الأصحاح ٥
مبادئ الملكوت
(الجزء الأول)
في ما يُدعى "العظة على الجبل", لم يكن ربنا يكرز بالإنجيل, بل كان يضع أسس مبادئ ملكوته, التي يجب أن تقود حياة جميع أولئك الذين يقرّون بأنهم تلاميذه. بمعنى آخر, هذه شريعة الملكوت؛ والتي حِفْظها يجب أن يميّز رعاياه المخلصين إذ ينتظرون اليوم الذي سيُعتَلَن فيه الملك نفسه. وهي تُدرك وجود معارضة معينة طوال الوقت لحكمه, ولكن أولئك الذين يعترفون بسلطانه مدعوون ليُظهروا نَفس الروح من الخضوع والطواعية والاتضاع التي تبدّت فيه (في الرب) خلال أيام وجوده هنا على الأرض في حالة اتضاع. إن رسالة يعقوب تتشابه جداً مع التعليم المُعطى هنا. وإنه يدعوها "ناموس الحرية الكامل" لأنه هو الذي يصبح الطبيعة الجديدة التي يقتبلها المرء عندما يُولَد من الله.
بالنسبة للإنسان الطبيعي, هذه العظة ليست طريقة للحياة, بل هي بالأحرى مصدر للإدانة؛ لأنها تضع معياراً عالياً ومقدساً جداً لا يستطيع أي إنسان غير مُخلَّص أن يبلغه ولو بأي شكل. ومن يحاول ذلك سيدرك سريعاً عجزه الكامل إذا ما كان صادقاً وذا ضمير حيّ. عليه أن يبحث عن الإنجيل في مكان آخر من الكتاب المقدس, وذاك هو العامل الفعّال لله للخلاص لجميع الذين يؤمنون (رومية ١: ١٦). إن العقول المتوقّدة الذكاء التي على الأرض قد رأت في هذه العظة على الجبل أعلى تعليم أخلاقي قد أُعطي للبشر, وأطرت على المبادئ المقدسة الواردة فيه حتى وإن كانت هذه العقول مُدرِكة لعجزها عن أن ترتقي إلى مقاييسها ولذلك فبالنسبة لغير المُخلَّصين, يصبح التعليم المُعطى هنا بالفعل, كما أحسن سي. آي. سكوفيلد القول أن: "الشريعة ارتقت إلى أعظم قوة لها". ولكن بالنسبة للمؤمن, وكما أن متطلبات الناموس المُحِقّة "تتِمُّ فِينَا نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رومية ٨: ٤), كذا فإن المبادئ الموضوعة في هذه العظة ستجد تمثيلها التطبيقي العمليّ في حياة جميع أولئك الذين يسعون ليسلكوا كما سلك المسيح. وليس لنا أن نحيل كل هذا إلى القلة اليهودية التقية المتبقية في الأيام الأخيرة أو للتلاميذ أمام الصليب, رغم أنها تنطبق تماماً على كليهما. ولكننا نتبين هنا ما "يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ" (ا تيم ٦: ٣) التي لا نجرؤ على رفض إطاعتها, لئلا نبرهن أننا كما تصف الآية التالية (١ تيم ٦: ٤): "فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالاِفْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ". علينا أن نتذكر أننا, ورغم كوننا شعب سماوي, إلا أن علينا مسؤوليات أرضية, وهذه محددة لنا في هذه العظة التي هي الأعظم على الإطلاق والمتعلّقة بالسلوك البشري.
وإذ نضع هذا في ذهننا, دعونا ننظر أولاً إلى التطويبات التي لا نظير لها التي تُفتَتح بها هذه العظة:
"وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. فَفَتَحَ فَاهُ وَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لِلْحَزَانَى لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ. طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. ﭐِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُمْ هَكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ" (الآيات ١- ١٢).
"طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ". أولئك هم الرجال والنساء الذين يدركون حقيقة أنه ليس لديهم أصول روحية. فيعترفون بحالتهم الضالّة ويتّكلون هكذا على النعمة الإلهية.
"طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ". إن نفس الآلام التي يُدعى الناس لتجاوزها تصبح أداة بركة إذا ما عرفوا "إله كل تعزية" (٢ كور ١: ٣), الذي يشفي القلوب المنكسرة (مز ٣٤: ١٨), ويجعل أحزاننا تصبح وسيلة لنموّنا في النعمة عندما نثق بمحبته ونستريح في الإدراك بأن كل الأشياء تعمل معاً للخير لخاصّته (رومية ٨: ٢٨).
"طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ". إن العالم يُعجَب بالإنسان العدواني الميّال إلى توكيد الذات. أما يسوع المسيح فكان وديعاً متواضع القلب. أولئك الذين يشاركونه في الروح هم الذين ينتفعون من الحياة, في نهاية الأمر. فهم الذين "يرثون الأرض", لأنهم يرون في كل الطبيعة أدلة على محبة الآب وعنايته.
"طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ". هكذا جوع وعطش- ألا وهو الرغبة العميقة والجدية- تقدّم دليلاً على الحياة الجديدة. هذه الرغبات لا تُعطى للهزء بنا. إن الرضى هو النصيب الموعود لكل الذين يتوقون هكذا إلى الله, الذي به وَحده يُوجَدُ كلُّ بِرٍّ.
"طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ". لأولئك الذين يُبدون رحمة, ستمتد الرحمة. هذه هي شريعة الملكوت. وإن الإنسان الحقود القاسي الذي لا يعرف الصفح, والذي يتعامل بعدالة صارمة وحسب, سيُعَامَل بنفس الطريقة عندما يحصل الإخفاق والفشل في حياته ذاتها.
"طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ". إن النقاء هو الإخلاص في الهدف. وأنقياء القلوب هم أولئك الذين يضعون مجد الله فوق كل شيء آخر. فلهؤلاء يُعلِن نفس. فيرون وجهه عندما يتبين للآخرين تعاملاته التدبيرية فقط.
"طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ". إن النـزاع والانقسام هما أعمال الجسد (غلاطية ٥: ١٩, ٢٠). وإن إثارة الشِقاق بين الأخوة هو أحد الأشياء التي يُبغضها الله (أمثال ٦: ١٦- ١٩). إن وصيّته لنا هي أن نسعى وراء الأشياء التي تصنع السلام (رومية ١٤: ١٩). وبقيامنا بذلك فإننا نُظهر الطبيعة الإلهية, ذاك الذي هو إله السلام (رومية ١٥: ٣٣).
"طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ". هذا يُعلِن بشكل واضح أن التعاليم الموضوعة هنا مقصودة, وليست, كما أكّد البعض, أنها للحكم الألفيّ للمسيح, إذ لن يكون هناك عندئذٍ اضطهاد من أجل البر, بل سيكون لتلاميذ المسيح خلال فترة رفض العالم له, عندما سيتعرّض أتباعه لبغضاء عالم فاسد غير تقي.
"طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ". إننا جميعاً نتجنّب الاتهامات الباطلة الزائفة وننكمش إزاءها, ولكن لعلّنا نجد تعزية ونحن نتذكّر أن ربنا نفسه لم يكن مُستَثنى منها. ثمّة بركة لنا إذ نمرّ بهكذا خبرات في علاقتنا معه؛ فلا نُضطرَّ لمحاولة أن نبرّر أنفسنا, بل نترك له أن يبرّرنا بالطريقة والوقت الذي يجدهما مناسبين.
"ﭐِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا", بدلاً من فسح المجال لكآبة الروح: "لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ". إن الله يلاحظ كل ما يعاني منه شعبه على يدي أو على شفاه عالم فاجر سيّء أو أخوة كاذبين؛ وسيُعوِّض عن كل ذلك بطريقته الخاصة عندما نعاين وجهه. لقد كان أنبياؤه في كل الأزمان مدعوّين لتحمّل هكذا معاملة, ولكنه كان قد لاحظ ذلك وسيُكافئ الجميع بحسب اللطف المُحِبّ الذي في قلبه.
في المقطع التالي, الآيات ١٣- ١٦, لدينا صور مختلفة لتلاميذ المسيح, تتحدث جميعاً عن أهمية الإخلاص للثقة التي وضعها فينا.
"«أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (الآيات ١٣- ١٦).
"أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ". الملح يَحفَظ من الفساد. وإن تلاميذ ربنا يُترَكون في العالم ليشهدوا ضد الإثم والخطيئة فيه وليضربوا مَثَلاً في البرّ. إن الملح الذي لا طعم له, هو كمثل المسيحيين غير المنسجمين مع أنفسهم, لا يفيد في شيء.
"أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ". لطالما سمّى يسوع نفسه هكذا وهو في هذا العالم (يوحنا ٩: ٥). خلال غيابه, ينبغي على تلاميذه أن يشهدوا له كأنوار في هذا العالم المُظلِم (فيلبي ٢: ١٥). إن النور يُظهِر الشرور المُخبَّأة في الظلام (أفسس ٥: ١٣).
"لاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ". إن من يُقر بأنه تابع للمسيح, ولكن يخفي نوره تحت المكيال- أي, يعتم شهادته بانشغاله الزائد بأمور هذه الحياة- لا يعطي انطباعاً صادقاً مفيداً لمجتمعه؛ أما من يعيش بمثابرةٍ وكلياً للمسيح فيشرق كسراج على منارة ويضيء على كل البيت.
"فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ". إن الاعتراف لوحده لا يكفي. إن الحياة يجب أن تعبر عن الله. وإذ نعيش المسيح قدام الناس, فإننا نترك مجالاً لنورنا ليشرق. وهكذا يميزون أعمالنا الحسنة ويرون فيها دليلاً على الإخلاص. وهكذا يمجدون الله بادراك واقعية عمله في نفوس أولئك المؤمنين المخلصين في شهادتهم وسلوكهم. علينا أن نتذكر ألا ندع نورنا يشرق بمجرد الاعتراف, بل على النمط الذي عاش عليه ربنا نفسه: "الحياة كانت نور الناس" (يوحنا ١: ٤). ولذلك فهي حياة مكرسة مخلصة تضيء على الآخرين.
في الآيات ١٧- ٣٠ نرى كيف أن ربنا كان يطبق وصايا الناموس, فلا يتجاهلها ولا يقلل من شأنها بأي شكل من الأشكال, بل يُظهر أن فيها معنى أعمق بكثير مما يبدو من الخارج. فإن طُبّقت على نحو صحيح, تُظهر العجز الكامل للإنسان وعدم قدرته على أن يحافظ على الوصايا المقدسة في حالته الطبيعية. دعونا نلاحظ بانتباه ما يُعلمنا إياه يسوع بخصوص ذلك:
"«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ. «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ. كُنْ مُرَاضِياً لِخَصْمِكَ سَرِيعاً مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ الأَخِيرَ! «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ" (الآيات ١٧- ٣٠).
"مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ". وهذا ما فعله ربنا بثلاثة أشكال: بإطاعته الكاملة بجَّلَ الناموس وجعله مكرَّماً (أشعياء ٤٢: ٢١)؛ وبموته سدّد كل المطالب ضد منتهك الناموس, وهكذا يصبح غاية الناموس للبر لجميع الذين يؤمنون (رومية ١٠: ٤)؛ وبروحه يمكّن المؤمنين من تحقيق المتطلبات العادلة للناموس (رومية ٨: ٤).
"حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ". الحرف هو الـ ( yodh )، وهو أصغر حرف في الأبجدية العبرية. والنقطة هي علامة صغيرة جداً تُشير إلى تغيير صغير في معنى حرف. إن كلمات ربنا تُشير إلى كمال الكتابات المقدسة.
"فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى". والمعنى أن, كل من يتجاهل السلطان الإلهي في مشيئة الله المعلنة بتمييع التأثير والفعالية الأخلاقية لوصاياه, كأن يجعل الناس لا يبالون بالتزاماتهم نحوه, سوف يُعتبروا بلا قيمة في ملكوته.
"إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ". كان الكتبة والفريسيون تشريعيين متطرفين وكانوا يثقون ببرهم الذاتي, ولكنهم لم يخضعوا لبر الله (رومية ١٠: ٣). إن البرَّ الذي يقبله الله هو ذو طابع أعلى من ذلك. وهذا البر الأسمى توحي به الآيات التي تلي. كان الناموس يحظّر القتل. ويُرينا يسوع أن الغضب الذي لا مبرر له هو بحدِّ ذاته انتهاك لروح الوصية.
"لاَ تَقْتُلْ". إن القتل يحدث بنتيجة هكذا حالة فكرية. وإن استخدام الذم الرديء ضد الآخر هو إظهار للبغضاء التي تجعل الناس يقتلون, وهذا يضع المرء في خطر حتى نار الجحيم.
أن تعترف بكونك عابداً لله بينما تخطئ عن عمد ضد آخر أو تضمر حقداً ومكراً في قلبك هو أمر بغيض بالنسبة لله. فمن يأتي إلى مذبح الله ومعه تقدمة عليه أن يذهب فيصالح الأخ الذي أخطأ إليه ثم يعود فيقرب قربانه.
ولا يجب على المرء أن يسمح بروح الخصومة أن تسود بينه وبين آخر إن كان بمقدوره أن يتوصل معه إلى اتفاق وتفاهم؛ لأن الخطيئة لا تموت مع مرور الزمن, بل تزداد سوءاً مع الأيام. لطالما عانى كثيرون بشدة بسبب أمر كان يمكنهم أن يتخلصوا منه لو انتبهوا إلى هذه الكلمات.
في الآية ٢٨ أن النظرة غير الطاهرة, والنظرة الخبيثة, والنظرة الفاسقة الوقحة إلى المرأة هي في عيني الله انتهاك للوصية السابع. وفق هكذا معيار من يستطيع أن يجيب عن تهمة أمام القضاء الإلهي قائلاً: "غير مذنب"! كم هو مهم إذاً التحذير من أي انتهاك لئلا يُخذل المرء فيقع في خطيئة أعظم, والتي, إن لم يتب عنها, تأتي عليه بالدينونة الأبدية في الجحيم نفسه.
لا بد لأي شخص سليم التفكير أن يُقر بأن البر المطبوع في ذهن ربنا في هذه الخُطبة التي لا نظير لها (والتي نالت إعجاب أهل الفكر العقلانيين في كل مكان) هو معيار بعيد عن متناول الإنسان الطبيعي. فقط عندنا يولد الإنسان من جديد يستطيع أن يعيش على هذا المستوى السامي. عندما يتحدث الناس عن العظة على الجبل على أنها تُقدم تعاليم دينية كافية لهم, فإنهم إنما يظهرون مدى ضآلة فهمهم لكلمات معلمنا. إنه يصور حياةً فائقةً للطبيعة يمكن أن تُعاشَ فقط بقدرة فائقة للطبيعة- تلك القدرة التي يعطيها الروح القدس لمن يؤمن بالإنجيل.
بعد ذلك لدينا إعلان موثوق بشكل مطلق يتعلق بعلاقة الزواج. في القديم كان الله يسمح ببعض الأشياء بسبب قساوة قلب الرجال, ولكن ليس مسموحاً لتلاميذ المسيح أن يقوموا بها. فيقول: "«وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي". بمقارنة هاتين الآيتين بإعلان لاحق نجده في ١٩: ٩ من نفس هذا الإنجيل, يمكن أن نرى أن الزواج, والذي عنى به الله من البداية أن يكون طوال الحياة, قد صار ضعيفاً منحلاً بسبب خطيئة الزِنى الجسيمة من جهة الزوج أو الزوجة. فهذا يسمح للطرف البريء أن يكون حراً ليتزوج من جديد؛ ولكن كما تُشير الآية في ١ كورنثوس ٧ ،وبتأكيد, فهذا, "فقط في الرب". فمن العبث القول, كما فعل البعض, أن الزنى هنا يشير فقط إلى السلوك غير الأخلاقي قبل الزواج والذي يُكتشف فقط فيما بعد (كما في تثنية ٢٤: ١), ولكن ليس فيه إشارة إلى نفس الخطيئة المُرتكبة بعد الزواج. هذا يجعل انتهاك عهود الزواج أقل إثماً من الخطيئة الجنسية المرتكبة في حالة العزوبية. إن المعنى المقصود في هذا المقطع واضح جداً. الزوج الزاني أو الزوجة الزانية تحطم رباط الزوجية. وإن الطلاق في المحاكم يُشَرْعِن الانفصال, ولكن الطرف البريء يكون حراً أمام الله وكأنه لم يتزوج على الإطلاق.
ويتابع ربنا تبجيل وتوقير الناموس بأن يؤكد على فحواه الأكمل. ويتحدث عن الحَلف في الآيات ٣٤- ٣٧:
"وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللَّهِ وَلاَ بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ".
بمحاكمة الأشياء استناداً إلى هذا المعيار السامي, كم تصبح أحاديثنا تافهة عن أولئك الذين يعترفون بأنهم رعية للرب. يا لها من أحاديث لا مبالية وأقوال مأثورة حمقاء يطلق المسيحيون المعترفون لها العِنان وكأن يسوع لم يقُلْ شيئاً بخصوص هذا الموضوع.
إن الانسجام في هذا الأصحاح يمكن ملاحظته، إن اعتبرناه جزءاً متكاملاً, يتناول استعلان النعمة في حياة تلاميذ المسيح:
"«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (الآيات ٣٨- ٤٨).
"عَيْنٌ بِعَيْنٍ". هذا هو الناموس الصرف- وهو عادل بالمطلق (خروج ٢١: ٢٤). وبالمحاكمة استناداً إلى هذا المعيار, تصبح حالة كل إنسان ميئوساً منها.
"لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ". لقد تعامل الله مع أولاده برحمة ونعمة. ولذلك فإنه يتوقع منهم أن يُظهروا نفس الرحمة نحو الآخرين.
"فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً". كان هذا فوق ما يتطلبه الناموس. عندما تسود رحمة المسيح على قلب المرء فإنه يستطيع أن يحتمل خسارة كل شيء بدون استياء.
"فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ". كانت آداب الكياسة في تلك الأيام تتطلب بشكل عادي من المرء أن يذهب ميلاً ليدل أو يرشد مسافراً تائهاً أو متأخراً. ولكن النعمة تسير الميل الثاني.
"فَلاَ تَرُدَّهُ". على تلميذ المسيح أن يكون مثل معلّمه- مستعداً للتواصل. قد لا يكون في حالة يُفترض عليه فيها أن يعطي كل ما يُطلب منه, أو أن يُقرض كل إنسانٍ كما يرغب, بل عليه أن يكون مستعداً لأن يستجيب, قدر الإمكان, لطلبات المعونة والمساعدة.
"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ". كانت الكتابات المقدسة في العهد القديم تطلب بشكل واضح القسم الأول ("تُحِبُّ قَرِيبَكَ"), ولكن التقليد الرباني أضاف القسم الأخير من هذه الأقوال ("تُبْغِضُ عَدُوَّكَ"), وعلى الأرجح أنهم كانوا يستندون في ذلك إلى مقاطع كالتي في تثنية ٢٣: ٦ وبعض مزامير اللعن (مزمور ١٣٧: ٩).
"وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ". مُتَحدِّثاً بصفته المُرسَل من الآب, فإن الرب يسوع صحّح الوضع الخاطئ للربانيّين ووضع ناموسه الكامل للمحبة, حتى نحو أعداء المرء. فبمعاملتنا الحسنة لهم وصلاتنا لأجلهم, نتغلب على الشر بطريقة مسيحية. مهما كانت سيئة معاملة الآخرين لنا, علينا أن نسعى لنساعدهم. علينا أن نبارك من يلعنوننا, وأن نكون لطفاء حتى ولو أظهروا لنا البغضاء, وأن نصلّي من أجلهم حتى عندما يضطهدوننا ويسعون لأذيتنا. هذه هي رحمة الله بالتطبيق العمليّ, كما تُرى في حياة المؤمنين الخاضعين له الذي تسيّرهم روح المسيح. هل يبدو هذا معياراً عالياً لا يستطيع الإنسان الخاطئ أن يبلغه؟ إنه كذلك. ولكن الإنسان المتجدِّد يستطيع أن يفعل ما يعجز عنه الإنسان الطبيعي.
"لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ". هذا يعني, طالما أننا نطيع وصايا الرب المعطاة هنا, فإننا نُظهر حقيقة أننا أولاد أبينا السماوي, الذي يمطر رحماته على الأبرار والظالمين على حدٍّ سواء وعلينا أن نسلك مثله. إنها الطبيعة الإلهية, التي يشارك كل مؤمن فيها (٢ بطرس ١: ٤), هي التي تمكنه منى أن يقارب الشخصية المرسومة في هذه الخطبة اللاذعة.
"إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟". حتى الناس الأكثر صفاقة وانغماساً في الشهوات يحبون خاصتهم, ويمكن أن يقدّروا أولئك الذين يظهرون لهم التقدير. أما أولئك الذين يتبعون الرب, فعليهم أن يحبوا كل الناس, حتى أولئك الذين, بمعارضتهم المريرة لهم, يجعلون حياتهم أتعس ما يمكن.
"وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟". إنه أمر بسيط أن يُبدي تلاميذ المسيح نفس الاهتمام بالآخرين حتى ولو كانوا مُنغمسين في دعوات وحفلات رديئة. لقد كان اليهود يبغضون العشّارين. وهؤلاء كانوا جُباة ضرائب في إسرائيل قد اشتروا مناصبهم من الحكومة الرومانية وكانوا "يُلزّمون الضرائب", مُنتزعين كل شيء ممكن من أبناء وطنهم, ومستفيدين من العائدات بعد أن يقدموا اللازم لمُخمّني الضرائب المُعيَّنين من قِبَل الدولة. ومع ذلك فإن هؤلاء كانوا يُبدون اهتماماً وتقديراً لإخوتهم.
"فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". هذا كمالٌ بمعنى الغياب الكامل للتحيّز والمحاذاة, وبالتالي تمثّلٌ بذاك الذي لا يقبل الوجوه (أعمال ١٠: ٣٤), بل يجود بأفضاله على الأبرار والأشرار على حدٍّ سواء.
إن خيرة بركات الله هي لأولئك الذين يُظهرون نفس الروح من التبجيل له, والوداعة والحنوّ تجاه الآخرين, الذين يُرَون في كامل امتلائهم في ربنا المبارك, كما سلك على هذه الأرض في أيام حياته الجسدية (عبرانيين ٥: ٧). ومن هنا, ومن هنا فقط, فإن ذاك البعيد عن تناول الإنسان الطبيعي يتحقّق في أولئك الذين اقتبلوا حياة وطبيعة جديدتين بإيمانهم بالمسيح مُخلِّصاً لهم. ما من ظروف معاكسة يمكن أن تُقلِق صفاء أولئك الذين يعرفون الرب والذين يُقرّون بسلطانه على حياتهم.