الفصل ١

جمع المواد اللازمة لبناء خيمة
الاجتماع والتعليم الرمزي منها

(اقرأ سفر الخروج ٢٥: ١ - ٩)

لم يكن عدد الذكور من الإسرائيليين، الذين كانوا يبلغون العشرين من العمر فصاعداً، والذين دفعوا مال الكفارة ((فضة الكفارة))، الذي أُخِذَ من بني إسرائيل في البرية، يقل عن ٦٠٣٥٥٠ شخصاً، بحسب الإحصاء الذي أحصى به الله شعبه. وهذا العدد لم يضم سبط لاوي (انظر سفر العدد ١: ٤٦، ٤٧)، الذين كانوا قد عُيّنوا لخدمة خيمة الاجتماع. ومن هنا يمكننا أن نخمّن أن حوالي ثلاثة ملايين نسمة، ولابد، قد خرجوا من مصر عندما حرر الله "بيد قوية وذراع ممدودة" شعبه من عبودية فرعون المريرة.

يا لها من حكاية مثيرة تخبرنا عن تقدمة قدمها الله بقدرته العظيمة ورحمته الغزيرة. فإذ حماهم رمزياً دمُ ليلة الفصح، ذلك الشعب الذي خلصته يد الله القديرة إذ عبرت به البحر الأحمر، هذا الجمع الذي كان مستعبداً سابقاً، وجد نفسه قد صار شعب الله المعتق في البرية على ضفة البحر الأحمر من الجهة المقابلة لشاطئ مصر، أرض عبوديتهم القاسية.

هل من بيّنة تجعلنا نطبق حادثة العبور الفصحية هذه على المسيح؟

كان البروفيسور المحدث ليقول أنه ليس من بيّنة على ذلك. أما الكتاب المقدس فيقول: "الْمَسِيح، فِصْحنَا، قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (١ كورنثوس ٥: ٧).

إن الفصح هو أساس التاريخ الروحي لإسرائيل كشعب. وبه أعلن الله أن الفداء بالدم هو الأساس الأوحد الوحيد لتعامله مع البشر. وعلى هذا الأساس أعلن الله مرضاته السارة ليسكن وسط شعبه. ولهذه الغاية أمر موسى ببناء خيمة الاجتماع، وهذا النظام من تقديم القرابين، وخدمة الكهنة، وعمل اللاويين، والسلوك الواجب على الشعب أن يسلكه لكي يكون على علاقة معه. إذا كان الله نفسه قد أعطى موسى كل هذه التعليمات التفصيلية، فكيف يمكن أن نقول أنها مجرد وصف جاف لعبادة شعائرية تخص جماعة بدائية وهذا لا يعنينا شيئاً اليوم؟

لقد كانت خيمة الاجتماع مقسمة إلى قسمين. القسم الأول والأكبر كان حيث يمارس الكهنة عملهم المقدس. وكان يُدعى الحرم المقدس، أو المَقْدِس. أما الجزء الداخلي والأصغر من الخيمة فكان يُدعى قدس الأقداس. وكان هذا هو المكان الذي يسكن فيه الله في مجده على عرش الرحمة.

بالنظر إلى حجمها، لعل خيمة الاجتماع كانت أغلى بناء على وجه البسيطة. فقد استخدم في بناءها أكثر من ١٦٠٠٠٠ باونداً من الذهب وأكثر من ٣٤٠٠٠ باونداً من الفضة، إضافة إلى كميات كبيرة من الكتان، والأحجار الكريمة، والمعادن الثمينة، والزيت، والأصبغة الزرقاء، والأرجوانية والقرمزية، الخ. لقد كان وزن الفضة يعادل ٤ أطنان. هذا البناء الصغير، الذي يبلغ ٥٤ قدماً طولاً، و١٦ قدماً عرضاً، قدّر ثمنه بحوالي ٢٠٠٠٠٠ باونداً. وهذا التقدير هو بأخفض قيمة للذهب. وتبلغ قيمة هذا البناء رقماً أكبر من ذلك بكثير. وكانت ساحة خيمة الاجتماع تبلغ حوالي ١٨٠ قدماً طولاً وحوالي ٩٠ قدماً عرضاً.

عندما نتأمل بمن قدّم المواد لفرش هذه الخيمة تزداد دهشتنا اتساعاً. لقد كان الإسرائيليون قد نجوا للتو من عبودية مريرة. لقد كانوا يعيشون حياة قاسية، ويعملون بالقرميد بدون قش. ومع ذلك فهؤلاء الناس هم أنفسهم كانوا الآن على استعداد كامل ليقدموا كل ما يملكون، لدرجة أن موسى اضطر لإيقاف سيل كرمهم.

"فَهَذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً (رمزاً) وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ" (١ كورنثوس ١٠: ١١).

"لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية ١٥: ٤).

ونقرأ عن الأسخياء الذين "أَنْهَضَهُم قَلْبُهمُ وَسَمَّحَتْهُم رُوحُهُم" (خروج ٣٥: ٢١) ليساهموا بكل سرور في عمل الرب. فأتى الرجال بخَزَائِمَ وَأَقْرَاطٍ وَخَوَاتِمَ وَقَلاَئِدِ كُلِّ مَتَاعٍ مِنَ الذَّهَبِ يخصهم؛ والنِّسَاءِ "الْحَكِيمَاتِ الْقَلْبِ" غَزَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ وَجِئْنَ مِنَ الْغَزْلِ بالْبُوصِ شَعْرَ الْمِعْزَى؛ وَالرُّؤَسَاءُ جَاءُوا بِحِجَارَةِ الْجَزْعِ وَحِجَارَةِ التَّرْصِيعِ وَالزَّيْتِ.

يا له من درس نتعلمه: "مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ" (٢ كورنثوس ٩: ٦، ٧). إن الأرملة التي وضعت فلسيها – وهي كل ما كانت تدخره – في صندوق الهيكل، في ذلك الزمان الذي كان هذا النظام يدنو من نهايته، وقد كتب عليه الزائل، "أي المجد الضائع"، قد تشجعنا في نهاية هذا العصر التدبيري على أن نخدم الرب بجهد مضاعف. فهو لن يكون مديوناً لأحد من البشر، وليس هو ممن ينسون عمل المحبة الذي نقوم به باسمه.

في سعينا لإعطاء المعنى الرمزي للمواد المختلفة المستخدمة في بناء خيمة الاجتماع وترتيبات تقدمة القرابين، وغير ذلك، لا يجب أن ننسى أنه لا يمكننا أن نفسر العقائد من وراء كل ذلك، وغايتنا هنا هي أن نعرض تفسيرنا لهذه الأشياء ونترك الحكم لقدرة القارئ الروحية ومحاكمته العقلانية. هناك أشياء كثيرة في الكتاب المقدس نستطيع، بل وحتى يجب أن نكون دوغماتيين حولها – كالعقائد مثلاً، التي هي أساسية وحيوية كمثل عقيدة لاهوت ربنا يسوع المسيح، وناسوته، وعمله الكفاري وقيامته، وحضور روح الله القدوس وعمله، وكنيسة الله، وأصلها، وبركاتها ومصيرها، ودعوة إسرائيل والبركة العظيمة التي منحها الله له كشعب أرضي له. هذه الحقائق نجدها مؤكدة بشكل مباشر وواضح في الكتاب المقدس.

وحتى في الرموز هناك أشياء يمكننا أن نكون دوغماتيين بخصوصها. فالفصح هو رمز لموت المسيح الكفاري على الصليب. وإن الدلالة التي نستند عليها في ذلك هي في الكتاب المقدس: "الْمَسِيح، فِصْحنَا، قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (١ كورنثوس ٥: ٧). كما وأن عرش الرحمة هو رمز المسيح في موته الكفاري، حيث مكّن الله بكل قداسته من لقاء ومباركة أرض الخطأة. والبينة التي نستند إليها في ذلك أيضاً في الكتاب المقدس: "قَدَّمَهُ اللهُ (أي للمسيح) كَفَّارَةً (وحرفياً: عرش رحمة) بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ" (رومية ٢: ٢٥).

واضعين كل هذه الأمور نصب أعيننا، دعونا نستهل تفسيراتنا:

الذهب: هو رمز الألوهية فيما يختص بالمسيح، ورمز للبر الإلهي عند النظر إليه من خلال العلاقة مع الإنسان. في سفر الخروج نجد أنه كلما استخدم الذهب للدلالة على الألوهية، فإننا نجده يذكر دائماً أنه "ذهب نقي": وعندما يرمز الذهب إلى البر الإلهي، نجد كلمة الذهب مستخدمة بدون الصفة "نقي".

الفضة: هو رمز الفداء. إن نصف الشاقل من الفضة، والذي يساوي حوالي دولار ونصف، والذي كان مطلوباً من الذكور الذين يبلغون العشرين وما فوق من العمر عندما تم إحصاء عدد شعب إسرائيل، نجد الكتاب المقدس يصفه بـ"فضة الكفارة" (خروج ٣٠: ١٦).

النحاس: رمز الفداء من جهة دينونة الله التي تم إرضاؤها على صليب المسيح من ناحية مسؤولية الإنسان. وفي الواقع إن كلمة "نحاس" ( brass ) المستخدمة في الكتاب المقدس هنا تعني أشابة النحاس أي خليط من النحاس مع الخارصين أو الزنك وهو ليس مقاوماً للحرارة كمثل معدن النحاس النقي ( copper ) وهذه هي الكلمة الأنسب الواجب الترجمة إليها، ألا وهي ( copper ). وهذه الفكرة يجب ألا تغيب عن بالنا عندما نتحدث عن النحاس الموجود في المذبح النحاسي، والمرحضة النحاسية.

اللون الأزرق (الاسمانجوني): رمز ما هو سماوي إلهي. إن اللغة الهندستانية تستخدم كلمة (لون أزرق) ببساطة للإشارة إلى السماء. إنه لون السماء الصافية الخالية من الغيوم.

الأرجوان: رمز مجد المسيح كملك على إسرائيل. إن اللون القرمزي هو اللون الملوكي. في استهزائهم بادعاء ربنا أنه ملك إسرائيل ألبسه الجنود "رداءً قرمزياً" (متى ٢٧: ٢٨).

البوص: رمز النقاء، والصفاء، والقداسة في طبيعة ربنا الإنسانية؛ وهي أيضاً رمز لما يحدثه عمل الروح القدس في حياة المؤمنين. "الْبَزُّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤيا ١٩: ٨).

شعر المعزى: رمز المسيح كنبي. في (زكريا ١٣: ٤، ٥) نجد أن الثوب الخشن أو المشعر كان العلامة المميزة للنبي. عندما استفسر آحاز المريض من رسله عن الرجل الذي التقوا به قالوا له: "أنّهُ رَجُلٌ أشْعرُ (أي يرتدي ثوباً من شعر) متمنطِقٌ بمنطَقةٍ من جِلْدٍ على حَقَويْهِ" (٢ ملوك ١: ٨). فأدرك الملك مباشرة من الوصف أنه النبي إيليا. ونجد يوحنا المعمدان أيضاً يُوصف بأن "كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ" (متى ٣: ٤).

جلود كباش محمّرة: رمز تكرس المسيح لمجد الله حتى درجة الموت. "الكبش" يُدعى "كبش.... الملء" (خروج ٢٩: ٢٦). "مصبوغ باللون الأحمر" رمز طول المدة التي تمتد إليها المسحة، حتى الموت.

جلود نُخَس: رمز المسيح كما يراه العالم. وهذا الفرو كان يشكل الغطاء الذي يعلو خيمة الاجتماع. نجد وصفاً في (أشعياء ٥٣: ٢): "نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ".

خشب السنط: رمز ناسوت ربنا يسوع المسيح، وأيضاً رمز للمؤمن بوجوده في ألواح خيمة الاجتماع.

الزيت: رمز روح الله القدوس. فالروح القدس يُدعى في العهد الجديد بـ "المسحة" (١ يوحنا ٢: ٢٧). وقد كان الملوك والأنبياء والكهنة يُمسحون بزيت في زمن العهد القديم.

الطيب: رمز أريج المسيح أمام الله.

حجارة جَزعٍ وحجارة ترصيع: رمز عظمة قيمة المؤمنين عند الله، وذلك بنتيجة علاقتهم بالمسيح.

المَقْدِس: رمز سُكنى الله وسط شعبه، وهو مكان مقدس مخصص لمرضاة الله. "فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خروج ٢٥: ٨).

من مثال المسكن: دلالة على أن الفكر والمخيلة البشريين ليس لهما دور في اقتراح ما يجده الله مناسباً. كان موسى قد دُعي إلى قمة جبل سيناء. ورآه شيوخ إسرائيل يختفي في مجد الرب كنار ملتهبة على قمة الجبل. وهناك أمره الله بنفسه وحضه قائلاً: "وَانْظُرْ فَاصْنَعْهَا عَلَى مِثَالِهَا الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ" (خروج ٢٥: ٤٠).

إذ نرى هذه التفاصيل قد خطط الله لها بنفسه لكي يعلم شعبه دروساً في السماويات، فإن هذه الرموز والصور تصبح أكثر إمتاعاً، ولا يمكن إهمال دراستها دون فقدان معنى روحي للنفس.

كما أن انكسار الضوء ينثر الضوء العديم اللون إلى ألوانه السبعة الموشورية، كذلك الأمر الرموز، كما كانت حالها دائماً، والتي هي دلالة على حقائق عظيمة تتعلق بالمسيح: لاهوته، وناسوته، وعمله الكفاري، والبركة التي ينالها الشعب المؤمن به، إلى ما هنالك من تفاصيل تعليمية. وإذ نتعلم هذه التفاصيل، ونرى جانباً تلو الآخر ينجلي أمامنا، نجد أن كل منها متوافق مع الآخر، وهكذا تدريجياً نصل إلى الفهم الصحيح في داخلنا لكل الأمور، إلى أن تُغزل الحقيقة إلى خيوط رفيعة في كياننا الروحي، فتصنعنا لمجد الله. لقد كان لهذه الرموز دور كبير في تعليم الكاتب حقائق عن شخص وموت المسيح، هذه التعليم الذي ما كان بوسعه أن يحصل عليه من مكان آخر.