الخطاب ٥

الإتيان بالآخرين إلى يسوع

"وَفِي الْغَدِ أَيْضاً كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفاً هُوَ وَاثْنَانِ مِنْ تلاَمِيذِهِ فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِياً فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ». فَسَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ فَتَبِعَا يَسُوعَ. فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» فَقَالاَ: «رَبِّي (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ) أَيْنَ تَمْكُثُ؟» فَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وَانْظُرَا». فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ. كَانَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَاحِداً مِنَ الاِثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا يُوحَنَّا وَتَبِعَاهُ. هَذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ فَقَالَ لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ). فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ). فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «ﭐتْبَعْنِي». وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ. فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ». فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ». وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ». قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ». أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!» وَقَالَ لَهُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»" (يوحنا ١: ٣٥- ٥١).

لقد تم لفت انتباهنا للتو إلى شهادة يوحنا المتعلقة بمخلّصنا كحمل الله. ولقد تأملنا لتونا في الآية ٢٩ حيث نقرأ: "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". هذا الإعلان كان يشير إلى الرب يسوع بوصفه ذبيحة خطية عظيمة. طوال دهر العهد القديم كانت الرموز والظلال تشكل رسائل نبوية مباشرة تشير إلى زمن إرسال الله للحمل القرباني الحقيقي، وها هو يوحنا يعلن أنه "قد جاء".

في اليوم التالي يعلن قائلاً: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ". لم يقل: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ"- فهذا ما قاله البارحة- أما الآن فيقول: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ"، إذ يرى يسوع ماشياً عبر السهول فينتبه يوحنا إليه بطريقة جديدة. كان في مشية ابن الله المبارك شيءٌ جعل سابِقَه يهتف قائلاً: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ". كم كان سيره مختلفاً عن ذلك اليوم السابق، وبكلمة "سير" نعني بالطبع "سلوك". وإذ نفكر بالسلوك المقدس لابن الله نرى كم هو متميز ومغاير لطرق سلوكنا نحن. الفرق الكبير هو أن سلوكنا تسيطر عليه أنانيتنا. إننا نسلك على هذا النحو لأننا متمحورون على أنفسنا. إننا منشغلون بذواتنا. إننا مهتمون بإرضاء أنفسنا وكل ما يخدم ذواتنا. ولكن الرب يسوع أمكنه أن يقول: "لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا ٥: ٣٠). الإنسان الوحيد الذي سار في هذا العالم ولم يكن فيه أي فكر أناني بل كان يجد مسرته في تحقيق مشيئة الآب أبيه، كان ربنا المبارك المعبود. وبهذا المعنى فحقٌ أن نقول: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ". إن تجرَّبْنا أحياناً لتبرير أشياء في أنفسنا تتناقض مع فكر الله، فما علينا سوى أن ننظر، بالإيمان، إلى حمل الله كما كان هنا، ونرى سلوكه غير الأناني، لكي ندرك في الحال كم يعوزنا لنصل إلى ذلك الكمال الذي تبدّى فيه. وستكون النتيجة هي أن نسعى بشكل مطرد لنصير مثله. "وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (٢ كور ٣: ١٢).

إذ نقرأ هذه الآية، ونرى المخلص القدوس يسير بدون دنس وسط مشاهد من عالم فاسد يصورها لنا الروح القدس، ونلاحظ كم كان يسوع لطيفاً ومنتبهاً ومراعياً لمشاعر الآخرين، فمما لا شك فيه أن هذا سيبكّتنا على شرورنا وأنانيتنا ويقودنا إلى الاعتراف بإخفاقاتنا في حضرة الله وسيجعلنا نرغب أكثر أن نكون مثله. "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ". تأملوا في تعاملاته المُحبة وانظروا روح الخضوع عنده. نرى من الإنجيل أن كلمات يوحنا التي نطق بها أن "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ" قد راقت لاثنين من تلاميذه اللذين كانا واقفَين معه: "سَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ فَتَبِعَا يَسُوعَ". ففي النهاية، كان هذا هو الهدف من خدمة المعمدان. فهو لم يأتِ ليجتذب الناس إلى ذاته أو إلى خدمته، بل جاء كـ "صوت صارخ في البرية". وقال: "يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يوحنا ٣: ٣٠) "هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي". ولذا يمكنك أن تفهم جيداً كيف كان قلبُ يوحنا ممتلئاً بالسعادة والغبطة عندما انطلقوا وراء يسوع. لقد كان هذا هو نفس الهدف الذي من أجله جاء يوحنا المعمدان يعمّد بالماء. يجب أن يكون هذا هدف كل خادم للمسيح. يجب أن يدلَّ الآخرين دائماً وأبداً إلى حمل الله هذا- حمل الله، حامل الخطايا؛ حمل الله، المثال الكامل. سمع التلميذان الآخران يوحنا يتحدّث فذهبا وراء يسوع. عن هؤلاء نقرأ أن أحدهما كان أندراوس، شقيق سمعان بطرس. والآخر يُبْقي اسمَه محتجباً طوال كل هذا الإنجيل، ولكنه كان التلميذ الذي اتكأ على صدر يسوع، التلميذ الذي كان يسوعُ يحبُّه؛ وبالطبع فإننا نقصد به يوحنا الرسول. وإذاً هذا التلميذان، أندراوس ويوحنا، تبعا يسوع.

"فالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟»". أعتقد أن الرب يسوع قد يوجّه هذا السؤال إلى كثيرين اليوم ممن يُفترض أنهم يطلبون وجهه. أناسٌ كثيرون يأتون إلى يسوع، على ما أعتقد، لسبب أنهم يأملون الاستفادة منه. البعض يأتي مرتجياً راحةً جسدية. ما الذي في فكرِكَ عندما تأتي إليه؟ "ماذا تطلب؟" ما الذي تريد من يسوع أن يفعله لك؟ غالباً ما أحزنُ عندما أدعو أناساً يريدون أن يعرفوا المسيح مخلّصاً لهم لكي يأتوا إلى إحدى حجرات الصلاة معنا، لكي يصلي أصدقاؤنا هناك معهم، ويوضحون لهم طريق الحياة، والبعض يأتي زاعماً أنه راغبٌ وتواقٌ إلى معرفة الرب، ولكن سرعان ما يبدو واضحاً أنهم مهتمون بالحاجة المؤقتة الزائلة أكثر مما بحالتهم الروحية. إني لأود لو يأتي الإنسان إليَّ ويقول لي بصدق وصراحة: "أنا لستُ مهتماً بحالة نفسي، ولكني مهتمٌ للغاية بجسدي؛ إني في حاجة إلى مكان أنام فيه، أو أحتاج طعاماً". يسرّني في هذه الحالة أن أفعل كل ما أستطيع من أجل رجلٍ يأتي إلي على هذا النحو؛ ولكن يؤلمني ويزعجني أن يأتي الناس مقرّين باهتمام بالأمور الروحية بينما يكونون مهتمين بالارتياح المؤقت الزائل وحسب.

إذاً الْتَفَتَ يَسُوعُ إليهما وَقَالَ لَهُمَا: "لمَاذَا تَطْلُبَانني؟" بديا مرتبكين قليلاً. "فَقَالاَ: «رَبِّي (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ) أَيْنَ تَمْكُثُ؟»". لكأنهما كانا يقولان: "نودّ أن نذهب معك إلى حيث تقيم". ولكن أين كان يسكن؟ لم يكن لديه منزلٌ على الأرض هنا. وأمكنه أن يقول: "لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (متى ٨: ٢٠). لقد كان متجولاً وبلا منزل إذ بدأ خدمته بعد أن ترك محل النجارة في الناصرة. ولكن كان له مسكن في حضن الآب، إذ نقرأ : "اللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ". هناك كان يسكن يسوع. لقد كان يقيم في محبة الله الآب ولم يغادرْ ذلك المكان على الإطلاق. لقد كان على الدوام موضوع مسرة الآب، وكان يستمتع على الدوام بالشركة مع الآب ما عدا تلك اللحظات التي كان فيها معلَّقاً على الصليب عندما احتجب وجه الله عنه عندما صار بديلاً عنا بسبب خطايانا. فعندها صرخ في ألم وكرب وقال: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" ومع ذلك، فلم يكن أعزّ على قلب الله من تلك الساعات الحالكة عندما "جُعل خطيةً" لأجلنا.

وأما هنا، على الأرض، فما كان مسكنه إلا مؤقتاً. لا نعرف أين كان يمكث آنذاك؛ ولكنه قال لهما: "«تَعَالَيَا وَانْظُرَا»". وهكذا ذهبا معه "وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ". وتلك تعادل الساعة الرابعة بعد الظهر. ويا لها من فترة جميلة قضياها معه! لا بد أنهما أمطراه بالأسئلة، وعلى الأرجح أنه أجابهما على كل أسئلتهما وكشف لهما عن محبته ونعمته. وما بقي هذان التلميذان على حالهما منذ ذلك الوقت فصاعداً. وما عاد في مقدورهما أن يهتما بشؤون الأرض أو يعملا أي عمل دنيوي. لقد ربحَ قلبَهما له، وكانا يتوقان ليشاركا هذه البركة مع الآخرين. هل فاز يسوع بقلبك؟ هل تعرفه وتعتبره المُرسَل من الآب؟ هل انكشفَتْ لنفسِكَ محبتُه ونعمته وقداسته لدرجة أن يتملّك عواطف محبتك له؟ عندها بالتأكيد ستريد الآخرين أن يعرفوه أيضاً. أعتقد أن هذا أحد الأدلّة الأكثر يقينية على حقيقية الاهتداء. من أول الأدلة على أن الناس يعرفون المسيح حقاً هو أنهم يلتفتون إلى الآخرين ويقولون لهم: "تعالوا؛ أريدكم أن تعرفوه كما عرفتُه". بقية هذا الأصحاح مخصصة للخدمة في السعي لربح الآخرين للمسيح.

أحد هذين التلميذين كان أندراوس. وهذا "وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ". لعلّ أول الأشياء التي فعلها أندراوس، كما هو واضح، هو أنه سعى ليجدَ أخاه. ولكن الدارسين يقولون لنا أن المضمون هنا يشير إلى أن يوحنا مضى ليجد أخاه يعقوب، ولكن أندراوس كان السّبّاق في إيجاد أخيه. إنها صفةٌ مميزة في الرسول يوحنا أن يُبقي نفسَه محتجَباً. اثنان من كَتَبَة العهد الجديد، يوحنا ولوقا، ناكران لذواتهما؛ لا يذكران أبداً أنفسهما، ومع ذلك فقد كانت لهما علاقة وثيقة مع يسوع. إنهما يحجبان أنفسهما دائماً. والرب، على كل حال، كان يودنا أن نعرف هذا؛ فما إن صارا على اتصال حيوي مع المسيح من أجل أنفسهما، حتى سارع يوحنا للحال ففكر بأخيه، وأندراوس أيضاً فكر بأخيه. ألديك أخٌ لا يزال بعيداً عن المسيح؟ هل خلصْتَ أنت نفسُكَ؟ هل هناك أخٌ أو أختٌ أو صديقٌ لك لم يعرف المخلّصَ بعد؟ هل حاولْتَ أن تجدهم؟ لعلّك كتبتَ رسالةً. ولعلّك اكتفيْتَ بإرسال بعض النّبَذِ الإنجيلية. ولعله أمكنك فقط أن تتحدث إليهم قليلاً، ولكنك كنتَ مهتماً بهم؛ أليس كذلك؟ لا أستطيع أن أفهم كيف أمكنك أن تعرف حقاً المسيح وتحبه بنفسك وأن تكون، في نفس الوقت، غير مبالٍ بأحوال أولئك الذين لا يزالون غرباء بالنسبة له. دعونا نسعى لنحاكي هذين الرجلين.

كان أندراوس أول من وجد أخيه سمعان. لقد كانا كلاهما يستمعان إلى يوحنا المعمدان. في الأصحاح الأول من سفر أعمال الرسل، يتحدث بطرس عن الذين كانوا معهم "مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا" (الآية ٢٢). ولذلك فقد كانا مستعدين لاستقبال المسيا عندما تجلّى. ومن هنا نجد أندراوس قد هرع ليجد بطرس قائلاً له: "«قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ)". ثم في الآية التالية نقرأ: "َجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ". هل فعلتَ ذلك مع أيٍّ كان؟ لاحظوا أنه لم يخرج ليناقش أخاه أو يتجادل معه، بل ذهب ببساطة وأخبره عن ذاك الذي يُرضي ويُسرُّ القلبَ. على الأرجح أنه أخبر سمعان عن خبرته ثم قال له: "والآن يا سمعان، أريدك أن تعرفَه أيضاً. أفلا تأتي إليه؟" كم هي كثيرة تلك القلوب التواقة التي يمكنك أن تقودها إلى المسيح. كثيرون منا قانعون وراضون بأن يتركوا هذا الأمر للكارز أو الواعظ أو المبشر، أو ربما لأولئك الذين يعلّمون في مدارس الأحد، أو في مكان عام آخر. ولكن كل مؤمن مدعو لأن يكون ممثلاً عن المسيح، ليذهب إلى الناس، رجالاً ونساءً، بهذه الرسالة: "«قَدْ وَجَدْنَا يسوع، مخلص الخطأة، الذي يسد كل حاجة للضالين والمهملين".

عندما رأى يسوعُ بطرسَ آتياً التفتَ إليه وقال: "«أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ)". لقد أحب يسوع أن يعطي هذين الرجلين أسماء جديدة. ولا يزال كذلك. كلما وضعْتَ ثقتَك به كلما أعطاك اسماً جديداً. "والآن يا بطرس، ستكون إنساناً مثل صخرة، وستثبت من أجل الحق في الأيام التي تأتي لاحقاً. اسمُك هو صفا. اسمُك هو الصخرة". أعتقد أنكم تذكرون كيف قرأنا ما يلي في متى ١٦: "وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (متى ١٦: ١٨). وفي رسالته الأولى، يتحدث بطرس عن كل المؤمنين كحجارة حية، مبنية على أساس صخري، ألا وهو المسيح. هل تخشى أن تعترفَ بالمسيح، هل تخشى أن تضع ثقتَك به، فلا تقدر على أن تقف؟ تعالَ إليه! تعرّفْ عليه، وسيجعلك رجلاً أو امرأة مثل صخرة. ولكن اعلمْ أن بطرس نفسه أخفق. نعم ففي إحدى المرات كان صخرةً متزعزعة جداً؛ ألم يكن كذلك؟ ولكنه بعد أن نال الروح القدس كان الأمر مختلفاً. يا له من موقف ثابتٍ راسخٍ وقفه بطرس من أجل المسيح في تلك الأيام الأولى من الكنيسة، وبعد سنوات من الشهادة والمعاناة ختم بطرسُ شهادتَه بدمه. لقد صار حقاً رجلاً مثل الصخرة، وبإعطائه هذا الاسم، أشار يسوع ضمناً إلى ما كان سيصير إليه بطرس.

ليس أندراوس ويوحنا فقط من سعى وراء إخوته، بل إننا نجد يسوع يدعو شخصاً آخر. "فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «ﭐتْبَعْنِي». وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ". لا نسمع باعتراف عظيم قام به، إلا أنه سمع هذه الكلمات: "اتبعني"، وفي الحال نجده يسعى وراء صديق. "فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَاه»". لم يَعظْه عظةً مطولة. بل قال: "لقد وجدْناه يا نَثَنَائِيلَ"، "«وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُف»". لعلّك تتساءل: لماذا يسمّيه ابنَ يوسف؟ لقد كان حقاً ابن الله. ولكن يوسف، كما ترون، بزواجه من مريم، صار الأب الشرعي ليسوع، وهذا ما يدركه فيلبّس. فيبدو وكأنه يقول له: "لماذا كان بيننا طوال هذه السنوات، ونحن لم نعرف أن ذلك النجار في محل النجارة في الناصرة لم يكن سوى المسيا؟" ويقول فيلبّس: "أريدُك أن تعرفه أيضاً يا نثنائيل". فيقول له نثنائيل: "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيءٌ صالحٌ؟" "هل يمكن أن يخرج أي شيء صالح من تلك المدينة؟" يبدو أن الناصرة كانت تلك الأيام في حالة رديئة مزرية ولذلك فلا عجب في سؤال نثنائيل هذا. لقد كان وقتاً مناسباً لفيلبس ليشرع في حوار، ولكنه كان أكثر حكمة من ذلك. فقد اكتفى بأن يقول له ببساطة: "تعالَ وانظر". إن عرفتَه كما عرفتُه أنا، فإنك ستقتنع". وهذه هي رسالتي لكم أيها الأخوة، إن كنتم غير مخلّصين. أفكّر ببعضٍ منكم ممّن يتنازعهم الشك والقلق والحيرة. إنكم تقولون: "هل من الممكن أن يكون يسوع هو ابن الله المبارك، مخلص الخطاة؟"، فأقول لكم بجدية: تعالوا وانظروا. تعالوا عند قدميه. دعوه يتكلّم كلمات السلام والغفران لكم. أفلا تأتون؟ إنه يقول: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى ١١: ٢٨)، "تعالوا وانظروا".

لقد قرّر نثنائيل أن يذهب. رآه يسوع آتياً- ما من أحد آخر أتى نحوه سوى ذاك الذي رآه آتياً؛ إنه يراك اليوم إن كنت تتحرك نحوه- قال يسوع: "«هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ»". لكأنه كان يقول: "أعلم أنه حقيقي صادق تماماً كما يبدو عليه". "«هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ»". وفهم نثنائيل معنى الكلمات فسأله: "«مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟»" فقال يسوع: "«قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ»". ما الذي عناه بذلك؟ أعتقد أن نثنائيل كانت لديه شجرة تين في حديقة منزله خلف الجدار والأرجح أنه كان تحت شجرة التين تلك يدرس كلمة الله، أو يصلي طالباً الاستنارة، فرآه يسوع هناك قبل دعوة فيلبس له بزمن طويل. أينما كنتَ اليوم، يا صديقي، فإن يسوع يراك، وإن كان قلبُك يتوق إلى النور والسلام، فإنه ينتظر أن يعطيهما لك. "«قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ»". لقد حرّكتْ هذه الكلماتُ قلبَ نثنائيل فقال: "لا بد أن هذا هو". وهتف قائلاً: أنا أومن أنك "أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!" أترون؟ "الإيمان يأتي بالسماع والسماع بكلمة الله"، وهكذا ينضم نثنائيل بالإيمان إلى تلك المجموعة الصغيرة التي رافقت الرب يسوع.

"أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟" لقد رأيتُك قبل أن تفكر حتى، أفلا ترى إذاً أني أكثر من مجرد إنسان؟ "«ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»". لقد كان يتحدث عن مجيئه الثاني في قوة ومجد. وعاد نثنائيل بفكره إلى سفر التكوين عندما اضطجع يعقوب لكي ينام في بيت إيل، فرأى في حلمه سلّماً يصل إلى السماء والملائكةَ تصعد وتنزل. يقول يسوع عملياً لنثنائيل: "أنا هو ذاك الذي به يصعد الإنسان من الأرض إلى السماء، ويوماً ما عندما أجيء ثانية بقوة ومجد سأجيء مصحوباً بملائكة الله". إن يسوع نفسه هو صلة الوصل بين الأرض والسماء، وسرعان ما سيتجلى في قوة ومجد.