الأصحاح ١٧

بابل والوحش

سقوط بابل:

رأينا سقوط بابل يُعلن عنه وهو الحدث الثالث من سلسلة الأحداث التي يكشف عنها الأصحاح ١٤. تحت الجام السابع تتم دينونة ذلك النظام الآثم. بمعنى آخر، رؤيا ١٤: ٨ يتزامن مع ١٦: ١٩، ومن هنا فإن الأحداث الرابع والخامس والسادس والسابع في الأصحاح ١٤ تحدث بعد سكب الجام السابع. وهذا الأمر هام لفهم الأجزاء المختلفة والرؤى المختلفة من سفر الرؤيا. ثم نجد الحديث عن طابع بابل، وعلاقتها مع الوحش وملوك الأرض عموماً، وتفاصيل عن إدانتها تنكشف في الأصحاحين التاليين (١٧ و١٨). لا يجب الافتراض بأن مادة هذه الأصحاحات تابعة للجام السابع. السرد ليس مترابطاً منطقياً. تحتل بابل مكانة مرموقة في التاريخ، وتوصف بشكل كبير في الكتاب المقدس على أنها عدو الله ومستعبدة لشعبه. إنها تُفرز بشكل خاص للدينونة، ومن هنا الحاجة على إظهار طابعها، وعلاقاتها، ونهايتها. لماذا ستتمايز بابل دون سواها كموضع لانتقام الرب؟ بأية وسيلة وعن طريق من سيتم تنفيذ دينونتها؟ الأصحاحان ١٧ و١٨ يجيبان على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى تخطر على بال القارئ بشكل طبيعي. ولذا فإن الأصحاحات ١٤: ٨؛ ١٦: ٩؛ ١٧- ١٩: ٤ تتوافق معاً، ويجب قراءتها على أنها قصة واحدة.

يُقسم الأصحاح بشكل طبيعي إلى جزأين. يصف الأول الزانية العظيمة كما يراها الرائي في الرؤيا (الآيات ١- ٦). والثاني (الآيات ٧- ١٨) أكثر أهمية وتفصيلاً، إذ يقدم خلاصة وافية رائعة عن تاريخ الوحش المستقبلي، في علاقته مع الزانية ومع خروف الحمل كليهما. أن تكون روما هي المقصودة أمر أكيد نستشفه من الآية ١٨. هذا الجزء من النبوءة يجب أن يُدرس بعناية وبروح صلاة عند جميع دارسي الكتابات النبوية.

زانية الشيطان وعروس الحمل:

من كل الجهات نجد هاتين المرأتين على تضاد كامل. الزانية خاضعة للشيطان. والعروس خاضعة للمسيح. وأحد ملائكة الجامات يُظهر كلتيهما للرائي المتعجب. البرية ١ (١٧: ٣) وجَبَلٍ عَظيمٍ عَالٍ (٢١: ١٠) هي نقاط المراقبة. بابل العظيمة تطلع من الأرض؛ أصلها التاريخي بشري (تك ١١: ١- ٩)، وتطور يومها الأخير شيطاني، كما يتبدى لنا من سفر الرؤيا. أورشليم الجيدة تنزل من السماء، عالمها الأصلي، ومن الله، مصدر بركتها. الشيطان يزين الأولى (١٧: ٤)؛ والله يزخرف الأخرى (١٩: ١٨). الدمار الأبدي هو نصيب الزانية؛ والمجد الأبدي هو النصيب السعيد للعروس.

وصف الزانية الكبيرة

(الآيات ١- ٦):

المرأة والوحش:

١- الرائي يرى أولاً الزانية الكبيرة تجلس على "الْميَاه ٢ الْكَثيرَة" (انظر إرميا ٥١: ١٣).

في تفسير الرؤيا (الآيات ٧- ١٨) نعلم من تكون هذه المياه: "الْميَاهُ الَّتي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانيَةُ جَالسَةٌ هيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسنَةٌ". إدخال كلمة "الكثيرة" إلى الصيغة الاعتيادية يعبر عن العالمية التي تميز الطابع المتغاير الخواص والعناصر لهؤلاء الأتباع الخاضعين لسيطرتها. "الزَّانيَة الْعَظيمَة الْجَالسَة عَلَى الْميَاه الْكَثيرَة". إنها تحكم وتسيطر على الأمم دينياً، كما يفعل الوحش سياسياً. اتباعها عمل عالمي تقريباً. وهي نفسها نظام ديني واسع. المرأة والوحش يمثلان أفكاراً واضحةً. الأولى هي نظام ديني؛ والأخير هو السلطة المدنية؛ فساد الحق يميز بابل. الإرادة الذاتية الوقحة والمعارضة العلنية لله هي ملامح مميزة للوحش. الفساد والإرادة الذاتية كانت قيد العمل منذ عصور باكرة، وفي الحقيقة كانتا الشرين الأكبرين مطلقي السراح وسط الجنس البشري في الفترة التي سبقت الطوفان (تك ٦: ١١). وهنا نشهد التطور الأعلى للجرائم نفسها. الفساد نحو الله؛ والعنف نحو البشر. السابق متجسد ومتمركز في المرأة، والتي هي فاسقة، إذ توصف بأنها زانية وأم الزواني؛ الوحش شرير علانية ويمارس قوة متوحشة، يسحق كل مناوئيه بقسوة، وفي النهاية يخرج في قوة عسكرية لينظم صفوف بكل وقاحة ضد المسيح وجيشه السماوي (رؤ ١٩: ١٩).

يدمر الوحش أولاً المرأة، ثم ينتفخ بالانتصار ويسكر بالسلطة بجنون ويقود جيشه ضد الخروف وجنده المقاتل. مبادئ بابل كانت فاعلة منذ أزمان بعيدة، ولكن أوج تطورها سيكون في المستقبل. إنها ليست النظام البابوي وحده، بل الأحزاب والجماعات التي تحمل اسم المسيح في نظام واسع شرير. مزايا البابوية في القرون الوسطى تتم مشاهدتها بشكل واضح من خلال الزانية في سفر الرؤيا. "الزَّانيَة الْعَظيمَة" ليست فقط النسخة المزيفة الشيطانية للكنيسة الحقيقية، بل هي تعبير مركز لكل حركة ضد المسيح وطائفة تكون قيد الوجود آنذاك، متوحدة ويتحكم بها الشيطان. إدعاءات الزانية تؤيدها القوى العسكرية وهيبة الإمبراطورية المرتدة، بينما يمتد تأثيرها إلى كل أرجاء العالم المعروف.

هذا النظام الهائل من الزنى الروحي هو بلا شك تحفة الشيطان وأضخم شر تحت الشمس.

الزَّانيَة الْعَظيمَة:

٢- هذه إذاً بابل العظيمة: "الَّتي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْض، وَسَكرَ سُكَّانُ الأَرْض منْ خَمْر زنَاهَا". هذا في المستقبل، روما السعي إلى تذكر أحداث ماضية تتعلق بطابع وأفعال البابوية في الأزمنة المظلمة في العصور الوسطى. الزانية تشكل أولاً تحالفاً آثماً مع ملوك الأرض، أي القادة السياسيون العظماء في العالم المسيحي، ثم تثمل بخمر زناها. "سُكَّانُ الأَرْض" أي المرتدون المسيحيون. شر أولئك الذين كانوا يوماً مسيحيين معترفين يبلغ ذروتهم آنذاك. يتركون المسيح، ويهملون النداء السماوي والمسيحية، ويستسلمون إلى المسرات القصيرة الأجل التي في كأس خمر الزانية. إنه ليروعنا التفكير في مهنة وطبيعة ومصير سُكَّانُ الأَرْض هؤلاء، فهم تميزوا بفساد أخلاقي واعتُبر أنهم أسوأ الناس على وجه الأرض.

الزنى الروحي:

الزنى- "زَنَتَا بِأَصْنَامِهِمَا" (حزقيال ٢٣: ٣٧)- هي خطيئة معينة كان يرتكبها إسرائيل القديم على اعتباره عروساً للرب ٣ (إرميا ٣: ١٤؛ أشعياء ٥٤: ١). ولذلك فقد طُلّقت ٤. ولكن في هدف ونعمة الرب سيستعيد إسرائيل وضعه في علاقته المباركة السابقة والتي لن يفقدها من جديد أبداً ما دامت الشمس والقمر. الزنى، أو التواصل المحرم والاتصال مع العالم المرتد الآثم، هو الاتهام الفظيع ضد بابل- المرأة الفاسدة والفاسقة التي توقع في شركها ومسرتها القصيرة الأجل كل من يقع تحت تأثيرها- ملوكاً وشعباً، من ذوي المقام العالي أو العادي. التألق المغري والعرض العهري لهذه المرأة المتروكة يؤثر على كل الطبقات، ويدمر أخلاقياً أولئك الذين تلقي عليهم سلاسلها الذهبية ويشربون من كأسها. كل فكرة صحيحة وحقيقية عن المسيح تتلاشى حيث يتم اقتبال تملق المرأة ومغازلتها.

الوحش الذي تجلس عليه المرأة:

٣- "فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالسَةً عَلَى وَحْشٍ قرْمزيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْديفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ". الوحش، إن لم يكن الشخص الأكثر بروزاً في الرؤيا، هو على الأقل الجزء المتمم من النبوة. تبعية الوحش من الزانية يعبر عنها الرائي بقوله: "رَأَيْتُ امْرَأَةً جَالسَةً عَلَى وَحْشٍ قرْمزيٍّ". يدل الحدث على الخضوع الكامل والكلي للسلطة المدنية. حكم وسيادة المرأة على القوى المرتدة والإمبراطورية الواسعة منظر فريد من نوعه. المرأة، ليس فقط تجلس على أو بجانب الأمم والشعوب المشتملين في المنطقة النبوية (الآية ١)، بل هي تحكم الوحش أيضاً، الذي يكون آنذاك مسيطراً على السلطة المدنية والسياسية على الأرض (الآية ٣).

المشهد في الرؤيا حيث تُشاهد هذه الرؤيا الغريبة هو في صحراء، مكان عزلة وانعزال كلي. يا له من تضاد مذهل مع صورة المرأة والوحش! الروعة الفائقة لكليهما تجتذب القلب وتسكر مشاعر الجميع، ما عدا بقية متألمة لا ترى في هذه الأبهة الفارغة سوى صحراء، لأن الله لا يكون موجوداً هناك. فليست سوى بريق كبير يلمع، مشهد فخم يسبق الانهيار والدمار النهائي.

ولكن من هو الوحش القرمزي الذي تجلس عليه المرأة، والذي منه تستمد قوتها المادية، ومن خلاله تنفذ أوامرها؟ إنه الحكومة السياسية للعالم، بمجدها وعظمتها، هي المشار إليها باللون القرمزي ٥. لا شك أنها قوة روما العالمية هي التي يُشار إليها هنا، وقد انتعشت في أبهة وفخامة وعظمة، وسيطر عليها الشيطان. يُذكر الوحش أولاً في سفر الرؤيا في الأصحاح ١١، ويتم تقديمه على نحو مفاجئ في التاريخ كموضوع معروف ومفهوم.

٣- "مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْديفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ". في ١٣: ١، الرؤوس السبعة، أو سلطة الحكم الكاملة للإمبراطورية، عليها "أسماء تجديف". وهنا الوحش نفسه يُقال بأنه "مَمْلُوء أَسْمَاءَ تَجْديفٍ" (١٧: ٣). ليس فقط أن السلطة التنفيذية في الإمبراطورية قد ارتبطت بتعابير عديدة متنوعة ذات طابع تجديفي، بل الإمبراطورية نفسها، بكل أجزائها، قد صارت فاسدة بالكلية؛ وصفات الوقاحة والتجديف تميزها طوال الوقت. "أَسْمَاءَ تَجْديف" تشير إلى أشكال عديدة ومتنوعة من التمرد والإرادة الذاتية ضد الله.

٣- "لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ". الإشارة الأسبق إلى الـ "سبعة رؤوس" على الوحش هناك تشير إلى اكتمال السلطة الإدارية (١٣: ١)، ولكن هنا، وكما رأينا في التفسير (١٧: ١٠)، الرؤوس تمثل أشكالاً متعاقبة من الحكم. القرون تمثل شخصيات ملكية (الآية ١٢). في ١٢: ٣ التنين له سبعة رؤوس وعشرة قرون؛ الرؤوس هي المتوجة. في ١٣: ١ الوحش له عشرة قرون وسبع رؤوس، والقرون هي المتوجة هنا. ولكن في أصحاحنا، لا الرؤوس ولا القرون متوجة. الشخصيات الملكية التي نراها في الرؤيا لم تكن تتمتع بوقار ملكي كامل؛ ولذلك، ففي تفسير الملاك للقرون العشرة للوحش، نقرأ: "وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتي رَأَيْتَ هيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لَكنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحدَةً مَعَ الْوَحْش" (الآية ١٢) أي أنهم يحكمون بسلطة ملكية في اتحاد مع الوحش، القرن الصغير في دانيال ٧: ٨، ٢٠ كونه سيدهم.

المرأة في مجدها:

٤- "وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبلَةً بأُرْجُوانٍ وَقرْمزٍ، وَمُتَحَلّيَةً بذَهَبٍ وَحجَارَةٍ كَريمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ". أما وقد رأينا الحالة مع الوحش، فننتقل لمشاهدة الكنيسة في المرأة، ولسطوتها لفترة على السلطة المدنية. إنها تركب الوحش، وتتحكم به لأجل أغراضها الأنانية الذاتية. ولكنها أشد خطراً بكثير من الاثنين. الوحش يجدف علانية ويضطهد القديسين الذين يقفون آنذاك مدافعين عن حقوق الله. المرأة مغوية وجذابة، وقد جمعت إلى نفسها ثقل وروعة القاعات، والقصور، وباختصار، المجد المبهرج للعالم، فتجلس كملكة، وتنال بفنونها وتملقاتها المغرية قلب العالم المسيحي. ويكون الله معزولاً في فكر البشر.

الثوب، الأرجواني والقرمزي، هو الذي يميز بشكل خاص الباباوات والكاردينالات. زخاريفها المذهبة والحجارة الكريمة واللآلئ هي من بين الرموز الرئيسية التي تشير إلى الكبرياء والمجد الباباويين. الفضة لا تُذكر هنا. في خدمات الكنيسة الباباوية استُبدلت الفضة بالذهب. ونقطة التشابه بين بابل والكنيسة الرومية هي أن المرأة ترتدي تتزين ببهرجة العالم وحليه. لقد أسلمت نفسها إلى كل ما يعتبره العالم الأعلى والأسمى والأكثر قيمة من ناحية الممتلكات والثروة المادية؛ وهذا هو مسعى العالم وهو تكديس وتجميع الثروات.

٤- "وَمَعَهَا كَأْسٌ منْ ذَهَبٍ في يَدهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَات زنَاهَا". بابل كنظام يغمرها بهاء وفخامة ومجد خارجي فتجتذب القلب الطبيعي وخيال الإنسان، وتحيره وتذهله. ولكن الأسوأ هو أنها تحمل بيدها كأساً من ذهب. يا له من إغواء! الكأس من ذهب، ولكن محتوياتها تكشف أسفل درجات الانحطاط والإثم الذي غاصت إليها. الوحش القرمزي، لون التنين (١٢: ٣)، كان مليئاً بالأسماء، أو عبارات التجديف، وهكذا فإن كأس المرأة هنا "مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَات زنَاهَا". هذين الشرين، الزنى والفساد، يميزان الطور الأخير من الكنيسة المعترفة على الأرض. "رَجَاسَات" تشير إلى الوثنية (٢ مل ٢٣: ١٣؛ أش ٤٤: ١٩، حز ١٦: ٣٦)، و"نَجَاسَات" تدل على الفساد الفظيع الكبير (٢: ٢١؛ ٩: ٢١). الصنمية وأسوأ أشكال الشر تميز المرأة. كأسها مملوء بشرور فظيعة. وقد وصلت إلى القمة. هذه الأشياء يسعى إليها العالم الوثني، أما العالم المسيحي، والذي هو الآن مشهد من النور النعمة والحق، سيصبح المستنبت والمصدر لكل ما هو فاحش وفاسد دينياً وبشكل فظيع. ومع ذلك يرسم هذا الأصحاح بكلمات ورموز واضحة مستقبلة هذه الأراضي. الروح القدس يسكن الآن في الكنيسة المعترفة، ولكن عندئذ سيكسكن الشيطان فيها، بحضوره وبأعماله الفظيعة. نشكر الله لأجل شهادة يسوع الأكيدة بأن الكنيسة التي يبنيها منيعة (متى ١٦: ١٨)، ونصرها النهائي مضمون بالتأكيد (أف ٥: ٢٧).

بابل كأم:

٥- "وَعَلَى جبْهَتهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سرٌّ. بَابلُ الْعَظيمَةُ أُمُّ الزَّوَاني وَرَجَاسَات الأَرْض»". الطابع المخزي لبابل يتم إظهاره تالياً. اسمها محمول علانية وبشكل يتعذر محوه على جبهتها، وهكذا يقرأه الجميع ويفهم الطبيعة الحقيقية لهذا النظام الفظيع- وهو صورة زائفة عن الكنيسة الحقيقية. اسمها مركب. فأولاً، "سر". الاستخدام العام للكلمة في العهد الجديد يمثل ما يتم الإعلان عنه الآن، وما كان سراً حتى الآن (مت ١٣؛ أف ٥: ٣٢، الخ). الكنيسة تابعة للمسيح؛ والمرأة لا تتبع أحداً. إنها تغتصب مكان المسيح من السيادة على الأمم. هي سر حقاً. كان يجب أن تخلص لله وللحقيقة، ولكنها تُشاهد الآن كتجسيد للخطأ، وكل ما هو شر وإثم. ثانياً، "بابل العظيمة". إنه نظام ضخم من الشر الروحي. فهي عظيمة وسيئة كما كانت بابل، التي استعبدت شعب الله القديم، وهي في غاية السوء حتى أن مصيرها المشؤوم محتوم بالتأكيد (إر ٥١: ٦٤)، ومع ذلك فإنها تفوق كثيراً نظيرتها الروحية، بابل العظيمة في سفر الرؤيا. الأولى كانت آثمة، ولكن الأخيرة أشد منها إثماً. في بابل العظيمة مشهد تجمعاً في نظام واسع واحد لكل الشرور التي كانت تحطم الكنيسة في العصور الماضية. وها هي الذروة. الشرور التي أثرت على العالم المسيحي هي التي يتم التركيز عليها هنا. الأيام الأخيرة من الكنيسة على الأرض هي أشدها سوءاً. المسيحية هي نتاج مشترك عن الألوهية، ولكن العالم المسيحي يُرى هنا على أنه أسوأ ما في الأرض. في الحقيقة، تُعطى المرأة لقب "بابل العظيمة". ذاك الذي كان يجب أن يُعتب خزياً لها نجدها تتبجح به. ثالثاً، "أُمُّ الزَّوَاني وَرَجَاسَات الأَرْض". نسلها كثير العدد. هي أم، ومصدر كل نظام ديني يحكم العالم. الوثنية الدينية في كل صيغة وشكل، كل شرك وموضوع مضلل؛ باختصار ، الأنظمة، والأشياء، والعقائد، والمواد التي يستخدمها الشيطان ليحيد البشر عن الله نجد مصدرها هنا- بابل العظيمة. الملامح الأخلاقية لبابل هي نفسها على الدوام- لا تتبدل عبر كل العصور. نراها هنا في أسوأ أحوالها لأنه في آخر ساعاتها، هي أم لكل ما هو كريه أخلاقياً. هذا إذاً هو الطابع العلني الذي تحمله المرأة كما في الأيام القديمة حيث كانت تُمارس في أماكن محددة أن تحمل الزواني أسماء وسمعة الشر على جباههم. إن أخفق المعجبون بالمرأة في رؤية شخصيتها الحقيقية بسبب سكرهم ببهرجتها وعظمته وأبهتها الظاهرة فإن الروحيين لا يفعلون ذلك.

الْمَرْأَةَ السَكْرَى من الدَم وتعجُّب الرائي:

٦- "وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى منْ دَم الْقدّيسينَ وَمنْ دَم شُهَدَاء يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظيماً". يمكن أن نتفهم سبب كراهية القوى الوثنية لأتباع وشهود يسوع، ولكن أن تكون المرأة، التي هي الكنيسة في تلك الأيام والأوقات، هي نفسها تهرق دم قديسي الله، هو في الواقع مسألة تثير عجب الرائي. هي التي استنبطت وسائل القسوة الجهنمية في العصور الوسطى. والسلطة المدنية هي أداة بيد المرأة. المحرض الحقيقي، القوة وراء السلطة المدنية، هو الزانية. في طرف تنورتها الدم الذي سُفك بإسراف على مر العصور جميعاً. ترث بابل إثم كل سلطة دينية مضطهدة سابقة (مت ٢٣: ٣٥). لم تحكم على الماضي أبداً. تاريخها أسود بما فيه الكفاية وملطخ بالدم في كل صفحة منه، دم أولئك الأعزاء على الله والمسيح. يتعجب الرائي من المنظر المريع. تُرى الكنيسة هنا على أنها الأشر على وجه الأرض. وإلى هذا يؤول مصير الكنيسة المعترفة. لا شيء يفوقها فخامة وأبهة وعظمة ووثنية وفحشاً وقسوةً. "تَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظيماً" (الآية ٢)، والمرأة نفسها سكرى من الدم. وهذان أيضاً، أي المرتدين والمرأة، هما آنذاك أسوأ من على وجه الأرض، وعلى كليهما يقع غضب الله ونقمته في لهيب نار لا يمكن إطفائها.

كشف سرّ المرأة والوحش

(الآيات ٧- ١٨)

٧- "ثُمَّ قَالَ لي الْمَلاَكُ: «لمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سرَّ الْمَرْأَة وَالْوَحْش الْحَامل لَهَا، الَّذي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ". رأينا سر المسيح والكنيسة (أفسس ٥)، والآن سيشرح الملاك للرائي، ومن خلاله لنا، سر المرأة والوحش.

الوحش: أربعة أطوار من تاريخه:

٨- "الْوَحْشُ الَّذي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتيدٌ أَنْ يَصْعَدَ منَ الْهَاويَة وَيَمْضيَ إلَى الْهَلاَك. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكنُونَ عَلَى الأَرْض الَّذينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً في سفْر الْحَيَاة مُنْذُ تَأْسيس الْعَالَم، حينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائنٌ". نجد هنا تاريخ أعظم امبراطورية شهدها العالم وقد صدرت بحقها أربعة أحكام جازمة موجزة. اثنان منها هما للمستقبل. المرأة والوحش متمايزان. الأولى هي السلطة الكنسية؛ والأخيرة هي السلطة المدنية. كلتاهما تبدوان شريرتان ومرتدتان. تبدو المرأة في الرؤيا في ذروة ازدهارها، مغرورة، مغوية، وقاتلة. هي في قمة الكبرياء والقوة التي تسبق سقوطها. ونرى الوحش على وشك أن يدخل إلى الطور الثالث من تاريخه-  خارجاً من الهاوية. هذه الملامح التي هي أفظع ما يكون تضاف إلى نهوضه البشري وتاريخه- يخرجه الشيطان من محبس الشياطين، من الظلمة والشر في ذلك العالم حيث سيادته مطلقة.

يتحول الملاك عن المرأة نحو الوحش عندما يتم تفسير الرؤيا. ويتوقف يوحنا عن التعجب أمام فظاعة الصورة.

(١) الإمبراطورية القديمة تُرى في الرؤيا إذ "كَانَت"؛ أي كانت موجودة في حالتها الإمبراطورية بعهد يوحنا، وذلك حتى دمارها عام ٤٧٦ م.

(٢) "وَلَيْسَ الآنَ". أي ليس لها وجود سياسي حالي. الممالك التي شكلتها تبقى بالطبع، ولكن الإمبراطورية لا تعود موجودة. أوربا الحديثة، باهتماماتها المتضاربة،  والغيرة بينها، والممالك المنفصلة، هي نتيجة الانهيار الكامل لإمبراطورية قيصر التي كانت يوماً ما غير منقسمة. الجزء الغربي من الإمبراطورية، والذي يسقط أخيراً، هو الأشد إثماً على الإطلاق، لأنه العالم الذي كان يفترض أن يشع فيه النور المسيحي والنعمة. هذان الطوران من الإمبراطورية مسألتان بسيطتان في التاريخ، ولكن الملامح المتبقية نبوية، وكُتبت فقط على صفحات السفر المقدس. الله يرفع الحجاب، ونرى، بعد انقضاء عدة قرون، الإمبراطورية التي كانت يوماً محط دهشة الناس- مصدر انذهال العالم المسيحي المرتد.

(٣) "عَتيدٌ أَنْ يَصْعَدَ منَ الْهَاويَة". الشيطان سيُنعش الإمبراطورية، ثم يطبعها بشخصيته. الجنس البشري للوحش يجب أن نميزه عن الانتعاش الشيطاني وسط الأسبوع النبوي السبعين في عهد طرد الشيطان من السماء (الأصحاح ١٢). الرائي يراه في رؤيا في ليلة انتعاشه. "عَتيدٌ أَنْ يَصْعَدَ". الهاوية تنتج هذا المسخ الآثم- الوحش. السماء تنفتح فتعطي الكنيسة- عروس الخروف.

(٤) "وَيَمْضيَ إلَى الْهَلاَك". هذا هو الطور الأخير من السلطة الأممية. لقد ظهرت روما إلى الوجود عام ٧٥٣ ق. م ومرت عبر تجارب كثيرة، ونجت من عواصف سياسية عديدة، إلى أن وصلت إلى ذروة مجدها في عهد المسيح. ارتباطها بالمسيح ويهوذا هي الأزمة الكبرى في تاريخ الإمبراطورية. الوحش من خلال ممثله صلب الرب بعد إعلانه ببراءته ثلاث مرات. وبالتالي فإن دم الناس أُريق بعدد كبير حتى أن ملايين تعرضوا للذبح الفظيع كما يسجل التاريخ، في حين أن البقية البائسة قد بيعت بأعداد هائلة وغرقت سوق العبيد بتجارة البشر، ولم يكن يوجد هناك من يشتري، فتفرقوا في كل أرجاء العالم. يتذكر الله هذه الأعمال. وقد أتت ساعة الانتقام. الوحش قُدر أن يكون مصيره إلى بحيرة النار. والدمار النهائي يلحق بإمبراطورية قيصر التي كانت يوماً ما مقتدرة.

عودة الظهور الشيطاني للإمبراطورية:

عندما تعود الإمبراطورية إلى الظهور بشكلها الأخير والشيطاني ستكون موضوع تعجب علني، ما عدا بالنسبة إلى المفديين. يا لها من حالة من الأشياء قد وصلنا إليها! الشيطان يخرج من ظلمة الحفرة صدفة يكيفها ويتحكم بها وتكون ظاهرياً مثل الإمبراطورية، ومع ذلك فهي ذات ملامح شيطانية. سيتساءل الناس عندئذ ويسجدون لكلا الشيطان وأداوته البشرية (١٣: ٤، ١٢). النخبة لهم أسماء مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم. كل تلك الأزمنة المستقبلية كانت في فكر الله وقد تدبر لها ببصيرته. هذا السفر هو نفسه كما في ١٣: ٨، فهناك فقط نعلم أن السفر يتعلق بالخروف المذبوح. نقرأ عن سفر حياة آخر في ٣: ٥؛ ولكن هناك السفر هو سفر المسيحيين المعترفين، صادقين وكاذبين، لأن بعض الأسماء ستكون قد مُسحت وأخرى باقية. ولكن في أصحاحنا، السفر، أو سجل الحياة، هو حقيقة واقعية، ومن هنا فما من اسم يصيبه لطخ. كل ما هو ضمن العالم المسيحي العريض سيُنقل إلى حالة تعجب عند عودة ظهور هذه الظاهرة المذهلة- الجميع ما خلا المختارين. ولهؤلاء ستنكشف حقيقة الوحش.

سرُّ الوحشِ:

٩- ١٣- "هُنَا الذّهْنُ الَّذي لَهُ حكْمَةٌ! السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ هيَ سَبْعَةُ جبَالٍ عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالسَةً. وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْت بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغي أَنْ يَبْقَى قَليلاً. وَالْوَحْشُ الَّذي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامنٌ، وَهُوَ منَ السَّبْعَة، وَيَمْضي إلَى الْهَلاَك. وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتي رَأَيْتَ هيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لَكنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحدَةً مَعَ الْوَحْش. هَؤُلاَء لَهُمْ رَأْيٌ وَاحدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ". هذه النبوءات شغلت فكر الناس أكثر ما يكون من الإعلان الكتابي وكان فيها مجال كبير للتحزير. وبالتأكيد فإن هذه الأمور المتعلقة بالمستقبل تتطلب رزانة في الفكر. ففي مجال النبوءة المختصة بالمستقبل تُصبح قدرة  البشر على تعلّم الفهم ضعيفة. إن الحكمة البشرية التي تستمد حقائق ومبادئ من الماضي أو الحاضر تصبح عاجزة هنا. المستقبل ينكشف فقط في الكتاب المقدس. وأعظم أخطاء التفسير للنبوءات قد ارتُكبت هنا، وليس على يد الجموع الجاهلة، بل الناس المتعلّمين. إننا نتكل كلياً على تعليم الكتاب المقدس في أية معرفة نمتلكها حول الأحداث المستقبلية. الله وحده هو الذي يستطيع أن يكشف المستقبل (أشعياء ٤١: ٢١- ٢٣). ومن هنا تأتي قوة الكلمات التمهيدية: "هُنَا الذّهْنُ الَّذي لَهُ حكْمَةٌ". الحكمة الحقيقية تقف على عتبة التساؤل النبوي، وتسأل بوقار: "ما هو المكتوب؟ ٦" وهذا هو أساس الفهم. لمزيد من التفسير للرؤيا يتم توجيه الحكيم هنا. الملامح الأساسية للوحش الذي كان يحمل المرأة هي رؤوسه السبعة وقرونه العشرة (الآيات ٣، ٧)، وهذه تشكل جزءاً رئيسياً من التفسير. يأتي ذكر الرؤوس أولاً. وهناك تطبيق مضاعف للرمز "سبعة رؤوس".

روما والبابوية:

(١) "السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ هيَ سَبْعَةُ جبَالٍ عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالسَةً". روما، المدينة ذات الهضاب السبعة هي التي يُشار إليها هان على أنها كرسي ومركز سلطة المرأة المركزية وتأثيرها. إنها المكان الذي تموضعت فيه البابوية وانتعشت، بشكل أو بآخر، لأكثر من ٥٠٠ سنة. البابوية تتعافى الآن ببطء من الجراح التي أصيبت بها؛ أولاً في القرن السادس عشر، ومن ثم في وقتنا المعاصر الذي صارت فيه سلطتها مؤقتة. حيويتها مثيرة للانتباه. طاقاتها متمركزة الآن على استعادة أمم أوربا إلى حظيرتها. اهتداء انكلترا مشروع مذهل، وحدث يمكن توقعه خلال زمن وجيز- هكذا تفكر وتقول البابوية. أن تجتمع شعوب أوربا المعاصرة المستنيرة في نهاية الأمر تحت سلطان المرأة يبدو أمراً حقيقياً واضحاً من هذا الأصحاح، وإن كان حدثاً محزناً ومؤلماً .عمل الإصلاح العظيم بنتائجه العامة والخارجية يتلاشى، بينما قبول مبادئ روما وممارساتها هو الذي يسود على نحو مطرد. التقدم الماكر والمثابر للبابوية في جوانب الحياة- السياسية، والاجتماعية، والدينية- هو عامل تحذيري في الوضع الحالي. البروتستانتية ككل لا مبالية على نحو فظيع. النداء في الصراع القديم أن "لا للبابوية" ما عاد يستطيع إيقاظ الشعب. إنه نائم. رواد النقد الأعلى في نقدهم الشكوكي الملحد والهدّام قوّضوا الإيمان بالكتابات المقدسة؛ بينما محاولات المسيحيين الحقيقيين في إزالة سيل الأخطاء البابوية يتوازى مع تعدد الطوائف الناشئ عن استحالة القيام بعمل موحد إضافة إلى اللامبالاة المتنامية لما هو من الله.

التاريخ السياسي للوحش:

(٢) "وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ"، أي رؤوس أو أشكال من الحكم المدني والسياسي. الإشارة المحلية إلى روما في الآية ٩ لا شك فيها. ومع ذلك فهناك تفسير إضافي توضيحي. الرؤوس السبعة للوحش تُمثل سبعة أشكال متعاقبة من الحكم ابتداءً من صعود الإمبراطورية العالمية الرابعة، مروراً بكل تاريخها وصولاً إلى نهايتها.

١٠- "خَمْسَةٌ سَقَطُوا". هؤلاء ملوك وحكام ومستبدين وأعضاء مجلس عُشاريّ ومدافعون عن حقوق العامّة ومصالحها.

١٠- "وَوَاحدٌ مَوْجُودٌ". هذا هو السادس، أو الشكل الإمبراطوري من الحكم الذي أسسه يوليوس قيصر، والذي خلاله نُفي يوحنا إلى جزيرة بطمس في عهد دوميتيان. أشكال السلطة السابقة ما عادت موجودة. الإمبراطور الأول، يوليوس، امتص السلطة مغطاة بالأسماء القديمة التي بها حُكمت روما، وبدأ النسل الإمبراطوري الطويل الذي صار واضحاً في العام ٤٧٦ ميلادية.

١٠- "وَالآخَرُ لَمْ يَأْت بَعْدُ". وهكذا بين انحلال الإمبراطورية وعودة ظهورها الشيطاني المستقبلي مرت عدة قرون. "وَمَتَى أَتَى يَنْبَغي أَنْ يَبْقَى قَليلاً". هذا هو الرأس السابع. إنه صعود الإمبراطورية الساقطة تحت ظروف وأحوال جديدة نجد صورة عنها في ١٣: ١. عندما سيأتي الوحش بعد ذلك إلى المشهد سيتميز بسلطة مكتملة وإدارية من نوع تجديفي وسيتألف من عشرة ممالك، لكل منها ملك خاص بها، ولكنها جميعاً تبقى خاضعة للرئيس الأممي الكبير الذي سيسيطر على الإمبراطورية ويمسك الجميع بقبصة من حديد. وهذا الوقت القصير من استمرار هذا الشكل الخاص من الحكم يوضحه القول "يَبْقَى قَليلاً" ما يدل على أن فترة هذه الحالة الشاذة من الأمور في ظل الإمبراطورية المنتعشة سيليها ما هو أسوأ.

١١- "وَالْوَحْشُ الَّذي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامنٌ، وَهُوَ منَ السَّبْعَة". الاتحاد الضخم في روما يُنظر إليه هنا بملامحه الأساسية كما كانت حالته دائماً. إنه "الثامن". لدينا هنا تقدم على الانتعاش التاريخي للوحش (١٣: ١). لأن السنوات الثلاث والنصف التي تسبق مجيء الرب بقوة ومجد سيكون الشيطان مسيطراً فيها على الوحش ومتحكماً به. لقد أنعشه من الهاوية. إن الوحش في حالته الأخيرة والأسوأ يخرج من الهاوية متمايزاً عن خروجه في البداية (دا ٧: ١)، ومختلفاً عن انتعاشه البشري المستقبلي (رؤيا ١٣: ١). ومن هنا فإنه يمثل صورة متكاملة بحد ذاتها، ولذا يُقال أنه "الثامن". طابعه الشيطاني وقد أنعشه الشيطان يدل عليه استخدام العدد الترتيبي. لدينا عودة الظهور البشري للإمبراطورية في الأصحاح ١٣ وانتعاشها الجهنمي في الأصحاح ١٧.

١١- "وَهُوَ منَ السَّبْعَة". ستكون هناك ملامح معينة تختص بالوحش في المرحلتين الأخيرتين من تاريخه. على الأرجح أن تستمر هيئة السلطة تحت الرأس السابع. وفي جوانب أخرى، إن الممسك الأخير بالسلطة الأممية ستطؤه أقدام من سبقه. ولذلك فسوف يكون "منَ السَّبْعَة" والثامن كشخصية متمايزة. لعله يمكننا القول هنا أن الوحش واحكمه الشخصي مترابطان حيوياً جداً لدرجة أن الحديث يكون عن كليهما بذات العبارات؛ ومن هنا فإن الوحش يهلك ويُلقى، بشخص رئيسه الكبير الأخير، إلى بحيرة النار. الحاكم المطلق الأخير يطبع شخصيته على الإمبراطورية. ويمكن اعتبارهما منفصلين كما في دانيال ٧، أو متطابقين كما في أصحاحنا.

١١- "وَيَمْضي إلَى الْهَلاَك"، أو إلى جهنم. هذا يتحقق مع بدء الحكم الألفي، ويوصف صورياً في ١٩: ١٧- ٢١. طيور السماء تُدعى إلى "عشاء الله العظيم". إنهم يُدعون ليتغذوا ويأكلوا لدى الله العظيم والقدير في الأرض. الرئيسان العظيمان، الرأسان اللذان يتمتعان بسلطة مدنية ودينية، يُحفظان على قيد الحياة إلى بحيرة النار؛ أتباعهما وجيوشهما تهلك وإلى الأبد. الرؤوس الخمسة الأولى تسقط تباعاً. ثم يأتي السادس إلى نهاية عنيفة؛ السابع مندمج بالثامن، ويخضع لدينونة لم يسجل التاريخ أفظع منها. هذا الرأس متطابق مع الوحش نفسه، وبما أنه يهلك فإن الوحش لابد أن يمضي إلى هلاك كامل (قارن مع دا ٧: ١١).

أما وقد رأينا تفسير "الرؤوس السبعة"، يخبرنا السفر الآن عن "العشرة قرون" (الآية ١٢). هذه القرون تشير إلى أشخاص ملكيين. كلمة "قرن" تشير إلى القوة بالمطلق (الآية ٦؛ مراثي ٢: ٣)؛ ولكن بالشكل الذي استُخدمت فيه هنا تشير إلى الملوك. لذا فإن العشرة قرون تمثل شخصيات ملكية متمايزة أو ممالكهم. قال أحدهم باختصار: "الممالك العشرة ستكون متعاصرة في تمايز عن الرؤوس السبع التي كانت متعاقبة". ولكن الممالك العشرة التي كانت موجودة في المنطقة فعلياً تُرى هنا على أنها ستستلم السلطة مع الوحش. انظر أيضاً الآية ١٦، ففي ترجمة أدق، لدينا القول القرون العشرة "والوحش" وليس القرون العشرة "على الوحش". فهذه لا توجد كممالك أو دول مستقلة منفصلة. هناك عشرة ممالك ولكنها متداخلة في وجودها مع فترة حكم الوحش. إنهم "يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحدَةً مَعَ الْوَحْش". عندما يعود الوحش للظهور في التاريخ سيفعل ذلك من خلال عشرة ممالك. لقد اختفى عام ٤٧٦ م، ولكن سيرجع للظهور مرة أخرى بشكل غير معروف حتى الآن في التاريخ. الإمبراطورية المنتعشة ستتكون من ١٠ ممالك لكل منها رئيس. فترة حكم هؤلاء الملوك تقاس بفترة حكم الوحش. ولكن هذه الممالك، ليست فقط موجودة خلال الزمن الذي يلعب فيه الوحش دوراًَ فظيعاً، بل هي أيضاً خاضعة له. فيضعون أنفسهم برحابة صدر في حالة خضوع مطلق للوحش. "هَؤُلاَء لَهُمْ رَأْيٌ وَاحدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ". الوحش والقرون متعاصرة، ولكن الأخيرة تخضع لإرادة الأول. عندما انهارت الإمبراطورية، نشأت ممالك منفصلة- وهذه حقيقة تاريخية- ولكن نبوءتنا تتطلب وجود الوحش والممالك العشرة، والتي تخضع للوحش.

الحرب مع الخروف:

١٤- "هَؤُلاَء سَيُحَاربُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَاب وَمَلكُ الْمُلُوك، وَالَّذينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمنُونَ»". ها هنا نعرف عن العمل الأخير والعلني للوحش وحلفائه. الصراع نفسه يتم وصفه بالتفصيل في الأصحاح ١٩: ١٩- ٢١. الملاك هنا يخبرنا بما يجري ببساطة ويخبرنا عن عدة أحداث متداخلة ضمناً. لم يتم شن الحرب بعد، ولكنها متوقعة. ونشوبها أمر لا شك فيه على الإطلاق. "الْخَرُوفُ يَغْلبُهُمْ". والغلبة مضمونة ومؤكدة حتى قبل بدء الحرب، لأن الخروف رَبُّ الأَرْبَاب وَمَلكُ الْمُلُوك. إنه سامٍ عالي المقام. وله كل السلطان على السماء والأرض (متى ٢٨: ١٨). فيا لحماقة وجنون البشر والحكومات الذين يدخلون في حرب مع حمل الله الذي سيمسك زمام سلطان عرش الرب علانية. وكم هو مؤثر ذلك الاتحاد المبارك بين الخروف والملك القدير- والذي فيه يجتمع الحنان والقوة (٥: ٥، ٦).

١٤- "وَالَّذينَ مَعَهُ". المحاربون المقاتلون، وجند السماء، كل المفديين عندئذ في السماء. ستكون هناك جماعات أخرى من الأشخاص المخلّصين في السماء، إضافة إلى الكنيسة (عب ١٢: ٢٣). الجماعة الكاملة من القديسين السماويين يرافقون ربهم خلال السماء المفتوحة، ونزولاً لتحطيم المعارضة المتحدة لحقوق الخروف. لرؤية المزيد من الحديث عن التجمع العالمي للقديسين السماويين انظر يهوذا ١٤؛ زكريا ١٤: ٥؛ رؤيا ١٩: ١٤. في فجر عودة الرب الظافرة "كل الملائكة القديسين" سيتفاخرون بانتصاره (متى ٢٥: ٣١؛ عبرانيين ١: ٦). ولكن "الَّذينَ مَعَهُ" هم القديسون فقط. الملائكة لهم دورهم في الحرب في السماء (رؤيا ١٢: ٧). ولكن القديسين وحدهم يشكلون جيش الخروف المهاجم.

أولئك الذين يشتركون في هذا الصراع والذين يخدمون تحت إمرة هذا القائد المعروف يتم الحديث عنهم فرادة وجماعة على أنهم "مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمنُونَ". مدعوون في الزمن (٢ تيم ١: ٩)؛ مختارون في الأبدية (أف ١: ٤)؛ وبرهنوا إيمانهم في كل حالة تتعلق بالحياة، وحتى في الموت (متى ٢٥: ٢١- ٢٣؛ رؤيا ٢: ١٠). هذه الألقاب مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمنُونَ تنطبق فقط وحصرياً على القديسين.

تفسير المياه:

١٥- "الْميَاهُ الَّتي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانيَةُ جَالسَةٌ هيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسنَةٌ". المرأة تجلس على الوحش( الآية ٣). الزانية تجلس على المياه أو بجانب مياه كثيرة (الآية ١). إذا وضعنا تفسير هذه "المياه الكثيرة" أمامنا نستطيع أن نفهم أكثر التأثير المباشر والكوني الذي تمارسه الكنيسة التي تكون مرتدة آنذاك. الشعوب والأمم، منظمة أو غيرها، وخاصة خارج حدود العالم الروماني الموجود، وقع في شرك إغراءات الزانية وأسيراً لها. فتجلس متوجة في عظمة، ومزينة بترف بأمجاد العالم، ولكن بدون مشاعر المحبة من أتباعها المضللين. هناك عرض، ولكن ليس حقيقة؛ ليس هناك من قلب مكرس للمسيح، كما يُفترض في عروسه. تعاظمها الذاتي، والهلاك الروحي للملايين الضالين الذين نالوا استحسانها وامتدحوا ابتسامتها، هو هدفها الوحيد. تطلعها الرئيسي هو نحو الذهب (١٨: ١٢)؛ ولا تهمها نفوس الناس (الآية ١٣). التقسيمات الأربعة للعائلة البشرية تُستخدم لإظهار التأثير البعيد المدى للمرأة (٧: ٩؛ ١١: ٩).

دمار الزانية:

١٦- ١٧- "وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتي رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْش فَهَؤُلاَء سَيُبْغضُونَ الزَّانيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَربَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرقُونَهَا بالنَّار. لأَنَّ اللهَ وَضَعَ في قُلُوبهمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْياً وَاحداً، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ الله". في ترجمة أخرى "الْعَشَرَةُ الْقُرُونُ والْوَحْش". الممالك العشرة المتحدة مع الوحش في بغضها للزانية. يا للتغيير! من الواضح أن الوحش والملوك المتحالفين يتواجدون بعد دمار بابل، وهكذا هو الحال، أي الوحش والقرون، وهم الأدوات البشرية التي تحقق إنزال غضب الرب على ذلك النظام الآثم والمرتد. السلطة المدنية تُحفظ للدمار على يد الرب شخصياً وعند مجيئه بقوة (الأصحاح ١٩). القرون العشرة تساهم من خلال اشتراكها مع الوحش في كراهية الزانية. جميعهم اتحدوا في تأييد إدعاءات ومزاعم المرأة، والآن جميعهم على حد سواء متفقون على إهلاكها ودمارها.

مجد العالم وقوته ليست سوى حلم عابر زائل. كل ما لا يقوم على الله يذوي ويتلاشى ويهلك. لقد انهارت بابل وهي في قمة كبريائها وعظمتها وذروة مجدها. ودمارها كان كاملاً ونهائياً. وكجزاء عادل شركاؤها في الجريمة يصبحون الأدوات الحقيقية الفعالة في انهيارها السياسي وتجريدها من السلطة على الأمم.

يبدو أن هناك تدرج في العقوبة التي ينزلها الله بالزانية. فأولاً تلاقي البغضاء؛ وهذا يشير إلى الاشمئزاز والاحتقار الذي نظر به إليها حلفاؤها ومؤيدوها الأخيرون. وثانياً، يَجْعَلُونَهَا خَربَةً؛ فتجرد من ثروتها وتتبدد كلياً (١٨: ١٩). وثالثاً، تصبح عُرْيَانَةً؛ إذ تُنزع عنها أثواب الأُرْجُوان وَالقرْمز، وتظهر أمام الجميع بشخصيتها الحقيقية كامرأة مخزية متروكة مهجورة (حز ٢٣: ٢٩؛ رؤيا ٣: ١٨)، وعُريها الأخلاقي وخزيها يبدو واضحاً للجميع. ورابعاً، "يَأْكُلُونَ لَحْمَهَا"، وهناك مغزى من حقيقة أن كلمة لحمها تأتي في صيغة الجمع؛ فوفرة ثروتها وكل ما كانت تتفاخر به من أمجاد أمام ناظري المعجبين الأخيرين بها، قد تحول إلى عداوة مريرة (قارن مع يعقوب ٥: ٣؛ مز ٢٧: ٢؛ ميخا ٣: ٢، ٣). وخامساً، "يُحْرقُونَهَا بالنَّار"؛ أي تتعرض للدمار الاجتماعي والسياسي الكامل. العنصر الأساسي في دمار بابل الحرفية كان الماء (إرميا ٥١). المدينة الأسرارية التي تحمل ذلك الاسم "سوف يحْرقُونَهَا بالنَّار" (١٨: ٨). بابل وبابل كلتاهما مصيرهما الدمار الأبدي. الأولى سقطت؛ والثانية ستليها بالتأكيد. فليس لجرحها شفاء.

اتحاد القوى في الفكر والفعل:

القوى التي تدمر بابل تصب جام انتقامها على النظام الآثم الذي طالما استعبدها. ولكن هنا يُكشف النقاب عن حقيقة الأمور، ونجد أن كل ما فكروا فيه إنما كان تنفيذاً لإرادة الله. كان الله قد قرر دمار أسوأ نظام على وجه الأرض، وجعل من الوحش والملوك التابعين له أدواة لتنفيذ مأربه. "اللهَ وَضَعَ في قُلُوبهمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ" لاحظ التمييز بين "قُلُوبهمْ" و"رَأْيَهُ". إنهم يشاركون في عملية الدمار وبدون معرفة منهم يحققون هدف الله. قلب وفكر القوى المدمرة يتحدان. إنهم منجذبون بكل قلوبهم إلى ذلك العمل، والذي لا يدركون أنهم به إنما يحققون المشيئة الإلهية بعزم وطيب. ويبدو أن هذه هي الفكرة التي يُقدمها لنا هذا النص.

١٧- إضافة إلى ذلك، فإن الملوك العشرة "يَصْنَعُون رَأْياً وَاحداً، وَيُعْطُون الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ الله". هناك خضوع كامل مطلق للوحش. مع عجزهم على الحفاظ على ممالك منفصلة مستقلة، يضع الملوك العشرة أنفسهم طوعياً وممالكهم تحت حكم الوحش، ومن ذلك الآن فصاعداً يصبح هو سيدهم، ولا يسمح لهم إلا بظل ملكية. السلطة الحقيقية هي في يدي الوحش (١٣: ٢، ٧). ما يُنسب إلى الملوك في الآية ١٣ من أصحاحنا يُعزى إلى الله على أنه مصدره في الآية ١٧. كل حركات القوى في أوربا هي في الأزمة المستقبلية تحقيق لـ "أَقْوَال الله" النبوية. ونضيف أيضاً أن الخضوع الكامل للملوك العشرة للوحش، كما نرى في الآية ١٣، هي حالة تلي دمار بابل. لقد أعطوا سلطتهم سابقاً إلى المرأة، والآن انتقلت إلى الوحش. فترة حكم الوحش في الأزمة العظيمة الأخيرة تحدد المدة التي كان فيها القرون العشرة أو الملوك يمارسون سلطتهم بشكل مطلق (الآية ١٢) ٧. ولكن ذلك يصف حالة سابقة وتالية لسقوط بابل، بينما الاستعباد البغيض للسلطات إلى الوحش هو سابق وتالٍ للدمار الكلي للنظام الروماني.

الله يعمل بشكل غير منظور، وهو يتدخل في أصغر دقائق الحياة السياسية. رجل الدولة الداهية، والدبلوماسي الذكي، ليسا سوى عامل في يد الله وهما لا يعلمان بذلك. الإرادة الذاتية والدوافع في السياسة تؤثر على الفعل، ولكن الله يعمل بشكل مطرد نحو غاية واحدة، أي أن يظهر الأمجاد السماوية والأرضية لابنه. ولذا، فإن الملوك ورجال الدولة وبدلاً من أن يقاوموا هدف الله يحققونه بدون أن يعلموا. الله يهتم، ولكنه وراء كواليس الأحداث البشرية. أعمال الملوك العشر في المستقبل بما يتعلق ببابل والوحش، أي السلطات الدينية والمدنية- ليست فقط تحت سيطرة الله المباشرة، بل جميعها تُساهم في تحقيق أقواله.

روما، كرسي ومركز سلطة المرأة:

١٨- "وَالْمَرْأَةُ الَّتي رَأَيْتَ هيَ الْمَدينَةُ الْعَظيمَةُ الَّتي لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوك الأَرْض". لا يمكن فصل البابوية عن روما. وبابل في المستقبل هي التطور النهائي للنظام البابوي، وتجد موطئاً لها بشكل طبيعي في روما التي أسستها. وهناك يتم تعليم العقائد الأكثر تجديفاً، وهناك أيضاً الادعاءات بأنهم فوق البشر. سيكون هناك تطور في الأخطاء البابوية في فترة الارتداد الآتية. ولذا فإن روما هي المدينة المشار إليها هنا. المرأة هي المدينة، ليس روما فعلياً، بل النظام الذي وجد مقراً له في روما، الكنيسة الرومانية أو النظام الرومي، وكيل الشيطان في الفساد الديني (١٦: ١٩)، ومنذ ذلك الحين وإلى دمارها تمارس تأثيرها المهلك المميت على شعوب العالم المسيحي. الآية الأخيرة من هذا الأصحاح الشيق جداً يظهر حقيقة بسيطة ولكنها أيضاً في غاية الأهمية.

نورد هنا الحقائق والمواضيع التي تم عرضها في هذا الأصحاح من أجل المزيد من الفائدة للقراء.

مراجعة للأصحاح:

الغاية من هذا الجزء من الدراسة والفصل التالي هو إضافة مراجعة كاملة للتعليقات التي أوردناها سابقاً عن بابل (١٤: ٨؛ ١٦: ١٩). في ما يلي وصف كامل ومفصل عن طابعها ومصيرها. ولكن هناك موضوع آخر من الدينونة إلى جانب تلك التي ببابل. فالوحش، السلطة المدنية المرتدة، تشغل مكاناً ليس بقليل في هذه النبوة. الموضوعان الرئيسيان إذاً هما بابل، النظام الديني؛ والوحش، السلطة المدنية المرتدة؛ والأول يشغل أكبر مساحة. موضوع الوحش، الذي يكون بارزاً في مكان آخر (الأصحاح ١٣)، يعتبر هنا ثانوياً بالنسبة إلى بابل، الزانية.

يُقسم الأصحاح إلى جزأين: الأول، رؤيا يراها الرائي (الآيات ١- ٦)؛ والثاني، تفسير الرؤيا على يد أحد ملائكة الجامات (الآيات ٧- ١٨). ولعله يمكننا القول هنا أن التفسير يمضي بعيداً أكثر مما نرى في الرؤيا. والمبدأ نفسه نجده في دانيال ٢ ومتى ١٣. يضيف التفسير تعليماً لذاك الذي يوجد في حلم، أو رؤية، أو مثل. رأى الرائي أولاً الزانية العظيمة وقد آن أوان دينونتها (الآية ١). وتُدعى "بابل العظيمة" بسبب التشوش الفظيع والواسع الانتشار الذي تُمثله. إنها أيضاً "الزانية العظيمة" بسبب النظام المخيف من النفاق والشهوات المسيطر على نفوس وأجساد البشر. طابع الفسق والزنى عندها، الأخلاقي بالطبع، يُشار إليه بالكلمة "زانية". وتُدعى امرأة لأنها بذلك توحي بمعنى الخضوع (١ كور ١١: ٣). تزعم أنها تابعة للمسيح، كما هي الكنيسة وكما تُسر بأن تكون (أف ٥: ٢٣- ٢٥). ولكن في حالة المرأة، ادعاءاتها جوفاء وزائفة. إنها لا تبالي أبداً بالمسيح، ولن تسجد ولن تخضع لقيادته أو تعترف بسلطانه.

إنها تجلس على "مياه" أو بجانبها (الآية ١). وهذه المياه تشير إلى جموع الجنس البشري الكبيرة (الآية ١٥) والتي سحرتها المرأة وأخذت بها إلى دمار أبدي.

ثم يتم تعريفنا بملوك وسكان الأرض في علاقة كل منهم مع الزانية (الآية ٢). ويبدو هذا الارتباط حميمياً أكثر مما توحي به الآية ١. فهناك يكون التأثير عالمياً؛ أما هنا فنجد تواصلاً مباشراً مع الزانية. ونستنتج أيضاً أن العالم بمجمله هو في الآية الأولى من الأصحاح، أما في الثانية فالإشارة إلى العالم المسيحي فقط. "مُلُوك الأَرْض" ليسوا فقط أنفسهم "عَشَرَةُ مُلُوك" الوارد ذكرهم في الآية ١٢؛ فهؤلاء اللاحقين هم ملوك الإمبراطورية الرومانية، بينما السابقين يشيرون إلى رؤساء وقادة العالم المسيحي بشكل عام.

بعد ذلك نرى المرأة تجلس على "وَحْشٍ قرْمزيٍّ". وهذا هو نفس الوحش ونفس السلطة اللذان يتم الحديث عنهما في الأصحاح ١٣. إمبراطورية روما القديمة، والتي كانت قد زالت منذ عدة قرون، تُشاهد هنا في عالم النبوءة مغطاة بمجد وحكم العالم، كما يدل عليها اللون القرمزي. المرأة أيضاً متسربلة بالقرمز، والتنين له نفس اللون (١٢: ٣). يا لضخامة خُيلاء ومجد هذا العالم الذي يسعى الكل وراءه! السلطة الإمبراطورية تابعة للمرأة. والوحش، الذي يعهد إليه التنين بسلطة عالمية، هو مجرد خادم وأداة في يد المرأة. السلطة المدنية تؤيد إدعاءاتها المتكبرة المتعجرفة.

ولكن الوحش يُوصف أيضاً بأنه "مَمْلُوء أَسْمَاءَ تَجْديف". الخداع، والفساد، والعنف، والكبرياء وشرور مخزية من كل الأنواع نجدها في بابل الكنسية- الزانية. التجديف ونكران الله العلني والمسيح يُدان بها الوحش. أسماء التجديف على رؤوس الوحش (١٣: ١) تدل على طابع سلطة تنفيذية أو حاكمة، والتي بها يدان هذا الوحش، ولكن من الواضح أن لدينا هنا الجسم السياسي برمته- رؤساء وشعب، يتميزون بالتجديف. ما عادت هناك مخافة الله. والإمبراطورية بكل أجزائها منغمسة كلياً في هذا الإثم الأكثر فظاعة.

ثم نسمع أن الوحش له "سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ"، وتتكرر هذه عدة مرات. ذكر الوحش في الأصحاح ١٣: ١ هو بعبارات مشابهة لتلك المستخدمة في وصف التنين في الأصحاح ١٢: ٣. في حالة التنين، الرؤوس، وليس القرون، هي المتوجة؛ وفي الحديث عن الوحش، نجد أن القرون هي المتوجة، بينما الرؤوس تحمل أسماء أو عبارات التجديف العلنية؛ في الأصحاح ١ لا نجد أياً من الرؤوس أو القرون متوجة (الآية ٣). فهكذا إذاً الطابع العام والوصف للوحش، المؤيد الرئيسي للنظام الديني الزائف والفاسد الذي يسيطر على الإمبراطورية والذي يمد تأثيره إلى كل أرجاء العالم المسيحي. يبدو غريباً، للوهلة الأولى، أن الوحش- الذي مُنح هكذا مقدار كبير من السلطة الليبرالية وقد أخذ هذه السلطة من الشيطان (١٣: ٤- ٧)- نجده عبداً طائعاً عند أقدام المرأة، ولكن روعتها المذهلة وتأثيرها الإغوائي هما مثل حبال حريرية تربط الرئيس الواسع السلطة للإمبراطورية إلى مسند قدم عرشها.

أما وقد شاهدنا الوحش أمامنا، ننتقل من جديد لنرى المرأة أمامنا، متدثرةً ومزينة بكل ما يعتبره العالم بأعلى قيمة (الآية ٤). تُمسك كأساً ذهبياً بيدها؛ كان يجب أن تُمسك ذلك الكأس بيد الرب. الكأس "مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَات زنَاهَا" ٨. كل من يشرب من كأسها، وملايين يفعلون ذلك، يتعرضون للهلاك أخلاقياً ومعنوياً. ثم نجد مطبوعاً على جبهتها اسمها وطابعها. تحمل على ملامحها الكهنوتية الاسم "سرّ"، أي سرّ التعدّي بالتأكيد. الجزء الثاني من الاسم، "بَابلُ الْعَظيمَةُ"، يشير إلى الفوضى والدمار الذي أحدثته المرأة. لقد ملأت العالم المسيحي بشرور لا تعد ولا تحصى وتسببت في فوضى وشواش ميئوس منه. الجزء الثالث من السام أو اللقب للمرأة قد يكون الأسوأ: "أُمُّ الزَّوَاني وَرَجَاسَات الأَرْض". كل نظام يحاكي طرق ويقلد تصرفات المرأة، فيتشرب عقائدها ويتبنى الليتورجيا الخاصة بها، ويقتبس من الكنيسة الرومية أو يتبنى شيئاً منها، فهو الآن أو عندئذ، يُعتبر من ذريتها. إنها أم، بالطبع، لكل نظام ديني شرير فاسد. ولكنها نظام دموي، كما أنه فاسق أخلاقياً. "وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى منْ دَم الْقدّيسينَ وَمنْ دَم شُهَدَاء يَسُوعَ" (الآية ٦). روما البابوية فاقت كثيراً روما الوثنية في قسوتها وسفكها للدماء؛ وإضافة إلى ذلك، فهي أشد منها ذنباً لأنها تعرف أفضل منها. لقد كانت تقر بأنها عروس المسيح، ومع ذلك فقتلت عن عمد أولئك الذين افتداهم دم الحمل؛ لاشك أن الكنيسة الرومية كانت تعتقد أنها بقتل القديسين كانت تخدم الله (يوحنا ١٦: ٢)، ولكن هذا يظهر الضلال الفظيع الذي أدى إلى دمارها إدانة لها في ما بعد. تعجب الرائي لم يكن بسبب اضطهاد الوحش (١٣: ٧)، بل لأن المرأة، التي يُفترض أن تكون عروس المسيح، ورغم أنها ليست هي بل الوحش، هي من قتل القديسين. ففي الواقع المرأة هي التي كانت السلطة  وراء الوحش.

بعد ذلك، وفي الجزء الثاني من الأصحاح نجد شرحاً لـ "سرَّ الْمَرْأَة وَالْوَحْش الْحَامل لَهَا". إنه سر مزدوج- المرأة والوحش؛ محاكاة لسر العهد الجديد "المتعلق بالمسيح والكنيسة". في السر الذي في أصحاحنا يأتي ذكر المرأة أولاً، وفي رسالة أفسس يأتي ذكر المسيح أولاً، وهذا صواب.

سر الوحش يتم شرحه أولاً وإظهاره من خلال أربع حالات (الآية ٨). فقد "كَانَ". فالوحش وُجد كإمبراطورية موحدة واسعة الأرجاء تحت حكم سلسلة طويلة من أباطرة متعاقبين. و"لَيْسَ الآنَ" إذ ليس له وجود سياسي حالي؛ بالطبع تبقى البلدان والأقانيم التي كانت في الماضي داخل الإمبراطورية، ولكن الإمبراطورية على هذا النحو أتت إلى نهاية مخزية، عام ٤٧٦ م. الإمبراطورية القديمة ذات السمعة الواسعة الأرجاء والامتداد ما عادت موجودة لقرون عديدة. "عَتيدٌ أَنْ يَصْعَدَ منَ الْهَاويَة". إن صعوده التاريخي ومع ذلك المستقبلي من البحر (١٣: ١) ليس هو موضوعنا هنا؛ صعوده من الهاوية يشير إلى الفترة الزمنية التي وصلنا إليها والتي يتناولها الأصحاح في الحديث. سفر الرؤيا يظهر تاريخ النصف أسبوع النبوي الأخير فقط. "وَيَمْضيَ إلَى الْهَلاَك". هذا هو المصير النهائي والأبدي للوحش (١٩: ٢٠)- أن يُلقى في بحيرة النار حياً مع تابعه في الجريمة النبي الكذاب؛ وسيدهما الشيطان سينضم إليهما في نفس المصير من البؤس لألف سنة في ما بعد (٢٠: ١٠). صعود الوحش هو سبب التعجب عند الجميع ما خلا المختارين (الآية ٨). يتعجب العالم الأثيم والمضلل مرتين، وفي كلتا المرتين من عودة ظهور الوحش على ساحة التاريخ (١٣: ٣؛ ١٧: ٨).

"السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ هيَ سَبْعَةُ جبَالٍ"، وهذه تشير إلى التلال التي تقع عليها روما. المرأة تجلس على الوحش، وعلى الجبال السبعة، أي مدينة روما ذات التلال السبعة. روما متناسجة جداً مع حياة ونمو البابوية لدرجة أن فصلهما يعني إصابة النظام الرومي بضربة قوية لا يمكن أن يُشفى منها.

ولكن أيضاً الرؤوس السبعة ترمز إلى الأشكال المتعددة والمتعاقبة من الحكم الذي رآها في "المدينة الأبدية". الرؤوس هم "سبعة ملوك" الذين سقط منهم خمسة. الرؤوس الخمسة الساقطة هم الممالك المتعاقبة في مصر وأشور وبابل والإغريق وفارس؛ آخرون يعتبرون أن الإشارة هنا هي للأباطرة الخمسة الأوائل في روما، أي أغسطس، طيبايوس، كاليغولا، كلاوديوس، وميرون. لا يمكن أن تكون الفرضية الأولى صحيحة، لأن الوحش، أي الإمبراطورية الرومانية- التي تجعلها إدانة المسيح وتشتت يهوذا آثمة بشكل فظيع، هو الذي أمامنا في النبوءة. والنظرية الثانية أيضاً لا يمكن أن تكون صحيحة، لأن الرؤوس هي أشكال مختلفة من الحكم. لعله كانت هناك أسباب معينة تجعل هؤلاء الأباطرة يدعون "قرون"، ولكن لا يمكن أن يدعوا "رؤوس". كل منهم يمثل رأساً أو شكلاً من الحكم، أي الإمبراطوري. بعد ذكر الأطوار الخمسة الساقطة من الحكم المدني والسياسي يستأنف الرائي فيقول، "وَاحدٌ مَوْجُودٌ". وهذا هو الشكل الإمبراطوري من الحكم الذي كان يوجد في أيام يوحنا- الرأس السادس.  ولكن هناك أحد آخر "لَمْ يَأْت بَعْدُ"- السابع. استمراره هو لفترة وجيزة فقط، كما أن الطور الثامن أو الأخير للإمبراطورية هو النقطة ذات الأهمية. رجل الشيطان والملك هو الثامن، لقد خرج من الهاوية. ولذلك فهو كائن متمايز، ويُطلق عليه اللقب أو التسمية "الثامن"، ومع ذلك فهو "منَ السَّبْعَة" (الآية ١١)، إذ أن نفس طابع الحكم تحت الرأس السابع سيستمر. الأشكال الخارجية من الحكم سوف تخضع لبعض التغيير تحت الطوريين الأخيرين من الإمبراطورية اللذان يصعدان من الهاوية. ولكن دينونة الله الأكيدة تباغت السلطة الآثمة والمرتدة. "يَمْضي إلَى الْهَلاَك" وهذه تتكرر مرتين (الآيات ٨، ١١).

ثم نجد شرحاً لقرون الوحش العشرة (الآية ١٢). هذه القرون هم ملوك، يأتون ضمن مجال الفعل فقط في نفس الوقت مع الوحش وطالما هو موجود؛ فترة وجوده وحكمه تحدد فترة وجودهم. يجب على فكر وهدف هؤلاء الملوك جميعاً أن يذعن كلياً إلى إرادة وخدمة الوحش (الآية ١٣). ثم تأتي الحرب ضد الحمل. الوحش والملوك والجيوش المتحالفين معه من جهة هم ضد الحمل في اقتداره كرب وملك ٩، والذي يفوقهم قوة، وإلى جانبه جيوشه من الطرف الآخر (الآية ١٤). إنها الحرب نفسها، والصراع نفسه، الذي يتم وصفه بشكل كبير موسع مفصل في ١٩: ١١- ٢١. في أصحاحنا هذا (١٧) آخر عمل للوحش والملوك التابعين له متوقع، ولكن لم يحدث بعد. أحداث أخرى تجري بين سرد ما يتعلق بالصراع الوشيك (الأصحاح ١٧) وتحققه الفعلي في التاريخ (الأصحاح ١٩).

المياه التي يراها الرائي (الآية ١) ترمز إلى "شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسنَةٌ" (الآية ١٥). ثمة تأثير معنوي كبير جداً يمتد إلى ما وراء حدود الأرض النبوية. جموع البشر، منتظمة أم لا، تأتي تحت تأثير الزانية. "الْميَاه الْكَثيرَة" (الآية ١) تلفت انتباهنا إلى أتباع الزانية الكثيري العدد.

القرون العشرة، أو الملوك، يُرون الآن وقد تأهبوا لحالة من النشاط والفعالية غير المعتادة. وهم، مع الوحش، انقلبوا على المرأة، التي كانوا إلى جانبها حتى الآن، ودمروها. إنهم يسحقونها ويحولونها إلى حالة من الخراب والدمار ويستولون على ثروتها. أوربا، أو الجزء الغربي منها في نهاية الأمر، تبقى جانباً لفترة من الوقت إذ تكون قد تأثرت بالمظهر المذهل والخادع للمرأة، ولكنهم يحطمون القيود في نهاية الأمر ويضعون حداً للمرأة. إنهم يتصرفون بدافع مشاعر الانتقام، ولكن، يتبين في النهاية، أنهم إنما يحققون إرادة الله (الآية ١٧). الملوك العشرة صاروا الآن أحرار ليُسلموا سلطتهم متحدين مع الوحش، وذلك يمكنه من أن يحتل لوحده العالم ومجال النبوءة إلى أن يُدمره الرب. هذا يستمر "حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ الله". وفي كل ذلك يكون الملوك العشرة هم الفاعلون البارزون في الأحداث. ثم نجد النظام الرومي، والذي يفوق عدده المئتي مليون نفس في شركة لا ترضي الله، متطابقاً مع روما المدينة نفسها (الآية ١٨). الآية عبارة عن قول صريح بسيط حول حقيقة مشهورة ومعروفة.

في ختام هذه المراجعة نلفت الانتباه إلى التضاد بين زانية الشيطان وعروس الخروف. الأولى تشغل الأصحاحين ١٧ و ١٨؛ والأخيرة هي الموضوع الرئيسي في الأصحاحات التي تليها. المرأة والمدينة هما في كلا الجزأين، ولكنهما متضادتان بحدة.

الجانب الدنيوي والمدني الصرف من المرأة، تتم معالجته بشكل خاص في الأصحاح التالي. النظام التي تمثله بابل هو دمج بين الكبرياء الدنيوي والإدعاء الديني. الاتحاد مع العالم، والذي هو أمر بغيض لله، هو الدعارة التي تمارسها المرأة. يقول أحدهم في تعليق على هذا الأصحاح: "في هذا الأصحاح يُروِّع الرائي ما يتأمله من بهاء المرأة وإثمها، بينما يصف في الأصحاح ١٨ تفجع العالم على مصيرها بكلمات تدل على سمو وشفقة ورثاء".


١. غير مطروقة وليس فيها موارد- الفقر الروحي.

٢. إدخال أداة التعريف هنا أمر لافت. وقد كان مقصوداً وضعها. إن أداة لتعريف تشير إلى مواضيع ذات اهتمام كبير في سفر الرؤيا. وهي تظهر التحديد والأهمية للموضوع الذي يتحدث عنه الرائي. ومن هنا نرى "السماء"، و"قوس قزح"، و"الرعود السبعة" (الأصحاح ١٠)، و"الوحش" (١١: ٧)، و"جناحي النسر الكبير" (١٢: ١٤)، الخ.

٣. زوجة الملك هي أورشليم (مز ٤٥: ٩). وعروس وزوجة الحمل هي الكنيسة (رؤيا ١٩: ٧؛ ٢١: ٩). زوجة الرب هي إسرائيل (أرميا ٣: ١٣). أم الابن الذكر هي إسرائيل، وللحديث بشكل أدق، هي يهوذا (رؤيا ١٢: ١؛ رومية ٩: ٥).

٤. المرأة المطلقة ما كان يمكن أن تعود عذراء من جديد؛ ومن هنا فإن الكنيسة وليس إسرائيل هي عروس الحمل (انظر ٢ كور ١١: ٢؛ أف ٥: ٣٢).

٥. الألوان الثلاثة في بوابة باحة خيمة الاجتماع، في باب الخيمة، وفي الحجاب الذي يقسم المقدس عن قدس الأقداس كانت زرقاء، وأرجوانية، وقرمزية. الأول يشير إلى المسيح بشخصه السماوي؛ والثاني إلى آلامه على الأرض، والثالث إلى تسلمه مقاليد الحكم ومجد الأرض في ذلك اليوم الآتي.

٦. يقول واربارتن: "عن الأجزاء المعتمة من الرؤيا، هناك نوعان: نوع يمكن فهمه من خلال الدراسة المتأنية لذوي المواهب المتميزة، والآخر سيبقى دائماً في ظل عرش الله، ولن يستطيع أحد أن يدخل إليه أو يتطرق إليه". التاريخ مفتوح أمام الإنسان الطبيعي. أما النبوءة فلا يمكن فهمها إلا بالحكمة الروحية.

٧. "يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحدَةً مَعَ الْوَحْش" يعني في الحال وفي نفس الوقت؛ أي أن القرون والوحش يتواجدان معاً، سواء كان الزمن محدوداً أم مطولاً.

٨. إن صور القديمة، وليس بابل، هي الذي تُتهم بالزنى؛ هذا يُظهر في الحال طبيعة الشر كما يُنظر إليه أخلاقياً.

٩. في الأصحاح ١٩: ١٦نجد أن الترتيب في الألقاب معكوس. وهناك نجد ملك الملوك ورب الأرباب، بينما هنا رب الأرباب وملك الملوك.