الأصحاح ٢٤

الملك يكشف المستقبل

إن الأصحاحين ٢٤ و٢٥ مرتبطان معاً على نحو وثيق. إنهما يقدمان لنا ما سمّاه السير روبرت أندرسون بـ "العظة الثانية على الجبل". كل ما لدينا هنا هو ما نطق به ربنا على جبل الزيتون رداً على أسئلة تلاميذه. "«مَتَى يَكُونُ هَذَا وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟»". إنهما يستحقان الكثير من الدراسة المتأنية وبالتأكيد لا نستطيع أن نعطيهما حقهما هنا الآن. في الأصحاح ٢٤ يُرينا الظروف التس ستسود في العالم خلال زمن رفضه, وبتحديد أكثر, بما يدعوه النبي دانيال بـ "وقت النهاية", ألا وهي فترة الضيقة العظيمة التس ستسبق مباشرة عودة ربنا كابن الإنسان, ليؤسس ملكوت السموات على هذه الأرض في قوة ومجد. في الأمثال الثلاثة التي في الأصحاح ٢٥ لدينا المثل الأول الذي عن العذارى, دلالة المسؤوليات المُلقاة على عاتق الناس خلال غيابه وأهمية الاستعداد لاستقباله عندما يعود. وفي مثل الوزنات نتذكر الحساب الذي سيقدِّمه كل خادم في ذلك اليوم عن إمكانية وُضِعَت تحت تصرفه؛ وأخيراً لدينا دينونة الناس الأحياء عندما يأتي ابن الإنسان في السحاب من السماء, ومعه ملائكته القديسين, ويتربع على عرش مجده.

دينونة الشعوب هذه على الأرض في ذلك الوقت لا يجب الخلط بينها وبين دينونة الأموات الأشرار, عندما يُقام العرش الأبيض العظيم في نهاية دهر الملكوت, الذي سيكون أيضاً نهاية العالم. إن التضاد جديرٌ بالانتباه هنا بين ذلك العالم كما في رؤيا ٢٠: ١١- ١٥ والدينونة قبل الألفية كما ترِد في متى ٢٥: ٣١- ٤٦. إن الحادثتين يفصل بينهما ألفُ سنة.

بعد شجبه المُهيب للكتبة والفريسيين المُرائين وتعبيره عن حزنه على عمى وتمرد الناس في أورشليم، غادر الرب أبنية الهيكل حيث كان يكرز ويعلِّم, وسار مع تلاميذه عبر جدول قدرون إل جبل الزيتون. وقبل أن يغادروا المدينة حاول التلاميذ أن يلفتوا انتباهه إلى عجب الأبنية الجميلة في موقع الهيكل.

"ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!»" (الآيات ١- ٢).

عندما تحدث يسوع على هذا الشكل لا بدَّ أن حديثه بدا كمثل نبوءة من غير المحتمل أن تتحقق. في عينيّ أتباعه, تلك الأبنية بدت ضخمة ومتينة لتصمد لقرون عديدة. ومع ذلك فإن كلماته كانت لِتُثبت حقيقتها بعد فترة امتحان تدوم أربعين سنة. من الواضح أن التلاميذ ربطوا تنبؤ يسوع بما كان قد قاله في مناسبات سابقة حول مجيئه الثاني؛ وهكذا, بعد أن وصلوا وجلسوا على الجبل الذي يُطِلُ على المدينة الجميلة ولكن الهالكة, طرحوا عليه ثلاثة أسئلة:

"وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟»" (الآية ٣).

لاحظوا الأسئلة بالترتيب:

١- "مَتَى يَكُونُ هَذَا"؟ أي، متى ستُدمَّر أورشليم؟ وجواب هذا السؤال يُعطى بشكل كامل في نقل لوقا لحديث يسوع (لوقا ٢١: ٢٠- ٢٤).

٢- "مَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ"؟ إن متى هنا ومرقس في الأصحاح ١٣ كلاهما يعطيان الجواب على هذا السؤال.

٣- "مَا هِيَ عَلاَمَةُ انقضاء الدهر (أي نهاية الزمان)"؟ ليس حديثهم هنا عن العالم بل عن الدهر. هذا السؤال نجد جوابه في المقطع الموافق من إنجيل مرقس. إن كل إنجيلي كتب كما أوحى له أو وجّهه الروحُ القدس. في الآيات ٤ و٨ يتناول متى بشكل خاص صفات الدهر الحالي بأكمله إلى أن يعود المسيح. ثم في الآيات ٩ إلى ١٤ يركِّز على علامات الأيام الأخيرة. والآية ١٥ تأتي بنا إلى بداية الضيقة العظيمة, كما تنبأ عنها أيضاً دانيال ١٢: ١١. الآيات ١٦ إلى ٢٨ تُعطينا تفاصيل عن ذلك الزمان من الضيقة. والآيات ٢٩ إلى ٣١ توصلنا إلى نهاية الدهر ومجيء ابن الإنسان. بقية الأصحاح يعطينا أمثلة توضيحية وتحذيرات, وكلها تستند إلى ما حدث قبلاً.

لنتمعن في المقطع الأول.

"فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُم: «ﭐنْظُرُوا لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارَ حُرُوبٍ. انْظُرُوا لا تَرْتَاعُوا. لأنَّهُ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كُلُّهَا. وَلَكِنْ لَيْسَ المُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلازِلُ فِي أَمَاكِنَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ" (الآيات ٤- ٨).

إن الظروف التي تُوصف هنا قد ميَّزت كل القرون منذ أن عاد الرب إلى السماء (صعد إلى السماء). لا تخبرنا بحد ذاتها عن اقتراب مجيئه, ولكنها تُظهر لنا كم سيكون هذا العالم بائساُ يائساً سيء الأحوال وفي حاجة إلى حاكم مقتدر كفؤ وكيف أن كل الخليقة تئنُّ وهي تترقب عودته.

"ﭐنْظُرُوا لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ". إن الشيطان يعمل بالمحاكاة والتقليد. إنه يحاول أن يوقعنا في الشرك عن طريق تزييف كل ما هو من الله. ومن هنا تأتي الضرورة لأن نكون محترسين على الدوام ضد أخاديعه. علينا أن نتمحّص كل شيء استناداً إلى الكتابات المقدسة.

"كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ". إن عدد الدجَّالين أو أضداد المسيح سيكون كبيراً جداً. وغالباً ما سيكون هؤلاء رجالاً وأحياناً نساء, قد برهنوا على جنون العظمة لديهم؛ ولكن الكثيرين كانوا مخادعين متعمدين. ما من أحد أبداً كان لِيَضل بسبب هؤلاء الذين يدعون المسيانية لو أنهم تذكروا أن المسيح لن يأتي ثانيةً إلى الأرض كما جاء قبلاً, أي من خلال بوابة الولادة. سوف يأتي كربٍّ من السماء مصحوباً بالموكب السماوي بأكمله.

"لَيْسَ المُنْتَهَى بَعْدُ". منذ صعوده إلى السماء كانت الحروب وإشاعات الحروب على الدوام تُذكِّر بحماقة الإنسان في رفضه لأمير السلام؛ ولكن هذه ليست أدلة على ختام أو انتهاء هذا الدهر. إنه من الخطأ أن ننظر إلى الصراعات بين الشعوب على أنها بحد ذاتها علامات على أن المجيء الثاني للمسيح هو وشيك.

الآية ٧ تصف سلسلة من الحروب العظيمة التي ستشترك فيها شعوب وممالك كثيرة. هكذا صراعات كانت مألوفة متكررة الحدوث خلال الألف وتسعمئة سنة الماضية وقد ازدادت بكثافة وبشكل مخيف خلال القرن الماضي؛ ولذلك كانت الحروب العالمية من ١٩١٤ إلى ١٩١٨ و١٩٣٩ إلى ١٩٤٥ أسوأ نوع قد عرفته البشرية. ونتيجة الحرب الواسعة الانتشار هناك نشأت مجاعات وأوبئة تلتها. وإلى هذه الأوبئة تضاف زلازل في أماكن كثيرة, والتي ستبدو على أنها ازدياد عظيم في اضطرابات الطبيعة مع اقتراب النهاية.

"هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ". هذه ستليها أحوال رهيبة وأشد سوءاً للغاية قبل أن يظهر ابن الإنسان شخصياً ليأتي بملكوته الذي كان قد رُفِضَ عندما كان هنا لأول مرة.

إن سر اختطاف الكنيسة الذي يسبق نهاية الزمن لا يُوصف هنا في هذه الخطبة النبوئية العظيمة. لقد كان ذلك لا يزال سراً خفياً عندما نطق يسوع بهذه الكلمات. ما من زمن محدد لها, وليس هناك أية علامات تشير إليها. إن العلامات هنا لها علاقة بإعلانه من السماء ملكاً سيرجع ليُجري قدرته العظيمة ويحكم. إن مجيء ابن الإنسان يشير دائماً إلى هذا الحدث, وليس إلى الاختطاف أبداً.

إن الظروف والأحوال الموصوفة في الآيات ٩ إلى ١٤ تتناسب بشكل كامل مع النصف الأول من الأسبوع السبعين غير المُنجز في دانيال؛ ولذلك فإنه من الممكن تماماً أن ذلك الاختطاف يُقحم بين الآيات ٨ و٩. منجهة أخرى, ظروف مشابهة قد حدثت مراراً وتكراراً خلال ما يُسمى القرون المسيحية, ولكنها لن تتأكد في زمن النهاية.

"حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ. وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى" الآيات ٩- ١٤).

"تَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي". إن استشهاد القديسين, أولاً تحت الحكم الوثني, ثم تحت الحكم الرومي البابوي, ولاحقاً تحت منظومات شريرة متنوعة أخرى, يجب ألا يُتجاهل عند التمعّن في هذه النبوءة. إن الاستشهاد لن يتوقف عندما ستُختطف الكنيسة. فعندها سيطلب الرب شهادة جديدة عندما يعود فيهتم ببني إسرائيل من جديد؛ وكثيرون من شهوده, في تلك الأيام المظلمة, سيُدعَون ليبذلوا حياتهم خلال فترة حكم قوة الوحش الملحد الاستبدادي في الأيام الأخيرة وتابعه, ضد المسيح شخصياً. وهكذا فإن هذه النبوءات سوف يكون لها تحقيق مزدوج- خلال الدهر الحالي من النعمة, وفي الفترة المستقبلية من الدينونة.

ثم سيكون هناك ارتداد عظيم عندما يتعثَّر كثيرون, وخدام الله المخلصين يخذلهم أقرب المقربين. وهذا أيضاً سيكون له تحقيق جزئي خلال هذا الدهر التدبيري. إن التاريخ يُعيد نفسه, في كل من الكنيسة المُعترِفة وفي العالم.

كلما اقتربنا من النهاية كلما صار الشيطان فعالاً نشِطاً أكثر, إذ يعرف أن وقته قريب وعلى وشك الانقضاء. ولذلك "وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ".

بسبب الإثم المتكاثر, فإن هؤلاء الذين يقرّون بالإخلاص والولاء للمسيح سوف يُمتَحنون بشكل شديد؛ وبينما تكون المحبة سطحية فقط فإنها تصبح باردةً, وهكذا ستسود فترة من الرِّدة.

إن امتحان أو اختبار الصدق في أي دهر هو التحمّل. فهكذا هو الحال الآن, وهكذا سيكون في يوم الحزن والألم الذي يرتقبه العالم المسيحي. "الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ". لكي تتناسب هذه الكلمات الجليلة مع الحق المُعلَن في كل مكان حول الضمان الأبدي للمؤمن, ليس من الضروري أن نقول أنها تنطبق فقط على فترة الضيقة. إنه أمر صحيح دائماً أن الذين يحتملون فقط سوف يخلصون في النهاية. ولكن عندما يُولد المرء من الله ويتلقى هكذا الحياة الأبدية فإنه سوف يحتمل. "لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (١ يوحنا ٥: ٤). من أبدى اعترافاً بالإيمان بالمسيح، ثم في ساعة التجربة ينكر إيمانه ويرتد، يشبه كَلْباً قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ، وَخِنـزيرَةً مُغْتَسِلَةً إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ (٢ بطرس ٢: ٢٠- ٢٢)، وبذلك يبرهن على أنه لم يُولد أبداً بكلمة وروح الله. لو كان هكذا شخص خروفاً يخص الله الراعي لما كان انجذب إلى مرواغة حمأة الخنـزيرة.

إن الضيقة العظيمة بكل معناها ستبدأ في منتصف الأسبوع السبعين- أي، السنوات السبع الأخيرة من نبوءة دانيال الزمنية العظيمة. وسوف يُعلَن عنها بإقامة رجسة الخراب. وإلى هذه يشير المقطع التالي.

"«فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ - لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ - فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ وَﭐلَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنـزلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً وَﭐلَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ فَلاَ تَخْرُجُوا! هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ فَلاَ تُصَدِّقُوا! لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ هَكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ" (الآيات ١٥- ٢٨).

لدينا هنا لوحة تصويرية عن الأحداث البارزة في وقت الشدة ذاك. "لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ" (دانيال ١٢: ١).

إن الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ في القديم (دانيال ١١: ٣١) كان صورة عن أنطيوخس أبيفانيوس ملك سوريا، في هيكل أورشليم، بعد أن دنّس المقدِس بتقديم خنـزيرة على المذبح ورش دمها في الأماكن المقدسة. ومن الواضح أن الرِّجْسَ الْمُخَرِّبَ سيكون في المستقبل اعتراف ظاهر ما بقوة مرتد وضد المسيح. أما وقد تم تحذيرهم بهذه النبوءة، فإن قديسي تلك الأيام سيدركون ذلك، وهذه ستكون إشارة لهم ليهربوا من أورشليم ومن فلسطين إلى "بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ" (حزقيال ٢٠: ٣٥)، حيث سيختبئون من غضب الوحش وأتباعه "حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ" (أشعياء ٢٦: ٢٠). وهؤلاء سيكونون "إخوة" الرب الذين يتكلم عنهم في الأصحاح التالي، عندما يصور دينونة الأمم الذين سيكونون على قيد الحياة على وجه الأرض عندما يجيء ابن الإنسان في مجده.

هؤلاء اليهود المخلصين, البقية التقية الذين غالباً ما يتحدث عنهم الكتاب المقدس في الأنبياء, سيهربون على عجل, ولن ينتظروا أن يأخذوا أغراضهم وممتلكاتهم معهم لئلا يقع غضب ضد المسيح عليهم.

إنهم يُنصحون لأن يُصَلّوا لئلا يكون هروبهم في الشتاء ولا أن يكون في يوم راحة أو عطلة. هذا بحد ذاته يشير إلى حالة مختلفة للأشياء التي ستسود في هذا الدهر الحالي. فبينما هذه البقية التقية ستكون منتظرة استعلان المسيح, سوف يكون إيمانهم مستنداً على الناموس لأنهم لا يكونون قد دخلوا بعد إلى حرية النعمة.

"يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ". هكذا محنة لَمْ يَكُنْ مِثْلُها مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. ستكون الأحول رهيبة جداً وإن لَمْ يقَصّر الله تِلْكَ الأَيَّام لَن يَخْلُص جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. إن تلك الأيام سيكون عددها ١٢٦٠ يوماً كما يرد في سفر الرؤيا. وهذه ستكون ثلاث سنوات ونصف, ويكون كل شهر مؤلفاً من ٣٠ يوماً, وهكذا سيكون أقصر من الزمن الكامل إذا ما كانت السنوات قد اعتُبرت بأنها مشتملة على ٣٦٥ يوماً.

في زمن الضيقة كل من التجأ إلى الله سوف يرتقب رجوع ابن الإنسان ليحرره. والشيطان سوف يحاول أن يخدعهم بتقديم مُسحاء كاذبين مزيفين, وفوق كل شيء سيقدم لهم ضد المسيح شخصياً بنفسه على أنه المرتقب المتوقَّع. ولكن أولئك الذين يعرفون الله ويستندون إلى كلمته- "المختارون أنفسهم"- سوف يكونون مستعدين ليرفضوا كل هذه الخدع والأكاذيب.

إذا قيل لهم أن المسيا قد جاء وأنه سيظهر لهم في البرية فعليهم ألا يذهبوا سعياً وراءه هناك. وإذا قيل لهم أنه محتجب في مكان سري ما فعليهم ألا يصدقوا ذلك. لأن مجيئه سيكون في مجد مُعتَلَن ظاهر عندما يسطع من السماء كالبرق الذي يلتمع في الفضاء.

بينما تصل فترة الضيقة العظيمة إلى أوجها فإن اليهودية المرتدَّة, والتي ستركز على أورشليم, ستكون جثة متعفنة ستتجمع عليها النسور (أو الجشعين المتوحشين). هذه صورة حيوية عن تجمُّع الجيوش من "كل الأمم ضد أورشليم للمعركة", كما سبق زكريا وتنبأ في الأصحاح ١٤ وكما كُتِبَ في نصوص كتابية أخرى.

المجيء الثاني سيحدث في نفس الوقت عندما سيبدو وكأن انتصار الشيطان قد اكتمل.

"وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا" (الآيات ٢٩: ٣١).

"وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ". هناك كثيرون يعتقدون ويعلّمون بأن الضيقة العظيمة قد صارت من الماضي الآن: أي أنها تشير إلى فترة الاضطهاد العظيم التي مرت بها الكنيسة في القرنين الأولين تحت الحكم الروماني الوثني, أو تتمثل في الاضطهادات الأسوأ التي ظهرت تحت الحكم الرومي الباباوي في السنوات التي سبقت والتي تلت الإصلاح البروتستانتي. ولكن ربنا يخبرنا بشكل محدد هنا أن مجيئه الثاني سيأتي مباشرة عند نهاية زمن الضيقة ذاك؛ ولذلك فمن الواضح أن هذا اليوم هو مِحنة ستأتي في المستقبل. وعندما يأتي إلى اكتماله سيكون هناك إعلانات ملحوظة وسط الأجرام السماوية وابن الإنسان سوف يُرى "آتياً في السحاب من السماء بقوة ومجد عظيمين". وقبائل الأرض سوف تنتحب عندئذٍ كما جاء في النبوءة في زكريا ١٢: ١٠- ١٢ عندما سينظرون إليه، ذاك الذي رفضوه يوماً والذي طعنوه, إذ يُدرِكون في نهاية الأمر أنه الملك, الممسوح, الذي لطالما انتظروا مجيئه.

ثم يُضرب بالبوق العظيم (أشعياء ٢٧: ١٣), وستجمع الملائكةُ المُختارين من كل أصقاع الأرض, أولئك الذين سيكونون قد اقتبلوا رسالة الملكوت في زمن الامتحان ذاك وهكذا يكونون مستعدين للترحيب بالملك لدى عودته. هذا ليس نفس الحادث الذي يتحدث عن الاختطاف في ١ تسالونيكي ٤. فهناك القديسون الأحياء والأموات سوف يتغيرون ويُقامون من القبر, ويُختطفون لملاقاة الرب في الهواء. ولكن عندما ينـزل ابن الإنسان إلى الأرض فإن هؤلاء المختارين سيكونون مجتمعين من أربع الرياح ليستقبلوه كملك ومخلّص لهم. وهكذا فبعد زمان طويل سيُقام عرش داود ثانية في أورشليم, والناموس سيطلع من جبل صهيون, حيث المسيح نفسه سيسود في البِرِّ لألف سنة مجيدة, كما نعلم من رؤيا ٢٠.

في القسم التالي يعطي الرب إجابة على السؤال: "مَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ"؟

"فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصاً وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً مَتَى رَأَيْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ. اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (الآيات ٣٢- ٣٥).

إن العلامة المميزة لاقتراب وقت ظهور ابن الإنسان هي تبرعم شجرة التين. إن شجرة التين هي رمز لبني إسرائيل كشعب. إن ذلك الشعب الذي كان قد اعتبره الله شعب عهده قد تفرقوا وتبعثروا عبر القرون في أرجاء الأرض المختلفة وما عاد لهم وجود مشترك كشعب. عندما تبرعم شجرة التين وتعطي أوراقاً خضراء فإنها تُعلن بذلك قرب عودة ذاك الذي كانوا يعترفون به على أنه المسيا والملك. لقد تحولوا الآن إلى الجحود وعدم الإيمان، كما تنبأ الكتاب المقدس، وستكون لديهم في المستقبل فرصة للتجدد. إذا تجلت الحياة الجديدة في براعم شجرة التين فإن هذا سيعني اقتراب البركة لبني إسرائيل واقتراب ساعة الاختطاف.

لاحظوا كيف أن الآية ٣٣ تتحدث عن شعب الله اليوم كما وعن البقية من بني إسرائيل في الأيام المستقبلية. "مَتَى رَأَيْتُمْ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ".

إن عودته أكيدة لأن كلمته لا تسقط أبداً. ربما تزول اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَلَكِنَّ كَلاَمه لاَ يَزُولُ أبداً.

إن عدم المعرفة وعدم اليقين بخصوص موعد مجيئه الثاني الفعلي هو أمر حقيقي، وهو الأساس للكلمات التحذيرية التي تلي:

"وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ. وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ﭐِثْنَتَانِ تَطْْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى" (الآيات ٣٦- ٤١).

إن مقارنة العالم السابق للطوفان مع ذاك الذي سيكون موجوداً لدى عودة الرب تنفي الفكرة التي أطلق عديدون لها العنان ونشروها في أن كل البشر سيهتدون قبل مجيء ذلك اليوم. هكذا توقُّع ما هو إلا حلم عديم الجدوى ليس له ما يؤيده في التعليم الكتابي. كما كان الحال في أيام نوح هكذا ستكون أيضاً لدى مجيء ابن الإنسان. ففي الأيام التي سبقت الطوفان كان الناس يعيشون بلا مبالاة ومنغمسين في ذواتهم. وكان الفساد والعنف يملأ الأرض. ورُفضت رسالةُ الله التي أعطاها عبر نوح بازدراء كحكاية لا قيمة لها. وإذ كانوا غير منتبهين إلى المخاطر، جاء الطوفان ودمرهم جميعاً. هكذا ستكون الحال أيضاً عند مجيء الرب.

في ذلك الوقت يكون اثنان يعملان في حقل، أحدهما مؤمن والآخر غير مؤمن. فالأخير يُؤخذ بالدينونة؛ والثاني يُترك ليدخل الملكوت ويتمتع ببركاته. على نفس المنوال ستكون حال امرأتين تطحنان الذرة لأجل وليمة الصباح. هذا المقطع غالباً ما يطبق على الفصل عند الاختطاف، وهو ممكن أن يُستخدم هكذا تماماً. ولكن في تلك الحالة علينا أن نفهم أن البار سيُختطف لملاقاة الرب في الهواء، والآخر يُترك ليتحمل دينونة فترة الضيقة.

ما من أحد يمكن أن يعرف مسبقاً بموعد رجوع ابن الإنسان تماماً. ولذلك يتعين على الجميع، الذين يعيشون في ذلك اليوم من المحنة أن يكونوا محترسين متيقظين دائماً وأبداً لئلا يأتي كلصٍ في الليل.

في الآيات الختامية من هذا الأصحاح يتم التركيز على المسؤولية لنعيش لله ونشهد للمسيح بينما نحن نترقب وننتظر مجيئه.

"فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا! اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. وَلَكِنْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى. يَأْتِي سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ»" (الآيات ٤٥- ٥١).

إنها مسؤولية كبيرة أن تُؤتَمن على حقيقة إلهية بأي شكل من الأشكال. إن ما يُعطى هو ليس لإعلامنا نحن فقط بل ليتم نقله إلى الآخرين. "ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِيناً" (١ كورنثوس ٤: ٢). أولئك الذين عرّفهم الرب على هدفه ومشوراته مدعوون لأن يسلكوا كوكلاء أمناء على نعمة الله المنوَّعة المُعطاة لهم، فيشاركون عائلة الإيمان بالغذاء الروحي لتشجيعهم وتنويرهم. إن الخادم الذي يتحمل مسؤولياته على الدوام على هذا النحو سيُكافأ كما يستحق في يوم استعلان الرب. ولكن إن حاول أحد أن يستخف بالحقيقة، فيعتبر أن مجيء السيد مؤجلٌ، ويحيا بشكل أناني، مُبديا روح التكبر والتسلط، فإنه سيضطر أن يواجه القاضي الديّان في تلك الساعة غير المتوقعة، وسوف ينال نصيبه مع المنافقين والمرائين. هكذا خادم زائف ليس ابناً حقيقياً لله على الإطلاق، ولكنه مع ذلك سيُدان بحسب الاعتراف الذي أقرَّ به. إنه أمر خطير أن يستخدم المرء معرفته لحقيقة الله لأجل الغنى الأناني، بدون مبالاة بأولئك المحتاجين الذين دُعيَ لخدمتهم.

إن كل خدمة يجب أن تكون من منظار المجيء الثاني للملك عندما سيأخذُ كلُّ الخدام المخلصين أمكنتَهم المعيّنةَ لهم في الملكوت بحسب درجة تكرسهم خلال يوم الشهادة.