الأصحاح ١
سلسلة نسب الملك وولادته
"كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ". يبدأ متى إنجيله بذكر سلسلسة نسب ربنا من إبراهيم إلى يوسف. ولكن هذه لم تكن سلالة الدم. لقد كانت السلالة الملكية, وحملت معها الحقوق بالعرش. فكابنٍ لإبراهيم, ربنا هو النسل الموعود الذي ستتبارك به كل أمم الأرض (تكوين ٢٢: ١٨). وكابنٍ لداود, هو الملك الذي سيملك بالبر على عرش داود (أشعياء ٩: ٦, ٧). إن تحدره الحقيقي من داود كان من خلال أمه, مريم, التي كانت ابنة هالي ١, ولكن تزوجت من يوسف قبل أن يُولَدَ ابنُها القدوس, وهكذا تُعطيه حقاً شرعياً كاملاً بالعرش, رغم أن اللعنة التي على يَكُنْيَا (إرميا ٢٢: ٣٠) لن تحول دون تملّكه له لكون كان فعلياً ابن يوسف.
لسنا في حاجة لأن نقتبس كل سلسلة النسب هنا لأن الطالب المجتهد يمكن أن يُشير إليها بيسر. نلاحظ الآية ١٧: "فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً ومن دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً". هذه الآية تلخّص كل سلسلة النسب, فتقسمها إلى ثلاث مجموعات يتألف كل منها من أربعة عشر جيلاً. لكي يفعل ذلك, فقد حذف أسماءً محددة، وفي المرحلة الأخيرة ينبغي اعتبار اسم مريم هو الجيل ١٤, ما لم نعتبر, كما اقترح البعض, أن ولادة يسوع هو الجيل ١٣ والمجيء الثاني للمسيح هو الجيل ١٤.
لفت آخرون الانتباه إلى وجود أسماء خمس نساء في اللائحة, وهذه ما كان لأي مؤرخ يهودي أن يرغب في الاعتراف بها بشكل طبيعي. وهؤلاء هن: ثامار, التي يدون الأصحاح ٣٨ من سفر التكوين قصتها المخزية؛ وراحاب المومس, الأممية, والتي صارت زوجةً لأمير إسرائيلي رغم أنها امرأة ذات شخصية شريرة؛ وراعوث المؤابية, والتي هي أيضاً غريبة من وسط أممي, دخلت هذه السلالة الملكية فقط من خلال زواجها حسب العادات من بوعز, أقرب أقرباء زوجها السابق المتوفي؛ وبتشبع, التي تُذكر تحديداً على أنها المرأة "التي لأوريا", ما يُذكّرنا بفشل داود المريع؛ وأخيراً, وأحلى الجميع مريم العذراء الناصري, المرأة التي لطالما حاول اليهود غير المؤمنين أن يطعنوا باسمها الجميل, لأنها صارت أُمَّ يسوع بشكل خارجٍ عن الترتيب الطبيعي.
يا لها من قائمة أسماء! لكي تُخبرنا عن النعمة التي في قلب الله الذي, في سيادته, اختار أن يُدخل هؤلاء النساء الخمس إلى سلالة الوعد. إن اسم تامار غير العفيفة, وراحاب, وبتشبع, تُخبرنا عن الرحمة التي تصل إلى أكثر الناس إثماً وفساد خُلقٍ. وإن اسم راعوث الملكي والمكرس, والذي هو غريب مع ذلك, يُشير إلى النعمة الفاعلة رغم الحظر المفروض على الموآبيين (تثنية ٢٣: ٣-٦). وعندما نفكر باسم مريم الأم العذراء فإننا نعبد الله الذي أعطانا ابنه القدوس والمبارك من خلالها كأداة بشرية.
نأتي الآن لنتمعن في ولادة الملك, التي نقرأ عنها في الآيات ١٨ إلى ٢٥:
"أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ القَائِل: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ".
"قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا". إن الكتاب المقدس واضحٌ بخصوص الولادة العُذرية ليسوع. كانت والدته, مريم, مخطوبة ليوسف, ولكنها لم تكن قد تزوجت بعد به عندما علم أنها كانت ستصير أماً من خلال تدخل مباشر من الروح القدس بمعزلٍ تماماً عن التوالد الطبيعي. "أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً". لو لم تكن مريم عذراء, فإن العقوبة في مثل حالتها, بحسب الناموس, كانت الموت. لقد فكّر يوسف بأن ينقذها من هذا. "لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ". إن السر العظيم للتجسد قد كشفه الملاك ليوسف. "وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ". إن "يسوع" هو الإسم في اليونانية, ويقابله "يشوع" في العبرية, والإسم يعني "يهوه المخلّص". "وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ". هذه عبارة مميزة في هذا الإنجيل, تُستخدم غالباً لأن الهدف أو الفكرة الرئيسية عند الكاتب المُلهَم هي أن يُظهر أن يسوع هو المسيا الموعود في الأنبياء. "وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ .... اَللَّهُ مَعَنَا". لقد تنبأ أشعياء بهذا قبل حوالي سبعة قرون من تحقيقه. الإسم المُعطى هو إعلان عن الإتحاد الأسراري الغامض بين اللاهوت والناسوت في ابن العذراء (أشعياء ٧: ١٤). "أَخَذَ امْرَأَتَهُ". لقد تزوج بها رغم حالتها, لكي تأخذ مكانها في إسرائيل كامرأة متزوجة قبل أن تصبح أمّاً. "وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ". إطاعةً منه لأدقّ التفاصيل, بتسمية الطفل "يسوع"، برهن يوسف على حقيقية إيمانه.
إن الاسم "يسوع" كما أشرنا سابقاً, هو المقابل العربي للكلمة اليونانية ( Iesous ) والتي هي المرادف للكلمة العبرية ( Joshua ) - "خلاص الرب" (خلاص يهوه). حمل كثيرون هذا الإسم (العبري) قبل مجيء المخلّص إلى هذا العالم, ولكن هذا الإسم ما كان شائعاً بالشكل اليوناني. ونقرأ عن "يَسُوعُ الْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ" في كولوسي ٤: ١١. ولكن طوال كل القرون ومنذ تجسد, وموت, وقيامة ربنا المبارك, برز ذلك الإسم متميزاً عن أي إسمٍ آخر. بالنسبة للمسيحيين, إنه اسم فوق كل اسم تجثو له كل ركبة. وإذ اتخذ هذا الاسم هنا على الأرض, فإنه (الرب) سيحفظ هذا الاسم "يسوع" إلى كل الأجيال الآتية. إن الآيتين الساطعتين اللتين أعلنتا مجيئه المستقبلي (أعمال ١: ١٠, ١١) تحدثتا عنه على أنه "يَسُوعَ هَذَا" (أي يسوع نفسه). وفي رؤيا ٢٢: ١٦ يقول: "أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ". وتجاوباً مع رسالته الأخيرة من السماء, أجاب الرائي (يوحنا): "«نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ" (رؤيا ٢٢: ٢٠). ولكن هذا الاسم سنعرفه طوال حياة أبدية سعيدة, إضافة إلى أننا نعرفه هنا على الأرض على أنه هو مخلّصنا نفسه, يسوع, الذي افتدانا لله بدمه.
١. أعتقد أن هذا خطأ في الطباعة وليس خطأ عند هنري أيرونسايد. فهالي هو اسم والد يوسف (لوقا ٣: ٢٣), أما مريم العذراء فهي ابنة يواكيم وحنة [فريق الترجمة].