الفصل الثالث
في حالة الإنسان الأصلية وحالته بعد السقوط واحتياجه إلى الخلاص من الخطية والموت الأبدي
من رام الاطلاع على حالته الحقيقية كما هي في اعتبار الله القدوس يطلع عليها جزئياً على صفحة ضميره، ولكنه يعرفها تمام المعرفة من الكتاب المقدس لأنه كلام من هو بكل شيء عليم "لَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ" (عبرانيين ٤:١٣)، ولا يعلم الله ما عملناه فقط بل وما سنعمله وما يخطر على بالنا كل أيام حياتنا، وهو الذي يقدر أن يخبرنا عن غايته التي قصدها من خلقه إيانا وحفظه لنا على قيد الحياة وعلى أي شيء تتوقف سعادتنا في المستقبل، إن الفلاسفة كتبوا في الإلهيات أفكارهم وخواطرهم عن هذه المواضيع، ولكن العقل السليم يجزم بأنه إن كان الله قد أعلن إرادته لنا بواسطة الرسل والأنبياء يكون إعلانه أجدر بثقتنا من الآراء الفلسفية والمقاييس البشرية المحدودة والغير المعصومة، فمن أراد أن يعرف غاية خَلْقنا الله وكيف سقطنا إلى حالة الخطية والتعاسة، يجب أن يرجع إلى كلام الله حتى يقف على الحقيقة، وهنا نتوسل بكل لطف واحترام إلى القارئ المسلم العزيز أن يلقي التشيع والتحامل جانباً أثناء اطلاعه على الكتاب المقدس أي التوراة والزبور والإنجيل، التي يشهد لها القرآن أعظم شهادة تليق بكلام الله، اقرأ في الكتاب بما يليق بمقام صاحبه من التوقير والاحترام بنيّة خالصة، داعياً الله أن يمنحك فهماً وهدى روحيين حتى يتيسر لك أن تفهم ما تقرأه، وتنفتح بصيرة قلبك وتشاهد حالة نفسك الداخلية، تلك الحالة التعيسة الشقية، عند ذلك تنال الخلاص الدائم والحياة الأبدية والبركة والسعادة اللانهائية، في سفر التكوين ١:٢٦-٢:٢٥، وسفر الجامعة ٧:٢٩ نجد أن الله خلق الإنسان في حالة الاستقامة والقداسة والسعادة، وهذا يبيّن أن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه، أي أن عقل ذلك الإنسان المخلوق المحدود وخصوصاً روحه كانت قبل سقوطه تشابه الخالق الغير المحدود بطريقة ما، وبها جعل الله نفسه معروفاً لدى الإنسان ، وكان الإنسان حينئذ معصوماً من الخطية بل من خطور الأفكار الشريرة على قلبه وعقله كما من كل الشهوات الجسدية والنفسية والروحية، وكان جسمه غير معرض لمرض ما أو للموت، وحيث أنه عرف الله وأحبه ورغب في أن يخدمه كان سعيداً وقنوعاً، وكان رئيس كل المخلوقات التي على وجه الأرض، ونعلم من سفر التكوين أن الله أعدّ له مسكناً جميلاً مباركاً هو جنة عدن (تكوين ٢:٨) وكانت واقعة غالباً على السهل الذي بُنيت عليه بابل فيما بين النهرين ومدن أخرى فيما بعد.
فكل امرئ يعلم بشهادة ضميره ووجدانه أنه فقد تلك الحياة السعيدة، حياة العصمة والهناء، وأصبح مكبلاً في قيود الخطية والتعاسة، ثم أن تاريخ الأمم البائدة التي أهلكها الله عن وجه الأرض بسبب خطاياهم، والشقاء الحاضر المخيّم على الأرض من ألم وموت يحصد الكبار والصغار لأعظم دليل على أن الإنسان لم يبق على الحالة التي خلقه الله عليها، وكان يريد أن يبقى الإنسان ونسله عليها إلى الأبد، ويخبرنا الكتاب المقدس بمقدار ما بلغ إليه الإنسان من الشرور والمعاصي وخصوصاً في حق الله القدوس (تكوين ٨:٢١ ومزامير ١٤٣:٢ ورومية ٣:١٠-٢٠ و٢٣ ويوحنا الأولى ١:٨).
ومن يتأمل في حالة قلبه أقل تأمل وفكر لبرهة في الأميال الفاسدة والأهواء المشوشة التي تنبع على الدوام من قلبه كما ينبع الماء من العين، لا يبقى عنده مجال للريب في أنه بالحقيقة خاطئ في نظره تعالى كما هو موصوف في الآيات المشار إليها والتي تشهد عليه ذمته وضميره أنه ليس هو خاطئاً فقط، بل إن الخطية والفساد استحوذا على قلبه حتى لم يبق في مقدرته وسيلة للتخلص من نير الخطية، وشعر أن هذه حالته منذ حداثة سنّه، بل منذ ولادته، وحينئذ يتبين له أن طبيعته الأخلاقية فاسدة. إلا أن للناس مذاهب في ميلهم نحو الرذيلة، فبعضهم ميالون لمحبة المال، وبعضهم للبخل، وبعضهم لمحبة الشهرة، وآخرون ملحدون، وبعضهم زنادقة، وغيرهم منافقون، والبعض ميالون لأكثر من هذه، وعلمنا علم اليقين بالاختبار والمشاهدة أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض خال من الخطية، حتى أن خير الأخيار وأكثر الناس تقوى يعترفون بأنهم طالما عملوا أعمالاً لم يكن يجوز لهم أن يعملوها، ولم يعملوا أعمالاً كان يجب أن يعملوها، وبالجملة فإن حياة العالم كله في العصور الغابرة والحاضرة دليل محسوس على صدق كلام الله المسطور في الكتاب المقدس، وأن كثيرين من الوثنيين لما سمعوا شهادة الكتاب عن الإنسان وقارنوا بينها وبين واقع الحال في أنفسهم وبين ذواتهم شعروا أن هذه رسالة منه تعالى تصف حالتهم الروحية البائسة قائلين إن صاحب هذا الكتاب إنما هو الذي خلقنا.
وقد اختبر بعضهم تغييراً في حالة قلوبهم بحيث أصبحوا يبغضون الخطية ويحبون الصلاح، إلا أن هذا التغيير يجب أن يُنسب إلى الميلاد الثاني الذي شرحه المسيح في يوحنا ٣:٣ و٥ الذي لا يمكن أن يحصل عليه أحد إلا بواسطة الإيمان به.
وقد رأينا أن التوراة تفيد أن آدم عندما خلقه الله لم يكن يميل بطبيعته الأولى إلى الخطية، وأنه كان خالصاً من حالة الشقاوة التي تستولي اليوم على ذريته. ثم أن البحث العقلي يؤيد ذلك، لأنه من المعلوم أن الخطية هي مخالفة لمرضاة الله، وأن الخطية هي التعدي على الشريعة الأخلاقية التي توافق ذاته تعالى وتصدر عنها فليس من المعقول أن نقول أن إرادته تعالى هي التعدي على ذاته وحيث أن بني آدم غرقوا في بحار الخطية والشقاوة، وغدوا سبايا النفس الأمّارة بالسوء، فيلائم حالتهم أن يبحثوا حتى يعلموا من أين أتتهم هذه المصيبة الدهماء.
ونجد الجواب على هذا السؤال في أسفار الكتاب المقدس حيث نقرأ أن الخطية ونتائجها المحزنة دخلت إلى العالم بسبب عداوة إبليس وغوايته لجنسنا من الجهة الواحدة، وبسبب حرية إرادة الإنسان وابتغائه أن يعمل مرضاته دون مرضاة الله من الجهة الأخرى، ولما خدع إبليس حواء التي خدعت آدم، عصى ربه حراً مختاراً، ومن تلك الساعة ارتد آدم عن الله وحاد عن جادة الحق، وانقطعت الصلة بينه وبين من هو ينبوع الحياة والسعادة الحقيقة (تكوين ٣ قارن يوحنا ٨:٤٤ ورومية ٥:١٢ و١٩ وتيموثاوس الأولى ٢:١٣ و١٤).
قيل: لماذا لَمْ يمنع الله دخول الخطية إلى العالم؟ ولماذا سمح لإبليس أن يجرب الإنسان وينتصر عليه؟ ولماذا لا يزال يترك له الحبل على الغارب في تجربة البشر إلى الآن؟ الجواب مفصل في كتاب "طريق الحياة"، ونكتفي هنا بالقول أن الله لم يكشف لنا غايته من ذلك تماماً، وليس في طاقة البشر إيجاد جواب شاف من كل وجه لهذا السؤال الصعب، وليس من الضروري أن نضع أعمال الله تحت بحثنا، إنما الضروري أن نعترف بسوء حالتنا ونبحث عن كيفية النجاة، وغاية ما في الأمر أن نعرف ما عرفه إبراهيم، وهو أن ديان الأرض كلها لا بد أن يكون عادلاً في كل أعماله (تكوين ١٨:٢٥).
غير أن بعض الحكماء أكدوا لنا أن وجود التجارب في الحياة الدنيا والشقاوة والآلام الناتجة عن الخطية هي درس لتدريب النفس على حياة الفضيلة بواسطة مقاومة التجارب والانتصار عليها بنعمة الله، وبواسطة اختبارنا نتائج الخطية المحزنة، أنعم الله على الإنسان بحرية الإرادة ليختار لنفسه ما شاء من الحق أو الباطل، الطاعة أو المعصية، الحرية أو العبودية لإبليس. وقد أعلن الله إرادته ومحبته لنا وهدانا إلى طريق الحق، إلا أنه تركنا نختار ما نريد، ولم يلزمنا بالرغم من أن نختاره دون سواه، فقصد الله أن نحبه، لكن لا إكراه في المحبة، كما لا إكراه في الدين المسيحي الحق بعد أن تتبين الرشد من الغي.
وعلَّمنا الله في كتابه أنه لم يكن حسب إرادته أن نخضع لسلطان إبليس ونرزح تحت نير الخطية، بل إرادته أن نتحرر ونعتق من هذه العبودية الصارمة، ونتطهر من شوائب الخطايا والعيوب، ونرجع إلى الحالة التي خلقنا عليها: حالة الطهارة والقداسة التي فقدها آدم لكي نصير ورثة السعادة الأبدية. وأن الكتاب بقسميه، واختبار الجنس البشري، يثبتان أن الإنسان لا يقدر أن يحظى بالسعادة الحقيقية ما لم يتب عن أعماله الشريرة ويرجع بإيمان حقيقي إلى الله ويتحرر من سلطان الخطية ويفوز بالغفران، لأنه بدون نقاوة القلب لا يمكن أن نشاهد الله ببصائرنا القلبية (بشارة متى ٥:٨ وعبرانيين ١٢:٣٤). إن التقي الحقيقي يجب أن يكون قديساً لأن الله قدوس (لاويين ١٩:٢ وبشارة متى ٥:٤٨ وكورنثوس الثانية ٦:١٤-٧:١ وبطرس الأولى ٢:٩ و١٠ ويوحنا الأولى ٣:١-٨).
هذا هو تعليم الكتاب المقدس، لأن الضمير والعقل يشهدان أن الإنسان خُلق صالحاً على صورة الله وشبهه، ثم سقط، وأن لا وسيلة لإرجاعه إلا بواسطة إعادة خلقه على صورة القداسة التي سقط منها ليكون أهلاً لسكنه مع الإله القدوس ورؤية وجهه ذي الجلال والإكرام.
فإن كنا نقابل بين تعاليم الكتاب المقدس وكتب الأديان الأخرى من حيث المبادئ المذكورة هنا، نجد فرقاً عظيماً، لأن تلك الكتب لا تفيدنا شيئاً بخصوص مقصد الله في خلقه الإنسان، ولا تشير أقل إشارة إلى وجوب تطهير القلب وتقديس الروح، وكل ما جاء فيها بهذا الصدد محصور ضمن أعمال الوضوء والغسل التي لا تصل إلا إلى الجسد، والمغفرة في تلك الكتب تلتمس من باب الإثابة على الحج والأضحية والصدقات. ونحن لا ننكر أن الوضوء والغسل لازمان لتنظيف الأبدان، ولكن أين هي الأبدان من القلوب؟ قال المسيح زاجراً ولائماً فرقةً من اليهود تصوروا أن الغسل يقربهم إلى الله "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ المُرَاؤُونَ، لأنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! أَيُّهَا الفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى، نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً" (بشارة متى ٢٣:٢٥ و٢٦). وكذلك الأعمال الصالحة وفي جملتها الصدقات يجب أن تكون ناتجة عن محبتنا لله وامتثالاً لمشيئته وإظهارا لشكرنا على سابق مغفرته ورحمته، وليس لكي نستعطفه ونحمله على أن يغفر لنا. إن مثل هذه الأحاسيس تقلب العمل الصالح إلى عمل رديء، لأن الديان العادل لا يقبل الرشوة ليغفر للمذنب ذنبه، فقيمة الأعمال الصالحة تُقاس على البواعث التي تبعث إليها، والله عليم بتلك البواعث ولا تخفى عليه خافية.
ولأجل أن نعلم مشيئة الله ونستعين على الانقياد إليها تعلَّمنا أسفار العهد القديم والجديد ما يجب علينا أن نعمله وما يجب أن نجتنبه، وعدا ذلك فإنه لخص الشريعة الأخلاقية في وصايا مختصرة وردت في أجزاء مختلفة من التوراة. ففي أسفار موسى نجد الوصايا العشر (خروج ٢٠:١-١٧ وتثنية ٥:٦-٢١) وفي أواخر أسفار العهد القديم نجد خلاصة أخرى للشريعة الأخلاقية.
وردت في سفر ميخا النبي "قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلا أَنْ تَصْنَعَ الحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ" (ميخا ٦:٨).
ينتقد بعضهم على المسيحيين أن ليس لهم شريعة مؤلفة من أوامر ومحظورات، وفاتهم أن الشريعة التي أشرنا إليها في أسفار العهد القديم لا تزال نافذة المفعول على المسيحيين، غير أن لنا في الإنجيل شريعة عظيمة نطق بها المسيح في موعظته على الجبل (بشارة متى الإصحاحات من ٥ إلى ٧ ) وعدا ذلك فإنه جمع واجباتنا في آيتين وجمعهما في واحدة (مرقس ١٢: ٢٨ – ٣١ ولوقا ٦: ٣١ ) "فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَناً، سَأَلَهُ: أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَّوَلُ الكُلِّ؟ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَّوَلَ كُلِّ الوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ، وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، هذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى، وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ، لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْن" (مرقس ١٢:٢٨-٣١) و"وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هكَذَا" (لوقا ٦:٣١). فمما تقدم نرى أن المسيح وضع مبادئ عمومية جامعة للإرشاد إلى ما ينبغي عمله في كل ظروف الحياة، مع أن غيره من واضعي الشرائع عينوا إرشاداً مخصوصاً لكل عارض يحدث لهم. ومن يقرأ رومية ١٢:١-٢١ و١٤:١-٨ وكورنثوس الأولى ١٣:١-١٣ وأفسس ٤:١-٢١ وكولوسي ٣:٤ يرى سموّ وقداسة المبادئ المحتمة على المسيحيين أن يسلكوا فيها. لم نؤمر بغسل أيدينا قبل الصلاة، بل أمرنا أن نغسل قلوبنا، ولا أن نحج مرة في العمر بل نكون على الدوام حجاجاً متغربين في الأرض، لأنه ليس لنا فيها مدينة باقية بل نكون قاصدين المدينة السماوية، وكلما قطعنا مرحلة من طريق الحج إلى السماء زدنا تمثلاً واقتداءً بقداسة الله. وعلينا أن لا نصلي خمس مرات أو سبعاً في اليوم بل نصلي في كل حين وبدون انقطاع (تسالونيكي الأولى ٥:١٧) أي نصرف حياتنا بجملتها في شركة مستديمة مع الله، ولا أن نقدم ذبائح حيوانية كما كان يقدم اليهود، بل نقدم ذواتنا ذبائح حية مقدسة مرضية عند الله (رومية ١٢:١ و٢ وبطرس الأولى ٢:٥).
مما تقدم نرى أن شريعة العهد الجديد أبلغ وأسمى من شريعة العهد القديم، وهي توافق تمام الموافقة صفات الله الجلالية والكمالية لأنها توصي بنقاوة القلب وبالتالي تؤدي إلى قداسة الحياة. وبدون هذه الوصايا الروحية يضيع لب الدين ولا يبقى منه سوى قشور الرسوم الخارجية التي لا تبرّر الإنسان. إن وصايا الإنجيل أعلى في روحانيتها وكمالها من وصايا كل الأديان، لأنها مدبرة بطريقة خصوصية لتغير طبيعة القلب الفاسدة إلى طبيعة مقدسة تفيض أعمالاً صالحة مدى العمر. وعليه يجب أن نقبل وصايا الدين المسيحي، لا كأقوال بشرية مثل بقية الأديان (إلا الدين اليهودي) بل كما هي بالحقيقة وصايا الله نفسه. وإن أردت قولاً جامعاً لوصايا الإنجيل فانظر إلى ما قاله المسيح في هذا المعنى وتأمل فيه بعين مجردة من الغرض، قال: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، هذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى، وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ بِهَاتَيْنِ الوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأنْبِيَاءُ" (بشارة متى ٢٢:٣٧- ٣٩) وهذه الأقوال مقتبسة بتوسع من أسفار العهد القديم (تثنية ٦:٥ و١٠:١٢ و٣٠:٦ ولاويين ١٨:١٩).
فترى تعليم أسفار العهد القديم والعهد الجديد واحداً من حيث الواجبات التي يكلفنا بها الله، والطريق الذي ينبغي لنا أن نسير فيه، لأنه في العهدين يريد الله منا أن تمتلئ قلوبنا بمحبته لأنه أحبنا أولاً، حتى نصرف سائر قوانا الجسدية والروحية والنفسية والعقلية كل يوم وكل ساعة في خدمة الله ومرضاته. وكما أننا نبتغي الخير لأنفسنا ونسعى لمصالحنا يجب أن نعمل مثل ذلك لجيراننا، وإن كانوا أعداءنا، لأن الأعداء في اعتبار الله لم يخرجوا عن كونهم جيراننا وأقرباءنا وإخواننا، وإياهم قصد المسيح لما أوصى "تحب قريبك كنفسك" (لوقا ١٠:٢٥-٣٧) بمثل هذه الفضيلة نطيع قانون المسيح الذهبي القائل: "فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأنَّ هذا هُوَ النَّامُوسُ وَالأنْبِيَاءُ" (بشارة متى ٧:١٢) وعلى قدر ما في هذه الوصايا من توثيق رابطة المحبة بين الإنسان وخالقه، وبينه وبين بني جنسه، يتنقّى القلب من الجنس، وتُعتق النفس من محبة الذات، وتؤدي بطبيعة الحال إلى سعادة الدارين.
وكذلك توافق هذه الوصايا الناموس الطبيعي الذي نقشته يد الخالق على صحائف القلوب والضمائر. فإن كنت تقارن بين ناموس ضميرك وشريعة قلبك وبين ما نتلوه عليك من وصايا المسيح وموسى، تعلم وتجزم أن تعليم الكتاب المقدس صادر من الخالق عز وجل، وتتحقق أنه موحى به منه، فليكن معلوماً لك أن الذين لا يقبلون تعليم الكتاب المقدس يدانون بموجبه في اليوم الأخير، لأنه منقوش على قلوبهم وضمائرهم، ولهذا السبب كتب الله شريعته الأخلاقية على القلوب حتى لا يكون عذر لمن عصى، حتى أن الوثنيين والملحدين مسؤولون عن حفظ الناموس الأخلاقي حسب طبيعتهم، لأن الناموس مكتوب على قلوبهم، ويعرفون إلى درجة ما أنهم خالفوا هذا الناموس الطبيعي، وأنهم واقعون تحت طائلة العقاب ومحتاجون لمخلص.
ولقائل يقول: إن كان الناموس مكتوباً على القلوب ويكشف لنا احتياجنا إلى مخلّص، فما الداعي إلى الكتاب المقدس؟ وأجيب: إن الداعي إليه هو وجود شهادة ثانية تؤيد شهادة الضمير، وأن في الكتاب المقدس بياناً أوفى ونوراً أعظم وثقة أرسخ لكي نتشجع في جهادنا الروحي طالبين منه تعالى العون في كل أحوال الحياة.
وفي الكتاب شهادة يا حبّذا لو فطن إليها الناس وهي أن معرفة الحق لا تبررنا، بل بالحري تزيد مسئوليتنا ما لم نكن سالكين بموجب الحق الذي عرفناه (بشارة متى ٧:٢١-٢٧ ولوقا ١٠:٢٥-٢٨ ويوحنا ١٣:١٧ ورومية ٢:١٣) ويشهد أيضاً أن العدالة الإلهية لا ترتضي أن تمس الطاعة الكاملة شائبة من شوائب النقص، بمعنى أنه لا يرتضي إلا بالكمال في أخلاقنا وأعمالنا (بشارة متى ٥:٤٨). فإن أطاع الإنسان الوصايا جميعها ما عدا وصية واحدة يعد مجرماً (يعقوب ٢:١٠ و١١ وغلاطية ٣:١٠-١٢) وكذلك الحال بالنسبة إلى القوانين المدنية، مثال ذلك أن قانون البلاد يمنع القتل والسرقة، فإن كنت لم تقتل ولكن سرقت ولو مرة واحدة في العمل وضُبطت، لا يشفع لك عند القاضي أنك لم تقتل بل يعاقبك على سرقتك. لم يُذكر عن آدم إلا خطية واحدة، ومع ذلك جلبت الويل والموت. تأمل ما أشنع عواقب الخطية الواحدة! من أجل ذلك لا تأمل أن تفوز بغفران الله عن معصية واحدة مقابل طاعات كثيرة. فمن طلب رضا الله بعمله، عليه أن يحفظ وصاياه جميعها بالضبط والدقة، ومتى تعدى على أقل وصية يُدرج اسمه في قائمة العصاة ويحال إلى الدينونة.
ولكن هل وُجد على سطح كرتنا الأرضية إنسان أطاع الله كل حياته طاعة كاملة؟ ومن ذا الذي أحب الله من كل قلبه وفكره ونفسه وأحب قريبه كنفسه؟ (بشارة متى ٢٢:٣٧ و٣٩) ومن ذا الذي قضى عمره ولم يرتكب معصية ولا زلة ما ولا فرطت من فمه كلمة سوء ولا جال على خاطره فكر خبيث ولا شهوة رديئة؟ (أيوب ٤:١٨ و١٩ و٢٥:٤-٦ ومزمور ١٤٣:٢ ورومية ٣:٢٠) ولم يوجد إنسان عاش ومات ولم يعمل خطية قط إلا سيدنا يسوع المسيح.
وإذ قد علمنا أن كل الجنس البشري (ما عدا يسوع) مذنب بشهادة ضميرك وشهادة كلمة الله المعلنة في الكتاب المقدس، ألا يجب علينا أن نعترف بخطايانا بقلب منسحق خاشع أمام خالقنا قائلين: "يا رب الأرباب البار القدوس، إن الطهارة التي أنت تريدها ليست فينا، ولذا نحن يا رب نستحق غضبك والموت الأبدي، فطهرنا."
أما كون الله يعاقب الخطاة على خطاياهم فقضية مسلّمة. (أولاً) لأن التجارب والاختبارات تؤيد ذلك، (ثانياً) لأن شهادة الضمير تؤيده، أيضاً (ثالثاً) لأن كلمة الله تصرح بهذه الحقيقة (حزقيال ١٨:٢٠ وبشارة متى ٢:٣٦ و٢٥:٤١ ورومية ١:١٨ و٢:٨ و٩ وكولوسي ٣:٢٥ وتسالونيكي الثانية ١:٩) يتصور بعضهم أن الله يغفر للمذنبين ذنوبهم بدون أن يعاقبهم استناداً على كونه رحيماً ورحمته غير متناهية، إلا إن هذا محال إلا بتدبير طريقة لتكريم شريعته والوفاء بمطالبها، وإلا كان غفر الذنوب بدون قضاء حق شريعته غير عادلاً. حقاً إن رحمته ومحبته غير محدودتين ولكن لا تنس أن عدله وقداسته غير محدودتين كذلك، فيستحيل عليه أن ينظر بعين الرضى إلى فاعل الشر.
وعدا ذلك فإن الخطية بطبيعة الحال لعنة وقصاص لفاعلها، ولا يمكن أن يكون سعيداً لا في هذه الدار ولا في الدار الآتية، لأن الإنسان الشهواني مثلاً لا يعرف للسعادة الحقيقية معنى حتى هنا، لأن الخطية تنزل طبيعة الإنسان إلى الحضيض، فيصير قاسياً جباناً محباً للذات دنيئاً نذلاً متباعداً عن حضرة الله القدوس مصدر السعادة وينبوع السلام والسرور. قال المسيح "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ" (يوحنا ٨:٣٤) وأعظم قصاص يقع على الخاطئ هو بقاؤه في حالة الخطية، وذلك نصيب الذين أصرّوا على تفضيل الظلمة على النور والشر على الخير وإبليس على الله (يوحنا ٣:١٩ ورؤيا يوحنا ١٢:١١).
ولاحظ أيضاً أنه من رحمة الله ومحبته أن لا يترك الإنسان يخطئ بلا عقاب، لأنه إن علم الإنسان أنه إن أخطأ لا يُعاقب يتهور في الخطية ويغوص في بحر الفساد، فتسوء حاله وتبلغ تعاسته حداً لا يوصف، وتكون حياته ويلاً لنفسه وقومه. فأين هذه النتائج المحزنة المدمرة من رحمة الله ومحبته؟
ويتضح إن التعدي على شريعة الله يوجب العقوبة، وإلا فلماذا أنزل الله الشريعة الأخلاقية ولماذا كتبت في الأسفار الإلهية؟ ولماذا كتبها على قلوب البشر؟ لا يقدر ذو عقل سليم أن يتصور أن عبيد الله العصاة والطائعين متساوون عند الله ويعاملهم معاملة واحدة.
وحيث أن كل الجنس البشري أخطأ ما عدا واحداً، فوجب علينا جميعاً القصاص، ولا قدرة فينا نحن الخطاة أن نرضي الله أو أن نكفر عن خطايانا وننال غفرانه ونحصل على المصالحة معه. ثم أننا لا نحتاج فقط إلى نجاة من القصاص، بل بالأكثر نحتاج أيضاً إلى وسيط نخلص به من قوة الخطية ومحبتها. فالقصاص حسن ونافع للخاطئ وفي الغالب يقوده إلى التوبة، ولهذا تُعد الخطية موجبة للقصاص دائماً. ولكننا نحتاج إلى طريقة بها نخلص من نتائج الخطية الأبدية التي تحول بيننا وبين الله، وتنفينا من حضرته المقدسة، وتسقطنا من محبته وعنايته الأبوية، وتحفظنا من أن نكون على صورة إبليس عقلاً وقلباً، وإذا لم نحصل هذا الخلاص فخيرٌ لنا أن لا نوجد. فكيف إذاً نجد طريقة الخلاص؟ إذا كان الإنسان في حالته الساقطة الحالية لا يمكنه أن يتمم شريعة الله فمن أين له أن يكفّر عما مضى ويتصالح مع الله تعالى؟ إن أعماله الحسنة لا تستوجب أقل مكافأة، فضلاً عن كونها غير مقبولة بالمرة، كيف يقبل الله شيئاً من يدٍ مدنَّسة ومن قلب فاسد؟ وليس فقط أعمال الإنسان ولكن حتى كلماته وأفكاره مدنسة بالخطية، فكيف نستحق بأعمالنا الحسنة نوال مغفرة خطايانا مع عدم إتمامنا الواجب لله وللقريب؟ وذلك محال. ولو فرضنا أنه وُجد إنسان لم يخطئ قط، فلا يكون إلا أنه قام بالواجب، وليس للقائم بالواجب فضل (لوقا ١٧:١٠) ولا يمكنه أن يشفع بواجبه لنفسه أو لغيره، ويعلّمنا الكتاب المقدس أن شريعة الله تكلّفنا أن نكرس له حياتنا بجملتها تكريساً تاماً (بشارة متى ٢٢:٣٦-٤٠) فإن أخطأنا إلى الله يوماً ما، فليس في وسعنا أن نعوّض ما فاتنا في المستقبل.
ويظن بعضهم بحماقة وجهل أنهم عبدوا الله أكثر مما فرض عليهم، وهذا منتهى الغباوة. وبالرغم عن دعوتهم الباطلة، إلا أنهم عندما يخلون إلى أنفسهم لا يقدرون أن يقنعوا ضمائرهم أنهم مبرَّرون في عين الله. وكثيراً ما تبكتهم قلوبهم بآلام مرة وتخيفهم من هول العقاب بعد الموت حتى يقضوا الجانب الأوفر من حياتهم معذبين في خوف الموت ويموتوا في عذاب شديد. ولنضرب لك مثلاً وهو ما حكاه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان عن أبي عمر، أن إبراهيم بن يزيد "لما حضرته الوفاة جزع جزعاً شديداً، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟ أنا أتوقع رسولاً يرد علي من ربي، إما بالجنة أو بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة"، وبالطبع كان ذلك من خوفه مما بعد الموت.
وكذلك لا تكفي التوبة لمحو خطايانا، نعم إن توبتنا عن خطايانا ضرورية إلا أنها لا تكفر عن ما مضى من آثامنا، فلذلك التوبة ليست كافية لخلاصنا، ويجب أن نلاحظ أن المتعدي على الشريعة البشرية لا تمحو التوبة عنه ما جناه، فهل إذا قال قاتل أو لص للقاضي إنه تاب عن فعلته، يكون القاضي عادلاً إذا أطلقه حراً؟ لا شك أن ذلك مخالف للعدل لدى أفكارنا الطبيعية. وحيث أن هذا الفكر عن العدل هو جزء منه الناموس الأخلاقي الذي نقشه الله على صفحات قلوبنا فلا بد أن يكون صحيحاً، ويوجد كثيرون تقست قلوبهم لدرجة لا يمكنهم معها التوبة إذا أرادوا.
ها قد رأينا أنه لا يمكن خلاص أنفسنا بأعمالنا ولا بعقوبتنا على الخطية ولا من نتائجها الأخرى، وبالأحرى لا يمكننا أن نتخلص من محبة وقوة الخطية ونحصل على المصالحة مع الله بواسطة استحقاق فينا. فإذا لم يوجد مخلّص يكفر عن خطايانا نبقى إلى الأبد منفيين من حضرة الله، ولا يمكن لنا أبداً أن نحصل على السعادة الأبدية التي يرغب فيها كل البشر.
وقد بيّنا أنه إذا وُجد مخلّص يمكنه أن يكفّر عن الخطايا ويحرر أسرى الخطية ويجعلهم طاهرين في عين الله العادل القدوس، وهكذا يتضح لنا أن المخلّص لا يمكن أن يكون مجرد إنسان مولوداً مثل البشر وارثاً طبيعة آدم الفاسدة خاطئاً كغيره. فلا يمكن لخاطئ أن يخلّص خطاة، وحيث أن كل البشر خطاة فليس منهم من يقدر أن يكفّر عن البقية، وجاء في الزبور أن "الأخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلا يُعْطِيَ اللّه كَفَّارَةً عَنْهُ" (مز ٤٩:٧) لا يوجد من يقدر أن يخلّص أخاه من موت الجسد، فكم بالأحرى لا يمكن لشخص أن يفدي الآخر من الموت الأبدي.
ومع ذلك إذا وُجد مخلّص فيجب أن يكون إنساناً، وإلا فلا يصح أن يكون نائباً عنا وواحداً منا ولا رئيساً للبشر، ولا يمكننا أن نقتنع بإخلاصه ونفهم محبته لنا، ويجب أن يكون أرقى من الذين يخلّصهم في طبيعته وقدره وفي الوقت نفسه، يشاركهم في طبيعتهم. كما يجب أن يكون خالياً من الخطية ويتمم شريعة الله تماماً، فإن لم يوجد مثل هذا المخلّص قد هلك كل العالم ولا رجاء لهم، ولا يمكنهم الوصول إلى السعادة والقداسة التي يشتاق إليها كل مخلوق.
ولكن هل يوجد مثل هذا المخلّص؟ إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس نرى أنه موجود، فالعهد القديم يتضمن الوعد بمجيئه، والجديد يخبرنا كيف جاء. فقد شهد الأنبياء والرسل بأنه المخلّص الوحيد الحقيقي من الخطية، وقد قدم لله كفارة كاملة وشفاعة تامة عن خطايا كل العالم (يوحنا الأولى ٢:١ و٢) ولذلك فهو قادر أن يحصل لنا على غفران خطايانا.
هذا المخلّص هو الرب يسوع المسيح الذي بواسطة قدرته وقداسته وبطاعته حتى الموت حمل خطية العالم وصار شفيع كل الناس، فقد كفر عنا وصالح الإنسان مع الله القدوس البار، ونال الخلاص الأبدي لكل المؤمنين الحقيقيين به، إذاً فهو يقدم لكل العالم مغفرة الخطايا والفرح الأبدي.
فلهذا نشترك مع الرسول بقلوب تمتلئ بالشكر في قوله "وَمَلِكُ الدُّهُورِ الذِي لا يَفْنَى وَلا يُرَى، الْلإِلهُ الحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ" (تيموثاوس الأولى ١:١٧).
لأن الله المحب المحيي أرحم الراحمين في محبته ورحمته الغير متناهيتين، قدّم لنا نحن الخطاة فداءً عظيماً وخلاصاً مجيداً بالرب يسوع المسيح. آمين.