الخطاب ٤٧

المعزي الموعود

"إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي وَأَنْتُمْ فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي». قَالَ لَهُ يَهُوذَا لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ: «يَا سَيِّدُ مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي. وَالْكلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. بِهَذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يوحنا ١٤: ١٥- ٢٦).

هناك غنى وامتلاء في هذا المقطع المعين من إنجيل يوحنا إلى درجة كبيرة أتردد معها في أن أتناول كل مقطع في خطبة واحدة، ومع ذلك فإنه مترابط مع بعضه بشكل قوي جداً لدرجة أشعر معها بأني سأسيء إلى المقطع إذا ما قسمته.

هناك عدد من الأشياء التي تتطلب أن نركز عليها. أول أمر، لدينا وعد بمجيء المعزي. هذه الكلمة "المعزي" مثيرة للاهتمام. إنها الترجمة للكلمة اليونانية "براكليتوس"، والتي هي مزيج من كلمات تعني: من يأتي إلى جانب شخص آخر، والمعين في وقت الشدة. في رسالة يوحنا الأولى (الأصحاح ٢، الآية ١) لدينا كلمة "شفيع" والتي هي نفس الكلمة تماماً في الأصل.

هناك حلاوة وقيمة كبيرة للكلمة "المعزي" التي تروق للقلب. ففي نهاية الأمر، لا يمكننا أن نستخدم أي كلمة أخرى في لغتنا ستكون مكافئة تماماً للكلمة اليونانية، لأن كلمة "الفاراقليط" هي "المعزي" تماماً. إن هذه الكلمة تحمل معنى مرافقة وأيضاً تقوية وتعزيز، وبالتالي فإن "المعزي" هو الذي يُقوي من خلال الرفقة. تلك هي إحدى الوظائف العظيمة التي يقوم بها الروح القدس. الفاراقليط هو الذي يأتي إلى جانبك ليساعدك، وليقدم لك العون، وهذا هو الاستخدام الصحيح للكلمة. إن المحامي أو الشفيع، هو الذي يأتي ليساعدك في صعوباتك وأمورك ومشاكلك القانونية، والروح القدس هو هكذا. لقد جاء من السماء، كما وعد ربنا المبارك، ليعيننا في كل أزمة وفي كل وقت نشعر بصعوبات تنشأ في حياتنا المسيحية- إنه يقوينا بمرافقتنا.

دعونا نلاحظ كيف أن الرب يسوع يوضح لنا بشكل محدد، أو يؤكد على شخصانية المعزي، الروح القدس. لنتأمل في الجزء الأخير من الآية ١٧: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ". ومن جديد الآية السابقة: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ".

ما كان ربنا ليستخدم هذا الضمير المذكر لو لم يكن يريدنا أن نفهم أنه كما أن الله الآب أقنوم، والله الابن أقنوم، كذا فإن الله روح قدس أقنوم هو- ثلاثة أقانيم في إله واحد. أؤكد على هذا لأني أخشى أن كثيرين من المسيحيين الحقيقيين، الذين يظهرون كأنهم على السراط المستقيم، لديهم أفكار منتقصة تتعلق بالروح القدس. ولذلك فإننا غالباً ما نسمع الناس يتكلمون عن الروح القدس مستخدمين الضمير غير العاقل، ونقرأ في رومية ٨: "اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ". ذلك لأن الكلمة "الروح" في اللغة اليونانية هي في صيغة المحير، ولذلك فإن ضميراً محيراً يُشير إليها.

ما يعلمنا الرب يسوع هو أن الروح القدس ليس أن له تأثيراً لا شخصياً، وفوق كل ذلك فإن الروح القدس ليس مجرد موجة من المشاعر تفيض في قلب وفكر الإنسان، بل إن الروح القدس هو أقنوم إلهي. كما أن الله الآب أرسل الابن، وكان للابن رسالة وخدمة معينة يقوم بها على مدى ثلاث سنين ونصف رائعة في هذا العالم، وهكذا فإن الآب والابن قد أرسلا الروح القدس الآن، وهو ما برح يقوم بالخدمة الخاصة به لأكثر من ألفي سنة، وفيها انطلق إنجيل نعمة الله إلى كل العالم، وراح يقوم بمعجزات ويحول حياة الناس في كل مكان عندما يقتبلونه بالإيمان.

ثم لاحظوا التمييز التدبيري الذي يجعله الرب هنا فيما يتعلق بالخدمة التي يؤديها الروح القدس. إنه يقول: "أَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ".

لاحظوا ذاك التعبير: "أمكثُ معكم". لقد كان هذا صحيحاً طوال القرون التي سبقت يوم العنصرة الرائعة ذاك عندما نزل روح قدس الله ليُشكل كنيسة الدهر التدبيري الجديد وليمكث في كل المؤمنين. في كل القرون السابقة كان الروح القدس يعمل في العالم وكان يسكن في المؤمنين. ويخبرنا الرسول بطرس كيف كان نوح يكرز بالروح القدس بينما كان يجهز الفلك. كان الروح القدس مع الآباء في دهرهم التدبيري الخاص بهم. كان الروح القدس مع شعب الله في البرية في أيام موسى، وطوال الدهر التدبيري الناموسي كان مع القديسين على الأرض. صلى داود قائلاً: "روحك القدوس لا تنزعه مني"- هذه الصلاة التي كانت تناسب جداً ذلك العصر الذي عاش فيه، ولكنها ليست بصلاة ملائمة للمسيحيين اليوم لأن يسوع قال: "عندما يأتي (الروح القدس- المعزي) يمكث معكم إلى الأبد". ولكن في العهد التدبيري القديم جاء الروح القدس وسكن وسط الشعب، وعمِل فيهم ومن خلالهم، ومعهم. "مكث معكم". كان هذا صحيحاً وخاصة عندما كان يسوع هنا على الأرض حيث أُعطي الروح القدس له بلا قياس.

والآن يتطلع يسوع إلى الدهر الجديد، العصر التدبيري الجديد، الذي كان سيبدأ بالعنصرة، ويقول: "يَكُونُ فِيكُمْ". وهذه هي الحقيقة المميزة المجيدة الخاصة بالدهر التدبيري الذي نعيش فيه. الروح القدس في هذا العصر يمكث في كل مؤمن بالرب يسوع المسيح. "لدى إيمانكم، ختمتم بذلك الروح القدس حسب الوعد". ويمكن القول الآن: "إن لم يكن روح المسيح في أي إنسان، فإنه ليس له (للمسيح)". هذا لا يعني أنه إن كان إنسان ليس فيه سكنى المسيح فإنه ليس له، بل إن الرسول يتكلم هنا عن أقنوم الروح القدس. ولذلك، ففي عصر النعمة هذا لسنا في حاجة إلى أن نذهب إلى الله ونسأله أن يعطينا الروح القدس. لأن الروح القدس يمكث فينا. لقد ختمنا كمؤمنين بالرب يسوع المسيح. ما نحتاج إليه، ونحتاج إليه بشدة، هو أن ندرك سكنى الروح القدس وأن نسمح له بأن يدخل إلى قلوبنا وحياتنا، لكيما نمتلئ بالروح ونسير بحسب هديه.

ثم لاحظوا أن سُكنى الروح القدس فينا يجعلنا ندرك أن المسيح حقيقي فينا. كان الرب يسوع المسيح ماضياً إلى السماء، ومع ذلك قال: "لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ". إنه سيأتي في الروح القدس ليقيم في المؤمن. "بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي". سيرونه بالإيمان، سيعرفون بحضوره بالإيمان. يقول لنا الكتاب أن المسيح يسكن في قلوبنا بالإيمان. "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي وَأَنْتُمْ فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ".

لاحظوا الارتباط الوثيق بين المؤمنين مع أقانيم الألوهية: "أنْتُمْ فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ". يقول أنه عندما نسلك في الطاعة معه فإنه يظهر لنا نفسه بشكل رائع وثمين: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي".

يَهُوذَا، لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ، بل التلميذ المخلص، لم يفهم هذا، فقال: "يَا سَيِّدُ مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟" أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً". بمعنى آخر، المؤمن المطيع يتمتع بالشركة مع الآب والابن بقوة سكنى الروح القدس.

"إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي"- أي المؤمن المطيع. "وَالْكلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي". لاحظوا أمرين هنا: أعود إلى الآية ١٥: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ". والآن الآية ٢٣ من جديد تقول: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي". ما الفرق بين أن يحفظ المؤمن وصايا المسيح وأن يحفظ كلامه؟ حسنٌ، هناك أشياء كثيرة عديدة تكلم عنها ربنا بشكل محدد جداً، إما شخصياً أو بالروح القدس، أشياء كثيرة عديدة كشفت إرادته بشكل واضح جداً ، مظهرة لنا ما كان يريده منا وكيف كان يريدنا أن نعيش. لنأخذ على سبيل المثال: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب، لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد". المسيحي لا يستطيع أن يسير وراء أمور الدنيا ويحب العالم بدون أن يدخل طريق العصيان، لأن هناك وصية واضحة محددة جداً تتعلق بهذا قد كلمنا بها روح قدس الله. ومن جديد نسمعه يقول: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟" فها هنا تجدون أمراً واضحاً جداً يطلبه منا روح قدس الله.

والآن يقول يسوع: "إن كنتم تحبوني، تحفظون وصاياي". وهكذا إذ نبحث في الكتاب المقدس، نرى أين عبر الرب عن إرادته، إما بشكل شخصي، كما في الأناجيل، أو بالروح القدس، كما في الأجزاء الأخرى من العهد الجديد، ويسير المؤمن المطيع بسرور وفق ما هو مكتوب هناك. عندما يحصل على أمر مباشر من الرب يقول: "ليس لي أن أجادل، ولا أن أناقش في الأمر؛ كمسيحي، علي أن أفعل ما يطلبه مني معلمي".

ولكن الرب يسوع يذهب أبعد من ذلك. "إن أحبني أحد، يحفظ كلماتي". ما الذي يقصده بذلك؟ هذا أكثر من مجرد حفظ وصية مباشرة. سأحاول أن أوضح بمثال. هناك فتاة شابة، لندعوها ماري، ابنة محبوبة لأم أرملة. إنها تذهب إلى المدرسة والأم مراعية بمشاعر الآخرين؛ إنها تعرف أن ماري لديها الكثير من الدروس المتعبة والمسؤولية الثقيلة، ولذلك فإنها تحاول ألا تضع عليها أعباء منزلية إضافية أكثر مما يجب. ولكن كأم حكيمة تدرك أن ابنتها لديها واجبات معينة عليها إنجازها، ولذلك تقول لها: "يا ابنتي، تستطيعين أن تعتني بغرفتك؛ علقي ثيابك، وإني أتوقع منك أن تفعلي كذا وكذا".

ماري تحب أمها، ولذلك فإنها تطيعها. إنها على وشك أن تغادر غرفتها متجهة إلى المدرسة في صباح أحد الأيام، فتلاحظ أن الأشياء ليست مرتبة. "تقول أمي أن علي أن أرتب غرفتي دائماً قبل أن أغادر. قد أكون متأخرة، ولكن يجب علي أن أفعل ذلك". عليها أن تحفظ وصية أمها لكي تكون فتاة مطيعة. ولذلك فإنها ترتب غرفتها ثم تنطلق إلى المدرسة بقلب مبتهج.

في أحد الأيام يتوق قلب ماري إلى الخروج لممارسة لعبة التنس بعد الظهر حالما تعود من المدرسة، ولذا تهرع إلى البيت. إذ تدخل إلى المنزل تسمع والدتها تتكلم إلى جارتها ويحدث أن تسمعها تقول: "يا عزيزتي، أشعر أني على غير ما يرام. لدي أناس سيأتون إلينا في هذا المساء، وهذا الصداع الرهيب لا يزال يرافقني منذ الصباح، وعلي أن أُعد العشاء وبالكاد أستطيع ذلك". فتقول ماري عندئذٍ: "ما الأمر يا أمي؟ أعليك إعداد العشاء ولا تشعرين بأنك على ما يرام؟ يا ماما، اذهبي واستريحي وسأقشر البطاطا، وأضع اللحم على الغاز، وأعد كل شيء". ولكن الأم تقول: "لقد خططتِ للقاء أصدقاءك ولعب التنس بعد ظهر اليوم. لا أريد أن أعرقل مشاريعك". ولكن ماري تجيب قائلة: "لا يا أمي، لن أكون سعيدة بأن ألعب التنس وأنا أعرف أنك مريضة وعليك كل الأعباء التي تقومين بها؛ وإني أريد أن أفعل ذلك من أجلك لأني أعرف أنك بحاجة لي".

أترون الفرق؟ في الصباح حفِظت ماري وصية والدتها؛ والآن تحفظ كلمتها. إنها تدرك مما قالته والدتها كم ستكون سعيدة إذا ما قدمت المساعدة للآخرين، فتقول: "إنه لسرور لي أن أساعد أمي أكثر من أمضي وقتي في اللهو". فتخلع ماري المعطف عنها وتضع المئزر وتتجه إلى المطبخ لتحفظ كلمة أمها.

مع المسيحي ليست دائماً مسألة تنفيذ وصية محددة. إنه يقرأ الكتاب المقدس، وإذ يقرأ يرى أن الله قد عبر عن فكره بطريقة يتبين للمسيحي فيها ما هي إرادة الرب، ولذلك يُسر بأن يحفظ كلمته وهكذا يقدم له خدمة مكرسة.

الأمر الأخير الذي أريد أن أسهم فيه تجدونه في الآية ٢٦. الروح القدس المبارك هو القوة لأجل كل ذلك، هو الذي يكشف حقيقة الله، ومن خلاله محبة الله تنسكب في قلوبنا. الروح القدس هو المعلم الآن، إذ أن يسوع قال: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ".

تلك هي الخدمة الخاصة التي يقدمها لشعب الله إذ يسلكون في هذا العالم. أن تجلس وتقرأ الكتاب المقدس وتفتح للروح القدس المجال ليعلن الحقائق الإلهية الثمينة، أهم بكثير من التشويق والإثارة التي تشعر بها في اجتماع ممتع ما. هناك الكثير من المسيحيين الذين يمضون الكثير من وقتهم في البحث عن الإثارة والتشويق. إنهم يعتقدون أنهم إذا ما صاروا مستثارين أو مبتهجين في اجتماع ما فإن هذا يكون خبرة تدل على إعلان خاص عن الخدمة التي يقدمها الروح القدس. الحقيقة هي أن الخدمة العظيمة للروح القدس هي أن يأخذ أمور المسيح ويكشفها لنا، وأن يعلن لنا حقيقته، ويجعل كلماته المقدسة واضحة وبينة وحقيقية لنفوسنا. وكلما قرأنا أكثر هذه الكلمة متكلين على تعليم الروح القدس، كلما يتكشف لنا أكثر وكلما أصبحت أثمن.