "اصلبه. اصلبه". وهكذا تأتي هذه العوالم إلينا، "إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ". وعلينا أن نتذكر أننا نبدأ حياتنا المسيحية باختيارنا لذاك الذي يرفضه العالم. إننا نتوحد به، بالإيمان. ولذلك يقول روح قدس الله في مكان آخر أن "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد".

يرتبك بعض الناس عندما نستخدم هذه الكلمة، "العالم"، ويسألون: "ما الذي تقصدونه تماماً عندما تقولون أن على المسيحيين ألا يحبوا العالم وأن يسوع اختارنا من العالم. أي عالم تقصدون؟ هل تقصدون الكون؟" لا. "هل تعنون الكرة الأرضية؟" لا؛ ليس كذلك. "ماذا إذاً؟" إننا نقصد هذا النظام البشري الذي أدار ظهره لله. هذا هو العالم. وذلك العالم، أكرر قائلاً، هو نفسه اليوم كما كان سابقاً ودائماً، وعندما يحاول المسيحي أن يكون صديقاً للعالم، فإنه يجعل من نفسه، على الأقل من خلال هذا التصرف، عدواً لله. يستخدم الكتاب المقدس لغة قاسية شديدة في حديثه عن أولاد الله الذين يحاولون أن يصادقوا العالم. وفي رسالة يعقوب نقرأ: "أيها الزناة والزواني، أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمن أراد أن يكون محبا للعالم فقد صار عدوا لله". لقد عهدنا بأنفسنا لذاك الذي يرفضه العالم. ومن هنا، فإننا نرتكب الزنى الروحي إذا ما رمينا بأنفسنا في حضن العالم الذي رفض المسيح. ليت كل مسيحي يدرك أنه مختار من العالم. لو فهمنا فقط الطبيعة الإلهية في دعوتنا لما كنا لنطرح كل تلك الأسئلة عما إذا كان هناك ضير في هذا أو ذاك. السؤال الكبير المهم يجب أن يكون: "هل هذا من الآب، أم هو من العالم؟" إن كان لمجد الله، فيمكنني أن أتابع فيه بسرور، وإن لم يكن كذلك، فلا يجب أن يكون لهذا الشيء وجود في حياتي كمسيحي.

هذا العالم يكره المسيحية. ونرى الكثير من الأمثلة عن ذلك اليوم. يا للمعاناة التي يعانيها المسيحيون في أماكن مختلفة من العالم اليوم حيث كانوا قد لاقوا ترحيباً فيما مضى! قبل بضعة سنوات كانت اليابان تناصر المسيحية من كل القلب، واليوم يعلنون أنها عدو الدولة. وآخر ما سمعناه أن المرسلين المسيحيين يطالبون بمغادرة تلك الديار. لماذا؟ لأن هم يعرفون أن المسيحية هي النقيض تماماً للنظريات التي يطرحونها الآن، والتي بها يأملون أن يسيطروا على شرق آسيا. نرى نفس الموقف عند قوى عالمية قوية أخرى. لا يزال المسيح مبغضاً. المقاومة له تزداد كثافة وقوة. ينبغي علينا أن نطرح لأنفسنا سؤالاً عما إذا كنا مستعدين لأن نقف مع يسوع ولأجله مهما كان موقف الناس المحيطين بنا. إنهم يكرهون ربنا. إنهم يكرهون نعمته ومحبته ولطفه لأنها تعكس وتفضح كبرياءهم وروح العداء عندهم التي تتعارض مع تواضع يسوع. يمقته الناس لأجل اتضاعه.

يقول: "لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ". يا للروعة أن نكون مختارين من العالم! إني على يقين أننا عندما ننظر إلى الأمام ونفكر بالدينونة، يمكننا أن نشكر الله لأننا مختارون من العالم.

ولكن ما الذي نقوله عن أولئك الذين يرجون أن يُعتقوا ويتحرروا والذين يعترفون أنهم مسيحيين، ولكن يسعون وراء كل المتع والمسرات التي يمكن أن يقدمها لهم العالم. قد يفكر المرء بلوط وعائلته الذين عاشوا في الماضي البعيد. لقد انتقلوا إلى سدوم لكي يشتركوا في الدنيويات، إذ ملوا من حياة العزلة وهم يعيشون هناك فوق التلال في فلسطين. وهكذا انحدروا شيئاً فشيئاً إلى أن صاروا محتجبين في سدوم. ثم جاء اليوم عندما صارت دينونة الله على وشك أن تقع على تلك المدينة الآثمة فجاء الملائكة حاملين الرسالة أن: "اُهرب لحياتك. لا تنظر الى ورائك ولا تقف في كل الدائرة. اهرب الى الجبل لئلا تهلك". يخبرنا الكتاب أن الملائكة أمروا لوط أن يذهب إلى أقرباءه في المدينة، الرجال الذين تزوجوا من بناته، وأن يخبرهم أن الدينونة ستقع في اليوم التالي. ولكنهم هزأوا بلوط عندما تكلم إليهم عن الدينونة. لماذا؟ لأنه كان قد عاش تماماً مثل سائر الناس. والآن اعتقدوا أنه قد فقد عقله. هل نعيش أنت وأنا بطريقة تجعل شهادتنا جديرة بالاعتبار لدى الناس عندما نحذرهم لأن يهربوا من الغضب الآتي، أم أننا نعيش قرب حافة العالم فنشابه من حولنا مما يجعل الآخرين يشكون فيما إذا كنا نؤمن حقاً بما نعترف به. يا أحبائي، إن كان هناك يوم يدعونا الله فيه لأن ننفصل عن هذا العالم، فهذا اليوم هو اليوم. "اُذْكُرُوا الْكلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اِضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كلاَمَكُمْ". هنا لدينا المجموعتين، أولئك الخاضعين له وأولئك الذين يرفضون الإقرار بسلطانه. الخطوط تتقارب أكثر فأكثر وسيزداد تقاربها بالتأكيد. إذ نقرأ الكتاب المقدس والصحف، وننظر حولنا، لا يمكننا إلا أن نعتقد على أننا منذ الآن نتحرك صوب عتمة وفظائع الضيقة العظيمة. وإن كان الأمر كذلك، فإنها الساعة عندما سينزل الرب يسوع المسيح من السماء مع صراخ، وصوت رئيس الملائكة، ومع بوق الله: والموتى في المسيح سيقومون أولاً، وهذا على ما يبدو أمراً وشيك. دعونا نرى أننا نعيش هكذا، وكذلك نتأدب، وهكذا نستخدم الوزنات التي عهِد بها الله إلينا لكيما تزداد أعمال محبتنا نحو أولئك المحيطين بنا، في العائلة، وفي الكنيسة المعترفة وفي العالم أجمع، وهكذا فعندما نسمع ذلك الصوت، تلك الصرخة، ذلك البوق، نذهب ونحضر أمامه لدى مجيئه بكل سرور ودونما خجل من أي شيء. هناك أمر أنا على يقين منه، أنه لن يكون هناك مسيحي في ذاك اليوم يتمنى لو كان دنيوياً أكثر أو أن يكون قد استمتع أكثر بأعمال الطيش والعبث. بل سيكون هناك عشرات آلاف من المؤمنين الذين سيكونون على استعداد في ذلك اليوم ليُضحوا بأي شيء إن كانوا مهتمين أكثر بأمور الرب خلال الوقت القصير الذي يمضونه له في هذا العالم. إن الله يعطينا القدرة والإمكانية على أن نحيا مثل أولئك الذين اختيروا من العالم. عندما أتينا إلى المسيح قلنا وداعاً للعالم. تركنا العالم لأجل اسمه. فكم سنُسر عندما نعود لنتذكر تلك اللحظات التي عشناها في أول لقاء حب مع المسيح.

دعونا نسبر أغوار قلبنا، وإن شعرنا أن العالم يعني لنا الآن أكثر مما كان عندئذ، فلنتُب و"نقوم بأعمالنا الأولية من جديد"، لكيما نحظى باستحسانه في اليوم الآتي.

العالم يكره الله؛ وسيكرهنا. إن كنا نطلب محبة العالم فستكون على حساب إخلاصنا للمسيح. هذه هي المشكلة مع العالم. إن العالم لا يعرف الله. هل نعرفه نحن؟ لا يمكننا أن نعرفه أبداً إن رفضنا يسوع المسيح. إنه يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي". "لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص". لقد جاء ليُعلن لنا الآب. لقد أخبرنا عن كل ماهية الله، فإن رفضه الناس، فذلك لأنهم لم يعرفوا الله. عندما نقتبله، ننال حياة أبدية- "وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".

"لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ". المسؤولية تزداد مع المعرفة. لطالما قال الناس لي: "إن كان هذا صحيحاً إذاً ماذا عن عبدة الأصنام؟ أليس الوثنيون على ما يرام في وضعهم كما هم؟ لماذا ينبغي أن نذهب إليهم حاملي الإنجيل؟ إذ أننا لو لم نذهب لما كانت لديهم خطية. هل يعني هذا أن الوثنيين يخلصون بدون إنجيل؟" لا أبداً على الإطلاق. الأصحاح الأول من الرسالة إلى رومية توضح ذلك. ليس بسبب ما لا يعرفونه- وليس بسبب رفضهم للمخلص الذي لم يسمعوه أو يسمعوا به أبداً- بل بسبب ما يعرفونه، وبسبب نور الضمير الذي لديهم، على هذا الأساس يُدانون. إنهم يصنعون يوماً فيوماً الأشياء التي يُنبئهم ضميرهم أنها خطأ. على المسيحي أن يذهب إليهم بالإنجيل وأن يعلن لهم عن خلاص كامل ومجاني من خلال العمل المُنجز الذي قام به الرب يسوع المسيح، وبذلك يقدم رسالة فرح وسعادة لم يعرفوها قبلاً خلال تعبُدهم للأصنام. عندما يسمعون، يكونون مسؤولين عن قبول عطية الله. كل مرة نعظ بها بالإنجيل هنا علينا أن نتذكر أن لهذا بالنسبة للبعض طعم الموت للموت وبالنسبة للبعض الآخر له طعم الحياة للحياة. الناس، إذ يسمعون الرسالة، إما أن يقبلوا المسيح مخلصاً أو يزدرون بالكلمة وتزداد دينونتهم. إنه أمر جليل مهيب عندما تُقدَّم الحياة للناس فيرفضونها. هذا ما يخبرنا به الجزء الأول من هذا السفر عندما يتكلم يسوع إلى نيقوديموس. لقد قال: "وهذه هي الدينونة: إن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة".

وهكذا فإن الدينونة الأعظم تقع على أولئك الذين سمِعوا ورفضوا المسيح عندما جاء. لقد جاء، وكشف عن الله، فرفضوه وبرفضهم له ما عاد هناك إمكانية لديهم لينالوا مغفرة خطاياهم، إذ ببغضهم له أبغضوا الآب أيضاً.

"لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي". أي أن الرب يسوع المسيح ليس فقط ختم رسالته وخدمته بكلمة شفتيه بل صادق على تعليمه بأعمال قدرته، وكل معجزة قام بها المسيح برهنت أنه كان كما يدعي، ابن الله القدوس الذي بلا عيب. كان الناس يذهبون إليه أفواجاً أفواجاً ليروا أعاجيبه، ولكنهم رفضوا ذاك الذي قام بتلك الأعمال، وهكذا ضاعفوا من الدينونة الملقاة على عاتقهم. وعن هذا يقول: "لَكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ". إنه يقتبس من المزمور ٦٩، حيث لدينا صورة نبوية رائعة عن موته على الصليب لأجل خطايانا. ومن هذا الترابط نقرأ: "أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ". لم يكن هناك سبب أو مبرر ليبغض الناس يسوع. لقد جاء بقلب ممتلئ حباً للبشرية، وجال يصنع الخير. ازدرى به الناس ورفضوه لأن نقاوته تظهر نجاستهم تحت الضوء؛ قداسته أبرزت دنس نفوسهم، بره الكامل أظهر فحشاءهم. قالوا: "أزيحوه عن الطريق".

هناك قصة تُحكى عن زعيمة افريقية صادف أن زارت مركزاً لإرسالية. كان لدى المُرسل مرآة صغيرة معلقة على شجرة خارج كوخه. ونظرت الزعيمة بالصدفة إلى المرآة ورأت نفسها فيها ببشاعة طلائها وملامحها الشريرة. نظرت إلى ملامحها البشعة القبيحة، وأجفلت مرتعبة وقالت: "من ذاك الشخص المخيف المرعب المنظر داخل تلك الشجرة؟" فقالوا: "آهٍ، إنه ليس في الشجرة؛ زجاج المرآة يعكس صورة وجهك". لم تستطع أن تصدق ذلك إلى أن حملت المرآة بيدها. قالت: "يجب أن أحصل على المرآة. بكم ستبيعني إياها؟" فقال: "آهٍ، أنا لا أريد أن أبيعها". ولكنها أصرت على ذلك وتوسلت إليه، إلى أن فكر أخيراً أنه لا ضير في أن يبيعها لها تجنباً للمشاكل. ولذلك حدد السعر فأخذت المرآة. وقالت: "سوف لن أسمح للمرآة بأن تسخر مني ثانية"، ورمت بالمرآة أرضاً فكسرتها إلى أشلاء.

تلك هي الطريقة التي يتعامل بها الناس مع الإنجيل ومع يسوع المسيح. كلمة الله تظهر شر الناس. إنهم يقولون: "دعني من المسيح! لا نريد كتابك المقدس ولا نريد مسيحك". ولكن الآن، أي قوة لنا للشهادة إذا ما ذهبنا للقاء عالم كهذا؟ في آخر آيتين يشير يسوع من جديد إلى ذاك المبارك الذي وعد بمجيئه في مقطع سابق من حديثه. "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الاِبْتِدَاءِ". ليس لنا قوة في أنفسنا. إننا ضعفاء كمسيحيين، وليس لنا قدرة على مواجهة العدو، ولكن "ما فيك هو أعظم مما في العالم". ولذلك فإن اعتمادنا هو على المعزي الإلهي، الأقنوم الثالث من الثالوث القدوس، الذي جاء ليأخذ مكانة المخلص ويقوينا لنستمر ونشهد، لكيما بهذه الشهادة يخلص الناس.