الفصل ١٩

ذبيحة الخطية

(اقرأ لاويين ٤)

في الواقع، إن ذبيحتي الخطيئة والإثم كانتا كلتاهما محرقتين، ولكن لكل منهما ميزاتها الخاصة، كما سنرى.

في تلك الذبائح التي كنا ندرسها، التقدمات ذات رائحة سرور، لدينا ذبائح يقدمها شخص بالشركة يقترب من الله. إن ذبائح الخطية والإثم ترمز إلى اقتراب الخاطئ من الله، أو في حالة ذبيحة الإثم، اقتراب ذاك الذي أخطأ تجاه قريبه. لقد كانت تقدمات رائحة السرور تُحرق على المذبح النحاسي.

وكانت ذبائح الخطية تُحرق "خارج المحلة".

إن دم ذبيحة الخطيئة في يوم الكفارة العظيم هو الذي كان رئيس الكهنة يحمله إلى قدس الأقداس، ويرشه على وأمام كرسي الرحمة. وهذا وحده كان كافياً ليظهر كم كانت هذه الذبيحة هامة ومهيبة.

كانت ذبيحة الخطية مطلوبة لأجل الخطايا المرتكبة عن جهل المخالفة لوصايا الرب. كان المقرّب يُعتبر مذنباً سواء كان يعرف بخطيئته أم لا. وفي الواقع إن "خطيئة الجهل" كانت تفترض عدم معرفة المذنب. وكان تقديم الذبيحة يتطلب ويفترض استنارة لاحقة أو تالية.

كم هو صحيح أن ما من أحد منا يدرك حقاً جدية الخطيئة، التي لا حد لها، والتي يعتبرنا الله مذنبين بسببها، بينما نحن غير عارفين بها. ألا يدلنا هذا على أية درجة قد أغشت الخطيئة الرؤية لدينا، وسخّفت حساسياتنا الأخلاقية؟

أوليس أمراً سعيداً أن نعرف أننا إذا ما خلطنا في داخلنا بين الصالح والطالح، فإن الله لا يفعل ذلك؟ على ضوء معرفته بماهية الخطيئة، تمت معالجة الخطيئة على نحو كامل على صليب الجلجثة. كم نشعر براحة ضمير ونحن نقرأ القول: "دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (١ يوحنا ١: ٧).

إن ذبيحة الخطيئة كما يتم تعدادها في (لاويين ٤) هي كما يلي: —

  1. عن الكاهن الممسوح.
  2. عن كُل الجَمَاعَةِ.
  3. عن الحاكم أو الرئيس.
  4. عن أحَدٍ مِنْ عَامَّةِ الأرْضِ.

إن تمحصاً في الفروقات بين هذه الخطايا، سيرينا أنه كلما زاد الامتياز، كلما ازدادت المسؤولية، وكلما عظمت الخطيئة. وفي حالة "الكاهن الممسوح" أو "كل جماعة شعب إسرائيل"، فإن المذنب، يجب أن يقدم ثوراً ابن بقر صحيحاً في كلتا الحالتين، وهذا كان يجب أن يُحرق خارج المحلة. وفي جميع الأحوال كان الشعب بأكمله يتأثر بذلك، لأن الكاهن الممسوح كان يمثل كل الجماعة.

إن أخطأ الحاكم، كان يكفي أن يقدم تيساً من المعز، وفي هذه الحالة يجب أن تكون الأضحية أنثى.

ولذلك نرى أن ذلك الامتياز، والمكانة، والاقتراب من الله، يجعل أي خطيئة، ولو عن جهل، تقف حائلاً بين الإنسان والله وتكون جديتها بحسب مقدار عظمة الامتياز والمكانة التي يتمتع بها الخاطئ.

فعلى سبيل المثال، إذا خالف إنسان عادي قانوناً ما من قوانين الأرض، فإن الانتهاك سيكون أكثر خطورة وجدية، لأن القاضي من المفروض أن يعرف قوانين الأرض. ومن المعروف أنه في المحاكم البشرية يغرّم الناس بسبب انتهاكات إذا كانوا قد ارتكبوها عن جهل بشكل أو بآخر. إن القانون يفترض مسبقاً أن الناس يجب أن يكونوا على معرفة بشرائعهم وقوانينهم. يجدر بالمؤمنين أن يدرسوا الكتاب المقدس، لئلا يرتكبوا الخطيئة عن جهل.

إن أخطأ كاهن ممسوح "بحسب خطيئة الشعب" كان يُطلب إليه أن يأتي بثور فتي إلى باب خيمة الاجتماع، وأن يضع يده على رأس الأضحية، وأن يذبحها أمام الرب. ثم كان الكاهن يأخذ الدم، ويغمس إصبعه به ويرشه سبع مرات أمام الرب أمام حجاب المقدس، ويضع بعض الدم على قرون مذبح البخور العَطِر.

إن كان الكاهن يقوم بكل ذلك أما كان ليشعر بخطورة مخالفته لوصايا الرب؟ سوف يدرك كيف أنه بمركزه ككاهن ممسوح قد جلب خزياً كبيراً لاسم الرب.

كان الدم يُسكب في أسفل مذبح المحرقة. وكان الدم يرمز إلى الحياة. وما من شيء أقل من سفك الدم، أي الحياة المستسلمة لدينونة الله، يمكن أن يكفي لإرضاء مطاليب الله. إن الخطيئة أمر خطير، وهذا الطقس سوف يوضحها بشكل جلي للغاية عندما يرتكب الكاهن الممسوح الخطيئة.

كانت الشحوم تُزال بعد ذلك وتُحرق المحرقة، إظهاراً لحقيقة أنه حتى في هذا التمثيل الأكثر مهابة لموت المسيح، كان هناك في الذبيحة ما فيه إرضاء كبير لله، ألا وهو إذعان المسيح الكامل لمشيئة الرب، ذلك التكرس العميق الداخلي لدى المسيح الذي قاده إلى هكذا ميتة، وهذا كله كان مقبولاً لدى الله إلى أقصى الحدود.

والآن يأتي دور الجزء الأكثر وقاراً وإجلالاً في رتبة الذبيحة. فجلد الثور، ولحمه، ورأسه، ورجليه وأحشائه، وروثه كان على الكاهن أن يحملها إلى خارج المحلة إلى مكان نظيف، حيث كان يُلقى بالرماد، وهناك كان يحرقها كلها بالنار على الخشب. لابد أن ذهن الكاهن كان سيشعر بمدى عمق وجدية كل ما يجري. لقد كانت المحلة مكاناً كبيراً. وكان فيها حوالي ستة آلاف رجل، إضافة إلى كبار السن وصغاره، نساء وأطفالاً، كانوا يخيمون حول خيمة الاجتماع. لابد أن تلك كانت شهادة مهيبة عما كان موقف الله من الخطيئة. كانت المسافة تبلغ ستة أو سبعة أميال بين خيمة الاجتماع و"خارج المحلة" حيث كان الرماد يُلقى.

يخبرنا الكتاب المقدس نفسه عن المعنى الرمزي لذلك. ونقرأ "فإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ الْخَطِيَّةِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ" (عبرانيين ١٣: ٢٢، ١٢). بالموت تحت وطأة غضب الله بسبب خطايانا، وإطلاقه لصرخة الألم تلك التي لم يكن لها نظير: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" أتمّ ربنا الرمز الذي تشير إليه ذبيحة الخطية بكل معناها الرهيب. ولابد أن تنحني نفوسنا أمام الله في عبادة عميقة وشكر خالص لأنه حقق كل مطاليب العدالة الإلهية ضدنا، وخلصنا من الجحيم الأبدي.

لقد تم تعداد أجزاء ذبيحة الخطيئة المختلفة، وفي هذا دعوة لنا لنتأمل في الأمر بعمق أكثر.

"جلد الثور"، الذي كان يشكل مظهر الجمال عنده، يأتي ذكره أولاً. وإذ يُحرق فهذا رمز إلى أن مجد الإنسان في الجسد، ذاك الذي يبدي الناس إعجابهم به ويمجدونه، هو أمر مقيت لدى الله: "طُمُوحُ الْعَيْنَيْنِ وَانْتِفَاخُ الْقَلْبِ نُورُ الأَشْرَارِ خَطِيَّةٌ" (أمثال ٢١: ٤).

"كل لحمه" يرمز إلى الخطيئة على العموم.

"مع رأسه" يرمز بوضوح إلى أن كل فكرة عند الإنسان ما هي إلا شرٌّ في عيني الله القدوس. "وَرَأى الرَّبُّ أنَّ شَرَّ الإنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأرْضِ وَأنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أفْكَارِ قَلْبِهِ إنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (تكوين ٦: ٥).

و"أكارعه" ترمز إلى أن كل نشاط عند الإنسان الطبيعي هو خطيئة. فمن أين تأتي الخطيئة؟ تأتي من الطبيعة، والطبيعة لا يمكن أن تعبر إلا عن ذاتها. "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية ٣: ١٢).

"وأحشاؤه" ترمز إلى ما كان محتجباً ومخفياً وسرياً. إن كل حركة يختلج بها القلب والإرادة الطبيعيان هي ضد الله. قد يبدو الخارج جميلاً في الظاهر، ولكن ماذا عن الداخل؟ إننا "ننقّي خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً!" (متى ٢٣: ٢٥).

"وفرثه" يرمز إلى ما هو فاسد وشرير خارجياً. وحتى الناس الخطاة يدينون هذه الأشياء الفاضحة الوضيعة التي يذنب البشر بها.

هذا الوصف ينقلنا إلى الدينونة الجارفة التي لا تُقاوم للإنسان في الجسد كما توجزها الآية غي (رومية ٣) حيث الحلق واللسان والشفتان والفم والقدمان هي كلها أعضاء شر. لقد أدلى أشعياء بشهادته أن "مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ" (أشعياء ١: ٦). وأيضاً: "قَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا" (أشعياء ٦٤: ٦).

في هذه التفاصيل نجد الإحساس الأكثر مهابة لماهية الخطيئة، والمحنة التي لا توصف، التي توجب على الرب يسوع، ابن الله، أن يواجهها ليفي حاجتنا الرهيبة.

"لقد عبر خلال عتمة فيضان الموت الهائج،

ليضمن لنا سلاماً"

تابوت العهد في المقدس، مع الكروبين
مذبح المحرقة
المرحضة النحاسية