توزع المحتويات في سفر الرؤيا:

جزءان - ثلاثة تقسيمات – قسمان – مقاطع اعتراضية
النبوءة الشهيرة بـ ٧٠ أسبوعاً أو ٤٩٠ سنة:
الأوقات – الأيام – الأشهر – الأسبوع السبعون
الأشخاص الست الرئيسيون في الأزمة القادمة:
التنين العظيم – الوحش – ضد المسيح – ملك الشمال – ملك الجنوب – آخر قيصر لروسيا

توزع محتويات سفر الرؤيا
"الإعلان"- رفع الحجاب.

لقد كتب ورأى الرؤى يوحنا الحبيب في جزيرة بطمُس حوالي العام ٩٦ ميلادية.

جزءان:

نجد سفر الرؤيا مؤلفاً من جزأين متساويين متمايزين.

١- من الأصحاح ١ إلى الأصحاح ١١: ١٨، والذي فيه نرى الحالة العامة للأشياء والأحداث المرسومة نبوياً من نهاية القرن المسيحي الأول إلى بداية الحالة الأبدية. قارن: "أَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ الأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا" (١١: ١٨) مع "رَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ" (٢٠: ١٢).

٢- من الأصحاح ١١: ١٩ على الأصحاح ٢٢: ٢١، الذي نرى فيه تفاصيل مرتبطة ببني إسرائيل والعالم المسيحي في الأزمة المستقبلية الرهيبة من تاريخهم.

ثلاثة تقسيمات:

عن تقسيم النبوءة المثلث الجوانب نلاحظه في الأصحاح ١: ١٩. هذه الآية هي مفتاح تفسير وفهم السفر. إنها تحتوي على الماضي، والحاضر، والمستقبل.

١- "اكْتُبْ مَا رَأَيْتَ". هذه تُشكل رؤيا بحد ذاتها، مشتملة ضمناً على الآيات ١٠- ١٨، والتي يكون فيها المسيح وسط السَّبْع الْمَنَاير الذَّهَبيَّة كموضوع مركزي. إذاً هنا نجد الماضي.

٢- "اكْتُبْ.... مَا هُوَ كَائِنٌ". هذه مشتملة في الأصحاحات ٢ و٣، والتي ننتبع فيها الكنيسة المعترفة عبر مراحل مؤقتة متتالية من تاريخها، من انحطاطها (الأصحاح ٢: ٤) وحتى رفضها (الأصحاح ٣: ١٦). وبالتالي نجد هنا الحاضر.

٣- " اكْتُبْ.... مَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هَذَا"، أو بعد هذه الأشياء. هذا الجزء يبدأ بالأصحاح ٤، ويمتد حتى الأصحاح ٢٢: ٥. وهذا بشكل جوهري هو الجزء النبوي من السفر. وبالتالي الحديث هنا يكون عن المستقبل. وهنا نجد الحديث إذاً عن الأختان، والأبواق، والجامات؛ وبابل، والزواج، والملك، الخ.، فهذه كل منها وجميعها هي في المستقبل.

اثنا عشر قسماً:

هناك اثنا عشر قسماً تتوزع عليها كل محتويات سفر الرؤيا، وهذه ستُسهل علينا دراسة السفر كثيراً إذا ما انتبهنا عليها وتمكننا منها.

١- مدخل عام، (١: ١- ٩).

٢- المسيح في المجد الإداني وسط الكنائس الآسيوية السبعة، (١: ١٠- ١٨).

٣- الكنيسة في اعترافها كشاهد لله على الأرض. انفصالها المتنامي عن المحبة والحق، (الأصحاحات ٢، ٣).

٤- القديسون السماويون المتواجدون والممجدون، بمن فيهم المشتملون في ١ تسا ٤: ١٥، ١٧؛ الأصحاحات ٤، ٥.

٥- الأختام السبعة التي يفتحها الجمل على التعاقب، الأصحاحات ٦- ٨: ١. الأصحاح السابع هو مقطع اعتراضي ذو أهمية خاصة.

٦- الأبواق السبعة تُطلق بشكل متعاقب من قِبل الملائكة، الأصحاحات ٨: ٢- ١١: ١٨. ها هنا الإمبراطورية الرومانية المنتعشة هي في طليعة هذه النبوءات الإدانية.

٧- ثلاثة مصادر (الأصحاح ١٢)، ممثلان (الأصحاح ١٣)، وسبع نتائج (الأصحاح ١٤)، الأصحاحات ١٢- ١٤.

٨- جامات غضب الله السبعة التي تنسكب على التعاقب، الأصحاحات ١٥، ١٦. التعاملات الختامية لله مع الإمبراطورية، وشعب إسرائيل، والأرض.

٩- بابل، الرمزية، في ارتباطاتها السياسية والكنسية، ودمارها الكامل، الأصحاحات ١٧، ١٨.

١٠- التسلسل التاريخي من سقوط بابل وحتى الحالة الأبدية، ابتداءً من الابتهاج في السماء، وختاماً بصورة البؤس الأبدي في بحيرة النار، الأصحاحات ١٩، ٢١: ٨.

١١- عروس الحمل في أُبهتها السيادية والألفية. تذوق للحب، والحياة والجمال إلى الأبد، الأصحاحات ٢١: ٩- ٢٢: ٥.

١٢- تحذيرات، وتهديدات، وتشجيعات، الأصحاح ١٢: ٦- ٢١.

التسلسل التاريخي الزمني:

يكشف لنا الأصحاح ٢ و٣ التاريخ الأخلاقي للكنيسة في حقباتها المتعاقبة في تاريخها، منذ نهاية القرن الميلادي المسيحي الأول، وانتهاءً برفضها النهائي. ثم نجد في الأصحاحات ٤ و٥ التسلسل للأحداث التاريخية حتى هذه اللحظة طالما أن السماء وليست الأرض مشهد الحدث، والقديسين السماويين وقد رُفعوا إلى ديارهم في الأعلى. حقيقة الاختطاف لا تُذكر في سفر الرؤيا، ولكن يُفترض أنها تكون قد حدثت في الفترة بين الأصحاح ٣ و ٤. يكشف لنا بولس موضوع الاختطاف، ويتابع يوحنا مفترضاً أنه قد حدث. ولذلك فإننا نضع اختطاف القديسين بعد دمار الكنيسة كما نرى في الأصحاح ٣ ، وقبل المجد الذي يُشهد له في الأصحاح ٤.

التاريخ على الأرض إذاً يبدأ من جديد من نهاية الأصحاح ٣، ولكنه تاريخ العالم المُرتد- شعب إسرائيل، والإمبراطورية الرومانية المرتعشة من جديد، والعالم الجديد عموماً. هذا سنجده في الأصحاحات ٦، ٨، ٩، ١١: ١٤- ١٨؛ ١٥: ٥؛ ١٦: ٢١؛ ١٩: ١١- ٢١: ٨.

مقاطع اعتراضية:

هناك ستُ مقاطع اعتراضية مميزة بارزة في السفر، وهي كما يلي:

١- الأصحاح ٧، بين الختمين السادس والسابع.

٢- الأصحاحات ١٠، ١١: ١- ١٣، بين البوقين السادس والسابع.

٣- الأصحاحات ١١: ١٩- ١٥: ١- ٤، بين إطلاق البوق السابع وسكب جامات الغضب.

٤- الأصحاحات ١٦: ١٣- ١٦، بين الجامين السادس والسابع.

٥- الأصحاحات ١٧- ١٩: ١- ١٠، بين سكب الجام السابع والمجيء الشخصي للرب بقوة ومجد.

٦- الأصحاحات ٢١: ٩- ٢٢: ١- ٥، بين وصف الحالة الأبدية والقسم الختامي من السفر. إن المقطع الاعتراضي الأطول هو الثالث والذي فيه نجد الأصول المخفية للخير والشر كما تتبين أو تتكشف لنا في الأصحاح ١٢، والعملاء والأدوات الرئيسية للشر المذكورة في الأصحاح ١٣، وما ستكون عليه نتائج من نعمة وإدانة كاملة يأتي ذكرها صراحة في الأصحاح ١٤.

ملاحظات عامة:

الجزء النبوي على نحو دقيق من سفر الرؤيا يبدأ من الأصحاح ٦ وينتهي بالآية ٥ من الأصحاح ٢٢.

إن الأحداث المرتبة تاريخياً تحت الأختام، والأبواق، والجامات، تحدث بعد الاختطاف وقبل ظهور الرب في المجد. سيكون من المستحيل أن نفهم الرؤيا أو الإعلان إن لم نرَ هذا بشكل واضح.

ما من تاريخ يمكن تحديده بالنسبة لبدء الأختام. الإمبراطورية الرومانية قد تتشكل إبان فتح الأختام الواحد تلوى الأخرى. الإمبراطورية يُعترف بها على أنها موجودة تحت الأختام. وقد يحدث تحت آلام الختم السادس (الأصحاح ٦: ١٢- ١٧) أن الإمبراطورية تبزغ من الفوضى العامة، ولكننا لا نستطيع أن نعلن ذلك بشكل مؤكد.

الأبواق الأربعة الأولى (الأصحاح ٨) تتعلق بشكل خاص بالعالم الروماني وأبواق "الويلات" الثلاثة تعلن الدينونة على التوالي على الشعب الإسرائيلي المرتد، والشعب المسيحي المرتد، وعلى العالم الأثيم. الأبواق تلي الأختام، والجامات تتبع الأبواق. دينونات الأختام تكون خفيفة نسبياً ولكنها واسعة الانتشار، ولكن باستثناء وحيد (الأصحاح ٦: ٨). تأديبات الأبواق تكون أثقل في طبيعتها؛ الأبواق الأولى محدودة أكثر في بقعتها، بينما البوقين الأخيرين فيهما دينونتين أو "ويلين".

الجماعة المستشهدة في يهوذا الذين هم على بحر زجاجي يعزفون وينشدون لافتون للنظر في الأصحاحات ١٤: ٢؛ ١٥: ٢- ٤.

الجماعة المصونة من يهوذا على جبل صهيون وحدها يمكنها أن تتعلم نشيد إخوتهم في الأعلى، الأصحاحات ١٤: ١- ٥.

الجماعة المختومة من بني إسرائيل (الأصحاح ٧) لا يُقال أنها تبزغ من الضيقة، وهي جماعة متميزة عن تلك التي نجدها في الأصحاح ١٤. الآلاف المئة والأربعة والأربعون التي نسمع عنهم في الأصحاح ٧، هم جميع بني إسرائيل، بينما المئة وأربع وأربعون ألفاً في الأصحاح ١٤ هم من يهوذا فقط.

الجزء المرتد من بني إسرائيل نراه بشكل خاص في الأصحاح ٩: ١- ١١. وهكذا فإن كل بني إسرائيل يُحاسبون بالكامل.

النبوءة الشهيرة المتعلقة بالأسابيع السبعين أو الـ ٤٥٠ سنة.
(دانيال ٩: ٢٤- ٢٧).

جماعة اليهود والمسيحيين على حد سواء يخطئان في فهم هذه النبوءة المشهورة. يكمن الخطأ في عدم فهم أو إدراك أن الأسبوع الأخير أو الأسبوع السبعين هو في المستقبل لا يزال، وأن فاصلاً زمنياً طويلاً، دام أحدها لقرابة ألفين سنة، سيفصل بين نهاية الأسبوع الـ ٦٩ وبدء الأسبوع السبعين، وأيضاً أن النبوءة تتعلق بأورشليم والشعب اليهودي. لم يكن الرسول في حاجة إلى أن يكتب عن الأزمنة والأوقات للمسيحيين من أصل أممي (١ تسالونيكي ٥: ١). النبوءة نفسها تُعلِّم بوضوح أن هناك فاصلاً زمنياً كبيراً جداً بين آخر أسبوعين.

ننتقل إلى كلمات النبوءة بشكل كامل، ونضيف تعليقاً هنا وهناك بغاية الإيضاح والتفسير.

"سَبْعُونَ أُسْبُوعاً (٤٩٠ سنة) قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ (اليهود) وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ (أورشليم) لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ (ست بركات). فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا (نحميا ٢) إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ (متى ٢١) سَبْعَةُ أَسَابِيعَ (٤٩ سنة) وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً (٤٣٤ سنة) يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً (إضافة إلى السبعة) يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ وَشَعْبُ (الرومان) رَئِيسٍ آتٍ (القرن الصغير في الأصحاح ٧) يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ (أورشليم) وَالْقُدْسَ (الهيكل) وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا وَيُثَبِّتُ (الرئيس الروماني) عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ ("كثيرين" أي مجموعة من الناس) فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ (سبعين سنة) وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ (الرئيس) الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ (العبادة الوثنية) مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرَّب (أي المُخرِّب)".

لمن تشير النبوءة إذاً- أللمسيحيين أم لليهود؟ لاشك أنها تشير إلى هؤلاء الآخرين (اليهود). إن شعب دانيال (اليهود) ومدينته (أورشليم)- اليهود وأورشليم- هما موضوع هذه النبوءة (الآية ٢٤). في رسالة تلقاها قبل بضعة سنوات من أحد التلامذة المتميزين في الكلمة النبوية، حثَّ هذا الطالب الكاتب على أن يدرس بعناية النبوءة المعروفة المتعلقة بالسنوات السبعين، بحيث تُعتبَر كـ "مفتاح لكل النبوءة". إن الأسبوع السبعين لا يزال في المستقبل. النصف الختامي منه يتم الحديث عنه بشكل متفرق على أنه مؤلف من ٤٢ شهراً، أو ١٢٦٠ يوماً- وقت، أوقات، ونصف وقت. إنه تلك الفترة الجديدة التي يشير إليها الجزء المركزي الأوسط من الرؤيا، وهو مقطع هام وشيِّق للغاية، وبالتأكيد هناك حاجة لأن نفهم إذا ما كانت النبوءات ستُفهَم بالروح. خلال هذه الأسابيع السبعين أو الـ ٤٩٠ سنة يجري تحقيق المخطط أو البرنامج النبوي.

هل الأسابيع هي فترات من أيام أم من سنين؟ كل علماء الدراسات واللغة العبرية المؤهلين الأكّفاء يقولون أن "الأسبوع" يُشير إلى "سبعة"، سواء سبعة أيام، أو سنين، أو فئات زمنية أخرى. إنه بالبساطة "سبعون سبعة". يقول العالم تريغيلِس: "أتحفظ على كلمة "أسبوع" لأجل الملاءمة، وليس بالضرورة أن يكون سبعة أيام بالمعنى العبري للكلمة". من الواضح أنها تشير إلى أسابيع من السنين من جهة النبوءة.

في (١٠: ٢) لدينا أسابيع من الأيام؛ وفي هذا الذي أمامنا أسابيع من السنين. ولكن سؤالاً هاماً آخر يواجهنا: متى بدأت الأسابيع السبعون أو الـ ٤٩٠ سنة؟ إن الكتاب يخبرنا أنها كانت "مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا". والآن، في أسفار عزرا ونحميا لدينا عدة مراسيم أو أوامر، ولكن واحداً فقط يشير إلى بناء أورشليم، أما الأخرى فتشير إلى الهيكل. هذه الوصية الخاصة أو الأمر الخاص هو ما تشير إليه النبوءة، وسنجد تدويناً كاملاً لها في السفر التاريخي الأخير من العهد القديم- نحميا، الأصحاح ٢. هذا الأمر وُضع قيد التنفيذ في السنة العشرين من حكومة أَرْتَحْشَسْتَا الملك. وبالتالي فهنا لدينا البداية الدقيقة للسبعين أسبوعاً- العام ٤٥٥ ق.م . 1

ولذلك فإن النبوءة مقسمة على الشكل التالي:

١- سبعة أسابيع، أو ٤٩ سنة، فيها انهماك بإعادة بناء المدينة (انظر نحميا ٢)، التي دمرّها المستبد العالمي نَبُوخَذْنَصَّرَ- الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ (دانيال ٢: ٣٨)، والأسد وسط الوحوش (٧: ٤). أسفار نحميا وعزرا تعطينا تاريخ هذه الفترة، أو "ضِيقِ الأَزْمِنَةِ".

٢- اثنان وستون أسبوعاً، أو ٤٣٤ سنة، بدأت من إعادة بناء المدينة، واستعادة حكومتها الاجتماعية والكنسية، التي استمرت ٤٩ سنة، حتى الْمَسِيح الرَّئِيس. ولذلك، من أمر أَرْتَحْشَسْتَا في العام العشرين من فترة حكمه (نحميا ٢) الذي يقضي بإعادة بناء أورشليم حتى دخول الظافر للمسيح كمسيّا إلى أورشليم (متى ٢١) لدينا الفترتين السابقتين مضاعفتين؛ وفي مجموعها ٤٦٣ سنة.

٣- أسبوع، أو سبع سنين، للمستقبل. هذا الزمن الشيّق، الذي يبدأ فيه إنهاء آلام يهوذا، يبدأ بعد زوال الكنيسة، وبعد استرجاع يهوذا (أشعياء ١٨). كل النبوءة، بشكل أو بآخر، تتمركز في طابعها الأخير حول هذه الأزمة اللافتة. إنه أسبوع تجري فيه أضخم الحوادث التي عرفها العالم، من النواحي السياسية وغيرها.

٤- منتصف الأسبوع ذي السبع سنوات، أو بعد ثلاث سنوات ونصف. هذا الأسبوع الأخير يُقسم إلى قسمين متساويين. تركيز القارئ في أسفار دانيال والرؤيا يتركز على تاريخ النصف الثاني من الأسبوع. النصف الأول سيتميز بسلام عام، والآخر بالاستعداد للجيشان المريع لتجديف الشيطان وقوته وقسوته، الذي يميز النصف الأخير من الأسبوع. إن تاريخ السنوات الثلاث ونصف الأولى ليس مكتوباً، لا عند النبي العبري ولا عند كاتب سفر الرؤيا.

الأزمان والأيام والأشهر

الزمن هو سنة (للتأكد من ذلك انظر دانيال ٤: ١٦- ٣٧)؛ والأوقات، سنتين؛ تقسيم الوقت، أو نصف الوقت، يرمز إلى نصف سنة؛ الأشهر تعني ٣٠ يوماً؛ والأيام هي أيام حرفية مؤلفة كل منها من ٢٤ ساعة. هذه الفترات تشير إلى نفس الوقت، أقصد النصف الأخير من الأسبوع السبعين. إنها تغطي فترة الضيقة. وسنلاحظ أنه في رؤيا ١١: ٣ و١٢: ٦، يتم الحديث عن أيام وليس أشهر أو أوقات، والسبب هو أن الحديث يتناول قديسي الله المتألمين؛ ومن هنا فإن أيام شهادتهم وامتحانهم معدودة بعناية. الأيام هامة بالنسبة له هو الذي يعد شعر رأسنا. ولكن عندما تكون قوة وتجديف العدو الكبير لله وللحمل، وكذلك لمضطهد ذلك الجزء من يهوذا الذي يخاف الله، فإن الحديث يكون عن ملك الغرب ويمكننا أن نضيف الأمميين الظالمين أيضاً، ومن هنا تكون الفترة التي يتحدثون عنها مقتضبة وجيزة مؤلفة من ٤٢ شهراً (الأصحاحات ١٣: ٥؛ ١١: ٢). تُذكر الأيام مرتين عند الإشارة إلى قديسي الله. والأشهر تُذكر مرتين عند الحديث عن عدو شعب الله. و"الأَوْقَاتَ وَالسُّنَّةَ" (الشريعة)، وليس القديسين، هي التي تطأ إلى أيدي القرن الصغير، أو رأس الإمبراطورية الرومانية المنتعشة، "إِلَى زَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ وَنِصْفِ زَمَانٍ" (دانيال ٧: ٢٥). إنه يغضب ويخرّب في العالم الواسع للمسيحيين المعترفين، ولكن بشكل خاص في فلسطين يشعرون بيده الحديدية، ليس ضد الشعب، بل ضد ذلك الجزء من الشعب الذين يخافون الله والذين يشهدون بجرأة لله في تلك الأوقات العصيبة الرهيبة. ضد المسيح سيؤيد مزاعم الملك المتكبر المجدّف، الذي يقوّيه الشيطان الذي أُقصي من السماء إلى الأرض، والذي نقرأ عن ترحيله من هناك في (رؤيا ١٢). وفي (دانيال ٧: ٢٥)، و(رؤيا ١٣: ٥) نسمع عن نفس الشخص ونفس الفترة. استمرار الطور الأخير والشيطاني للإمبراطورية (١٧: ٨) يقتصر على ٤٢ شهراً حرفياً. ومن هنا الـ ١٢٦٠ يوماً من المعاناة، ٤٢ شهراً مؤلف كلاً منها من ٣٠ يوماً تتميز بسطوة الأمميين، ووقت، وأوقات، ونصف وقت من بؤس يهوذا ومذّلتها المتزامنة معها.

خمسة أشهر:

خمسة أشهر من التعذيب (رؤيا ٩: ٥- ١٠). دينونة الجراد تحت صوت بوق الملاك الخامس ستكون مريعة فظيعة، ورغم توكيد هنغستنبرغ على العكس، فإننا نعتقد أن الـ "خَمْسَةَ أَشْهُرٍ" من العذاب هي تلميح إلى الخراب الذي يحدثه الجراد الطبيعي والذي يستمر عادة لخمسة أشهر. إن الإشارة هي إلى فترة محددة وموجزة، ولا تزيد عن خمسة أشهر.

الساعة، اليوم، الشهر، والسنة:

الساعة، اليوم، الشهر، والسنة (رؤيا ٩: ١٥). ملائكة الدينونة مقيدون عند نهر الفرات وسيتم تحريرهم، ليس خلال الوقت المحدد، بل في تلك اللحظة المعينة. ممثلوا الشر هؤلاء كانوا سيُحررون في لحظة معينة محددة. نفس الساعة من اليوم من الشهر من السنة تُلاحَظ. إنها علامة دقيقة من الزمن.

ثلاثة أيام ونصف:

ثلاثة أيام ونصف (رؤيا ١١: ٩- ١١). الأجساد المائتة للشهود الراقدين كجثث غير مدفونة في شوارع أورشليم، والعرضة لنظرات عيون الأمميين القاسية هو مشهد يستمر لثلاثة أيام حرفية ونصف. نلاحظ أن شهادة الشهود تمتد خلال النصف الأخير من الأسبوع غير المكتمل. فعندها يُقتَلون، وبعد عرض جسدهم التشهيري لثلاثة أيام ونصف سيُمنحون قيامة عامة. الأيام النبوية عند دانيال وفي أجزاء أخرى من الرؤيا هي أيام حرفية؛ فلماذا يشكل هذا المقطع المحدد استثناءً؟ هذا مشهد خاص، يقتصر في ملامحه المميزة على أحداث تجري في أورشليم. إن الوحش هو الذي يقتل الشهود في أورشليم.

ألفان وثلاثمئة يوم:

٢٣٠٠ يوم (دانيال ٨: ١٤) هو فترة تاريخية تشير إلى تدنيس الهيكل وسحق الشعب العبراني على يد الملك السوري الشائن الذكر، أنطيوخوس أبيفانيس. ومن الواضح من الآيات ١٧ و ١٩ أنه ستكون هناك فترة تحمل رمزية في الأيام الأخيرة من سيادة الأمميين وسوء حكمهم للجماعة اليهودية المستعادة. أنطيوخوس يرمز إلى عدو اليهود المستقبلي، ملك الشمال.

ألف ومئتان وتسعون يوماً:

١٢٩٠ يوماً (دانيال ١٢: ١١). هذه الأيام تتجاوز بشهر فترة الضيقة والإعاقة المفروضة على العبادة اليهودية. تبدأ بالعلامة المعروفة جيداً والمعينة من الله (متى ٢٤: ١٥)، العبادة الوثنية، التي ستميز بدء مرحلة ختم الآلام للأزمة القادمة. هناك حاجة لشهر إضافي لإكمال دمار أعداء بني إسرائيل. لا يتكلم النبي عن بركة تتعلق بهذه الفترة، إذ أن الدينونة ليس فقط ستمحو مشهد الشر والأشرار، بل إن الناس أنفسهم يجب أن يستعدوا أخلاقياً للمد الكامل للبركة الألفية. وإن الأيام حرفية بالتأكيد.

الأَلْفِ وَالثَّلاَثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاَثِينَ يَوْماً:

١٣٣٥يوماً (دانيال ١٢: ١٢). هنا تضاف ٤٥ يوماً إلى العدد السابق. "طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ إِلَى الأَلْفِ وَالثَّلاَثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاَثِينَ يَوْماً". ولذلك لدينا ٧٥ يوماً حرفياً تُضاف إلى الـ ١٢٦٠ قبل ضمان البركة الكاملة لإسرائيل. يا لها من شهرين ونصف حافلين! قصة الدينونة ستنتهي. "قَذَر بَنَاتِ صِهْيَوْنَ"، غُسِلَ، واستُعيدت عبادة الهيكل في ظل الظروف الجديدة (حزقيال ٤٠)، وتطهر الشعب أخلاقياً من كل النجاسة التي في قلبهم وفي حياتهم؛ وبالتالي "طُوبَى لِمَنْ" ينتظر ويصل إلى تلك اللحظة من البركة العجيبة التي لبني إسرائيل وكل الأرض.

تأخير الأسبوع السبعين من السنوات السبع:

الفاصل الحالي من النعمة والانحطاط اليهودي الحالي متعايشان وينتهيان بانتقال القديسين السماويين، المؤلفين من الأحياء الذين تغيرت حياتهم والأموات القائمين. ثم الأسبوع الأخير، هناك حاجة إليه لإتمام القصة الكاملة للـ ٤٩٠ سنة، يبدأ بعودة الملك الروماني المرتد والشعب المرتد بعد أن يعقدوا اتفاقية متبادلة. يخالف الملك بدافع الغدر المعاهدة في منتصف الأسبوع. وتنشأ الضيقة العظيمة بكل فظائعها في الحال. ولكن يكفي. يتم إرضاء العرش (أشعياء ٤٠: ٢). وتُختتم السنوات السبع، وأما الشعب القديم، وإذ يتأدب ويخلص ويُبارك، فإنه يدخل إلى الغبطة. سوف لن تغرب شمسها ثانية، وتصبح أورشليم عرش الرب (إرميا ٣: ١٧).

ما لم يُرَ هذا الدهر التدبيري قد أخذ مكانه بين الأسبوع الـ ٦٩ والأسبوع الـ ٧٠ من النبوءة، فسيكون هناك بلا شك تخبط وتشوش. إن الفاصل بين هذين الأسبوعين يفسّر الكثير من الأمور.

الأشخاص الست الرئيسيون في الأزمة القادمة:

١- التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ، الحية القديمة، وإبليس، والشيطان- هذه أسماء وألقاب للفحوى المشؤوم- هي التي تقود العتمة الأخلاقية والشر في الأيام الأخيرة التي تسبق عودة الرب بقوة. تركيز الشر الشيطاني على الأرض ناتجاً عن اندلاع الحرب في السماء (رؤيا ١٢: ٧- ٩، ١٣- ١٧)، والشيطان، إذ يُطرد من هناك، يوجّه طاقاته التي لا تكل ولا تمل، ويُوظّف مصادره التي تكاد تكون غير محدودة في دمار الأرض، مالئاً إياها بالألم المضني والبؤس. في مهمته الشيطانية نجد خدامه الفاجرين يؤيدونه بمهارة، الوحش والنبي الكذاب، اللذان هما أشد الناس إثماً عندئذ على وجه الأرض، اللذان يستمدان إلهامهما من الشيطان.

٢- وحش النبوءات الرؤيوية: (الأصحاحات ١١: ٧؛ ١٢؛ ١٣: ١- ٨؛ ١٤: ٩؛ ١٦: ١٧؛ ١٩: ١٩، ٢٠؛ ٢٠: ١٠). القرن الصغير (دانيال ٧: ٧، ٨، ١١، ٢٠، ٢١، ٢٣- ٢٦). هذا القرن الصغير أو الملك هو الرئيس الشخصي للإمبراطورية المنتعشة. القرن الصغير في دانيال ٨ هو شخص مختلف. "رَئِيس آت" (دانيال ٩: ٢٦).

٣- ضد المسيح في رسائل يوحنا ٢: المسيح الدجال (يوحنا ٥: ٤٣). إنسان الخطيئة، ابن الهلاك، والشرير أو الأثيم (٢ تسالونيكي ٢). النبي الكذاب (رؤيا ١٦: ١٣؛ ١٩: ٢٠؛ ٢٠: ١٠). وحش آخر (رؤيا ١٣: ١١- ١٧). الملك (دانيال ١١: ٣٦- ٣٩؛ أشعياء ٣٠: ٣٣). إنسان من الأرض (مزمور ١٠: ١٨). رجل الدماء والغش (مز ٥: ٦).

٤- ملك الشمال (دانيال ١١). السَّوْطُ الْجَارِفُ (أشعياء ٢٨). آشور (أشعياء ١٠؛ ١٤، ٢٥؛ ٣١: ٨). مَلِكٌ جَافِي الْوَجْهِ (دانيال ٨: ٢٣- ٢٥).

٥- ملك الجنوب: أي ملك مصر (دانيال ١١).

٦- جوج، آخر قيصر في روسيا، ورئيس تحالف الشمال الكير ضد بني إسرائيل. في الأصحاحات ٣٨ و٣٩ من نبوءة حزقيال نقرأ: جوج، وحلفاءه وجيوشه، بخزي يسقطون على جبال إسرائيل. جيوش أغراها الجشع إلى السلب والنهب في إسرائيل، ثم مركز ومخزن ثروة العالم، ولكن جزءاً سادساً يبقى، وهؤلاء يرسَلون عبر كل أراضي الشرق ليعلنوا انتقام الرب من أعداء شعبه، وليُعلموا الناس بحضور الرب وسط شعبه، إسرائيل المخلَّص، الرب هو الذي يحمي إسرائيل السعيد.

الشخصيات السابقة، ما عدا الشيطان رئيسهم، هم من أماكن مختلفة. جوج وملك الشمال يعملان معاً في اضطهاد إسرائيل، والسابق هو الأكثر تمايزاً بينهما. الوحش والنبي الكذاب متحالفان، الأول يسيطر على السلطة المدنية والأخير على السلطة الروحية للشيطان. ملك الجنوب يلعب دوراً فريداً مقارنة بدور أخيه ملك الشمال. الأشخاص الخمسة الذين يُشار إليهم هم أناس فعليون، وليسوا أنظمة، رغم أنهم قد يترأسون أنظمة، وهم لا يمثّلون أشخاصاً متعاقبين بارزين. هؤلاء الرجال الخمسة المتمايزون لديهم أدوار متنوعة محددة لهم في الصراع الآتي بين الخير والشر، النور والظلمة. عوالمهم الخاصة، سواء كان في الغرب ضد المسيح (رؤيا ١٩)، أو في الجنوب الشرقي ضد اليهود (مز ٦٣؛ زكريا ١٤)، خاضعون لكل ما يدركه دارسوا الكتب النبوية. تحديد هؤلاء المرتدين المستقبليين، وتقسيم عملهم وأفعالهم كما هو مخطط لها في البرنامج النبوي، هو أمر ضروري لكل الراغبين في فهم النبوءات بشكل واضح.


١. - "تآريخ وكرونولوجيا الكتابات المقدسة"، ص. ٤٤.

٢. - من أجل تمحيص أكمل انظر الأصحاحات ٩ و ١٣.