الفصل ٥

مائدة خبز الوجوه

(اقرأ خروج ٢٥: ٢٣ – ٣٠؛ لاويين ٢٤: ٥ - ٩)

إننا ننتقل من قدس الأقداس، حيث كان التابوت وكرسي الرحمة، وندخل إلى المقدس. وهنا نرى مائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية. والسابقة هذه يرد ذكرها أولاً. لقد كانت مصنوعة من خشب السنط ومغشاة بالذهب النقي. وهنا نجد إشارة إلى المسيح في مجد لاهوته (الذهب النقي)، وفي ناسوته (خشب السنط).

وهنا أول مرة في الكتاب المقدس نجد فيها ذكر كلمة مائدة (وفي العبرية shulchan). إن الفكرة الرئيسية من المائدة هو الغذاء والبقاء. ولذلك فإن مائدة التقدمة تمثل المسيح الذي هو غذاء لشعبه، ليس هنا في ظروف البرية، حيث كانت المنّ تسد حاجة الشعب، بل خدمة المقدس. لقد كانت غذاء الكهنة.

إن المنّ هو الطعام الذي نحتاجه نظراً لظروف البرية، هناك نتغذى من عناية الرب لنا في تجاربنا، وضعفاتنا، وعيوبنا، ونقائصنا، ومحننا، الخ. يمكننا كلنا أن نحكي كيف حُفِظنا على هذا النحو. "ولكن عندما ندخل إلى اجتماع أو جلسة تأمل خاصة، فإننا نلقى أنفسنا مع المسيح القائم، "في المحبوب" (أفسس ١: ٦)، "المُبَارَكٌ .... بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (أفسس ١: ٣). إننا نعلم أن محبة الآب قد ظهرت في ومن خلال ابنه المحبوب، ربنا يسوع المسيح. في مثل هكذا ممارسات نحن في منطقة لا تجارب فيها، ولا خيبات أمل. وإننا نتذوق الجانب السماوي من الأشياء، وهذا نجده رمزياً في مائدة خبز الوجوه.

أبعاد مائدة خبز الوجوه

بينما كان طول وعرض مائدة خبز الوجوه أقل من تلك التي للتابوت، إلا أنه كان لهما نفس الارتفاع. وهذا الطول والعرض الأقل سيشير إلى أنه فيما يمثل التابوت وكرسي الرحمة العالم بأجمله، فإن مائدة خبز الوجوه ترمز إلى علاقة الرب مع شعبه فقط. إن كرسي الرحمة مُتاح للجميع، أما مائدة خبز الوجوه فكانت متاحة للكهنة فقط. وإن حقيقة أن لهما نفس الارتفاع ترمز إلى مشاركة المؤمن المتساوية المتكافئة مع ملء المكانة التي حصل عليها بموت المسيح الكفاري.

إكليلان من ذهب

إكليلٌ من ذهب حواليه، بحاشية زخرفية ذهبية تحيط به، وإكليل ذهب على حاشيته، هذا يدلنا على أمرين: (١) كم كانت غيرة الله شديدة على صيانة الحق في شخص ابنه الحبيب، وكيف سيحفظ الله شعبه في علاقتهم مع المسيح. وهذا الأمر الأخير سنفهمه عندما نتحدث عن الأرغفة التي توضع على المائدة.

الخواتم، العصي، والآنية

إن الخواتم والعصي تؤكد، كما في حالة تابوت العهد، على أننا في البرية، ولسنا بعد في كنعان السماوية.

وإن الصحون والملاعق والأغطية والصحاف والمصنوعة كلها من ذهب، تشير رمزياً إلى أن الإلهيات، ومقدسات الله لا يمكن لفكر الإنسان أن يسبر أغوارها، بل يجب إدراكها روحياً، ونيلها، والاستمتاع بها. إن روح الله وحده، هو الذي يستطيع أن يساعدنا في ذلك.

الأرغفة الاثنا عشر

كان قد وضع على المائدة اثنا عشر قرصاً من الخبز أو رغيفاً. وهذه كانت تمثل أسباط إسرائيل الاثني عشر. وأنهم وحدهم كانوا يستطيعون الدخول إلى المقدس، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك بالنيابة عن كل إسرائيل. كان الكهنة عُشر عدد بني إسرائيل، وكانوا يمثلون الجميع. وكان هذا يرمز إلى حصة المؤمن. إن كل المؤمنين كهنة، والمسيح هو غذاء لكل شعب الله. وللأسف، أننا قلما ندرك غنى القوت السماوي. إننا غالباً ما نرضى بالعيش في فقر روحي، في حين يمكننا أن نحيا في غنى روحي.

كان يجب صنع الأقراص أو الأرغفة من الدقيق الناعم، وهذا إشارة إلى نفس المدلول الذي نفهمه من البوص الناعم، أي إلى حياة ربنا يسوع المسيح الخالية من العيب. فالدقيق الناعم ليس فيه جريش. وإن مررت يدك عليه ستلمس كم هو ناعم أملس. كم من جريش وخشونة في حياتنا جميعاً! أما معه فكل شيء كان في حالة كمال.

بالنسبة لربنا، لقد كان مميزاً عن كل الآخرين، لأن فيه كان ائتلاف لكل نعمة وكل حق في كامل امتلائها وتمامها. ولا يمكننا أن نجده كاملاً في جانب واحد دون الآخر. فربنا كان كاملاً وتاماً في كل الجوانب دون إخفاق، فهي كانت جميعاً متكاملة ومنسجمة فيه.

كانت الأقراص أو الأرغفة تُخبَز. ويجب عجن الدقيق وخبزه في التنور قبل أن يقدم للطعام. وهذا يظهر أن المسيح لم يكن يستطيع أن يصبح غذاءً لشعبه إلا من خلال الموت. إن موته الكفاري هو الذي يمكّن المؤمن من أن يتغذى به كقوت لشعبه.

كان هناك عُشْران من الدقيق في كل رغيف. والعُشْر يرمز إلى المسؤولية وقد حُمِلَت إلى التمام. وإن العشران هما شهادة كافية وافية على ذلك.

هذه الأرغفة الاثني عشر كانت تُوضع على صفين، ستة في كل صف، وكان اللبان يُوضع عليها، رمزاً إلى عطر المسيح الزكي أمام الله. وكانت هذه الأرغفة تُوضع إلى المائدة أمام الرب كل يوم سبت دون انقطاع. وكانت طعاماً لهارون وأبنائه في المقدس.