الأصحاح ٢

تاريخ الكنيسة من فترة انحطاطها إلى فترة رفضها

ملاحظات حول الخطابات الموجهة إلى الكنائس:

تشير جميع الرؤى الموجودة في سفر الرؤيا إلى المستقبل، ما خلا الأولى أو الافتتاحية، التي لها تطبيق في الوقت الحاضر الحالي. في هذه تتم الشهادة للمسيح وهو في مجده كابن الإنسان وسط الكنائس السبعة (١: ١٢- ١٦). ولكن هل تجاوبت هذه الكنائس في وضعها الفعلي مع المهمة التي خصصها لها الروح القدس لتكون "مناير ذهبية"، وفي الحفاظ على الطابع المقدس لذاك الممجد في وسطهم؟ للأسف، لا. إن الميزات التي اتصفت بها الكنيسة في فجر ميلادها من حيث القداسة والحق والتكرس والترفع عن الدنيويات والقوة والوحدة قد صارت غائبة الآن في غروب أيامها. فقد شعّت لفترة وجيزة كمناير ذهبية ساطعة، ولكنها الآن بالكاد تظهر بصيص نور. الخيانة العلانية الصريحة، التي أخفت نفسها يوماً في قاعة المحاضرات، وبهو العلوم، وفي كرسي البروفسور قد تقيم الآن بحجرية وعلانية في الكنيسة، في منبر الوعظ، وفي قاعة المقدسات ١..

أفسس المسرح القديم

في هذه الرسائل والخطابات، التي استدعتها حالة الكنائس، يتكشف واضحاً موضوع الانحطاط، ومفارقة القلب للمسيح (٢: ٤). وبنتيجة المشاعر الفاترة، فإن التوق إلى عودته شخصياً من السماء آخذة في التضاؤل (متى ٢٤: ٤٨)، ولذلك فإن الباب مفتوح للعدو ليدخل. تاريخ الكنيسة الخارجي كما يوصف هنا قد تم تأكيده بإسهاب في الروايات المعاصرة. في الماضي كان باب الكنيسة مدعم بمزلاج ومغلق عليه بقوة ضد دخول الشر والشيطان؛ أما الآن فعرش الشيطان وسكناه هما في الكنيسة نفسها (٢: ١٣، ٢٠: ٢٤). العتمة الأخلاقية سرعان ما تستقر في هذه الأراضي الممسحنة، ولسنا بعيدين عن أيامه الأخيرة، إذ تتنصل المسيحية من واجباتها. عندما يتخلى المسيح عن الكنيسة كإناء نور خاص له وشهادة له تصبح الكنيسة عرضة بشكل خاص للدينونة الإلهية.

في الصورة المصغرة لتاريخ الكنيسة كما تصور في هذه الأصحاحات ليس هناك تفاصيل كثيرة، بل نمو لأشكال عامة من الشر. هناك فكرة وحيدة رائدة تبقى ثابتة أمام ناظرينا، ألا وهي علاقة المسيح بحالة الأشياء، مقدماً نفسه لكل جماعة بطابع يناسب حالتها.

مؤرخ "أزمنة الأمم" هو دانيال. ومؤرخ الكنيسة هو يوحنا. الأول جاء لأجل نقل تعليم خاص لشعب دانيال، أي اليهود. أما الأخير فلمنفعة كنيسة الله. التطبيق في هذه الخطابات والرسائل يمتد إلى كل الكنيسة وكل من له أذنان للسمع. المنفعة الروحية المستمدة من الدراسة الجدية والقلبية لهذه الرسائل إلى الكنائس المعينة بالاسم هائلة، وكانت دائماً وأبداً مفيدة للقراء المصلين.

في هذه الرسائل هناك مبدأ يُقدم يحدد حالة الكنيسة الفعلية في أي وقت. تاريخ الكنيسة وتجربتها يأتي بين إعلان موقفها الأصلي في بركة الله الكاملة، ومصيرها النهائي المتعلق بالمسيح في المجد. والآن ماضيها ومستقبلها هو المبدأ الذي تُدان عليه حالياً. يا للتغاير الكائن بين ما كانت عليه الكنيسة وما هي عليه الآن! كم يختلف عنها ذلك المجد الساطع الذي ينتظرها! في الرسائل إلى الكنائس الثلاثة الأولى، تُدعى هذه الكنائس إلى التوبة "من أين سقطت"، بينما في الرسائل إلى الكنائس الأربعة الأخيرة هناك عودة إلى الحالة الأصلية تعتبر مستحيلة، وينشأ الأمل بمجيء الرب، الذي لا يُشار إليه مباشرة في الرسائل الكنسية السابقة.

الرياء والخيلاء في الكنيسة وابتعادها عن محبتها الأولى ميزت خاتمة الحقبة الرسولية- أفسس (٢: ١- ٧). ثم تلتها حقبة الشهداء، التي تودي بنا إلى خاتمة الاضطهاد العاشر والأخير، تحت حكم ديوكليتيانوس- سميرنا (٢: ٨- ١١). تناقص الروحانية وتزايد الاهتمامات الدنيوية سارا جنباً إلى جنب منذ ارتقاء قسطنطين للعرش ومناصرته علناً للمسيحية وصولاً للقرن السابع عشر- برغامس (٢: ١٢- ١٧). إن فترة الكنيسة البابوية التي هي تحفة الشيطان على الأرض، تشهد عليها انتحال السلطة العالمية الكونية والاضطهاد القاسي لقديسي الله. عهد حكمها الشرير يغطي فترة "العصور الوسطى"، الميزات الأخلاقية التي تميزها في حالتها المظلمة. إن البابوية تفسد كل ما تلمسه- ثياتيرا (٢: ١٨- ٢٩). كان الإصلاح هو تدخل من الله بالنعمة والقدرة لشل السلطة البابوية، وليدخل إلى أوربا النور الذي ظل يُشع في أوربا لمدة ٣٠٠ سنة. إن البروتستانتية، بتفرعاتها وجمودها، تظهر بوضوح كم كان يعوزها مثال الله عن الكنيسة والمسيحية- ساردس (٣: ١- ٦). إصلاح آخر، متساوق مع عمل الله، ميز بداية القرن الماضي- فيلادلفيا (٣: ٧- ١٣). الحالة الحاضرة العامة للكنيسة المعترفة التي تتميز بالفتور هي أكثر أمر بغيض ومغث أمكن وصفه على الإطلاق. ولعله يمكن أن نسم هذا الطور الأخير من تاريخ الكنيسة في عشية دينونة فترة الإلحاد- بأنها حالة كنيسة لاودكيا (٣: ١٤- ٢٢).

لاحظوا أن تاريخ الكنائس الثلاثة الأولى مترابط منطقياً، بينما تاريخ الكنائس الأربعة الباقية متداخل، ثم يسير بانسجام عملياً إلى النهاية، إلى مجيء الرب. أمر آخر جدير بالانتباه، ونختم هذه المجموعة من الملاحظات. العنصر الإلهي، الذي يُرمز إليه العدد ثلاثة، هو الفكرة المسيطرة في أول مجموعة من الكنائس، بينما العنصر البشري يدخل بشكل كبير وأكثر في المجموعة الثانية التي يدل عليها العدد أربعة.

خطاب الروح القدس لكنيسة أفسس

(الأصحاح ٢: ١- ٧)

١-"اُكْتُبْ إلَى مَلاَك كَنيسَة أَفَسُسَ". إننا نجد نفس الصيغة من الكلمات تتكرر في مقدمة كل رسالة موجّهة على الكنائس السبع. في ٢: ١ نقرأ "كَنيسَة أَفَسُسَ"، وفي ٣: ١٤ نقرأ "كنيسة اللاَّوُدكيّينَ"، ولكن في ترجمات أخرى، نقرأ صيغة أفضل وأصح وهي "كَنيسَة أَفَسُسَ" و"كنيسة لاودُكية". الكنائس في هذه المدن كانت مؤلفة من المسيحيين المعترفين، وليس من السكان الوثنيين، كل رسالة من الرسائل موجهة على "ملاك" الكنيسة. وفي هذه الرسائل لدينا صوت الروح  القدس إلى الكنائس (الآية ٧، الخ)، وصوت الرب نفسه، ولكنهما لا يتحدثان إليها مباشرة. كتب بولس إلى القديسين في أفسس (أفسس ١: ١). وكتب يوحنا إلى ملاك الكنيسة. لماذا؟ الألفة تميز رسالة الأول. والتباعد يميز الأخير. ومن الأسباب الأخرى لأسلوب الجفاء المستخدم في رسالة يوحنا يتجلى في حقيقة أن الكنيسة كانت قد انحدرت إلى مستوى متدن جداً أخلاقياً حتى أن الرب ما أمكنه أن يخاطبها إلا من خلال ممثليها أو ملائكتها، وهؤلاء ليسوا كائنات روحية، بل بشر.

يكتب البعض، مثل دين ألفورد، مجادلاً في شأن حراسة ملائكة حقيقيين على الكنائس، ويعتبر أن هؤلاء الملائكة الحراس هم الذين يتوجه إليهم الخطاب هنا. ولكن هكذا نظرية تبدو لنا بعيدة عن الواقع ومتعذر إثباتها أو الدفاع عنها. الروح القدس على الأرض والرب في الأعالي يجعلان الكنيسة موضع عنايتهما الخاصة. القوى الروحية في الأماكن السماوية تتعلم من خلالها حكمة الله المتعددة الجوانب (أفسس ٣: ١٠)؛ ودروس أيضاً، عن الطغمات السماوية، تُعطى لهذه الكائنات السماوية (١ كور ١١: ١٠). ولكن عناية الكنيسة عُهد بها إلى أي أعلى وأفض من تلك التي للملائكة. إضافة إلى ذلك، سيكون من السخف أن نفكر بأن الملائكة تخفق في تحقيق واجباتها. إنهم "فَاعِلون أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ" (مزمور ١٠٣: ٢٠)؛ في حين أن الملائكة في الكنائس ملامون عن الحق لأنهم مسؤولون عن الحالة الأخلاقية المتبدية للعيان هنا. ولذلك نسمع الكلمات إلى الملاك أن: "عندي عليك"، "فاذكر من أين سقطتَ وتبْ"، الخ. تبدو متعذرة التطبيق على ملائكة الله الذين يُقال عنهم أنهم "مختارون" و"مقدسون"، ولذلك فهم محفوظون من السقوط. على كل حال، من المفهوم أكثر والشائع أكثر أن القول "ملاك" يرمز إلى أسقف، أو شيخ يتمتع برئاسة. ولكن الكتاب المقدس لا يقدم أي معلومات ولو ضئيلة تشير إلى أسقف أبرشية أو أسقف متقدم في الكنيسة. الشيوخ أو الأساقفة يشيرون إلى نفس الأشخاص (أعمال ٢٠: ١٧، ٢٨). كلمة "شيخ" توجه انتباهنا إلى العمر والخبرة للإنسان، بينما كلمة "أسقف" أو "مشرف" أو "ناظر" فتشير إلى المراقب الروحي. فالإنسان وعمله إذاً يُرمز إليهما باستخدام الكلمات "شيخ" و"أسقف". كان الشيوخ يُصيّرون أساقفة، وكان هناك عديدون من هؤلاء في كنائس متنوعة، كما في أفسس (أعمال ٢٠: ١٧) وفي فيلبي (فيلبي ١: ١). وإن تيموثاوس، وانِسِيمُسَ، ويوحنا كان لديهم الكرامة المشكوك فيها من قِبل رجال الله المفكرين في أن يكونوا بعد عصر بولس الملائكة الجديرون بالاحترام في كنيسة أفسس.

التأكيد على التطبيق الضروري لكلمة "ملاك" على الأسقف أو الشيخ يصير أمراً قسرياً؛ وإضافة إلى ذلك، فإن الرمز الآخر المستخدم للإشارة إلى نفس الأشخاص، أعني "الكواكب" (١: ٢٠)، سيمنع هكذا تطبيق حصري للمعنى. إن "الكواكب" معينة لكي تشرق، ولتعكس نور السماء في ظلام الليل في تاريخ الكنيسة. الشخص الذي يحتل مكانة رسمية أعلى في الكنيسة لا يمكن أن يكون "الكوكب". إننا نعتبر أن ملاك الكنيسة يمثل رمزياً الجماعة في حالتها الفعلية. الفكرة هي التمثيل. ولذلك، ففي هذا السفر، نجد أن للمياه (١٦: ٥)، والرياح (٧: ١)، والهاوية (٩: ١١)، والنار (١٤: ١٨)، لكل منها ملاك يمثلها. وبناء على هذا الرأي، إن ملاك الكنيسة قد يرمز إلى أكثر من شخص واحد. إننا نؤكد على ملاحظة أن التمثيل، ليس الرسمي بل الأخلاقي، هو الفكرة التي يُراد نقلها من كلمة "ملاك" كما تُستخدم في السياق مع الكنائس السبعة. ولذلك، ففي حين أن الروح القدس حاضر في كل كنيسة محلية، والكنيسة هي بالإجمال، فإن كل كنيسة يتم مخاطبتها من خلال ممثلها، وسنكتشف عموماً أن معظم جماعات القديسين هناك هم أولئك يعيشون أخلاقياً في معزل كلي عن المناصب الرسمية.

السَّبْعَةَ الْكَوَاكبَ و السَّبْع الْمَنَاير الذَّهَبيَّة:

١- "هَذَا يَقُولُهُ الْمُمْسكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكبَ في يَمينه، الْمَاشي في وَسَط السَّبْع الْمَنَاير الذَّهَبيَّة". الألقاب الوصفية التي يطلقها المسيح على كل كنيسة تكاد تكون مأخوذة كلياً من الرواية المفصلة التي تتناول شخصه كما يُصور في نهاية الأصحاح الأول. في (١: ٢٠) الكواكب تظهر "على" يمينه؛ وفي (٣: ١) "له" الكواكب؛ ولكن هنا نجد فعلاً أقوى يتم التلميح إليه، فهو "يُمسك" بها. الكواكب هم حملة نور الكنيسة. إنهم يستمدون نورهم منه، وهم خاضعون لسيادته وسلطانه، إذ يمدهم بأسباب الحياة. إنه يرشدها ويتحكم بها ويمسك بها بإحكام. يا لها من قوة أمام الخادم المجرَّب! وكم مناسب المعنى أيضاً بأن السلطة المطلقة للمسيح على جميع المسؤولين عن أن يشرقوا لأجله خلال عتمة غيابه الكالحة يجب أن يتراؤوا عند بدء هذه الصورة المصغرة عن تاريخ الكنيسة في هذين الأصحاحين.

مكان ربنا في الكنيسة (١: ١٣) هو في "الوسط" بين المناير الذهبية السبعة؛ ولكنه هنا يمشي في وسطها، منتبهاً لكل صعوبة يتعرض لها الفرد أو الجماعة. إنه يراقب إذا ما كانت المناير تشرق أو تنير. إنه حاضر لمؤازرة آنية الشهادة. ومعونته متوفرة في الحال في كل ظرف عند الحاجة. سوف لن تجد الكنيسة نفسها أبداً في وضع تحرم منه من خدمة المسيح الفعالة، الذي يسير في الكنائس ووسطها، ملاحظ طرقها، ومانحاً المديح أو اللوم لها. إنه يزين كل منارة، ولكن إن ثبت عدم إخلاصها بالكلية، فإنه قد ينتزع منها تلك المسؤولية على الأرض. إلا أن هذا الطابع من الحق لا يضعف الضمان الأبدي للكنيسة، والتي لن تقوى عليها أبواب الجحيم (متى ١٦: ١٨)، ولن تتمكن من أي عضو منفرد من ذلك الوقت (رومية ٨: ٣٨، ٣٩).

الممتدَحون:

٢، ٣- "أَنَا عَارفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ لاَ تَقْدرُ أَنْ تَحْتَملَ الأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائلينَ إنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذبينَ. وَقَد احْتَمَلْتَ وَلَكَ صَبْرٌ، وَتَعبْتَ منْ أَجْل اسْمي وَلَمْ تَكلَّ". إن الرب يمتدح قبل أن يوبّخ. إنه يحب أن يقدّر ما تكون النعمة- نعمته- قد فعلته في نفوس وطرق شعبه. في هذه الرسائل نجد شهادة عن الكنيسة في مسيرها نحو الانحدار، متحولة من حال سيء إلى حال أسوأ. أما الرب فهو لا يتبدل ولا يتغير. إنه يحب أن يطري على قديسيه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً في أي وقت وفي أي مكان، وإن كانت الأمور تنحرف على اكتمالها وتحقيقها النهائي فإن هذا لا يعيق الإقرار الكامل لعمل الروح القدس في كل مكان وفي كل قديس. إن ثمر الروح يجب أن يُلفت الانتباه أكثر من أعمال الجسد. فكونوا دائماً على استعدادا للاعتراف من القلب وبحماسة وللتعبير بجزالة عن كل ما هو صالح ورائع، خاصة عندما يكون الشر موجوداً.

"أَنَا عَارفٌ"، تتكرر سبع مرات، وتعلن معرفة الرب المطلقة بحالة وظروف شعبه. وعندها يقول: "أَنَا عَارفٌ أَعْمَالَكَ". وفي هذه يتفاوت الناس. ولكن يجب على كل عمل أن يترافق مع الجهد أو "الصَبْر"، أو يكون ثمرة له، كما يجري الحديث هنا. إن الدرس المسيحي الأول هو الصبر (التحمل) (رومية ٥: ٣)، و"الكثير" منه هو أول سمات الخادم الحقيقي لله (٢ كور ٦: ٤). والصبر والتحمل يليه عدم التساهل مع الأشرار. الصبر نحو الضعفاء، المبتلين بالتجارب والمعارضة، لم يجعل الكنيسة لا مبالية تجاه الشر؛ لقد تم استنهاض الطبيعة الأخلاقية. إضافة إلى ذلك، لقد اختبروا ما ادعاه البعض عن توافق مع الرسل، وهذا قاموا به بشكل كامل تماماً لدرجة أن كل ادعاء كاذب قد انكشف على ضوء هذه العلائم التي كانت تميز رسل الرب (١ كور ٩: ٢؛ ٢ كور ١١: ١٢). إن كلمة "جرَّبتَ" تعني "اخترتَ" أو وُضعتَ على المحك (٢ كور ١٣: ٥؛ ١ يوحنا ٤: ١). "وَجَدْتَهُمْ كَاذبينَ". عن الادعاء الذي لا أساس له لهؤلاء المدعين أن لهم مهمة رسولية وسلطة قد نُقض تماماً، والرجال أنفسهم تمّ وصفهم بـ "الكاذبين"، أو كما يقول بولس: "رسل كذبة" (٢ كورنثوس ١١: ١٣).

يا لهذا الإطراء الغير المحدود! إنها إعلانات غنية وافرة كمثل سابقاتها، ومع ذلك فهناك الكثير أيضاً سيلي ذلك. لم يكن هناك تحمل وصبر فقط، بل إنه استمر، "لَكَ صَبْرٌ"، وكان لا يزال كائناً حتى عندما كتب الرسول عبد الله (يوحنا). إضافة إلى ذلك، "تَعبْتَ منْ أَجْل اسْمي". لقد عانوا الكثير، وتعرضوا للتجربة على نحو موجع، ولكنهم جميعاً احتملوا بابتهاج لأجل اسم يسوع المسيح. وبفضل ذلك الاسم نفسه غُفرت خطاياهم (١ يوحنا ٢: ١٢).

وأخيراً، "لم يكلّوا". لم تكن لديهم أي فكرة بالاستسلام أو التخلي خلال صراعهم مع الشر؛ لم يكلوا في جهادهم، ولم يكلوا بسبب هذا النضال. يا لها من صورة جميلة من التكرس تروق للمسيح! ولكن ماذا عن ينابيع هذه الفعاليات المقدسة؟ لا تُذكر؛ ليس لأنهم ضعفاء بالكلية، وإلا ما كانوا لينالون المديح. ما هذه الينابيع الروحية للحياة والفعالية المسيحية؟ إنها واضحة في أول رسائل بولس: "متذكّرين بلا انقطاع عمل إيمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجائكم، ربنا يسوع المسيح، أمام الله وأبينا" (١ تسالونيكي ١: ٣). كان هناك عمل، وتعب، وصبر يُشهد عليه في جماعة أفسس، ولكن "العمل" سيبدو منفصلاً عن "الإيمان"، مصدره الأخلاقي؛ و"التعب"، أيضاً، يظهر وكأنه لا يستمد قوته كاملة من "المحبة"، التي هي فعالية الطبيعة الإلهية، نفس الجو الذي ستعيش فيه الكنيسة والمسيحيين ويعملون؟ وإن "الصبر"، الذي امتُدح أهل أفسس عليه مرتين (٢: ٢، ٣)، لا يُذكر مرتبطاً بـ "الرجاء"، منبعه وطاقة الحياة فيه.

الملامونَ:

٤- "لَكنْ عنْدي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى". ها هنا ينكشف جذر الإخفاق في الكنيسة وعند الأفراد؛ إنه ابتعاد القلب عن المسيح. عن الذهب الصافي صار باهتاً. والوردة أخذت في الذبول. أول ثمرة تُذكر من ثمار الروح هي المحبة (غلاطية ٥: ٢٢)، وتلك كانت قد صارت على صورة باهتة، ومع ذلك ففي أيام بولس كانت كيسة أفسس متميزة بـ "المحبة نحو جميع القديسين"، محبة ولّدتها المحبة. المحبة، جوهر المسيحية الأساسي (١ كور ١٣)، وتاجها أيضاً، ومجدها المميز، عندما تكون هذه ناقصة فإن القدرة الأخلاقية لحياة الكنيسة والأفراد تتلاشى. قد تظهر الأمور جميلة وواعدة ظاهرياً، ولكن وحدها العين الكلية المعرفة يمكنها أن ترى النقص في الداخل، وبرودة القلب تجاه المسيح. "تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى"، كانت هذه هي أول خطوة تخطوها الكنيسة في مسيرة انحطاطها (قارن مع متى ٢٤: ٤٨). فقدان المحبة الصافية أمر خطير، ولا يمكن أن يُكتفى باعتباره أمراً مسلّماً به. "لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ"- لقد تخلّى عن المحبة الأولى. "لَكنْ عنْدي عَلَيْكَ قَليلٌ" (الآية ١٤)- لقد سُمح لبعض الأشخاص للبقاء في وسط الجماعة وهم يتمسكون بتعاليم بلعام، وآخرون يتمسكون بتعاليم النقولاويين. "لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ" (الآية ٢٠)- لقد أعطت إِيزَابَلُ المجال للفساد بتعاليمها البغيضة. لاحظ أنه في كل مثال نجد العبارة "لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ" توضع في تضاد مع التأييد الذي يُمنح بتحفظ.

مهدَّدون بالدينونة:

٥- "فَاذْكُرْ منْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَل الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإلاَّ فَإنّي آتيكَ عَنْ قَريبٍ وَأُزَحْزحُ مَنَارَتَكَ منْ مَكَانهَا، إنْ لَمْ تَتُبْ". إن لدى الرب سبب محدد إيجابي يجعله يتذمر ضد الملاك. "عنْدي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى". إنه الأمر الوحيد الذي تُلام عليه أفسس، ولكن يا لخطورة الوضع! إن تحطم الكنيسة المعترفة القادم، ورفضها العلني والمغث من قِبل المسيح يُتتبع هنا إلى جذره، ألا وهو أن المحبة الأولى قد اندثرت. إن الرب لا ينسى أبداً مسرته بالمحبة الأولى التي كانت لدى شعبه نحوه. "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ" (إرميا ٢: ٢). محبة يهوذا الأولى لا ينساها الرب أبداً؛ محبة الكنيسة الأولى أيضاً يتذكرها الرب بنفس الدرجة، ويرغب بها أيضاً، وهذا هو معنى "أفسس". والآن إن كان يجب تجنب التهديد بالإدانة لابد من أن يكون هناك لـ "المحبة الأولى"، و"الأَعْمَالَ الأُولَى"، ومن هنا فإن اللومين الضروريين لهذه الغاية هما: "اذْكُرْ" و"تُبْ". تذكر السمو الأخلاقي الذي كنتَ عليه يوماً، وتذكر مستويات الحب العالية، "جَبَلِ الْمُرِّ" و"تَلِّ اللُّبَانِ" التي وطئتهما يوماً محبة بذاتك. إلى أي مستوى قد انحدرت. تُب إذاً. احكم على حالة القلب التي قادت إلى أول خطوة في طريق الانحدار. ومن هنا فإن التذكر والتوبة تقدّمان هنا على أنهما العاملان الضروريان للشفاء من حالة الارتداد والفتور. يجب حذف كلمة "سَريعاً". فثمة وقت طويل يُمنح له للتجدد. إزالة السراج كحامل للنور يُضعف مسألة الضمان الأبدي لكل أولئك الذين يبنون على المسيح- صخرة الدهور. إن أردنا الحديث عموماً عن المسألة، يمكننا القول على أن المصابيح التي كانت يوماً ساطعة بإشراق، وخاصة في مدينة أفسس المشهورة، قد أُزيلت من مكانها، وقد حلّت محلها عتمة الإسلام الهائلة التي تحيط بهذه المدن السبع في آسيا. وهناك مثل هذه الإزالة في انتظار المسيحية المعترفة في الغرب. فعدم الأمانة والإخلاص، سواء عند الأفراد أو الجماعات، سوف تُدان، وحالة أفسس الحالية البائسة المعروفة باسم (أغيوسالوك)، هي درس للجميع ليتعلموا منه. هل استمر العالم المسيحي في صلاح الله وبرّه؟ لا، و"ظَلاَماً دَامِساً" سيحلّ على هذه الأراضي، التي كانت يوماً ما ساطعة بنور الإنجيل (أشعياء ٦٠: ٢). بالنسبة إلى التفسير الذي تبنيناه في هذا العرض نعتبر أفسس على أنها تمثل الكنيسة في طور خاص من تاريخها، ألا وهي تلك الحالة الكائنة في نهاية القرن الأول. يسرنا أن نعرف أن المحبة والإيمان كانا مضطرمين نوعاً ما، والمنارة متقدة في كنيسة أفسس، حتى أنها أعطت قوة في المجمع المسكوني الثالث (٤٣١ م) الذي أكد على أعظم الحقائق المسيحية ألا وهي تجسد ربنا. ولكن ساعة الهلاك أتت. وعلى نفس المنوال، مُنحت الكنيسة إجمالاً عدة شفاءات جزئية متنوعة، ولكن مصيرها المشؤوم كان ينتظرها لا محالة.

النُقُولاويون:

٦- "لَكنْ عنْدَكَ هَذَا: أَنَّكَ تُبْغضُ أَعْمَالَ النُّقُولاَويّينَ الَّتي أُبْغضُهَا أَنَا أَيْضاً". الإخلاص العقائدي في كنيسة أفسس ودينونتها التي لا مفر منها بسبب الشر قد صارت أمراً محتوماً (٢: ٣)، أُضيف إليها لوم صريح وشديد (الآية ٤)، وصارت مهددة بالدينونة في نهاية الأمر، دينونة لا يمكن إلا للتوبة وحدها أن تُجنبهم منها (الآية ٥). والآن نجد عرضاً لأحد المواصفات المحددة للشر، التي يبغضها الرب والملاك على حد سواء. غياب المحبة يُرثى له، وأما الكراهية، نقيض الحب، فقد كانت حاضرة. ما كان النيقولاويون مبغوضين، لأنهم كانوا يشاركون في محبة الله العامة (يوحنا ٣: ١٦)، ولكن أعمالهم كانت كذلك، ولأجل ذلك يُمتدح الملاك. لابد أنه كانت لديهم أعمال ذات طابع شرير بلا ريب استدعت كلمة توبيخ صارمة كهذه. فمن كان النيقولاويون إذاً وماذا كانت عقائدهم وأعمالهم؟ ربما يستحيل إعطاء جواب مرضٍ على هذا السؤال. ولكن النيقولاويين كطائفة غير أخلاقية وتعوزهم التقوى جداً كانوا موجدين بلا ريب، ولكن لا يمكن أن نعرف بالتأكيد إن كان نيقولاوس الأنطاكي، آخر "السبعة" (أعمال ٦: ٥)، هو مبتدع هذه الطائفة التي تحمل اسمه. إيريناوس هو أول آباء الكنيسة أو الكتاب الذين يؤكدون على ذلك. ولكن آخرين يعتبرون أن نيقولاوس اتُهم خطأ بإدخال تلك التعاليم والأعمال غير التقية إلى تلك الطائفة؛ أي أكثر الأمور شراً التي وُجدت تحت غطاء المسيحية. إن كان هذا الشماس هو مؤسس هذه الطائفة فعلياً، فلا بد أن يكون قد ارتد عن الإيمان المستقيم بشكل خطير. ولكن لا يمكننا الجزم بهذا بشكل مؤكد. لقد ساد الاعتقاد بأن النيقولاويين كانوا هم أنفسهم أتباع بلعام ٢.. ولكن هذا يصعب فهمه على ضوء الآيات ١٤ و١٥، حيث أن الشريرين يُذكر اسمهما بشكل منفصل. "أَنَّكَ تُبْغضُ أَعْمَالَ النُّقُولاَويّينَ الَّتي أُبْغضُهَا أَنَا أَيْضاً". ويبدو أن هذا كان أكبر الشرين. ولكن جميع الكتاب الأوائل يتفقون على الملامح الأساسية التي كانت تميز هذه الطائفة ذات الطابع البذيء والفاسق ٣.. ولذلك فإن النيقولاوية ستظهر وكأنها جمع بين اعتراف المسيحية وفسق وفحشاء الوثنية. إن الانغماس في لشهوات هو نكران عملي للطبيعة المقدسة في المسيحية، ولا يمكنك أن يتساهل الرب معها، وكذلك كل المخلصين لاسمه الذي هو "الْقُدُّوسُ الْحَقُّ" (الأصحاح ٣: ٧).

وبالنسبة إلى هذا الشر، فإن كنيستي أفسس وبرغامس، وهما الكنيستين الأولى والثالثة، تبديان تضارباً لافتاً وواضحاً. الأولى أبدت اشمئزازاً من هذه الفحشاء؛ والثالثة أوت أتباع هذه التعاليم القذرة. ما كان بغيضاً في كنيسة أفسس كانت تقبله كنيسة برغامس؛ الأولى "الأعمال"، والأخرى "التعليم"، ولكن العقيدة، سواء كانت صالحة أم سيئة، تنتج ثمارها بالتأكيد. ولكن أفسس لن يكون فيها شيء من ذلك. لقد سمحت برغامس بذلك وهذا ما أفسد وسمم منابع النقاء والأخلاقية.

الدعوة إلى السماع:

٧- "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ للْكَنَائس". يرد هذا التحريض سبع مرات. في الرسائل إلى الكنائس الثلاثة الأولى يسبق مباشرة الوعد للغالبين؛ بينما في الكنائس الأربعة الأخيرة فإن الحث يشكل الكلمات الختامية للرسالة الموجهة إلى كل كنيسة. إن الكنيسة ككل معنية في المجموعة الأولى، وهي مدعوة لأن تتوب ٤.. ولكن في المجموعة الثانية تظهر واضحاً حالة الكنيسة البائسة الميئوس منها، ومن هنا فإن جماعة متبقية ستتمايز عن الجماعة، وهذه سيكون رجاؤها الوحيد والأوحد متمحوراً على عودة الرب شخصياً من السماء. من حقيقة أن الدعوة إلى السماع تأتي بعد كلمات التشجيع للغالبين في الكنائس الأربعة الأخيرة، نستنتج أنه ما من أحد سوى الغالبين أو المنتصرين يسمعون صوت الروح القدس.

المسؤولية الفردية والمباشرة نحو الله هو حقيقة أساسية في المسيح. في البابوية يتم تجاهل ضمير الفرد. "اسمعوا للكنيسة" هو جوهر النظام البابوي نفسه. ولكن في الحقيقة صوت الكنيسة لا يُسمع في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. المراتب الأعلى من الإكليريكيين تغتصب مكانة الكنيسة؛ إن صوتهم هو الذي يُعلن على أنه صوت الكنيسة، صوت على الرتب الأدنى من الإكليريكيين والشعب أن يسمعوه ويطيعوه وإلا ينالون الحرم الكنسي، بينما الشعب يُخدع بما هو شبه الحقيقة. إن الصيغة المفضلة وكثيرة الترداد الواردة في (متى ١٨: ١٧) "اسمعوا للكنيسة" توظَّف لتغطية والدفاع عن أشد الأنظمة قسوة وإيماناً بالخرافات واستعباداً للنفس والتي لطالما جلبت الخزي على الأرض؛ إنها في الواقع التحفة الفنية للشيطان. كيف يمكن للكنيسة، المهددة بالدينونة (٢: ٥؛ ٣: ١٦)، أن تصبح مصدراً وأرضاً للسلطة لأي كان؟ ومن هنا ففي هذه الرسائل إلى الكنائس يُدعى الفرد الذي يسمع إلى الإصغاء إلى صوت الروح. فالروح هو الذي يتكلم، وصوته وحده هو الذي يجب أن يُسمع. ولذلك فقد ربطنا في هذا الحث المسؤولية الجماعية والفردية. كلاهما موجودتان. إن كانت الكنيسة قد صارت فاسدة بالكلية إلى هذا الحد حتى أن صوت الله في الكتاب المقدس ما عاد يجد صدى له فإن هناك حاجة عظيمة لكل إنسان ليفتح أذن نفسه للقائل: "هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ". عندما كان الرب على الأرض، لفت الانتباه مراراً وكراراً إلى تعليمه مستخدماً الكلمات المألوفة: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ" (متى ١٣: ٩، ٤٣؛ ١١: ١٥ الخ.). وهنا الرب نفسه يقول نفس الكلمات، موجهاً خطاباً جدياً ولافتاً الانتباه إلى الشهادة الجديدة وتقريباً بنفس الصيغة اللفظية ٥..

الغالبون:

"مَنْ يَغْلبُ فَسَأُعْطيه أَنْ يَأْكُلَ منْ شَجَرَة الْحَيَاة الَّتي في وَسَط فرْدَوْس الله". لقد أشرنا للتو إلى ملامح معينة مميزة للقسمين الواضحين المتمايزين لهذه الكنائس السبع- الثلاثة الأولى والأربعة الأخيرة. كل من هاتين المجموعتين تشكل وحدة منفصلة بحد ذاتها؛ رغم وجود بعض الصفات المشتركة بينهما. إن العنصر الإلهي يغلب في المجموعة الأولى المكونة من الكنائس الثلاث، كما يدل العدد؛ بينما العنصر البشري يدخل بشكل كبير إلى تركيبة المجموعة الثانية المؤلفة من الكنائس الأربعة، وهذا يتضح من خلال القيمة العددية. إلا أن هناك تمايزاً جديراً بالاهتمام نجده في تمعننا بهذه الوعود والمكافآت للغالبين. أولئك الذين في المجموعة الأولى ليس لهم طابع مكتمل وعلني، كما لأولئك الذين في المجموعة الثانية. هؤلاء الذين في المجموعة الأخيرة رفيعو المستوى في دمجهم العلاقات الشخصية مع المسيح ومشاهد المجد العام. ونلاحظ الفرق في اكتمال وطابع هذه المكافآت، التي تظهر على التعاقب في المجموعة الأولى والثانية من الرسائل، حيث نجد في الأخيرة أن الغلبة هي أمر صعب للغاية. إن العاصفة تهب بعنف أشد، والعناصر المعاكسة أكثر عدداً، ولذا فإن الوعود متناسبة مع الطبيعة الأقسى للصراع. من ثياتيرا إلى لاودكية تعتبر الكنيسة فاسدة بشكل ميئوس منه. ولذلك فإن السباحة عكس التيار تتطلب طاقة من الإيمان أكبر مما عندما كانت الكنيسة تعترف بالمسيح بقوة علنية- أفسس إلى برغامس. هذه المكافآت والوعود لا تُعطى فقط لإبهاج جماعة الرحالة، ولا بسبب الصراع الآخذ في الحدة والشدة، بل إن المسيح نفسه يُودع كلمته شخصياً عندهم لإنجازها بشكل مؤكد. "سَأُعْطِيكَ". يده ذاتها تتوج المنتصر. صوته نفسه يهتف معلناً الغالب، وهو يخطو بابتهاج داخلاً عتبة الأبواب السماوية.

في جميع الحالات الشهادة هي فردية، وبالطبع فإن الغالب هو الذي يتغلب بطاقة الإيمان على هذه الصعوبات الخاصة التي يجد نفسه فيها. الغالب في لاودكية لديه مهمة أكبر بكثير من الغالب الذي في أفسس. إن مكان وظروف وطبيعة الصراع مختلفة في كل من الكنيستين.

هذا الوعد، وهو الأول للغالبين، يحوي تلميحاً واضحاً إلى جنة عدن، وشجرة الحياة في وسطها (تكوين ٢). ما كان مطلوباً من آدم أن يغلب في الفردوس، بل كان عليه ببساطة أن يطيع الله ويحفظ براءته، واختبار الطاعة عند المخلوق البريء كان حظر أكل الشجرة الرمزية لمعرفة الخير والشر. ليس لدينا ما يؤكد أن آدم قد أكل من شجرة الحياة رغم أنه ما كان محظوراً عليه أن يأكل منها. ولكن المشهد الذي يُصور أمام ناظري الغالب المسيحي هو أكثر مجداً بكثير مما في (تكوين ٢). فهنا لدينا فردوس الله بشجرة الحياة التي فيه، والتي يُسمح للمرء بأن يأكل منها بكل حريته، وليس من شجرة معرفة خير وشر، رمز مسؤولية المخلوق. حياة البراءة (تكوين ٢) كانت تستند على الطاعة. ولكن هنا شجرة الحياة الأبدية، بكل بركتها المكتملة، يمكن التمتع بها بدون شوائب وبدون خوف من الإخفاق. الحياة الأبدية تصير مأدبة دائمة أبدية للغالب في فردوس الله. كلمة "فردوس" تظهر ثلاث مرات في العهد الجديد (لوقا ٢٣: ٤٣؛ ٢ كورنثوس ١٢: ٤؛ ورؤيا ٢: ٧). إنها مشتقة من أصل مشرقي، وتعني "حديقة المسرة". تستخدم ثلاث مرات بهذا المعنى في العهد القديم ٦.. بالنسبة إلى الشكل الشرق، كلمة "فردوس" هي تعبير عن تجمع للبركة. فردوس الله هو التعبير عن البركة السماوية. إنه مكان فعلي، لم يكن الفردوس الأرضي (تكوين ٢) سوى ظل له. هنا البركة مؤكدة وأبدية. الفردوس هو حصيلة جمع كل المسرات، ومجموع كل المتعة، وهي التي وعد بها الرب يسوع لذاك اللص المحتضر المهتدي، وإليها اختُطف بولس. إنه الوعد الخاص الذي لا مثيل له المعطى للغالب في حالة أفسس من تاريخ الكنيسة.

خطاب الروح القدس إلى سميرنا

(٢: ٨- ١١)

سميرنا ولاودكية على طرفي نقيض:

إن أقصر الرسائل إلى هذه الكنائس هي تلك التي إلى كنيسة سميرنا، وأطولها هي تلك التي إلى ثياتيرا. سميرنا تُمتدح بشكل كامل، وما من كلمة انتقاد أو توبيخ توجه لها؛ بينما لاودكية ملامة من كل النواحي، وما من كلمة مديح أو إطراء تُمنح لها. ومن جديد، الفقر والضيقة والمحنة في سميرنا تقف بشكل متغاير متمايز عن حالة كنيسة لاودكية الغنية والراضية عن نفسها. ليس هناك سوى كنيسة واحدة أخرى لا تتعرض للتوبيخ، وهي تحديداً كنيسة فيلادلفيا. لا يجب أن نفترض أن هذه الكنائس التي بلا لوم كانت خلواً من كل خطأ، ولكن نلاحظ أن الكنيسة التي تميزت بالمعاناة هي سميرنا والكنيسة التي عانت من الضعف هي فيلادلفيا. إن الطفل الذي يصاب بمرض أو الذي يُبتلى بضعف جسدي لا يمكن توجيه أي كلمة لوم له، وبالتأكيد فإن إلهنا لن يكون أقل سماحة من الأب الأرضي.

التعزية في الضيقة:

٨- "وَاكْتُبْ إلَى مَلاَك كَنيسَة سميرْنَا: «هَذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخرُ، الَّذي كَانَ مَيْتاً فَعَاشَ»". التراجع عن حالة المحبة الأولى قد ترسخت. ملاك كنيسة أفسس سقط (الآية ٥)، ولكن ليس من عن يمين المسيح، بل من المحبة، بينما لا يزال يحفظ الإخلاص العقائدي ويسير بلا لوم في نظر العالم الخارجي. ولكن الينابيع الأخلاقية للفعل قد نضبت، وفقدت الكنيسة في أفسس شذى عطرها. هذا الاعتبار يأتي بنا إلى فترة الكنيسة المتمايزة الثانية، التي تتسم بالضيق. إن الملاك، ممثل الكنيسة، يُخاطَبُ بكلمات التعزية الغنية. اندلاع الاضطهاد الوثني الإمبراطوري كان يُحتمل. لمدة حوالي ٢٥٠ سنة، مع فترات هدوء مؤقت متقطعة عندما كانت يد المضطهد القاسية تنزل على الكنيسة، كانت الكنيسة تمر بـ "معمودية الدم"، وهذا ليضرم من جديد لهيب المحبة الخامدة التي على وشك أن تنطفئ. ما كانت الكنيسة المتألمة بالنسبة إلى الرب يُصور في المعنى سميرْنَا، المر- هذا العطر المعروف جيداً، المقدس أيضاً (خروج ٣٠: ٢٣)، وهو أيضاً أحد عطور الحب التي يقدمها الزوج في نشيد الأنشاد. التعزية التي كانت تناسب الرائي (رؤيا ١: ١٧، ١٨) أصبحت عزاء الكنيسة. لدينا هنا نفس الترابط والدمج بين الصفات الإلهية والبشرية التي ميزت المسيح في الرؤيا المجيدة بشخصه كما رآه يوحنا. "الأَوَّلُ وَالآخرُ" هو أحد أروع وأعظم الألقاب الإلهية، الصخرة التي هي في أعظم قوتها والتي يقف العدو عاجزاً أمامها. بما أنه "الأَوَّلُ" فهو قبل الكل في الزمن، وأعلى من الجميع في المنزلة. وكونه "الأخير" فهو بعد الكل، خاتماً كل شيء، إذ له يتجه الكل. إنه أزلي أبدي في كينونته. ولكنه تنازل لكي يموت. ولم يستطع الموت أن ينال منه. هو "الأَوَّلُ وَالآخرُ"- هذا اللقب الخاص بالرب يهوه (أشعياء ٤١- ٤٨)، قد صار ميتاً. لقد قاوم موجات الموت. ونهض من الموت، وهو "يحيا" ولن يموت ثانية. فكانت هذه، عندئذ، "تَعْزِيَتهم القَوِيَّة". فذاك الذي مات ويحيا ليس هو سوى الرب في حقيقة كينونته، الموجود من تلقاء نفسه. لقد رأينا مجد المتكلم- وكيف كان إلهاً، وكيف صار إنساناً- والآن علينا أن نسمع رسالته المعزية والمحيية.

الرسالة:

٩- "أَنَا أَعْرفُ ضَيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ (مَعَ أَنَّكَ غَنيٌّ) وَتَجْديفَ الْقَائلينَ إنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَان". يرد في بعض الترجمات القول: "أَنَا أَعْرفُ أَعْمَالَكَ". ولكن كلمة "أَعْمَالَكَ" يجب حذفها بحسب رأي النُقّاد، ثم أن الحديث في هذه الرسالة هو عن الضيقة والمعاناة وليس عن الأعمال. "أعرف". يا لها من قوة يتمتع بها القديس والكنيسة المبتليين بالاضطهاد! الأقنوم الذي يجمع في شخصه بآن معاً عظمة الألوهية والعطف، ذاك الذي كان في أشد حالات المعاناة والألم يقول: "أعرف ضَيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ". إن المعيار، والطابع، والفترة لكل طور من التجربة معروفة لديه. لا دموع كثيرة، ولا ضربات بالغة الشدة. التماسك والصلابة، وثبات الروح، والثقة بالنفس يجب أن تتحطم. إننا نزهر على أكمل وجه عندما نتألم. يعقوب كان إنسان أفضل أخلاقياً بعد ليلة مصارعته مما كان قبلها (تك ٣٢: ٢٤- ٣٢). وبولس أُبقي متواضعاً ووضيعاً من خلال التذكير الدائم، والذي كان "شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ" (٢ كور ١٢: ٧). ولكن الله يعرف أيضاً "فقرنا". ليس هناك الكثير من النبلاء المحصون وسط شعب الرب. المؤمنون اليهود تقبلوا سلب أموالهم وحاجاتهم (عب ١٠: ٣٤). مصادرة الأغراض والممتلكات، سواء للخزينة الإمبراطورية أو لأولئك المعاندين للمسيحيين، كانت تأتي بعد الاعتقالات. ولكن الرب يقول: "إنَّكَ غَنِي". إن كنزنا هو في السماء. ميراثنا هناك. مخزون الثروة المسيحية نسمع عنه في (١ كورنثوس ٣: ٢١- ٢٣). أصلنا هو في الله (١ كور ١: ٣٠)؛ ومكانتنا هي أننا أبناء الله (رومية ٨: ١٤)؛ وكرامتنا، هي أننا نتمتع بسلطة ملوكية (رؤيا ١: ٦)؛ ومصيرنا، أن نتطابق مع ابن الله (رومية ٨: ٢٩)؛ وثروتنا هي في نصيبنا الألفي والأبدي مع المسيح (أفسس ١: ١٠، ١١). إن الكنيسة غنية حقاً، مهما كان فقرها على الأرض. وإذ لدينا محبة وغنى المسيح، التي تنعدم معها إمكانية الخسارة أو الفساد، ننتصر بالتأكيد فيه هو الذي يعرف ليس فقط ضيقتنا وفقرنا، بل يعرف كل ما يجعلنا "أغنياء".

لم تكن الكنيسة تعاني فقط من العالم الوثني من الخارج، بل أيضاً من عدو ذو طابع ديني من الداخل. كان هناك جماعة، كما سنرى (ليسوا اليهود فقط)، انتحلوا مكانة ومزاعم اليهود في أن يكونوا وحدهم شعب الله على الأرض. رأينا جماعة ذوي مراكز مرموقة في أفسس  (الآية ٢)، كانت ادعاءاتهم المتعجرفة والمتكبرة مكشوفة، ويُوسمون بصفة الكذابين. الحركة في ذلك الزمن كانت قد تحطمت. ولكن لدينا الآن حركة ذات طابع مشابه، ولو بمعيار أقل. نجدها واضحة الآن، تتمثل بادعاءات متعجرفة في أن بعضاً من الكنيسة وليس كل الكنيسة هم شعب الله، وهذا نجده يتكرر كثيراً منذ عهد كنيسة سميرنا، أحياناً على مستوى كبير وأحياناً على مستوى ضئيل. هذا الجسم المؤلف من متدينين مدعين اتفقوا ضد الكنيسة المتألمة. اتهامات زائفة، وازدراء واحتقار قدّموا للكنيسة. ولكن ماذا كانوا في نظر الرب؟ كانوا "مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ" ٧.. إن اسمي "الشيطان" و"إبليس" يُستخدمان في سفر الرؤيا كما وفي كل مكان في الكتاب المقدس بملاءمة ودقة. الأول يعني "الخصم أو العدو"، والأخير يعني "المفتري". فبالنسبة للكنيسة هو كلاهما. إن الشيطان "الخصم"، أسس حزباً هرطوقياً في عداء مباشر مع المكانة المتألمة والمتواضعة للكنيسة. وإبليس، "المفتري"، لفّق أكاذيب وكل الاتهامات الكاذبة الباطلة ضد قديسي الله، ونجح أيضاً في جعل السلطات الوثنية تصدقها، وهكذا صار المفتعل الحقيقي والمصدر لـ "الاضطهادات العشرة"- عشرة اندلاعات مطابقة للقانون من الغضب والحنق ضد الكنيسة لم وقفها سوى اعتداء قسطنطين لعرش القياصرة. معاناة شديدة قابلتها، على كل حال تعزية كثيرة، وكلاهما، بلا شك، كانا النصيب الكامل للكنيسة المتألمة المعانية. وإن السجلات المسيحية والوثنية المعاصرة تؤكد بوفرة حقيقة هذا.

التجارب والتشجيع:

١٠- "لاَ تَخَف الْبَتَّةَ ممَّا أَنْتَ عَتيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ به. هُوَذَا إبْليسُ مُزْمعٌ أَنْ يُلْقيَ بَعْضاً منْكُمْ في السّجْن لكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَميناً إلَى الْمَوْت فَسَأُعْطيكَ إكْليلَ الْحَيَاة". "لاَ تَخَف" أو "لاَ تَخَف الْبَتَّةَ" كلمات تعد لمزيد من التجارب ومن الواضح أنها مستمدة من (١: ١٧). فتقع هناك على مسامع الرائي، حاملة إلى نفسه يقيناً مطلقاً لا يمكن وصفه. وهنا هي لطمأنة الكنيسة إزاء ما ينتظرها من عاصفة آخذة في التجمع لتهب عليها. الضيقة والفقر كانا سيئين كفاية وكان من الصعب احتمالهما. ولكن الأسوأ كان في انتظارهم. الاضطهادات الإمبراطورية الكبيرة الختامية كانت تفوق في القسوة سابقاتها. السحب الداكنة كانت تتجمع؛ وزئير العاصفة القادمة المتوحش المرعب كان يُسمع. هنا الكنيسة تُحذَّر مسبقاً وتُشجع. هذه المحن والتجارب الآتية افتعلها متهمون كاذبون، ومن أدوات وعملاء الشيطان القساة. كان الاضطهاد عمله. ولكن الإيمان يرتكز على هذه الحقيقة العظيمة والجليلة والمحيية وهي أن "الْعِزَّةَ لِلَّهِ" (مزمور ٦٢: ١١). قوة الشيطان محدودة وتحت السيطرة، وهو لا يستطيع أن يضع يده أو يلمس حتى أضعف حمل في القطيع بدون إذن واضح (أيوب ١و٢). "لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ" (رومية ١٣: ١)، سواء كان شيطانياً أم بشرياً. استخدام واستعمال القوة هو أمر آخر، فيه مسؤولية كبيرة جسيمة. هدف الله كان تجريب كنيسته، وأن تُجرب إلى أقصى الحدود، ولأجل هذه الغاية فقد كان الشيطان خادمه فيها. وهكذا تطهر وتنقى قديسو الله. وتقوت المحبة والإيمان والشجاعة والإخلاص. كان أمام الكنيسة فترة ضيقة محدودة ومعينة - "عَشَرَةَ أَيَّامٍ". قد يكون في هذا تلميح إلى الـ "عشرة اضطهادات" المعروفة، وأيضاً إلى الاضطهاد العاشر تحت حكم ديوكليتيانوس الذي دام ١٠ سنوات تماماً. إن التعبير "عَشَرَةَ أَيَّامٍ" يدل على "فترة محدودة"، وقت قصير يتضارب مع الفترة الطويلة من الاضطهاد الوثني الذي دام ٢٥٠ سنة. وفي ما يلي نرى إشارات تدل على الـ "عَشَرَة أَيَّام" وتؤكد على المعنى الضمني بفترة زمنية قصيرة محدودة: تكوين ٢٤: ٥٥؛ نحميا ٥: ١٨؛ دانيال ١: ١٥؛ أعمال ٢٥: ٦؛ إرميا ٤٢: ٧، الخ.

بعض من الشهود الأوائل للحق، وليس كثيرين، ارتعبوا من العذاب والموت، وأنكروا الرب. هنا نجد حثاً على الإخلاص والأمانة في كل خطوة من الطريق، حتى إلى الموت. إن كان لابد من إكليل الشهادة، فإن المثابرة والثبات إلى النهاية يجب المحافظة عليهما. هناك أكاليل متنوعة تتكلم عنها كلمة الله. هناك إكليل ذهب على رأس كل مفدّى في لسماء (رؤيا ٤: ٤). وإكليل البر، مكافأة السلوك في القداسة والبر على الأرض (٢ تيموثاوس ٤: ٨). ومن ثم، هناك إكليل المجد الذي يُمنح لكل رعايا قطيع الله المحبوب (١ بط ٥: ٤). وأخيراً لدينا إكليل  الشهادة، إكليل الحياة (رؤيا ٢: ١٠). هذا الإكليل، كمثل بقية المكافآت والتشجيعات، يمنحه المسيح شخصياً: سَأُعْطِي".

ثم تأتي الدعوة المألوفة أن: "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ للْكَنَائس". المسؤولية الفردية لابد من المحافظة عليها دائماً وبقوة. في هذه الرسائل نجد فحوى فكر الروح القدس والرب اللذان هما واحد، وما المطلوب من كل الكنائس المسيحية في كل الأوقات وفي كل أرجاء الأرض.

الوعد للغالب:

١١- "مَنْ يَغْلبُ فَلاَ يُؤْذيه الْمَوْتُ الثَّاني". حتى تكون غالباً في حالة سميرنا يتطلب الأمر الصبر الملائم لمصارعة الموت. مجمع الشيطان أفلت العنان لحنقه من جهة، والعالم الوثني من جهة أخرى، وكلاهما عازم على أن يسحق المسيحية، بينما يقع في وسطهما المعترفون المتواضعون بالناصري، وسلاحهم في الدفاع هو الصبر والحلم. ما الذي كان يتوقعه البشر، خسران الشخص، أو الأغراض، أو الحياة نفسها. لكي تغلب تحت هكذا ظروف مرعبة كان الأمر يتطلب قوة إيمان ورؤيا روحية سليماً تراه ذاك الغير المنظور، ومع ذلك، فهو الأقرب جداً مما يظن قديسوه المتروكين، والذي ما من أحد مثله لديه محبة حقيقية أو حنو حقيقي. قد يموت الغالب تحت التعذيب المطول من جراء الحقد الشيطاني للبشر الذين يسرون بالدماء، ولكن الغالب متيقن أنه لن يتأذى أو يصيبه "الْمَوْتُ الثَّاني"، لن يتعرض "ولا بأي شكل"، أبداً أبداًً- للموت الثاني ٨.، الذي هو بحيرة النار، أي المقر الأبدي حيث العذاب والعقاب للشيطان والشرير (٢٠: ١٤؛ ٢١: ٨).

خطاب الروح القدس إلى برغامس

(٢: ١٢- ١٧).

بَرْغَامُسَ أم برغاموم:

١٢- "وَاكْتُبْ إلَى مَلاَك الْكَنيسَة الَّتي في بَرْغَامُسَ". الكنيسة التي تبعد إلى أقصى الشمال تتم مخاطبتها ثانياً. العاصمة القديمة ميسيا لا تزال موجودة باسم برغامو، ولكنها جُردت من عظمتها ومجدها. برغامس، أو برغاموم، وُصفت على أنها "مدينة اتحاد وثني هش، مدينة جامعة، ومكان إقامة ملكي". أتالوس الثالث سلّم مدينته إلى الجمهورية العظيمة؛ وعندها، وتحت حكم الإمبراطور لاحقاً، اعتُبرت إحدى أجمل المدن في آسيا. ورغم أنها كانت متميزة بعباداتها الوثنية، والعلم فيها، والطب، إلا أنها كانت، من وجهة نظر مسيحية، إحدى أسوأ المدن السبعة في العالم. المسيحية تعكس دينونة العالم، بطريقة تكشف الأمور، والمبادئ، والأشخاص في علاقتهم الحقيقية مع الله.

سَّيْفُ الدينونة الماضي:

١٢- "هَذَا يَقُولُهُ الَّذي لَهُ السَّيْفُ الْمَاضي ذُو الْحَدَّيْن". الوصف المجيد للمسيح، الذي هو فحوى الرؤيا الأولى التي رآها يوحنا (١: ١٢- ١٦)، نجده يسود الأقسام المتنوعة من الرسائل إلى الكنائس، أو بالأحرى الأكثر على الملائكة المحترمين. شخصية المسيح كما توصف لبرغامس مأخوذة من الآية ١٦ من الرؤيا التمهيدية العظيمة. فهناك ينبثق السيف من فمه مشيراً إلى طابع الدينونة، وسلطة كلمته. وهنا، لا يُقال أنه يخرج من فمه، بل إن السيف له. من مقطع يظهر السيف مغلولاً، بل إنه مسلول وجاهز للاستعمال في الحال، "الْمَاضي ذُو الْحَدَّيْن". يستخدم السيف كرمز للدينونة. إنه يشير إلى انتقام الرب من العالم الأثيم (رؤيا ١٩: ١٥)، كما أنه يشير إلى الدينونة القاسية الشاملة للشر، وليس لشعبه، بل للشر فيهم (عب ٤: ١٢). المسيح يحمل دائماً السيف، ويستخدمه على الأصدقاء والخصوم على حد سواء. غنه يحارب الشر، وبسلطة كلمته يُكشف الشر ويُدان. بالنسبة لهؤلاء، سواء كان في الكنيسة أو في العالم، من يرفض أن ينحني أمامه وأن يعترف بسلطته المطلقة، سيعمل السيف قوته وسيتم تنفيذ الدينونة؛ ولا يجب أن ننسى أن الدينونة وتنفيذها أيضاً، كلاهما عُهد بها إلى ابن الإنسان (يوحنا ٥: ٢٢، ٢٧).

السيف لن يجرح أو يقتل ملاك الكنيسة، بل سيُستخدم ضد أولئك الذين يُعتبر الملاك مسؤولاً عن وجودهم في الكنيسة (الآية ١٦).

عرش الشيطان ومسكنه:

١٣- "أَنَا عَارفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسيُّ الشَّيْطَان". إن الكلمات "أعمالك" الواردة بعد "أنا عارف" هي إقحام لا مبرر له يُعتقد أنها تمت على يد ناسخ مهمل. والعبارة "عرش الشيطان" (وليس "كرسي")، هي الملائمة أكثر لفحوى النص وسياق المقطع العام. انحدار المحبة الأولى كانت العلامة المميزة الأولى في الكنيسة خلال طريق انحدارها وانحطاطها. وأما الثانية، أي حالة سميرنا، فكانت حالة الاضطهاد المفتوح على يد السلطات الإمبراطورية الوثنية. ولعل الفترات الأشد قوة وحدة والأكثر إفادة وتقديساً من بين فترات الاضطهاد هي تلك التي كانت في عهد ديسيوس، ٢٤٩ م، وديوكليتيانوس، ٢٨٤ م ٩.. كان تأثير كليهما هو التمييز بين المؤمن الحقيقي والمزيف، وتنقية الإيمان في الكنيسة المتألمة. قسوة الشيطان من الخارج أُطلق السراح لها ضد الكنيسة، وكانت السلطات الوثنية أدواته؛ ولكن إذ كان معوقاً في محاولاته أن يدمر المسيحية، فإن خطوته التالية كانت أن يدمر الكنيسة في شخصها وشهادتها، وأن دمرها من الداخل، مستخدماً رجال الدين والمعلمين لينجز عمله المهلك. لقد قيل أن "بولس كان يخشى الإكليروس، بينما أغناطيوس كان يخشى الشعب". نبوءة بولس السابقة (أعمال ٢٠: ٢٩، ٣٠) تأكدت بشكل كبير، كما توضح حالة برغامس وثياتيرا.

برغامس في زمن الرؤيا كانت عاصمة الحكومة الرومانية في أسيا. وسادت العبادات الوثنية. ومنها انطلقت العبادة الوثنية والاضطهاد إلى كل أرجاء أسيا الغربية، أسيا التي يتكلم عنها سفر الرؤيا؛ ومن هنا القوة المحلية للتعابير: "عرش الشيطان" وحيث "يسكن الشَّيْطَان". لقد كان للشيطان عرش ومسكن في برغامس، ومن هناك سعى لخنق المسيحية في ذلك الجزء من الأرض ١٠.. بالتأكيد لابد من البحث عن استخدام أكبر وأكثر شمولية لهذه العبارات.

يجب أن نضع نصب أعيننا دائماً أن كل من هذه الكنائس الثلاث الأولى تصف حالة خاصة من الكنيسة المعترفة ككل في فترات متعاقبة من تاريخها. ولذلك فإن فترة برغامس تضعنا في حقبة قسطنطين، بداية القرن الرابع. إن هجمات الشيطان المتكررة "كأَسَدٍ زَائِرٍ" (١ بطرس ٥: ٨) في اضطهاد مفتوح دام ٢٥٠ سنة قد جعل الكنيسة أغنى روحياً بينما تظهر أشد فقراً من وجهة نظر العالم. حيث فشل ديوكليتيانوس، آخر الأباطرة المضطَهدين، نجح قسطنطين الإمبراطور المسيحي الأول. إن إغواءات الشيطان أثرت في الدمار الأخلاقي للكنيسة.

بعد موت ليسينيوس، زميل قسطنطين العظيم، صار الأخير الإمبراطور الأوحد. وفي اعتلائه للعرش أُبطلت مراسيم الاضطهاد التي كان سلفه قد وضعها ومُنح المسيحيون حرية العبادة كما ترتأي ضمائرهم، عام ٣١٣ م. ولكن الدين المسيحي كان يُعتبر آنذاك ببساطة على أنه أحد عدة أديان في الإمبراطورية. وكان قد سُمح لجميع الأديان بالعبادة. وبمرور الوقت صار قسطنطين على احتكاك أكثر في المسيحية، وكان عاقلاً حصيفاً بما يكفي ليميز فيها مبادئ الشخص الصبور، وهذا ما كان ليعزز سلطته؛ إذ أن أتباعه المسيحيين، يمكن الاتكال عليهم أيضاً للحفاظ على الوقار الإمبراطوري، بينما الوثنيون كانوا في حالة عصيان دائم في مختلف أرجاء الإمبراطورية.

وهكذا فإن قسطنطين، عام ٣٢٤ م، ومراراً وتكراراً في ما بعد، أصدر مراسيم ضد الوثنية، وحاول أن يفرض المسيحية على الإمبراطورية بقوة وقسوة على اعتبارها الدين الوحيد الأوحد في الإمبراطورية. طُرد الوثنيون من البلاط، وترقى المسيحيون إلى مراكز مرموقة. وقدم قسطنطين ذهبه وحمايته ورعايته للكنيسة، فابتعلت الطعم بشراهية، وضحت بضميرها وإخلاصها للرب، وصارت الكنيسة والعالم، اللذان كانا يسيران كل في طريق حتى ذلك الوقت (يوحنا ١٧؛ ٢ كور ٦: ١٤- ١٦)، متحالفان معاً ويسيران يداً بيد. يا له من اتحاد مهلك! ذلك الوقت صار بداية التحالف التعيس بين الكنيسة والدولة، وأرخ لبداية المؤسسات الكنسية التي كانت تدعمها الدولة. وفُرضت المسيحية في حالات كثيرة على أتباع من رعايا الدولة غير راضين بالأمر، ولكن قبلوا بذلك على مضض تحت حد السيف. فما كان هناك سوى أحد حلين، إما السيف أو المعمودية، رغم أن الحاكم الجليل نفسه أوقف القيام بالشعائر المسيحية حتى بضعة أيام قبل وفاته في نيقوديميا. لقد خُصصت الهياكل الوثنية البهية الفخمة وثياب الكهنة للخدمة المسيحية .ولذلك، فبدلاً من غرف وحجرات اللقاء البسيطة غير المتكلفة، حيث كان المسيحيون الأوائل يجتمعون، حلّت محلها أبنية ضخمة واستعراضات متباهية متفاخرة لا تزال حتى الآن. سارت المسيحية في خفٍّ ذهبي. من أجل التوفيق بين الكهنة والناس ذوي الخرافات القديمة مع النظام الجديد للأشياء قامت الكنيسة بتبني الكثير من الشعائر والطقوس الوثنية. وهكذا زيّفت شخصيتها كشاهد للقداسة والحق. ونتائج هذا التحالف الفظيع لا تزال باقية حتى اليوم، ورغم أن الله قد استخدم هذا التحالف لفحص تيار الإلحاد، إلا أنه أدى إلى أذى لا يُحصى للكنيسة التي هي جسد المسيح، وسبب الأذى في أن خفض مستوى الطابع المقدس والمترفع عن الدنيويات الذي كان يجب على الكنيسة أن تظهره في العصر الرافض للمسيح. الاتحاد الحقيقي بين الكنيسة والدولة ينتظر الإعلان عنه في يوم آخر (رؤيا ٢١: ٩؛ ٢٢: ٥). ولذلك فإن الكنيسة في ارتخائها وتوانيها في الوقت الحاضر بوجود "عرش" و"مسكن" الشيطان، الذي هو إله هذا العالم، تمكننا من أن نرى قوة ذلك التعبير الفائق العادة في الآية ١٣. الشيطان له "عرش" و"مسكن" على الأرض، وإنه لأمر فظيع أن يكون ذلك في الكنيسة. هناك ٢٨ مادة معلنة في الأصحاح ١٨ من سفر الرؤيا تبين ميزات الكنيسة الزائفة: الأولى هي "الذهب"، والأخيرة هي "النفوس".

الدور من تاريخ الكنيسة هو بتلك الأهمية حتى أننا خصصنا للتمعن في هذه التعليقات المطولة.

قاطنوا الأرض:

١٣- لم يكن الرب حيادياً أو لا مبالياً. "أنا عارف أين تسكن" لها مغزى أخلاقي عميق ومنذر بالسوء (قارن مع فيلبي ٣: ١٩ ورؤ ٣: ١٠؛ ٦: ١٠؛ ١١: ١٠؛ ١٣: ١٤؛ ١٤: ٦؛ ١٧: ٨). هذه المقاطع تشير إلى جماعة من الأشخاص الذين ليسوا على الأرض، بل الذين اهتماماتهم الوحيدة هي فيها ومرتبطة بها. إنهم يشيرون إلى جماعة من الأشخاص يوصفون أخلاقياً بأنهم "قاطنوا الأرض". ١١

ممتَدَحون:

١٣- "أَنْتَ مُتَمَسّكٌ باسْمي وَلَمْ تُنْكرْ إيمَاني". كل ما هو أساسي حيوي في المسيحية تم خنقه بالقوة- اسم المسيح والإيمان به. لقد اختُبروا وثبتوا تحت وطأة أقسى الظروف- مصادرة الأملاك، والتعذيب، والموت. ورفضوا أن "يحلفوا" باسم القيصر العظيم. لقد تمسكوا باسم ذاك القدوس والحق. وما كانوا لينكرون الإيمان بالمسيح كابن الله في علاقة إلهية، وابن الإنسان في ناسوت مقدس نحو البشر، وكابن داود في حقوقه اليهودية ومجده. لقد احتملوا "كَأَنَّهُم يَرَون مَنْ لاَ يُرَى". لم يتراجعوا بسبب المحنة الشديدة، وسُرّ الرب بهم ورضي عنهم وامتدحهم على ثباتهم، حتى عندما كان عليه أن يلومهم بشدة لسكناهم في الأماكن العالية من الأرض حيث أسس الشيطان عرشه ومسكنه. إن الشيطان هو فعلاً من جعل عرشه أولاً في روما، وفي ما بعد في القسطنطينية، وهو الذي وظف القياصرة كأدوات وعملاء له؛ ومن هناك كان يحكم. لقد سكن هناك مع أنه في نفس الوقت كان له إمكانية الدخول إلى السماء. لكن هزيمته مقررة وساعته آتية وأكيدة (رؤيا ١٢: ٧- ١٣).

أنتيباس الأمين:

إن استقامة إيمان الملاك بالنسبة إلى الحقائق الحيوية الجوهرية أمر لا شك فيه. برغامس، بالأساس، لم تتنازل ولو عن حقيقة واحدة من الحقائق الجوهرية الأساسية، وهذا بشكل خاص "حَتَّى في الأَيَّام الَّتي فيهَا كَانَ أَنْتيبَاسُ شَهيدي الأَمينُ الَّذي قُتلَ عنْدَكُمْ حَيْثُ الشَّيْطَانُ يَسْكُنُ". اسم الشاهد النبيل للمسيح الذي ختم شهادته بدمه قد تناقلته الأجيال على مدى الأيام ١٢.. ولكن رغم أنه ما من شيء مؤكد نعرفه عن أنتيباس ما خلا الاسم، إلا أن هناك الكثير من الأشياء المبطنة في هذه الجملة. "شَهيدي الأَمينُ، شاهدي المخلص". ما كان المسيح بالنسبة إلى الله (١: ٥)، كانه أنتيباس بالنسبة للمسيح.

البلعامية والنقولاوية:

١٤، ١٥- "وَلَكنْ عنْدي عَلَيْكَ قَليلٌ: أَنَّ عنْدَكَ هُنَاكَ قَوْماً مُتَمَسّكينَ بتَعْليم بَلْعَامَ، الَّذي كَانَ يُعَلّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَني إسْرَائيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبحَ للأَوْثَان، وَيَزْنُوا. هَكَذَا عنْدَكَ أَنْتَ أَيْضاً قَوْمٌ مُتَمَسّكُونَ بتَعَاليم النُّقُولاَويّينَ الَّذي أُبْغضُهُ". "وَلَكنْ عنْدي عليكَ"، هذه الكلمات فيها لوم واضح موجه لملاك أفسس (٢: ٤)، وكذلك لملاك ثياتيرا (٢٠)؛ في الأول انسلاخ عن المحبة الأولى؛ وفي الأخير فساد العقيدة. وإن كلمة "قليل" تشير إلى أكثر من سبب واحد للوم. أولئك الذين كانوا يتمسكون بتعليم بلعام كانوا ينتمون إلى مجموعة معينة، وأولئك الذين كانوا يتمسكون بتعليم نيقولاويين كانوا مجموعة أخرى. وكلاهما كانا متساهلين في جماعة كنيسة برغامس. ولكن ما كان مكروهاً في أفسس كان مقبولاً في برغامس (الآيات ٦، ١٥)، إذ كانت النيقولاوية مرفوضة بشدة عند الأولى بينما يسمح بها عند الأخيرة ١٣..

قلب بلعام لم يكن في النبوءات الكبيرة التي اضطره روح قدس الله لأن ينطق بها (عدد ٢٣: ٢٤). التشريفات والعطايا من الملك موآب ملأت بصيرة نفسه. فمن أجل المال كان ليلعن شعب الله. "أحب أجرة الإثم" (٢ بطرس ٢: ١٥). إذ فشل في محاولاته لعن أولئك الذين باركهم الله، علّم نبيُّ آرام النهرين الشرير الملكَ الموآبي الشرير أن يضع حجرَ عثرة في طريق إسرائيل. ليس لدينا سرد لهذه الحادثة في العهد القديم. ذهب النبي والملك كل منهما في طريقه الخاص (عدد ٢٤: ٢٥). ولكن الخدعة نجحت. تحت توجيه ملكهم الشرير الأثيم، جعلت نساء موآب بني إسرائيل يقعون في الخطيئة (عدد ٢٥- ٣١). وهكذا بلعام، والذي كان أشد إثماً من الملك، كان المحرِّض الحقيقي تحت الشيطان الذي تسبب في سقوط إسرائيل، هذا السقوط الذي أدى إلى الدينونة الخطيرة التي أصابت حوالي ٢٤٠٠٠ من الناس (عدد ٢٥: ٩) ١٤.. بطرس، ويهوذا، ويوحنا هم الكتاب الوحيدون في العهد الجديد الذين يشيرون بشكل محدد واضح إلى بلعام. الخطيئتان اللتان قيد بنو إسرائيل إليهما كانتا الوثنية والزنى. وهذان الشران كان بولس قد شجبهما بشدة (١ كور ١٠: ١٩- ٢٨؛ و١ كور ٦: ١٥- ١٨). هنا المعلمون والمؤيدون لهذه الممارسات غير التقية قد التجأوا إلى حضن الكنيسة نفسها. هذه الخطايا كانت نتيجة تعليم بلعام. بالنسبة للمسيحي كل ما يرفضه الله نفسه هو عبادة وثن (١ يوحنا ٥: ٢١)، وكل اتصال محرم مع العالم هو زنى (٢ كور ٦: ١٤- ١٦) ١٥..

١٥- "تَعَاليم النُّقُولاَويّينَ" كانت تماماً مثل تعاليم بلعام، رغم أن النتيجة هي نفسها في كلتا الحالتين، ألا وهي الدمار الأخلاقي للذين لوّثتهم أو دنستهم التعاليم والممارسات الفاجرة. بلعام، النبي الكاذب، لديه ممثلون معاصرون في الكنيسة اليوم. هناك أناس يشغلون مناصب ومسؤوليات رفيعة فيها، وهم مثل بلعام يتمسكون بعناد برواتب مناصبهم، ويعملون ضد الكنيسة بحماسة كان يجدر بهم استخدامها بشكل أفضل ليدافعوا عن الإيمان. ليت هؤلاء كانوا صادقون بدل أن يعملوا على هلاك النفوس. تعاليم بلعام تؤثر على نفوس الناس؛ بينما عقائد النيقولاوية مزروعة في نفوس الناس. وبين الاثنين هناك جسد مشترك مدمر تقريباً. من القرن الرابع حتى اليوم، خطوات واسعة سريعة اتُخذت بالاتجاه الخطأ، ولذلك فبالكاد نجد الآن أي ملامح متبقية من طابع الكنيسة الرسولية الأولى. الملاك لا يُتهم بتمسكه بهذه التعاليم، ولكنه لم يقاومها. اللامبالاة تجاه الشر هي إهانة لله. التراخي عند ملاك برغامس نجده ظاهراً بشكل مغاير لذاك الذي عند ملاك أفسس. إن خطيئة الكنيسة هي التساهل مع الشر والأشرار.

توبة أم دينونة:

١٦- "فَتُبْ وَإلاَّ فَإنّي آتيكَ سَريعاً وَأُحَاربُهُمْ بسَيْف فَمي". في هذا التحذير إلى أفسس تأتي الكلمة "اذكر" قبل الدعوة إلى التوبة. لا أحد من الكنائس تبارك إلى هذه الدرجة، وتمتع إلى هذا الحد بخير ونعمة الله، كما الكنيسة في عاصمة أسيا الغربية. كان بولس قد عمل جاهداً في أفسس لثلاثة سنوات. خدمته ودموعه أتت بثمر وفير. وفي رسالته إلى القديسين في تلك المدينة كشف حقائق من أرفع مستوى دون أن يوجه لهم أي كلمة توبيخ أو لوم. الإيمان بالمسيح والمحبة تجاه القديسين كانت تميز حياة كنيستهم. فكم هي مناسبة كلمات العتاب الإلهي: "اذكر من أين سقطت وتب". ولكن الكنيسة في برغامس لم تتمتع أبداً بهكذا نعمة رفيعة وامتياز؛ ومن هنا يأتي حذف الكلمة "اذكر".

العبارة "فَتُبْ" محذوفة في بعض ترجمات الكتاب المقدس، ولكنها ملائمة إزاء انكشاف الشرور الكبيرة في وسطهم. شخصياً لم يتشرب ملاك الكنيسة التعاليم ولم يمارس الأعمال المستنكرة، بل، من جهة أخرى، لم يشجبها، ولم يعارض دخولها إلى الكنيسة كما فعل ملاك كنيسة أفسس الذي قاومها بقوة. إن لم تأتِ الدينونة ذاتياً بعد الدعوة إلى التوبة، فإن الرب يهدد بدينونة سريعة: "آتيكَ سَريعاً". قرب حدوث الدينونة يتم التعبير عنه باستخدام الزمن الحاضر، وأيضاً في إدخال كلمة "سريعاً"، التي أُقحمت بالخطأ في الآية ٥، بينما كان يجب وضعها بشكل أنسب في الآية ١٦. المجيء المشار إليه هنا لا يدل على العودة الشخصية للرب، أو عما يسمى "المجيء الثاني"، بل يشير إلى تعامل الرب الفوري والمباشر مع الكنيسة إذ أن الرب سيفتقدها بدينونة. يقول للملاك: "آتيكَ"، ولكن للأكثر فساداً وإثماً يقول عنهم: "أُحَاربُهُمْ". هكذا يميز الرب بين الاثنين. هناك درجات من الخطيئة، وبالتالي درجات من العقاب تتناسب معهم. نحن أيضاً يجب أن نميز بين القادة والمقادين. في الأشكال والمظاهر السابقة من التأديب المفروض في العهد الجديد لحفظ قداسة بيت الله، هذا التمييز يجب أن ننتبه إليه بعناية ونسلك وفقاً له. يتكلم الرسول عن "البعض": "وارحموا البعض مميزين، وخلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار، مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يهوذا ٢٢، ٢٣). "سَيْف فَمي" تشير إلى القوة الديّانة لكلمته؛ إنه يطعن.

نداء للإصغاء:

١٧- "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ للْكَنَائس". في هذه الخطب نستمع على صوت الروح القدس. وفيها يتكلم إلى كنائس العالم المسيحي. لو أن العالم المسيحي أصغى إلى صوت المتكلم الإلهي  لأمكن تجنب الدمار العام للكنيسة. ولكن بينما يتحدث الروح إلى الكنائس، الأفراد مدعوون على الإصغاء. تعتبر الكنيسة دائماً كجسد عادم الحس بالنسبة لمرافعات أو تحذيرات الروح القدس؛ ومن هنا فإن الكنيسة لا تُدعى إلى الإصغاء، بل الأفراد: "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ". إن الشفاء الجماعي ميؤوس منه، ومن هنا فإن المسؤولية الفردية، البالغة الأهمية دائماً، هي التي يتم التركيز عليها بشكل دائم وبشكل جدي. وهذه حقيقة أساسية في المسيحية ازدهرت البابوية على حساب نكرانها. إن جوهر النظام البابوي نفسه هو الرفض الصارم للفكر الفردي ولعلاقة المرء المباشرة مع الله.

مكافآت خاصة وشخصية:

١٧- "مَنْ يَغْلبُ فَسَأُعْطيه أَنْ يَأْكُلَ منَ الْمَنّ الْمُخْفَي، وَأُعْطيه حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاة اسْمٌ جَديدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذي يَأْخُذُ". الغالب هنا، كما في كل مكان، هو فرد. إن أمكن تشكيل جماعة من الغالبين فهذا يمكن فقط في ممارسة الإيمان واستخدام القدرة الروحية لكل واحد. جماعة الغالبين، أو "سحابة الشهود" الوارد ذكرها في عبرانيين ١١، تُصور بشكل منفصل. كل شاهد لله عليه أن يحارب العدو لوحده، ولكن ليس لوحده تماماً، إذ أن الله الحي هو معه ويسانده.

إن كلمة "يأكل" لا نجدها في المخطوطة السينائية والإسكندرية للكتاب المقدس، وهناك من يرفض اعتبارها من النص الأصلي أمثال تريغيليس، وكيلي، وداربي وآخرون.

هناك حلاوة مميزة في هذه الوعود، وكذلك في طريقة منحها. "أعطي الْمَنّ الْمُخْفَي". إن تكرار كلمة "أعطي" تعزز قيمة البركات الموعودة. المن يعتبر "طعام الملائكة" (مز ٧٨: ٢٥)، و"خبز الله" (يوحنا ٦: ٣٣). كلمة "المن"، تعني "ما هذا؟" وكان هذا هو التعبير الكثير الاستخدام للدلالة على انذهال بين إسرائيل من طريقة تدبير الله أمورهم في الصحراء ووفرة عنايته بهم (خروج ١٦: ١٥)، ولكن بالتأكيد لم يكن المن "مخفياً" لأنه مكان على وجه الأرض حول مخيمهم. لـ ١٢٥٠٠ صباح أمطر الله بالخبز من السماء على شعبه على الأرض. إله إسرائيل هو إلهنا، بل حتى هو لنا أكثر مما كان لهم، وذلك بفضل علاقتنا الحاضرة والحيّة مع المسيح في المجد. تذكاراً لنعمة الله على شعبه كان يوضع إناء مليء بالمن أمام الرب (خروج ١٦: ٣٣). ويتكلم بولس عن "قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ" (عب ٩: ٤). لمدة ٥٠٠ سنة هذا "المن المخفي" أخبر قصة المسيح في اتضاعه، ولكن أمام الله وحده. مخفياً في تابوت العهد، الإناء الأكثر قداسة، أُخفي عن نظر الناس؛ ولعله يمكننا القول أنه ما من أحد قد عاين هذا المن على مدى خمسة قرون.

والآن، يقول المسيح، "أنا أعطي الْمَنّ الْمُخْفَي"، ليس عن طريق وسيط، بل شخصياً. وبالطبع، إنه مكافأة في المستقبل عندما ينتهي الصراع. يا لها من بركة أن نعرف من يسوع نفسه في المجد أسرار حياته هنا، وأغوار اتضاعه، وجمالات وكمالات حياته المخفية عن أعين البشر. وسنرى عندئذ أن طريق الغالب ما هو إلا انعكاس لحياة يسوع هنا. يا للمحاورات الودية الحافلة بالمجد التي ستكون بين الغالب وشعبه المنتصر. قصة الحياة تُفهم وتُكرّر هناك في الأعالي، ولكن قصة حياة من؟ حياتنا أم حياته؟ إن ما لم يدون من حياته، لو كُتب، لتطلّب عالماً أكبر من عالمنا هذا ليحتويها (يوحنا ٢١: ٢٥). مَنُّ العهد القديم أمطره الله لبركة ومسرّة الشعب على الأرض. هذا المنّ المخفي سيُعطى للغالبين في السماء. المكان العام للكنيسة الذي هو في صحبة وشركة أقرب ما تكون إلى العالم، حيث أسس إبليس عرشه ومسكنه، قد رفضه الغالبون في برغامس؛ ومن هنا توجب عليهم أن يسكنوا في الظلمة، وأن يعانوا إذ يطأون الطريق الوحيد الذي فيه شركة مع يسوع، الذي وطأ هو نفسه ذاك الطريق المنفصل المنعزل والذي كان بالنسبة له أشد وعورة وعزلة مما لأي شخص سبقه. إن الرب، ليس فقط سيعطي المنّ المخفي، بل يقول أنه سوف "أُعْطيه حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاة اسْمٌ جَديدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذي يَأْخُذُ". ما المقصود بالحصاة البيضاء والاسم السرّي الذي لا يعرفه أحد؟ "حَصَاةً بَيْضَاءَ" كانت تعني الحياة الاجتماعية والعادات القضائية للقدماء. أيام الاحتفال كانت تعلّم بحصاة بيضاء؛ وأيام الكارثة كانت تعلّم بحصاة سوداء. تقدير المضيف لضيف مميز كان يُدل عليه بحصاة بيضاء عليها اسم أو رسالة مكتوبة. الحصاة البيضاء كانت تعني تبرئة وإعفاء؛ والحصاة السوداء تعني دينونة في محاكم العدل. هنا الغالب يُوعَد بحصاة بيضاء واسم جديد مكتوب عليه، لا أحد يعرفه سوى السعيد الذي يتلقاه. إنها تعبير عن مسرّة الرب الشخصية في كل واحد من الجماعة الغالبة. إنها مكافأة عامة من دون شك. هناك بركات مشتركة وخاصة الآن؛ ولكن عندها ستكون هناك مسرّات عامة وفردية. إن استحسان الرب ومسرته الخاصة بكل واحد من الجماعة الغالبة ستكون جواباً كافياً على الرفض والازدراء الذي يتعرض له الشاهد الأمين الآن. الاسم الجديد على الحصاة، والذي لا يعرفه سوى الغالب، يرمز إلى المسيح، وفي ذلك الحين سيعرفه كل واحد بطريقة خاصة معينة، وبالتأكيد تلك ستكون مكافأة لا تقدر بثمن ولا يمكن وصفها. إنها شركة سرية في المحبة والفكر بين المسيح والغالب، سعادة لا أحد يمكنه أن يشارك فيها، علامة محفوظة تدل على المحبة التي تقدّر. المنّ المخفي هو في المجد تعبير عن تقديرنا للمسيح في اتضاعه؛ ولكن الحصاة البيضاء ترمز إلى تقديره لنا كغالبين. إن طريقه وطريقنا المنفرد هنا هي نقاط تمثّل بشكل واضح المجد الذي ترمز إليه "المنّ" و"الحصاة".

خطاب الروح القدس إلى ثياتيرا

(٢: ١٨- ٢٩).

ملامح مميزة:

١٨- "وَاكْتُبْ إلَى مَلاَك الْكَنيسَة الَّتي في ثَيَاتيرَا: «هَذَا يَقُولُهُ ابْنُ الله، الَّذي لَهُ عَيْنَان كَلَهيب نَارٍ، وَرجْلاَهُ مثْلُ النُّحَاس النَّقيّ". هذه هي الكنيسة الوحيدة من بين الكنائس السبع التي يُذكر فيها اسم امرأة. إِيزَابَل، الزوجة الشريرة لملك إسرائيل المرتد، الذي لم يكن سوى أداة في يدها، المؤيدة والنصيرة لأسوأ أشكال العبادة الوثنية، والقاتلة، ومع ذلك امرأة ذكية وذات تصميم وعزيمة، هي الشخص الأكثر بروزاً الذي يرد ذكر اسمه في الخطاب الموجه إلى الملاك. لا يمكننا أن نعتبرها مصادفة محض أن أول ذكر لثَيَاتيرَا مرتبط بامرأة (أعمال ١٦)، بل شخصية مختلفة عن المسماة هنا. هناك نقاط مفاجئة من التغاير والتشابه بين ليدية، المسيحية ذات العزيمة والفعالة والنشيطة والكريمة وذات العلاقة مع بولس (أعمال ١٦)، وإيزابل، الوثنية الغيورة والمحبة وعلاقتها بإيليا (الملوك الأول ١٨: ١٩).

الرسالة الرابعة هي الأطول بين السبعة، وتميز بدء المجموعة الثانية التي يستمر فيها تاريخ كل كنيسة وصولاً إلى المجيء الثاني للرب. الإشارة الأولى المباشرة في هذه الرسائل إلى المجيء الثاني نجدها هنا (الآيات ٢٥- ٢٨).

حالة الكنيسة العاجزة اليائسة الفاسدة- هذه الحالة التي لا يمكنها أن تخرج منها، والتي لا تستطيع أن تتحسن معها، هي سمة أخرى لافتة، تميزها عن الكنائس الثلاثة السابقة. فهنا، إذاً، يتكاثر الشر بشكل قوي ويفسد التعليم من الداخل. كانت برغامس تتساهل مع شرور معينة خطيرة جسيمة؛ ولكن ثَيَاتيرَا فيها هذه الممارسات الشريرة حتى أنها تصبح أم الأنظمة الشريرة المماثلة، "أَوْلاَدُهَا". يا لها من علامة مميزة حقاً لهذه الكنيسة!

من الملامح المميزة الأخرى هو أن بقية تقية تتميز فيها الآن بالشكل وتتم مخاطبتها بشكل منفصل (الآية ٢٤)، مميزة هكذا الكنيسة أو الجماعة عن البقية أو الفئة المخلصة الأمينة.

إضافة إلى ذلك، الدعوة إلى الإصغاء التي في الرسالة إلى أفسس وسميرنا وبرغامس تسبق الوعود للغالب، ففي ثَيَاتيرَا والكنائس الأخرى نجد الدعوة بعد الوعود، بحيث يُختتم بها كل خطاب. في الرسائل الثلاثة الأولى إلى الكنيسة هناك ربط مع الدعوة إلى السماع، بينما في الرسائل الأربعة الأخيرة الغالبون مرتبطون بالكلمات، فـ "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ".

من الملامح المذهلة أيضاً في الرسالة إلى هذه الكنيسة هي أنه، وللمرة الأولى والوحيدة، في مسار هذه الرسائل، يتم التعريف باسم المتكلم الإلهي- ابن الله؛ هذا اللقب ذي العلاقة الشخصية والإلهية لا يُستخدم في أي مكان آخر من سفر الرؤيا.

المتكلم الإلهي:

١٨- "هَذَا يَقُولُهُ ابْنُ الله". إن ناسوت الرب وعلاقاته بالجنس البشري يتبديان في هذا اللقب "ابن الإنسان". وألوهة الرب وعلاقته بالله تُعلن في لقب "ابن الله". مجده وعلاقته بالكنائس يراها الرائي يوحنا كـ "ابن الإنسان" (١: ١٣). لماذا يتم التعريف به هنا، وهنا فقط، بلقب "ابن الله"؟ إليكم الجواب. تغطي ثَيَاتيرَا تاريخياً فترة العصور الوسطى أو المظلمة، وتصور بمصطلحات مختصرة ورموز بسيطة النظام البابوي، أسوأ من حمل الاسم المسيحي وأكثر من أساء إلى هذا الاسم على الأرض. في البابوية كل فكر حقيقي عن الكنيسة مفقود. صحيح أنها تتبجح على الملأ بالوحدة، ولكنها وحدة تفرضها عندما وحيث تستطيع بمجادلات مفحمة من التعذيب بالحديد والنار والسجن- خلافاً للوحدة الإلهية التي يطلبها الروح القدس (١ كور ١٢: ١٣)، كما النور إلى الظلمة. البابوية تُسكت صوت المسيح، الذي يُفترض أن يكون رأس جسدها، الذي هو الكنيسة، ومدبر بيت الله. ومن هنا إيراد هذا اللقب في الكلمات الافتتاحية من الخطاب. ليس بطرس، بل المسيح، كابن الله الحي، هو مؤسس الكنيسة (متى ١٦: ١٦- ١٨). بطرس، أيضاً، جُعل مدبراً للكنيسة بدلاً من المسيح. ولكن الرب لا يتخلى عن حقوقه، ويُطالب بها عندما وحيث الحاجة ليؤكد على امتيازه الإلهي بأنه ابن الله. عندما تنجرف الكنيسة من حال سيء إلى حال أسوأ، تكون الحاجة أكثر ما يكون إلى تأكيد المجد الإلهي والعلاقة مع ربنا. فإن خسرنا هذا، خسرنا كل شيء. إن لقب "ابن الله" قائم دائماً وأبداً، إنه لقب أُعطي له لدى دخوله إلى هذا العالم كإنسان (مز ٢؛ أعمال ١٣: ٣٣).

عيناه ورجلاه:

١٨- "الَّذي لَهُ عَيْنَان كَلَهيب نَارٍ، وَرجْلاَهُ مثْلُ النُّحَاس النَّقيّ". هذا جزء من الوصف المفصل لابن الإنسان الممجد الذي رآه يوحنا من قبل (١: ١٤، ١٥). وهنا، كلتا هاتين الصفتين من السيادة والسلطة الصارمة يمارسها ابن الله. حسن الذي ذكر أنه هو الذي عُهدت إليه كل دينونة، وهو الذي يُنفّذ إدانته بشكل لا مجال للخطأ فيه، وهو ليس فقط إنساناً (يوحنا ٥: ٢٢، ٢٧)، بل هو إله أيضاً. ذاك الذي بيده صولجان الحكم إلهي هو كما وبشري أيضاً. عيناه "كَلَهيب نَارٍ" تشير إلى عدم تساهله أو قبوله للشر. سيسبر أغوار الخطيئة ويكتشفها مهما كانت مخفية أو مخبأة فمن أو ما الذي يستطيع أن ينجو من عينيه اللتين هما كلهيب نار؟ "رجْلاَهُ مثْلُ النُّحَاس النَّقيّ". ما تكتشفه عيناه، ستطأ عليه قدماه. إن الأحكام القضائية الصلبة والعدالة غير القابلة للثني يُرمز إليها بالقول أن له "رجلين كالنحَاس النَّقيّ". كل شكل منظم من الشر يحمل اسم المسيح (الآية ٢٣) يجب أن يُدمر. جبال أدوم في الأيام الأخيرة تقدم مثلاً مريعاً عن الانتقام الإلهي وعن تطبيق هذا الرمز الصاعق المستخدم هنا (أشعياء ٦٣: ١- ٦). عندما سيأتي الرب بشخصه ليضع يمينه على كل العالم تحت السماء فإن قدميه تُشبهان بـ "عَمُودَيْ نَارٍ" (رؤيا ١٠: ١، ٢)، مع تغيير بسيط في صياغة الكلمات الواردة في الصورة المجازية ما يعني ضمناً هدف وفعل الرب الثابت الراسخ في توكيده الصارم على حقوقه الكونية. "النار" هو رمز معبر عن الدينونة، سواء على المسيح كذبيحة (لاويين ١)، أو على الأشرار (مرقس ٩: ٤٣؛ لوقا ١٦: ٢٤؛ ٢ تسالونيكي ١: ٨).

إطراء حار:

١٩- "أَنَا عَارفٌ أَعْمَالَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَخدْمَتَكَ وَإيمَانَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّ أَعْمَالَكَ الأَخيرَةَ أَكْثَرُ منَ الأُولَى". كلمات توبيخ قوي وصارم تسبقها كلمات مديح وإطراء هي أجمل ما يكون. "أَنَا عَارفٌ أَعْمَالَكَ" تأتي في كل خطة أو رسالة. ولكن هذه الكلمات لا نجدها في الرسائل إلى سميرنا وبرغامس. حالة هذه الكنائس تمنع فكرة "الأعمال"، إذ الأولى تتميز بالمعاناة، والأخيرة بالإخلاص. التعبير "أعمال" يأتي مرتين في سياق هذا الإطراء. الملاك في أفسس تراجعت محبته، بينما ملاك ثياتيرا ازدادت أعماله. كلما زادت ظلمة الليل كلما ازدادت الجماعة التقية تكرساً للرب وغيرة له؛ "أَعْمَالَكَ الأَخيرَةَ أَكْثَرُ منَ الأُولَى"-  أكثر عدداً، وأكثر نقاوة، وأكثر رفعة في طابعها كثمرة من ثمار الإيمان. ولكن هذه الكنيسة تُمتدح أيضاً على محبتها، وإيمانها، وخدمتها، واحتمالها، هذه الميزات الأربعة المميزة للحياة المسيحية ١٦.. المحبة الأولى (غلاطية ٥: ٢٢) والتي هي أعظم النعم المسيحية (١ كور ١٣: ١٣)، تأتي في رأس القائمة. ثياتيرا أيضاً، ووحدها، بين الكنائس السبعة، تُمتدح لأجل "المحبة" و"الخدمة" فيها. هذه الأخيرة سوف تعتنق الخدمة بأوسع معنى لها من الناحية الروحية والدنيوية.

اتهام خطير:

٢٠- "لَكنْ عنْدي عَلَيْكَ قَليلٌ: أَنَّكَ تُسَيّبُ الْمَرْأَةَ إيزَابَلَ الَّتي تَقُولُ إنَّهَا نَبيَّةٌ، حَتَّى تُعَلّمَ وَتُغْويَ عَبيدي أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ للأَوْثَان". الرب لديه اتهام خطير وكبير ضد الملاك. كانت الكنيسة متمثلة بوكلائها تسمح بالشر في وسطها من خلال أبشع صورة ظهرت حتى الآن. بمعنى آخر، إن البابوية هي في مقدمة هذا الخطاب. إن تفوق الكرسي الرسولي الروماني (البابوي) هو تطور لذاك الجدال الذي نشأ بين التلاميذ حول "من هو الأعظم" في ملكوت السماوات (مرقس ٩: ٣٣، ٣٤) ١٧.. تلك كانت حالة الكنيسة بشكل عام في القرون الوسطى كما تمثّلها كنيسة ثياتيرا كدليل واضح عليها.

الترتيب التاريخي للكنائس:

إن الترتيب المتعاقب للكنائس يُلفت انتباهنا إلى عهود متميزة وذات ملامح خاصة لا تخفى على أي دارس لتاريخ الكنيسة. قد يورد المؤرخ تفاصيل، تكون لافتة للانتباه أحياناً، ولكن مبادئ تاريخ الكنيسة والملامح الرئيسية فيه تُظهر أن التفاصيل ما هي إلا نتيجة التطور، وهذه الملامح نجدها مكتوبة بشكل واضح في الأصحاحين الثاني والثالث من سفر الرؤيا. تراجع المحبة الأولى ختمت القرن الأول، الذي تُمثّله كنيسة أفسس. وإن الاضطهاد الذي تعرضت له الكنيسة لمدة أكثر من قرنين والذي مرّ بفترات صعود وهبوط وتقطعات، تشهد له كنيسة سميرنا. بعد ذلك، وبحسب التسلسل التاريخي،؟ نأتي إلى عهد قسطنطين، عندما دمر الإمبراطور الكنيسة بذهبه والتشريفات ومراسم الحفاوة والتكريم. هذا الحدث المحزن هو الأمر الرديء الذي ميز القرن الرابع، ويتجلّى واضحاً في كنيسة برغامس. التاريخ المتعاقب يظهر تطور النظام البابوي منذ ادعاء السلطة والسيادة والأعلوية في مجمع سرديقية، عام ٣٤٧ م، وحتى القرن السابع، عندما تحطمت ادعاءاتها المتعجرفة الطنانة بالألقاب، والحفاوات، أمام العبادة الواجبة والحقّة الجديرة بربنا ومخلصنا يسوع المسيح. بعد ذلك، ومن القرن الثامن حتى فجر الإصلاح، فرضت البابوية ذلك الادعاء بالسيادة الكونية للبابوية على ممالك الأرض، ونفوس وأجساد البشر، بل حتى وصلت إلى حد الزعم بأنها تملك مفاتيح الفردوس نفسه، وكان ذلك بالقوة والاحتيال والخداع. وهذا الادعاء بالسيادة الكونية ظل مستمراً، وينتظر مجيء يوم ما ليفرضونه بالقوة. وهذه هي الصورة المريعة التي نجدها في ثياتيرا. إن الإصلاح الذي جرى في القرن السادس عشر قد حطم نير البابوية وأمن مقداراً من الحرية لأوربا. لوثر، وبكتاب مقدس مفتوح كان أكثر من ند أو نظير للبابا الذي كان يساعده ويحرضه أقوى ملك في ذلك العصر. لم تكن تلك الضربة قاضية بالنسبة إلى البابوية، فتعافت منها شيئاً فشيئاً. إن ملامح الإصلاح والبروتستانتية نجدها بارزة في الرسالة إلى سَارْدس. ولكن كانت هناك حاجة إلى إصلاح آخر، يتميز بمسيحية حيوية وعملية. وهذا ما أحدثه روح الله في بداية القرن الأخير. أخيراً، حالة اللا حرارة واللا برودة، انعدام وجود المسيح، مع التبجح والثروة والسيادة، والرضى عن الذات، أيضاً، هي الميزة الرئيسية التي تتبدى عليها الكنيسة في اليوم. الصليب خارج وداخل أبنيتها، والمسيح خارجاً يقرع على الباب من أجل الأفراد ليدخل، وهذا ما نجده في كنيسة لاودكية. إن الكنيسة ترفض أن تصغي إلى صوته أو تقر بسلطانه.

إيزابل أو البابوية:

كانت إيزابل امرأة، وملكة، وعابدة أوثان، ومضطَهدة، والحاكم الفعلي والمدير لحكم اليهود. لم يكن أَخْآبُ سوى دمية في يديها (الملوك الأول ١٨- ٢١). هكذا تظهر إيزابل وأكثر في الرؤيا. إذ كانت تجمع في ذاتها هذه المواصفات والمواصفات الأخرى التي تميز النظام البابوي (رؤيا ١٧ و ١٨)، كانت تنتحل بتكبّر لقب "النبية". كانت تدعي أنها تعلم بسلطان. وإذ تجمع ذلك مع التعليم يمكنها أن تستخدم كل فنون وإغراءات الأذهان المدربة بشكل خاص على أن تؤثر بشكل يحقق لها هدفها الفظيع. إن كل من يتبع كنيسة روما البابوية يقول: "أصغوا إلى الكنيسة الأم". "الكنيسة لا يمكن أن تخطئ في الإيمان أو الأخلاق"، ولابد أنكم تفهمون أن "الكنيسة" يُقصد بها البابوية بنقاوتها وبساطتها. إن تعاليمها وإغواءاتها، ورغم أنها ضد الكتاب المقدس والفهم البشري، يجب أن تُقبل على أنها ذات سلطان ومعصومة عن الخطأ. هذه عقيدة عند روما. الكنيسة لا يمكن أن تخطئ، ولذلك لا يمكن أن تتقدم. ومن هنا يأتي توافق وترافق روما والجهل، روما والإيمان بالخرافات، روما وعدم التفكير، كما يدلنا التاريخ بشواهد لا حصر لها. تخاف روما النور وتخاف الكتاب المقدس. يقول أتباع الكنيسة الرومانية: "الكنيسة تعلّم". بينما يقول البروتستانت: "رسالة الكنيسة هي الكرازة ونشر الإنجيل". كلاهما على خطأ. التعليم والكرازة ليستا موهبتان مقتصرتان على الكنيسة فقط، ولا هما مسؤوليتها. الكنيسة تتلقى التعليم ولا تُعلّم. التعليم والكرازة كلاهما موهبتان يمنحهما الرب لخدامه (أفسس ٤: ٨- ١٢).

إنها تتبع سياسة "ضلّل خدامي". هذا ما تفعله إيزابل العصر الحديث. لقد حوّلت المسيحيين المعترفين (الذين يُشار إليهم هنا بـ "الخدّام" إذ يحملون ذلك الاسم وتلك الشخصية) عن المسيح نحو مريم؛ وعن المسيح الوسيط الوحيد والشفيع الوحيد (١ تيموثاوس ٢: ٥؛ رومية ٨: ٣٤) إلى الأموات؛ وحوّلت المؤمنين عن المسيح إلى البابا؛ وعن الذبيحة الوحيدة ذات القيمة الأبدية إلى ذبيحة القداس؛ وحوّلتهم عن كلمة الله والثقة بها إلى تقاليد البشر غير المضمونة؛ وبشكل عام، حوّلت المسيحية إلى وثنية ممسحنة. أليس الاتهام إذاً كبيراً وجسيماً وخطيراً وتستحقه؟

إلى أين يقود هذا التباعد الكبير عن الحق؟ ما هي النتيجة الطبيعية التي سيصل إليها أولئك الذين ضلوا؟ إن نهاية الأخطاء البابوية، والخداع في التعاليم التجديفية، والممارسات الشريرة، والبغضاء التي لا تنتهي لكل ما هو خارج الشركة معها، هي أن تحصل على موالين مخدوعين يصل بهم الأمر إلى "أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ للأَوْثَان"- أي الزنا والوثنية. كانت هاتان الخطيئتان هما الأكبر في كنيسة برغامس، ونجدهما هنا راسختان ومكثفتان. يجب أن نلاحظ أيضاً أن الشرور في برغامس تُذكر بترتيب معاكس- الوثنية أولاً ثم الزنا (الآية ١٤). هذان الشران الشيطانيان كانا يُعلّمان ويُمارسان في الكنيسة نفسها. ولعله كان هناك وسط كنيسة ثياتيرا نظير فعلي للفاجرة إيزابل التي من العهد القديم، التي كانت تمارس هذين الشرين اللذين لم يشجبهما الملاك. ولكن هذه الخطايا الشائنة يجب أن تُفهم بالمعنى الواسع الشامل، وبالتوافق مع الفكرة التي تتكرر مراراً مع هذا التفسير هنا، أي الحالة العامة الوصفية للكنيسة ككل في زمن معين. تلك الشرور المريعة كانت تميز الكنيسة في القرون الوسطى.

الزنا، الذي يُشار إليه هنا رمزياً، هو الذي يمارسه المعترفون باسم الرب، ويتمثل بالاتصال المحظور المحرم مع العالم. فما كان قد بدأ مع قسطنطين وجد احتمال تحقيقه في البابوية. إن الادعاء بامتلاك السلطتين الروحية والزمنية معاً، على نطاق عالمي، كانت التحفة الفنية في البابوية. كانت الممالك تُمنح، والتيجان تُعطى والمناصب تُوزّع بحسب إرادة ذاك الذي يلقّب بنفسه بأنه "نائب يسوع المسيح"، وخليفة بطرس، الممسوح من الرب، إله فرعون، شبه الإله، وراء البشر، الأدنى قليلاً من الله، والأعظم من الإنسان، الذي يدين كل البشر، وما من إنسان يدينه ١٨.. إن الاتحاد الرديء بين الكنيسة والعالم وجد أعلى مستوياته كنظام في البابوية. إنه زنا روحي.

وتأتي بعدها المشاركة في عبادة الأصنام، التي تترافق بالضرورة مع الشر السابق. عبادة الأوثان في الكنيسة تتناقض مع نفسها، ومع ذلك فهي حقيقية. إننا نرى أن الكنيسة الرومانية واليونانية هي أنظمة وثنية معمَّدة، وإلى حد ما الكنيسة الأنغليكانية، كلها تنطبق عليها هذه التهمة. إن الكثير من تعاليمها وعقائدها، وأعيادها، وطقوسها، وشعائرها، والثياب الكهنوتية، والألقاب، هي وثنية المنشأ والأصل. لقد رفض الوثنيون تبني العبادة المسيحية وعقائدها، بينما الكنيسة- الأكثر شراً- تبنت عادات وثنية، وأعطتها أسماء مسيحية ١٩.. إذا أجرينا مقارنة بسيطة بين نظام الحكم في كنيسة العهد الجديد مع آليات العبادة غير الروحية ونظام الحكم في الكنائس الرومانية والشرقية والأنغليكانية، فإن القارئ سوف يُدهش إذ سيرى أنه ليس هناك ولو نقطة واحدة متشابهة بينها. ولكن هل الكنائس المستقيمة الإيمان بريئة من لطخة الوثنية؟ ألم تستعر ممارسات وعادات من الكنيسة الرومانية؟ إن البروتستانتية ليست هي المسيحية بالضرورة. إن انقطاع كنائس الإصلاح عن البابوية لم يكن كاملاً كما يجب. ممارسات رومانية عديدة وعقائد وتعاليم ذات مصدر وثني لا تزال باقية في الكنائس المُصلَحة. كل صيغ العبادة وقوانين الإيمان العقائدي التي لا تستند إلى الكتاب المقدس بشكل مباشر تُبعد القلب والعين عن المسيح. وهناك أشياء أخرى أُعطيت أسماء أخرى، وهذه تُعتبر عبادة وثنية.

زمنٌ للتوبة:

٢١- "وَأَعْطَيْتُهَا زَمَاناً لكَيْ تَتُوبَ عَنْ زنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ". لا تزال روما موجودة. بالمبدأ هي لا تتغير. إنها تستعيد ببطءٍ قوتها وهيئتها القديمة. أي البابوية، وقد حكمت لأكثر من ألف سنة، ولكنها لم تتب. إضافة إلى ذلك فقد مرت عليها فترة من النعمة من الإصلاح حتى الآن ولم تتغير البابوية- بل هي شريرة كما دائماً، وتضطهد المؤمنين كالعادة، وفاحشة كالعادة، وحافلة بالوثنية كما عهدها. لقد أعطاها الرب "زَمَاناً لكَيْ تَتُوبَ" ولكنها لَمْ تَتُبْ. إن إيزابل في السنوات الـ ١٣٠٠ الأخيرة وأكثر هي النبوءة الرؤيوية عن بابل. اقرأوا عن سماتها وأعمالها في الأصحاحات ١٧ و ١٨، وستجدون أنها بدل أن تتوب قد صارت إلى حال أسوأ وعتمة أكبر وأن أعمالها ازدادت سوءاً وقتامةً أكثر من الماضي. يا لعظمة الرب الذي يمنحها هكذا رحمة وافرة، وهكذا فرصة لتتوب، مع أن هذا على ما يبدو كان بلا طائل أو جدوى. لقد تم تدوين الدينونة الإلهية بالقول: "لم تتب عن زناها". ليست المسألة أنها لا تستطيع أن تتوب بل لا تريد أن تتوب. البابوية فاسدة بالكلية. وطابعها ثابت راسخ، وبالتالي فمصيرها المشروم لا تغيير فيه.

إيزابل، مناصريها وأولادها:

٢٢- "هَا أَنَا أُلْقيهَا في فرَاشٍ، وَالَّذينَ يَزْنُونَ مَعَهَا في ضيقَةٍ عَظيمَةٍ، إنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالهمْ. وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بالْمَوْت". هنا نجد ثلاثة أطراف مهددة بالدينونة: (١) إيزابل؛ (٢) أولئك الذين يتواصلون معها؛ (٣) وأولادها. قد علمنا للتو من الرؤيا أن إيزابل لن تتوب، ولذلك فإن دينونتها مؤكدة؛ وأولئك الذين يتواصلون معها أيضاً مهددون بالدينونة ما لم يتوبوا "عَنْ أَعْمَالهمْ". وأولادها- الأشخاص والأنظمة- الذين وُلدوا في روما، والذين تشرّبوا مبادئها وتعاليمها أيضاً مهددون بالموت.

"هَا أَنَا أُلْقيهَا في فرَاشٍ". كلمة "فرَاش" تستخدم بشكل واضح في تناقض مع فراش المومس اللاهثة وراء متعتها المحرّمة. سيكون فراش بلوى. "الَّذينَ يَزْنُونَ مَعَهَا". هذا هو المثال الأول والوحيد الذي تأتي فيه كلمة "زنى" في سفر الرؤيا. أولئك الذين عبثوا مع الشر وتنجسوا باتصالهم مع إيزابل، هم الجماعة التي يتحدث عنها النص هنا- إنهم جماعة يزدادون في زمننا، جماعة تولد في رحم الروح الزائفة المتمثلة في التساهل واللامبالاة من ناحية الشر. أولادها قتلهم "بالْمَوْت" وفي هذا تعبير مميز يشير إلى شدة دينونة الرب. وهذا يجد انعكاساً له في الأصحاحين ١٧ و١٨ من الرؤيا. هذا هو طابع البابوية ومصيرها المشؤوم، هي وكل من يتصلون بها بشكل مباشر أو غير مباشر. هناك درجات للإثم، ولكن النقطة الأساسية التي يجب التركيز عليها هي أن الله يدين الشر على مقدار تواصل كل واحد معه.

درس ووعد:

٢٣- "فَسَتَعْرفُ جَميعُ الْكَنَائس أَنّي أَنَا هُوَ الْفَاحصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبَ، وَسَأُعْطي كُلَّ وَاحدٍ منْكُمْ بحَسَب أَعْمَاله". إن التأثير الفعلي في كشف الرب عن الشر الكامن في العالم المسيحي وعن دينونته هو أن الكنائس ستعرف أن المسيح هو فاحص الكلى والقلوب. إذ سيظهر الشر المخفي سيُكشف أمام الضوء، وسيُعترف بالمسيح على أنه الفاحص الإلهي للأفكار السرية والأعمال المخفية للناس. كان هذا الفعل أمراً مقصوراً على الرب يهوه وحده في العهد القديم (إرميا ١٧: ١٠)، وعلى الكنائس أن تتعلّم هذا الدرس، وإلا أن يعرفوا أن المسيح، الذي سيتعاملون معه، يمارس دوره الجليل هذا. إن المعرفة الكلية هي له وحده.

ولكن بينما الأنظمة، التي سيُعترف بأنها صالحة أو سيئة، سوف تُدان، هناك أيضاً دينونة فردية على أعمال كل إنسان. والدينونة لن تكون على شخص المؤمن ولا على خطاياه (يوحنا ٥: ٢٤؛ عبرانيين ١٠: ١٧)، بل أعمال كل واحد سوف تُمحص على ضوء ذلك اليوم، وسيمنح الرب مديحاً أو لوماً للمرء بناء على ذلك. سيضع الرب دينونة عادلة على أعمال كل من يحمل اسمه. كم نحن في حاجة لمعرفة ذلك إزاء التساهل العام على الشر وانحلال الأخلاق الذي نجده سائداً ومنتشراً اليوم.

الباقون أو غير المنجّسين:

٢٤- "وَلَكنَّني أَقُولُ لَكُمْ وَللْبَاقينَ في ثَيَاتيرَا، كُلّ الَّذينَ لَيْسَ لَهُمْ هَذَا التَّعْليمُ، وَالَّذينَ لَمْ يَعْرفُوا أَعْمَاقَ الشَّيْطَان، كَمَا يَقُولُونَ، إنّي لاَ أُلْقي عَلَيْكُمْ ثقْلاً آخَرَ، وَإنَّمَا الَّذي عنْدَكُمْ تَمَسَّكُوا به إلَى أَنْ أَجيءَ". لم تكن كنيسة القرون الوسطى فاسدة بالكلية. البيجيون والفالدنيون في القرن الثالث عشر كانوا في منأى عن "أُمّ الزَّوَاني". شكلوا مع آخرين مجموعة نبيلة من الشهود ضد فساد روما. لقد كانوا سليمي الإيمان. لم يستطع أحد أن يشكو عليهم. لقد استنكروا بجرأة أخطاء وهرطقات النظام البابوي. لقد كانوا عموماً فلاحين بسطاء وغير مثقفين وسكان جبال عتاة، جاهلين لأغوار الشر، أو ما يقال هنا "أَعْمَاقَ الشَّيْطَان". وما كان الله ليزيد على أثقالهم؛ ولم يتلقوا تعاليم جديدة. كانوا متماسكين ومصممين على ألا يستسلموا بل أن "يتمسكوا" بالإيمان. ما كانوا يتوقعون إصلاحاً ولا أي تحسين لحالة الأشياء القائمة. ما كان هناك احتمال لاستعادة الكنيسة. ولذلك فإن عيون وقلوب "الباقين" كانت تتجه نحو الأمام وليس نحو الوراء، وذلك "إلَى أَنْ أَجيءَ". إن مجيء الرب هو غاية الرجاء. العودة إلى الحالة الأصلية للكنيسة بدت مستحيلة. فمن أين يستمد الأمناء الإخلاص؟ وكم ستطول معاناتهم ويحفظون طابع الشهادة؟ "إلَى أَنْ أَجيءَ". تلك هي لحظة الانعتاق الموعودة.

مكافأة الأمانة:

٢٦، ٢٧- "وَمَنْ يَغْلبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالي إلَى النّهَايَة فَسَأُعْطيه سُلْطَاناً عَلَى الأُمَم، فَيَرْعَاهُمْ بقَضيبٍ منْ حَديدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنيَةٌ منْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضاً منْ عنْد أَبي". لا يكفي أن ننكر إيزابل، وتعاليمها وأعمالها، بل "مَنْ يَغْلبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالي" ذاك يتوَّج. إكليل النصر يوضع على جبين من يحفظ طريق الرب بأمانة إلى المنتهى. الموت أو مجيء الرب هو ذاك المنتهى. "أَعْمَالي" تتناقض بشكل واضح مع أعمال إيزابل (الآية ٢٣). "أعمالها" كانت فاحشة. أما "أعماله" فهي مقدسة.

إن الطابع العام الكبير والواسع للوعد يتجاوز كل ما كان لدينا، أعني به "سُلْطَاناً عَلَى الأُمَم". هذا الأمر نفسه كان هدف الطموح البابوي. لقد وضع البابا، مجازياً وحرفياً، قدمه على عنق الملوك، وفي اليوم القصير الآتي من حكم الشيطان (الآيات ١٢- ١٩) ستركب المرأة على الوحش وتسيطر لفترة على القوى وسلطان القوة الغربية المنتعشة على نطاق واسع وكامل لم يشهد له مثيل من قبل. ولكن السلطة تُغتصب، وفترة الحكم تكون قصيرة، وأدوات حكمها الاستبدادي تصبح عوامل دمارها (١٧: ١٦، ١٧).

سلطة القديسين على الأمم متمادّة مع سلطة المسيح، على فترة زمنية تعادل ألف سنة. الغالبون سيحكمون ويرعون الأمم الغاضبة والمتمردة بيد من حديد. ستُكسر إرادتهم، ويُحطم كبرياؤهم، ويُنثر مجدهم في التراب، كشظايا الأواني السريعة الانكسار.

٢٧- "كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضاً منْ عنْد أَبي". من اللافت أن نلاحظ أن منح السلطة على الأمم هو حق للمسيح فقط (مزمور ٢)، ولكن نفس السلطة غير المحدودة والسيطرة مضمون للغالب الذي يثابر حتى النهاية. المكانة العامة والنصيب في الابن يتشاركها الغالبون. الكلمات نفسها التي يعطي بها الآب الأمم، الوثنية، والأرض على أكملها للابن يستخدمها الرب نفسها ليمنح شعبه الغالب نصيبهم العام (قارن الآية ٢٧ مع المزمور ٢: ٩).

٢٨- "وَأُعْطيه كَوْكَبَ الصُّبْح". لقد تشاركنا مع المسيح في ملكوته ومجده، ولكن ها هنا يتم تقديم وعد آخر وأكثر غنىً للغالب: "أُعْطيه كَوْكَبَ الصُّبْح"، وهذا اهتمام شخصي بالمسيح نفسه. فيسوع، في شخصه، كـ "شمس البر" لإسرائيل يشفي الشعب ويأتي بالبركة، ولكن في شخصه كـ "كوكب الصبح" يظهر قبل شروق الشمس إلى خاصته وحدهم. السابق له علاقة بالكنيسة (٢٢: ١٦)؛ والأخير مرتبط ببني إسرائيل (ملاخي ٤: ٢). فالرب يأتي إذاً ليُقدّم يوم سعادة لإسرائيل والعالم. الشمس ستُبعثر الغيوم وستبتهج الأرض، ولكن أول شعاع ضوئي خافت سيخترق العتمة والظلام اللذان لفا هذا العالم الحزين سيكون ظاهراً وسيبتهج به كل غالب، وعندها وفي رفقته سندخل منتصرين إلى مجال سلطانه الواسع وميراثنا (قارن بين ٢٨؛ ٢٢: ١٦، مع ملاخي ٤: ٢).

الدعوة إلى السماع:

٢٩- "منْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ للْكَنَائس". في هذه الرسالة كان الروح القدس يتكلم بنبرة جليلة. طابع البابوية وقدرها المشؤوم قد خطّها قلم الله. إن الروح يتكلم إلى الكنائس. الدعوة إلى السماع في الرسالة السابقة قد جُعلت قبل الخطاب الموجّه إلى الغالب. وهنا، بالتالي، الدعوة إلى السماع توضع بعد الخطاب الموجه إلى الفاتح. لمَ هذا؟ في الكنائس الثلاثة الأولى كان الجسد يعترف به ظاهرياً على أنه لله، وقد "يسمع". في الكنائس الأربع الأخيرة، الجسد المعترف يُعامل على أنه عاجز عن التوبة، ولذلك فوحدهم الذين يسمعون ويستجيبون لدعوة الروح القدس يُشكّلون الجماعة الغالبة.


١. - انظر الاتهام الفظيع المبرهن بشكل كامل، والتهم الموضوعة بإيجاز، في كتاب "الحملات الصليبية ضد المسيحيين، أو الهجمات الرسمية على المسيحية" للكاتب روبرت ب. سي. كورفي (منشورات سيمبكين ومارشال).

٢. - نيقولاوس ("غالب الناس") يُطابق مع بلعام، بحسب علم دلالة الألفاظ في الكلمة الأخيرة، كما كلمة "سيد" بحسب آخر، على أنها تعني "مفترس الناس". كلا الاشتقاقين غير مؤكدين، وأفضل العلماء المختصين بالدراسات واللغة العبرية (جيسينيوس وفورست، والذي يقول الأخير بإمكانية معنى "مفترس") يفسران الاسم لا على أنه يعني الناس، بل الأجنبي أو الغريب- "إي. هـ. بلامبتر د.د".

٣. - يقول إكيومينيوس أنهم كانوا "الأكثر فحشاء" في العقيدة، وفي حياتهم. ويوجز و. كيلي بشكل دقيق حالتهم قائلاً: "يبدو أن جوهر النيقولاوية هو سوء استخدام النعمة وصولاً إلى الاستخفاف بالأخلاقيات"- "محاضرات على سفر الرؤيا"، ص. ٤٨.

٤. - ترد كلمة "توبة" ١٢ مرة في سفر الرؤيا، ولكنها لا ترد في بقية كتابات القديس يوحنا.

٥. - تأتي الكلمة "أذنان" في الإنجيل؛ بينما "أذن" في الرؤيا.

٦. - كلمة "فردوس" لا تستخدم في جنة عدن. ترد هذه الكلمة ٦ مرات في الكتاب المقدس: نحميا ٢: ٨ يترجمها "غاب"؛ سفر الجامعة ٢: ٥؛ نشيد الأنشاد ٤: ١٣ يترجمها "بستان"؛ لوقا ٢٣: ٤٣؛ رؤيا ٢: ٧؛ ٢ كور ١٢: ٤. الفردوس هي مكان فعلي موجود الآن وفي حالة القيامة. لم يستخدم موسى هذه الكلمة أبداً. وسليمان كان أول من استخدمه.

٧. - من جديد نجد هذا التعبير القوي في الخطاب إلى فيلادلفيا (٣: ٩). وهنا نجده إزاء الكنيسة في معاناتها؛ وهناك في عداوتها للكنيسة في ضعفها. إن المجمع (الجماعة اليهودية) والكنيسة (الجماعة المسيحية) يميز بينهما الرسول يعقوب؛ من أجل الأولى انظر ٢: ٢، ومن أجل الثانية انظر ٥: ١٤.

٨. - "الموت الثاني" يأتي في مغايرة مع الموت الأول. الموت عند البشر هو توقف الحياة البشرية والنشاط على الأرض. إنه يؤدي إلى فصل مؤقت للروح عن الجسد، ولكن القيامة توحّدهما وتقدم الشرير إلى "الموت الثاني"، بحيرة النار. لا يتلاشى الكيان عندما يموت المرء، ولا يتوقف الوعي والإدراك عنده. فبعد الموت وقبل القيامة يكون الإنسان في الجحيم، تلك الحالة بين الموت والقيامة، ويكون له ذاكرة، وإدراك، وقدرة على الكلام، وعقل، الخ. لاشك أن هذه الصورة المرعبة هي حقيقة مريعة يومية، وهذه ليست من باب المثل (لوقا ١٦: ١٩- ٣١). "الموت الثاني" هو بحيرة النار. "الجسم المقام سيُصار قادراً على تحمل الغضب المتقد للإله القدير، سواء كانت النار مادية أم لا. موت الجسد هو رمز لـ "الموت الثاني"، ولكن بما أن المرموز إليه يفوق الرمز، كذلك الأمر فإن "الموت الثاني" يفوق الأول ويتجاوزه بدرجات كبيرة.

٩. - في كتابه التاريخي الموجز والرائع، "القرون المسيحية الثمانية عشر"، يورد الاضطهادات الوثنية العشرة كما يلي: كان الأول في عهد نيرون (٥٤ م)، والثاني في عهد دوميتيانوس (٨١ م)، والثالث في عهد تراجانوس (٩٨ م)، والرابع في عهد أدريانوس (١١٧ م)، والخامس في عهد سبتيميوس سيفيروس (١٩٣ م)، والسادس في عهد ماكسيميانوس (٢٣٥ م)، والسابع في عهد ديسيوس (٢٤٩ م)، والثامن في عهد فاليريانوس (٢٥٤ م)، والتاسع في عهد أورليانوس (٢٧٠ م)، والعاشر في عهد ديوكليتيانوس (٢٨٤ م). من المستحيل أن نحدد في جميع الحالات التاريخ الدقيق للسنة عندما بدأ كل اضطهاد. لقد كانت القوانين التشريعية ضد المسيحية تعلّق أو تطبق بحسب رغبة من كان إمبراطوراً حاكماً آنذاك. قوانين دوميتيانوس الداعية إلى الاضطهاد أبطلها نيرفا اللطيف، وقوانين ديوكليتيانوس أبطلها أول إمبراطور مسيحي، قسطنطين.

١٠. - المراسم الإلهية كانت تُدفع إلى الأباطرة الرومان، وفي جو انعدام التقوى هذا كانت برغامس رائدة في أسيا. يقول مؤرخ روماني: "مدينة برغامس كان لها الفضل في بناء هيكل على شرف الإمبراطور أغسطس"، وكانت قد توسلت إلى طيباريوس ليُشيدوا له أيضاً هيكلاً آخر. ومن اللافت أن الطور الأخير من الشر الوثني العام هو عبادة الوحش، أو قوة روما المنتعشة، على شكل مميت مهلك.

١١. - "قاطنوا الأرض" هم جماعة من الناس مرتدون في غالبيتهم قد عُرضت عليهم الدعوة السماوية، ولكنهم اختاروا الأرض عن عمد كنصيب لهم بدلاً من ذلك.

١٢. - يتكلم أندرياس عن رواية شهادة أنتيباس الذي كان موجوداً في عصره وعن مجادلاته الجريئة ضد متهميه. ويُقال أنه أُلقي إلى الثور النحاسي في فترة حكم دوميتيانوس- "الرؤيا، مع ملاحظات وتأملات"، ص. ٣٠.

١٣. - هناك نقاط تشابه معينة متوازية بين الأمثال السبعة في متى ١٣ والكنائس السبعة في رؤيا ٢ و٣، وخاصة بين المثل الأول والثالث مقارنة مع الكنيسة الأولى والثالثة. "الملكوت" هو موضوع متى ١٣؛ و "الكنيسة" هي موضوع رؤيا ٢ و٣.

١٤. - في ١ كورنثوس ١٠: ٨ عدد الذين هلكوا يبلغ ٢٣٠٠٠ولكن الكلمات "سقط في يوم واحد" فيها دليل واضح كافٍ عن التعارض في رقم الذين هلكوا. العدد الكامل الذي هلك ليس من الضروري أن يكونوا قد ماتوا في يوم واحد. يقول موسى بالرقم الأكبر دون أن يشير إلى الفترة الزمنية التي غطت تنفيذ الدينونة.

١٥. - اتُهم إسرائيل بالزنى بسبب شركته مع الأمميين (إرميا ٣: ٨)، لأنه كان يُنظر إليه على أنه عروس للرب يهوه. الكنيسة اتُهمت بالزنى في اتصالها المحرم مع العالم (رؤيا ٢: ٢١)، لأنها كانت ستقترن بالحمل.

١٦. - إن الكلمة الأصلية هي (agapa )، ويفضل ترجمتها بكلمة "محبة" (love )  بدل كلمة (charity ) التي تحمل ضمن معناها جانب الصدقة أو الإحسان.

١٧. - إن التطور التاريخي للبابوية ظهر منذ القرن الرابع الميلادي، عندما بدأ الادعاء بأعلوية أو تقدم البابوية، واستمر حتى القرن الثامن، عندما ظهرت المطالبة بالسيادة الكونية، روحية وزمنية، كما يُظهر كتاب "نشوء السلطة البابوية" للكاتب هوساي.

١٨. - إينوسانت الثالث، الذي اعتلى الكرسي البابوي في بداية القرن العشرين. المضطهد للمؤمنين القاسي وعديم الشفقة.

١٩. - لقد تم التقصي عن كل هذا بشكل كامل وتم التحقق منه بشكل لا يرقى إليه الشك في ذلك الكتاب المميز: "بابلين" الذي كتبه هيسلوب. انظر أيضاً كتاب "المدن الأسرارية في الكتاب المقدس"، و"تاريخ الكنيسة عند موشم"، الأجزاء ١ و٢ من طبعة عام ١٨٤٥.