الخطاب ٣٤

الابن السرمدي للآب

"فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي - بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِين: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ. فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً». أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولَئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللَّهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَمَضَى أَيْضاً إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: «إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا كَانَ حَقّاً». فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ" (يوحنا ١٠: ٣١- ٤٢).

الهدف الحقيقي، كما رأينا من قبل، من كتابة هذا الإنجيل، هو أن يؤمن الناس بأن يسوع هو ابن الله وأنه بإيمانهم ينالون حياةً باسمه. ولذلك رأينا الحادثة تلو الأخرى، وقد قُصد بها جميعاً أن توضح إلوهية ربنا يسوع المسيح وعلاقته السرمدية بالآب لأنه الابن الوحيد الحبيب، الذي كان دائماً وأبداً واحداً مع الآب والروح القدس من ناحية أبدية الكينونة والقدرة والسلطان والحكمة والمحبة والنعمة. لقد ختمنا الإصحاح الماضي بإعلان مخلِّصنا: "أنا والآب واحد". والآن مهما كان فهم الناس لما يعنيه هذا الكلام، فليس هناك شك بأن أولئك الذين تحدث إليهم يسوع فهموا أنه كان يؤكد مساواته المطلقة بالله. وهذا هو السبب في أنهم أخذوا حجارة من جديد ليرجموه. فقد كان مجدفاً في نظرهم. لعله يمكنني أن أقول لكم ما يلي: إن لم يكن الرب يسوع المسيح هو الله- الله متجلياً في الجسد- فإنهم يكونون على صواب. إن لم يكن الإله الحقيقي، فلابدَ أنه كان مجدفاً، لأنه استخدمَ لغةً ما من أحدٍ سوى الله كان ليمكن أن يستخدمها وقبِلَ عبادةً ما كان يحقُ سوى لله وحده أن يقبلها. كان الناموس قد قال: "الرب إلهك تعبد، وله وحده تسجد"، وسمحَ الرب يسوع لتلاميذه بعبادته، ولذلك فقد نسبَ لنفسه ما هو حقٌ لله. والآن إما أن يكون هو الله متجلياً في الجسد أو مخادعاً كبيراً. لدى البعض وجهة نظر أخرى عن الموضوع فيقولون أنه كان يعاني جنون الاضطهاد، وأنه كان يتخيل أنه كان ذا طبيعة إلهية بينما هو مجرد إنسان مثل بقية الناس. ولكن لم يكن هناكَ شيء في سلوك الرب يسوع المسيح وكلماته ما يشير إلى إنسانٍ ذي فكر غير متزن. لقد كانت حياته نقية جداً، وكلماته رائعة جداً، في أن يسمح لنا بأن نقبل تلك النظرة لوهلة، وبالتأكيد لا يمكننا أن نفكرَ بهكذا شخصٍ قدوس كمخادع. الناس الصالحون لا يقولون ما هو غير حقيقي. لقد زعمَ مرةً تلو الأخرى على أنه ابنٌ للآب- "أنا وأبي واحدٌ".

بسبب هذا الإعلان أخذَ أعداؤه، بحسب ناموس موسى الذي كان يأمر برجم المجدف حتى الموت، أخذوا حجارةً ليرجموه. لقد قال لهم في هدوء: "أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي - بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟" أعمالهُ أظهرت حقيقة ما كان يقوله لهم عن نفسه. لقد كانت هذه الأعمال دائماً من أجل منفعة وفائدة وخير ومصلحة البشر. فما الذي فعله لكي يرجموه؟

"أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِين: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ". ما هو التجديف؟ ""إِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً»". قالوا: "أنت إنسان، وأنت تعلن نفسَك إلهاً. ولذلك فإنك مجدّقٌ". حسناً. الحقيقة هي أنه كان إنساناً بكلِ كماله، ولكنه كان إلهاً أيضاً- كان كإنسانٍ حقاً كما لو لم يكن إلهاً على الإطلاق، وكان إلهاً كاملاً كما لو لم يكن أبداً إنساناً.

ولكن يبدو الرب يسوع هنا وكأنه هو من يوجه السؤال لهم قائلاً: "«أَلَيْسَ مَكْتُوباً فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولَئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللَّهِ؟"

ما الذي يُشير إليه الرب هنا؟ في المزمور  ٨٢: ٦، وفي مخاطباته لقضاة الشعب الذين وقفوا مكان الله ليسلكوا بناءً على أوامره، نقرأ هذه الكلمات:"أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ". إن أول آية في ذلك المزمور تقول: "اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسَطِ الآلِهَةِ يَقْضِي". ما الذي يقصده بذلك؟ إن الله هو قاضٍ على الجميع، ولكنه عيَّن رجالاً في إسرائيل كانوا ليمثلوه. كان على الناس أن يأتوا بقضاياهم وشكاواهم إليهم وكان على هؤلاء أن يحكموا بحسب كلمة الرب. "قلتُ أنكم آلهة؛ هذا يعني، أنهم كانوا هناكَ ليتصرفوا بالنيابة عن الله. اليوم كل القضاة لا يسلكونَ بالنيابة عن الله. ولكن الفكرة هي أن هؤلاء كان يجب عليهم أن يكونوا قضاة عادلين، ولأنهم هكذا فإنهم يوصفون بآلهة".

لقد كان هذا في كتبهم المقدسة، ولم يفكروا بتلك العبارة على أنها تجديف.         والآن لماذا لا يستعلمون أكثر وبشكلٍ محدد أكثر عما كان يعنيه الرب يسوع بقوله: "أنا وأبي واحدٌ؟" لقد كان من الضروري القيام بذلك لكي يفهموا على شكلٍ صحيح ولذلك يقول الرب يسوع بشكلٍ عملي: "لماذا لا تفكرون في الأعمال التي أصنعها؟ لماذا لا تدرسون كتبكم المقدسة نفسها وتروا إذا ما كانت الأقوال التي أقولها تدلُ عليها الأعمال التي أقومُ بها وأيضاً على أنها تتناسب مع ما جاء في الكتب المقدسة؟" ولكنهم ما كانوا راغبين بأن يفعلوا ذلك. لقد قفزوا إلى الاستنتاجات، كما يفعل الناس في أغلب الأحيان. لدينا أفكارٌ متصورة مسبقاً ولسنا على استعداد لنُخضع أفكارنا لإعلانات كلمة الله. إننا نفرض وجهة نظرنا وأفكارنا ونرفض تلك التي للرب.

وهكذا كانوا على استعداد لأن يدعونه مجدفاً، ذاك الذي كان هدف حياته هو مجد الآب. ولكن لاحظوا الآن، هذا المقطع لا يوضع فقط إلوهية الرب يسوع ومساواته بالآب، بل يؤكدُ أيضاً على وحي الكتابات المقدسة. يمكننا ولعلهُ علينا أن نكون ممتنين إلى أولئك اليهود الذين حفظوا لنا الكتاب المقدس. فالعهد القديم كله قد حفظوه، وسلموهُ جيلاً فجيل عبر القرون على شكل مخطوطات، وترجموه إلى اليونانية فيما بعد، وهذا كان على يد الكتبة اليهود، لكي ما تصِلَنا كل كتابات العهد القديم من خلال بني إسرائيل هؤلاء. ولا يمكننا نكران فضل اليهود على إيصال المخطوطات الكتابية إلينا. إن العهد القديم الذي بين يدينا اليوم هو العهد القديم نفسه الذي كان بين يدي يسوع. لقد كان متوفراً لديه باليونانية والعبرية، وقرأه بكلتا هاتين اللغتين، إذ استشهد منهما كلتيهما في خلال خدمته هنا على الأرض، أحياناً من العبرية، وأحياناً أخرى من اليونانية. لقد كان هناك عيوب في تلك الترجمة، ولكن كلما استطاع كان يستخدم تلك الترجمة، لأنها كانت بين يدي عامة الناس. لنلاحظ ما يقوله: "لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ". يا لها من راحةٍ تقدمها هذه الكلمات لقلب وفكر الناس في هذه الأيام عندما نسمع أصواتاً كثيرةً تتعلق بمسألة وحي كتابنا المقدس! إنها تخبرنا أن الكثير من أسفار العهد القديم قد تعرضت للشك. يقول الربُّ يسوع أنَّ المكتوب لا يُنقض وعندما كان يستخدم ذلك التعبير "المكتوب" فإنه كان يستخدمه كما استخدمه اليهود في أيامه، وقد كانوا يقصدون به أسفار عهدهم القديم، التي كانت الناموس، والأنبياء، والمزامير. الكتابُ المجلد بأكمله كان يُدعى "المكتوب". يقول يسوع: "المكتوب لا يُنقض". بمعنى آخر، صادقَ الرب يسوع على كامل العهد القديم.

يتبدى هذا لنا بشكلٍ واضح جداً ونحن نقرأ كامل الأناجيل الأربعة، ونرى كيف أن يسوع يضع موافقته على كل جزء من الناموس، والأنبياء، والمزامير. إن كنتم تتشوشون بنظريات النشوء المتعلقة بالخلق والتي تميل إلى الاعتقاد بأن الناس هم بهائم خاصة وحسب وقد نشئوا عبرَ العصور من سلفٍ حيوانيٍ سابق، فإنكم تجدون يسوع يقول: "من البدء (أي من بدء الخلق) خلقهما الله رجلاً وامرأة". وهكذا يضع ربُّنا ختمه على عقيدة الخلق الخاص للإنسان. لقد خلقهما من البدءِ ذكراً وأنثى. وهو يُعطي أيضاً تصديقه على علاقة الزواج. "لذلك يترك الرجل أباه وامرأته ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً". هذه هي مؤسسة الزواج الإلهية. وهكذا نجد الرب يسوع المسيح بنفسه يصادقُ على الخلق الخاص للإنسان وأيضاً علاقة الزواج كلتيهما.

ثم هناكَ أمور أخرى عديدة في العهد القديم يعترض عليها المعلمون المعاصرون. فهل صحيحٌ أنه كان هناك طوفان عظيم يوماً ما وأن عائلة واحدةً فقط قد نجت من ذلك المطر الغامر؟ فهنا يمكنكم أن تفتحوا العهد الجديد وتقرءوا: "لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ" (متى ٢٤: ٣٨، ٣٩). ليس لديَّ شكٌ في عالمية الطوفان أمام كلمات كهذه. لقد كان يسوع يعرف، لأنه كان الله متجلياً في الجسد.

وهكذا الأمر مع دمار سدوم وعمورة. فيقول الرب من جديد: "كَذَلِكَ أَيْضاً كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَاراً وَكِبْرِيتاً مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ" (لوقا ١٧: ٢٨- ٣٠).

يطرح الدارسون أسئلةً حول من كتبَ الأسفار الأولى من كتابنا المقدس، من التكوين إلى التثنية، وهم على استعداد للإقرار بأن كاتب هذه الأسفار هو أي شخص عدا موسى، ومع ذلك يقول الرب يسوع المسيح: "لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي" (يوحنا ٥: ٤٦). وهو هنا يتحدث عن الناموس، والناموسُ كان يتشكل من هذه الأسفار الخمسة، ويقول الرب أن موسى قد كتبها.

هل كان هناك شخص اسمه إبراهيم؟ أم أنه كان شخصية متخيلة في أسطورة عبرانية؟ وهل وجد حقاً، وكان أباً للمؤمنين، كما قال موسى؟ يُجيب يسوع: "أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يوحنا ٨: ٥٦). ما الذي كان يقصده؟ لقد كان يشير إلى ذلك الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم: "يَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أمَمِ الأرْضِ" (تكوين ٢٢: ١٨). "«فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً»" (رومية ٤: ٣). وعلى نفس المنوال صادق يسوع على قصة يونان وتوبة نينوى. أعترف لكم بأني لا أستطيع أن أفهم أنى يمكن لأي إنسان أن يعترف بأنه تابع للرب يسوع المسيح ويقرُّ بإلوهيته الحقيقية ومع ذلك يرفضُ بازدراء أيَّ جزءٍ من شهادته، إذ أننا نرى الرب يسوع المبارك نفسه يُعلِن أنَّ المكتوب لا يُنقض.

لنلاحظ الآية ٣٦: "الَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ". لقد قدَّس الآب الابنَ وأرسله إلى العالم. ماذا تقول لنا هذه الكلمات؟ إنها تقول أن ربنا يسوع المسيح لم يُصبح ابناً عندما وُلِدَ من العذراء مريم هنا على الأرض. إنها تقول أنه كان ابن الآب في مجدٍ لا يوصف قبل أن جاء إلى الأرضِ هنا. لقد كان أحد الثالوث القدوس والآب قدّس الابن وأرسله إلى العالم. ما الذي تعنيه كلمة "يقدِّس؟" إنها تعني "يفرز". وهكذا فإن الآب فرزَ الابن وأرسله إلى العالم لكي يُصبح كفارةً لخطيئتنا. وهذه هي الحقيقة المجيدة التي تنكشفُ أمامنا هنا بشكلٍ كامل. "بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ" (١ يوحنا ٤: ٩). لم يصبح الابن (ابن الله) بعد مجيئه إلى الأرض، بل الآب أرسل ابنَه. "فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (١ يو ٤: ١٠). لا عجبَ إذاً عندما يضيف الرسول قائلاً: " أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً"(١ يو ٤: ١١). إن المثال الأسمى عن محبة الله هي هذه – أن الله أرسل ابنه للعالم، وهذا لم يبالِ بالمجد السماوي، ووُلِد طفلاً هنا على الأرض، لينمو إلى الرجولة، ويحيا حياةً مقدسة لا عيبَ فيهان ويمضي في نهاية الأمر إلى صليب الجلجثة ليبذل نفسه من أجل فداءنا. أهو تجديفٌ أن نؤمن هكذا؟ بل على العكس، إنها إهانةٌ لله أن ننكر ذلك. يقول يسوع: "الَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ لأَنِّي قُلْتُ إِنِّي ابْنُ اللَّهِ؟" لقد طلب منهم أن يفكروا في أعماله. ألا تصادق هذه عليه؟ "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فلاَ تُؤْمِنُوا بِي".

من أجل هذا فإننا نلقي عنا هذا التحدي اليوم. إن كانت لديكم شكوكاً فيما إذا كان يسوع هو ابن الله السرمدي، فاقرءوا السجل في الأناجيل. انظروا ما فعل عندما كان هنا. هل تستطيعون تفسيرَ أعمالهِ بأي شكلٍ آخر عدا ذلك؟ إن كنتم تستطيعون، فإنكم عندها تستطيعون أن ترفضوه. ولكن إن كانت أعماله تصادقُ عليه، فعندها كونوا عقلاء واقبلوه.

لو قرأ الناسُ الكتاب المقدس بشكلٍ كامل وواجهوا شهادتهُ بصدقٍ، فكم من أناسٍ سيتحررون من شرك الكفرِ والإلحاد!

ولذلك يقول يسوع: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ". ولكن، للأسف، رغم أنه كان في غاية الحنو والصدق، إلا أن أولئك الذين كانوا يستمعون إليه ما كانوا على استعداد ليقوموا بالامتحان.

"فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ". ما كانت قد أتت ساعة موته بعد، وما كان باستطاعتهم الإمساك به، ولذلك ذهب إلى ما وراء الأردن حيث عمَّدَه يوحنا. "وَمَكَثَ هُنَاكَ. فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: «إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا كَانَ حَقّاً»".

"فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ". أن تؤمن به يعني أن تضع ثقتك به. أتساءل إن كان كل من قرأوا هذه قد آمنوا حقاً به. هل وضعتم ثقتكم فيه؟ إذاً اقرأوا هذا السفر بأنفسكم. واجهوا شهادة الإنجيل بصدق، وإن كان روح قدس الله يكشف لكم أن يسوع هو حقاً ابن الله الحي، فاقتبلوه مخلصاً لكم واعترفوا به علانية أمام الناس.

"ليتَ لي ألف لسان لأرنم
وأسبح فاديَّ العظيم،
وأمجاد إلهي وملكي،
وانتصارات نعمته".