الفصل ٩

الحجاب والستارة على باب الخيمة

(اقرأ خروج ٢٦: ٣١ - ٣٧)

ونأتي الآن إلى الحجاب الذي كان يفصل قدس الأقداس عن المقدس. لقد كان يرمز إلى المسيح. لقد كان مصنوعاً من  الاسمانجوني والأرجوان والقرمز، والبوص المبروم المطرّز، وبكروبيم مزخرف عليه. ليس من داعٍ هنا لتكرار معنى هذه الألوان، لأننا قد تناولناها قبل قليل كما وجدناها في ستائر خيمة الاجتماع. ولكن لعلنا نلاحظ اختلافاً في الترتيب الذي يرد فيه ذكر هذه الأشياء، فالصباغ الأزرق هنا يأتي أولاً والبوص المبروم يُذكر في النهاية مع وصف إضافي له بأنه "صنعة حائك حاذق". فذكر  الاسمانجوني أولاً يؤكد على حقيقة أن المسيح هو الإلهي السماوي، الذي يقود شعبه في الأمور الإلهية، بينما البوص المبروم يدل على ناسوت ربنا الخالي من الخطيئة والعيب، "صنعة الحائك الحاذق"، وهذه هي كل التفاصيل والدقائق المميزة للحياة التي ستقدم للمؤمن المبجل البهجة والسرور. إن الكروبين المشغول على الحجاب يرمز إلى أن كل الإدانة قد فُوِّضَت للابن، الذي سينفذ الدينونة الحقة، وأن تلك الدينونة ستتجاوز المؤمن، لأن المسيح قد حمل على عاتقه تبعة الخطيئة بشكل كامل.

عندما تتحقق الدينونة سيبتهج كل قديسي الله. وهذا نراه عند إدانة الزانية العظيمة، ألا وهي العالم المسيحي المرتد، كما في سفر الرؤيا (١٩: ٢ - ٤). إن دخان تعذبيها سيصعد إلى أبد الآبدين، ونجد الأربعة والعشرين شيخاً، الذين يرمزون إلى القديسين الذين اشتركوا في القيامة الأولى، يخرّون ساجدين لله قائلين "آمين، هللويا". فهؤلاء، الذين هم في المجد في منأى عن كل دينونة على أساس عمل المسيح الكفاري، هم فقط الذين يستطيعون الدخول بحق إلى حضور جلالته المهيب.

كان الحجاب معلقاً على أربعة أعمدة مصنوعة من خشب السنط ومكسية بالذهب. إن العدد (٤) يرمز إلى ما هو كوني. ففي ذهن الله أن البركة ستكون لجميع الذين سيأتونه بيسوع المسيح.

كانت رزز الأعمدة من الذهب، والقواعد من فضة، وفي هذا دلالة على أن الفداء (الفضة)، والبر (الذهب)، هو الأساس الوحيد الذي يتعامل على أساسه الله مع البشر.

يخبرنا المقطع في (عبرانيين ١٠: ١٩- ٢٢) بصورة هي أجمل ما تكون عما كان الحجاب يرمز إليه: "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقاً كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثاً حَيّاً، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ، لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ".

الكاهن العظيم وحده هو الذي كان يستطيع الدخول إلى قدس الأقداس بإجلال مهيب في يوم الكفارة العظيم. لقد كان يدخل بدم كباش وتيوس، ما كانت لتزيل الخطيئة، بل كان هذا عملاً رمزياً وحسب. وبقي الحجاب قائماً على هذا النحو. ولم يكن يُسمع وقع أي قدم في قدس الأقداس طوال السنة التالية الكاملة، إلى أن يأتي من جديد يوم الكفارة، فيعود معه نفس الطقس، ويبقى الحجاب معلقاً. "وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي (أي قدس الأقداس) فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ، مُعْلِناً الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ" (عبرانيين ٩: ٧، ٨).

ولكن في المرموز، المسيح، نجد كلاً من الذبيحة والكاهن الذي يقدم الذبيحة. رغم أنه لم يكن كاهناً خلال حياته على الأرض، لأنه لم يكن من سبط لاوي، إلا أنه أنجز عمل الكاهن عندما بذل حياته على الصليب كفارة عن الخطيئة. ولابد أنها كانت لحظة من أقدس اللحظات عندما صرخ بصوت عظيم قائلاً: "قد تم"، وبذلك يعني أنه قد اكتمل عمل الكفارة العظيم المذهل، والذي كان الأمل الوحيد لفداء العالم. وكل ما في الطبيعة آنذاك قد شهد على هذه اللحظة، فالأرض اهتزت والصخور تمزقت وتدحرجت، وانتفضت قوى العالم المادي نفسها، وفوق كل شيء ووراء كل شيء كان الحجاب، الذي انشق من وسطه، من الأعلى إلى الأسفل، من طرف الله، بيد الله. يا لها من شهادة، فيوم الظلال قد ولّى، وقد جاء يوم "الخبرات العتيدة". وحده رئيس الكهنة كان يمكنه الدخول إلى قدس الأقداس، وذلك مرة واحدة فقط في السنة. أما اليوم فالمؤمنون لديهم الجرأة للدخول في أي وقت.

ستارة باب الخيمة

كانت ستارة باب الخيمة من الصباغ الأزرق، والأرجوان، والقرمز والبوص المبروم الناعم، ومطرزة. لا داعٍ للتعليق على معنى ذلك إذ قد شرحناه للتو. ولكننا نلاحظ حذفاً جديراً بالملاحظة. فقد كان هناك كروبين على الحجاب الفاصل بين قدس الأقداس والمقدس، ولكننا لا نجد كروبين مشغولاً على الستارة عند باب الخيمة. وهذا الحذف أراد الله به أن يقول أنه كان يقترب من الإنسان بمحض نعمته المطلقة. فلا نجد كروبين، يدل على العدالة والدينونة، يظهر للعيان ويروّع من يسعى وراء الله.

"لا لعنة ناموس، بل فيك نعمة جليلة،
ويا له من مجد ذاك الذي أظهره وجهك غير المحتجب.
لقد اجتذبت البائس والضعيف،
وفيك فرح السائلين والضالين."

عندما تقارب طول أناة الله من نهايتها، عندها تأخذ الدينونة مجراها، وسيعبد الشعب الله، بسبب البر في طرق دينونته. ولكن في هذه الأثناء يكون موقف الله من الإنسان موقف نعمة من أنقى ما يكون.

كانت خمسة أعمدة تدعم الستارة، وكانت الأعمدة من خشب السنط المكسي بالذهب، وكانت الرزز من الذهب، والقواعد من النحاس. لقد كان هذا الستار يرمز إلى الإنسان داخلاً إلى الله، فكان مدخل الكهنة وهم يدخلون لتأدية خدمة المقدس. والعدد (٥) يشير إلى المسؤولية وقد حملها عن البشر ربنا يسوع المسيح بذبيحة نفسه (قواعد النحاس)، وهي في انسجام كامل مع البرّ (الرزز الذهبية).