الفصل ٢٤

أربعة رموز تاريخية عظيمة لموت المسيح

(اقرأ ١ بطرس ١: ١٨- ٢٠؛ ١ كورنثوس ١٠: ١- ١٢؛ رومية ٨: ١- ٤؛ يشوع ٣، ٤ ؛ أفسس ١: ٣- ٧)

هناك أربعة رموز ليست مرتبطة جوهرياً بخيمة الاجتماع، ولكنها تقدم دروساً مذهلة تتعلق ببني إسرائيل، الذين كانوا يتحلقون حول خيمة الاجتماع خلال رحلتهم إلى كنعان، ارتأينا أن نضعها في هذا الفصل هنا.

هناك أربعة رموز تاريخية تشير إلى موت المسيح، استخدمت للتوضيح خلال رحلة بني إسرائيل من مصر إلى كنعان. وهذه الرموز هي:—

  1. الفصح (أو عبور الرب)
  2. عبور البحر الأحمر
  3. رفع الحية النحاسية
  4. عبور الأردن إلى كنعان

ويمكن وصف هذه الرموز باختصار شديد كما يلي:—

  1. الفصح (عبور الرب): كان يرمز إلى كيفية إرضاء مطاليب الله فيما يتعلق بالخطيئة، بحيث يستطيع فداء شعبه متبررين.
  2. عبور البحر الأحمر: يرمز إلى انعتاق المؤمنين من سلطان إبليس (فرعون)، ومن عبودية العالم (مصر).
  3. رفع الحية النحاسية: يظهر كيف أن المؤمن يتحرر من عبودية الجسد بدخوله إلى الحياة الإلهية المقدسة، وسكنى الروح القدس.
  4. عبور الأردن إلى كنعان: يظهر كيف أن المؤمن يتبارك "بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (أفسس ١: ٣).

هذه خلاصة والآن نأتي إلى التوسع في التفاصيل.

 الفصح (عبور الرب)

يجب أن نلاحظ بشكل خاص منذ البداية أن الفصح هو الرمز الوحيد من بين الأربعة الذي كان فيه سفك دم. إن الرموز الثلاثة الأخرى تتفرع عن هذا الرمز الضخم، وتشير إلى الأساس العظيم الذي تقوم عليه بركاتنا، وحتى عمل ربنا يسوع المسيح الكفاري على الجلجثة.

إذ بعد كل شيء، كيف يمكن أن يقوم الله بأي عمل آخر ما لم تتم تلبية مطالبه العادلة أولاً؟ وفوق ذلك، إن كل أعمال الله اللاحقة جميعها في مباركة شعبه تقوم على أساس هذه البداية العظيمة الرائعة.

لقد كان الله على وشك أن يستمع لصرخات أنين بني إسرائيل المضطهدين (في مصر). ولكن لكي يفعل ذلك، لابد أن يكون باراً عادلاً. لقد كان بنو إسرائيل على نفس درجة المصريين في الخطايا. فبأي حق يؤيد الله بني إسرائيل ضد المصريين؟ لقد كان المصريون شعباً استعبدوا بني إسرائيل، وعندما طلب الله أن يُسمح لهم بأن يعبدوه في الصحراء، رفض فرعون، ولذلك نزل الله العادل البار إلى مصر باستياء غاضب. فإن كان فرعون لن يسمح لبني إسرائيل بالذهاب، فهو نفسه سيخرجهم من مصر "بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ" (تثنية ٢٦: ٨). ومن جهة أخرى كان الله قادراً على فداء شعبه، فقط بعد أن يرضوا مطاليب عدالته. إن النقطة المهمة التي يجب أن نفهمها في قصة الفصح هي أن مسألة السكنى مع الله هي القضية العظيمة الوحيدة والحيوية. أما بقية المسائل فتأتي لاحقاً، ولكن يجب إرساء هذه المسألة الأهم أولاً.

والآن نأتي إلى لب الموضوع بجملتين. إن الله أبقى ذاته خارجاً كقاضٍ عادل أتى بمخلص كريم بار. بالتأكيد كان كل ذلك رمزياً، ولكن كم كان الرمز غنياً نظراً إلى عظمة المرموز إليه.

كان يجب نحر حمل صحيح، وأن يوضع دمه في حوض، وبحزمة من الزوفا كان الدم يُنضح على عتبة باب البيت وأعمدته، حيث كان يقطن الإسرائيليون، وكان يهوه قد تعهد بأنه سيعبر عندما يرى الدم، ومن هنا جاءت الكلمة العبور (أو الفصح). ولكنها تدل رمزياً إلى دم المسيح الزكي، الذي يطهر من كل الخطايا. ولذلك نقرأ في العهد الجديد: "لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (١ كو ٥: ٧). "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ" (١ بطرس ١: ١٨، ١٩).

كتبنا في الفصول السابقة عن العبور (الفصح)، وسنكتفي بهذا القدر عنه.

عبور البحر الأحمر

عندما أُرضيت مطاليب عدالة الله، وهذا حدث بتدبير منه، كانت لا تزال هناك الحالة المؤسفة الباعثة على الأسى لبني إسرائيل. فقد كانوا عبيداً في قبضة فرعون القاسية يصنعون "الآجر بدون تبن" في أرض مصر؛ فهل كان الله ليترك شعباً مفتدى في تلك الحالة البائسة؟ لقد تلا ذلك العمل (عبور الفصح) الذي حدث أولاً، عملٌ آخر. فقد كانت الحاجة ماسة إلى التحرر من فرعون ومصر. فرعون هو رمز لإبليس، ولذلك نقرأ "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً (المسيح) كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ" (عبرانيين ٢: ١٤، ١٥). لقد كانت مصر ترمز إلى العالم. "وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآِبَائِكُمْ، وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ" (قضاة ٢: ١). إن المؤمن هو في هذا العالم ولكنه ليس من العالم. ونجد الرب يسوع خلال صلاته إلى الله الآب التي لا تُنسى يذكر مرتين أنهم "لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ" (يوحنا ١٧: ١٤، ١٦). يا له من تحرر وانعتاق رائع.

تقدم لنا الآيات في (١ كورنثوس ١٠: ١ - ٤) صورة كتابية جميلة عن المعنى الرمزي لعبور البحر الأحمر. فقد عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر، إذ كان موتاً للمصريين، ولكن كان للإسرائيليين طريق الحرية من مصر وعبودية فرعون. لابد أنها كانت محنة كبيرة بالنسبة لبني إسرائيل عندما هدد المصريون، المدججون بالسلاح، بأن يبيدوهم بعد أن حاصروهم أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر. لقد كانت الحالة ميئوساً منها، وفجأة ينشق البحر أمامهم إلى نصفين، وصارت يابسةٌ فيه بقوة جبارة من ريح شرقية أرسلها الله لنجاتهم، فعبروا بأمان إلى الجانب الآخر.
إن (١ كو ١٠: ٢) تخبرنا كيف أن جميع بني إسرائيل "اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ"، وكأن َالْمَاء الذي كان مثل سُور لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِم، والسحابة التي فوقه، شكلت ما يشبه النفق ليمروا عبره.يا له من تحرير! ما عاد من فرعون هناك، وما عادت مصر هناك، وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر صاروا تحت قيادة موسى وقد أعطاهم الله نبع ماء عذب، فاض من الصخرة التي ضربها ليشربوا، وكان يرسل لهم المنّ يومياً ليأكلوا. إن هذه القصة تدلنا بشكل أكيد على أن الصخرة التي تبعتهم كانت المسيح، ومن هنا قالوا عن الماء المتدفق من الصخرة التي ضُربت ماء الصخرة.

إن عبور الفصح يستحضر إلى ذهننا، كما رأينا الآن، فكرة موت المسيح عنا. وعبور البحر الأحمر هو تطابق بيننا وبين ذلك الموت. لقد اعتمد بنو إسرائيل لموسى. والمؤمنون يعتمدون لموت المسيح، ويدفنون معه بالمعمودية، وهم الآن مؤمِنون مُعتَقُون من سلطان إبليس، ومن العالم في نظامه البعيد عن الله، وقد كرسوا أنفسهم للمسيح بالروح والنفس والجسد.

"من مصر جئنا،
حيث كان الموت والظلام يسودان،
وها إننا نسعى إلى مسكن جديد أفضل،
حيث نحظى بالراحة،
هليلويا،
ها إننا في الطريق نحو الرب"

رفع الحية النحاسية

عندما قاربت رحلة بني إسرائيل في البرية على الانتهاء، طرأ حادثٌ عجيب. لقد ضَاقَتْ نَفْسُ الشَّعْبِ فِي الطَّرِيقِ، وراحوا يتذمرون على الله وموسى، قائلين: "«لِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِنَمُوتَ فِي البَرِّيَّةِ! لأَنَّهُ لا خُبْزَ وَلا مَاءَ وَقَدْ كَرِهَتْ أَنْفُسُنَا الطَّعَامَ السَّخِيفَ (أي المن)»" (عدد ٢١: ٥). لقد تذمروا على صلاح الله وجوده، رغم تدبيره لأمورهم في إعطائهم الماء من صخرةٍ صمّاء و"طعام الملائكة" (مزمور ٧٨: ٢٥).

ولذلك "أرْسَل الرَّبُّ عَلى الشَّعْبِ الحَيَّاتِ المُحْرِقَةَ فَلدَغَتِ الشَّعْبَ فَمَاتَ قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيل" (عدد ٢١: ٦). ما الدرس الذي نتعلمه من هذه الحادثة؟ إنه درس ضروري لابد منه. إن الخطيئة تنبع من طبيعة خاطئة. ما الذي يُجنى من الشوك سوى الشوك؟ قال الرب: "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِيناً؟" (متى ٧: ١٦).

علّم الفصح (عبور الرب) درساً عن قضاء الرب. وعبور الأردن علّم التحرر من مصر (العالم) وفرعون (إبليس). ورفع الحية النحاسية لقّن درساً عن كيفية الانعتاق من الذات الخاطئة. وإنه درسٌ عميق وعملي.

ماذا كان العلاج؟ أمر الله موسى أن يصنع حيةً من نحاس، فمن نظر إليها كان ليعيش. هل نجد انعكاساً لهذا النور في العهد الجديد؟ بالتأكيد نعم. إذ نقرأ: "«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا ٣: ١٤، ١٥). إن الحية النحاسية ما هي إلا رمز للمسيح ربنا الذي رُفِعَ على عود الصليب لكي ينال الخطأةُ الحياة.

ثمة نتيجتان نجمتا عن موت المسيح، كما نرى في (١ يوحنا ٤: ٩، ١٠). إذ نقرأ: "بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِه. فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا". لم نَنَلْ غفران الخطايا وحسب، بل الحياة الأبدية أيضاً التي مُنِحَتْ لكل مؤمن.

ونقرأ: "صَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلى الرَّايَةِ فَكَانَ مَتَى لدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَاناً وَنَظَرَ إِلى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا" (عدد ٢١: ٩). وبنفس الطريق، إن كل من ينظر إلى المسيح، الذي رُفع على الصليب لأجل آثامنا، يحيا. ولا ننسَ أن الحسد الخاطئ يأتي بالخطيئة وحسب، وسوف لن يجد له مكاناً في السماء. كما تقول هذه الترنيمة للأطفال: —

"هنالك مدينة ساطعة بالضياء،
أبوابها موصدةٌ في وجه الخطيئة؛
ولا يمكن لذلك الدنس،
لا يمكن لذلك الدنس،
أن يدخل إليها أبداً".

إن الموضوع الأهم عند الرسول يوحنا هو الحياة. نعم، الحياة. وإن إنجيله قائم على أساس ذلك الرمز ألا وهو الحية النحاسية المرفوعة.

إن الآيات في (رومية ٨: ٣، ٤) تستخلص نفس النتيجة، ولكن على خلفية أخرى. فنقرأ: "لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ". فالحية النحاسية كانت على شبه الحية المحرقة التي لدغت الشعب، وكان الرب يسوع على شبه جسد الخطيئة. هو لم يكن ذا جسد خاطئ، وإلا لما أمكنه أن يكون مخلصنا. وليس فقط أن الخطيئة قد كُفِّرَ عنها، بل إن الخطيئة قد أُدينت بجسد ربنا يسوع المسيح. فلم تُعالج الثمرة (الخطايا) وحسب، بل أيضاً الجذر (الطبيعة الخاطئة). إن الخطايا تُفغر، أما الطبيعة الخاطئة فلا. ما سيصيب الجسد من جراء الخطيئة هو الموت وحسب.

الخطأ الفادح الذي يرتكبه العالم المسيحي اليوم هو محاولة صقل الإنسان في الجسد. إن شذّبنا أو اعتنينا بالشوك، فقد نحصل على شوك أكبر وأشد حدة، ولكننا لا ننتج بذلك إلا شوكاً. على المؤمن أن يدرك ذلك، وأن يطلب نعمة كي "يسلك بالروح". يتحدث الرسول بولس عن "جدة الحياة" (رومية ٦: ٤). ويتحدث يوحنا الرسول عن "الحياة الأبدية" (يوحنا ٣: ١٥).

إن فهمنا التعليم المستخلص من درس الحية النحاسية مرةً، فإننا سنعرف أنه ما من شيء في الجسد هو لله، وأننا لا يمكن أن نحسّنه، بل إننا في حاجة إلى أن نجتاز بالموت في جسدنا على هذا النحو. وإنه لقولٌ حسنٌ أن الطبيعتين لا يمكن تحسينهما. فالجسد فاسدٌ جداً لا يمكن إصلاحه. والطبيعة الجديدة صالحة جداً فلا يمكن تحسينها.

أي منظر كان لابن الله المرفوع. وأي درس نتعلمه من أنه ليس فقط أن الخطيئة كُفِّرَ عنها بل أيضاً أن الطبيعة الخاطئة قد أُدينَتْ على الصليب، وأيضاً في أن الرب إذا شاء أن يرضى عن شعب، فإن عليهم أن تكون لهم حياة لا خطيئة فيها، وسيعطى الروح القدس لهم كقوة تساعدهم في تلك الحياة الجديدة، وذلك كي "يسلكوا بالروح" (غلاطية ٥: ٢٥).

عبور الأردن
(اقرأ يشوع ٣، ٤ وأفسس ١: ٣ - ٥)

عبور الأردن كان يعني نهاية البرية والدخول إلى كنعان، الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. وكان هذا يعني الصراع لأجل امتلاك الأرض وطرد خصومهم.

نحن المسيحيون لا نزال في حالة مرحلة البرية حتى الآن نظراً إلى ظروفنا الأرضية. وعلينا أنه نواجه تجارب وصعوبات من كل الأنواع. ولكننا بالروح ممتلئين بالأمور السماوية المباركة، وفي أذهاننا تركنا مرحلة البرية ونجد أنفسنا أمام ما تتطلبه مرحلة كنعان بالمعنى الروحي.

وإننا مباركون بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. إننا مختارون لنكون قديسين وبلا عيب أمام أبي ربنا يسوع المسيح. لقد نلنا التبني بيسوع المسيح. وها هنا دنيا من الأفكار والمشاعر خارج هذا العالم في الزمان والإحساس. وكما قال أحدهم: "إننا نُدخَل إلى حياةٍ هي على الجانب الآخر من الموت بقوة روح الله، لكوننا نموت ونُقام في المسيح، ويجب أن يكون هناك تذكار لذلك الموت الذي به تحررنا من ذاك الذي على هذا الجانب منه، من بقايا الإنسان كما هو الآن، ومن الخليقة الساقطة التي ينتمي إليها".

لا يمكن أن تكون كنعان رمزاً للسماء، لأنه كان هناك صراع شديد للاستيلاء على الأرض، بينما لن يكون هناك صراع في السماء. ونجد ارتباطاً بين هذا وما جاء في رسالة أفسس: "إِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس ٦: ١٢). إننا مدعوون لنلبس درع الله الكامل لكي نستطيع الصمود، ولكيلا نتخلى عن نصيبنا الرائع الذي يخصنا.

بالرمز، عندما عبر بنو إسرائيل الأردن، نهر الموت، فإن أول حركة قاموا بها كانت من جانب الكهنة الذين حملوا تابوت العهد. وكان يجب الإبقاء على مسافة ٢٠٠٠ ذراعاً بينه وبين الشعب. وما كانوا قد عبروا ذلك الطريق من قبل.

َعِنْدَ انْغِمَاسِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ حَامِلِي التَّابُوتِ فِي ضَفَّةِ الْمِيَاهِ، وَقَفَتِ الْمِيَاهُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ وَقَامَتْ نَدّاً وَاحِداً بَعِيداً جِدّاً عَنْ «أَدَامَ» الْمَدِينَةِ الَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ، وَالْمُنْحَدِرَةُ إِلَى البحر الميت انْقَطَعَتْ تَمَاماً، وَعَبَرَ الشَّعْبُ.

حاول كثيرون أن يفسروا هذه المعجزة على أنها ناجمة عن انهيار التربة عند النبع أدى إلى حجز المياه. ولكن لا يُعقل ذلك. فقد كان الأردن في ذلك الوقت من الحصاد تفيض مياهه فوق ضفافه. ولم تحدث المعجزة إلا عندما غمس الكهنة أقدامهم في ضفة النهر.

لاحظ أن تابوت العهد كان يجب أن يسير في المقدمة. كان على ربنا أن يموت. لقد احتمل الريح العاتية، وعبر خلال العاصفة، وغاص إلى لجج المياه العميقة. وحده مضى إلى الموت، وذلك لئلا نجد مياهاً في نهر الموت عندما نأتي إليه، بل نعبر بدون أن تبتل أقدامنا.

"لقد اجتاز عبر فيضان الموت المعتم الهائج،
كي يضمن لنا الراحة والسلام"

يا له من انتصار هو ذاك الذي لنا!

حالما انغمست أقدام الكهنة في ضفة النهر، توقف فيضان المياه. وما إن عبروا جميعاً ووطئت أقدام الكهنة اليابسة حتى عادت المياه.

وأعطيت لهم تعليماتٌ أن يختاروا مِنَ الشَّعْبِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ، كي يحْمِلُوا مِنْ وَسَطِ الأُرْدُنِّ مِنْ مَوْقِفِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ رَاسِخَةً، حيث كانوا يحملون تابوت العهد، اثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً، وَيعَبِّرُوهَا مَعَهم ويضَعُوهَا فِي الْمَبِيتِ الَّذِي يبِيتُونَ فِيه تلك الليلة.
هذا يدلنا رمزياً على أنه وإن كنا في السماويات بالروح، نتذوق هذه الأشياء التي ستكون لنا بامتلاء في السماء نفسها، عندما تصير لنا أجساد ممجدة، ونكون مع الرب ومثله، فإن الله سوف لن يسمح لنا بأن ننسى أين هو أساس بركتنا.

أذكر أني صعدتُ إلى قمة ناطحة سحاب في نيويورك قبل سنوات. عندما وصلنا إلى ذلك الارتفاع الشاهق، قلتُ لأصدقائي وأنا أنظر من فوق الشرفة، "لم أشعر يوماً بضرورة أساس متين كما أشعر اليوم". فردوا قائلين: "إن أساس هذا البناء مؤلف من أربعة طوابق تحت مستوى الشارع، مدعمٌ بالفولاذ الصلب، ومتين للغاية".

وهكذا هو الحال عندما نرتفع إلى مستويات الخبرة المسيحية على الجانب الآخر، وسوف لن يسمح لنا روح الله بأن ننسى الموت الكفاري التعويضي لربنا، الذي هو الأساس الذي قامت عليه كل بركتنا.

ألا نجد محاكاة رائعة لذلك عندما نقرأ الوصف عن أورشليم السماوية، رمز الكنيسة في الألفية؟ "«هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْحَمَلِ»". وفي ذلك المكان البهي الرائع الجمال، كما نقرأ، "أَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَلُ هَيْكَلُهَا"، و"َالْحَمَلُ سِرَاجُهَا"، و"عَرْشُ اللهِ وَالْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا" (رؤيا ٢١: ٩، ٢٢، ٢٣؛ ٢٢: ١، ٣). ويتحدث الحمل عن ذبيحة: "«هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ»" (يوحنا ١: ٢٩).
سوف لن ننسى أن ربنا يسوع هو حمل الله إلى الأبد.

وأخيراً أخذ يشوع اثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً مِنْ وَسَطِ الأُرْدُنِّ مِنْ مَوْقِفِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ رَاسِخَةً بينما عبر الشعب. وفي هذا رمز إلى حقيقة أن كل ما فينا بالجسد قد ذهب بموت المسيح، ولذلك فإن ما سيكون أمامنا هو خليقة جديدة وحياة جديدة.