الفصل الثاني
في صفات الله كما هي معلنة في الكتاب المقدس
يعلّمنا الكتاب المقدس بقسميه أن الخليقة تدل على وجود خالقها. وأن ضمير الإنسان وعقله يشهدان بوجوده تعالى. (مزامير ١٩:١-٤ وأعمال ١٧:٢٤-٢٩). وأما كون الله واجب الوجود فدلَّ عليه الكتاب حينما ينسب إلى الذين ينكرونه الجهل الاختياري والسفه التعمدي (مزامير ١٤:١ و٥٣:١ وروميه ١:١٩-٢٣) وفي الكتاب نرى أن الله واحد (تثنية ٤:٣٥ و٣٩ و٦:٤ وأشعياء ٤٤:٨ و٤٥:٥ و٤٦:٩ ومرقس ١٢:٢٩ ويوحنا ١٧:٣ وكورنثوس الأولى ٨:٤ وأفسس ٤:٦) وأنه روح (يوحنا ٤:٢٤)، وغير منظور (يوحنا ١:١٨ وتيموثاوس الأولى ٦:١٥ و١٦) وغير محدود أزلي غير متغير (مزامير ٩٠:٢ و١٠٢:٢٤-٢٧ ويعقوب ١:١٧) ومحيط بكل مكان وبكل علم (مزامير ١٣٩:١-١٢ وارميا ٢٣:٢٣ و٢٤ وأعمال الرسل ١٧:٢٧ و٢٨) وكلي القدرة والحكمة (سفر التكوين ١٧:١ وأيوب ١٢:٧-١٠ و١٣ ومزامير ١٠٤:٢٤ وأشعياء ٤٠:١٢-١٨ والرسالة الأولى ليوحنا ٣:٢٠).
وكما أن الله موصوف في الكتاب بالأوصاف المتقدمة فهو موصوف بالقداسة (رؤيا ١٩:٢ و٢١:٨ و١ صموئيل ٢:٢ ومزامير ٢٢:٣ و٤٥:١٧ وأشعياء ٦:٣ ورؤيا ٤:٨). وأنه بار وعادل (سفر العدد ٢٣:١٩ والتثنية ٣٢:٤ ومزامير ٣٣:٤ و٥ وأشعياء ٢٦:٧ و٤٥:٢١ ورومية ٢:٥-١١ ويوحنا الأولى ١:٩ والرؤيا ١٥:٣ و١٦:٥-٧) ورؤوف رحيم طويل الأناة (خروج ٣٤:٦ ومزامير ٩:٨-١٠ ومراثي ارميا ٣:٢٢ و٢٣ وحزقيال ٣٣:١١ ومتى ٥:٤٥ ويوحنا ٣:١٦ ويوحنا الأولى ٤:١٦) وخالق وضابط كل شيء (تكوين ١:١ وصموئيل الأول ٢:٦ و٧ ومزامير ٣٣ و٣٧:٢٣-٢٥ و١٠٤ ومتى ٦:٣١ و٣٢ و١٠:٢٩-٣١ ورومية ١١:٣٦ ورؤيا ٤:١١).
هذه بعض الصفات المجيدة التي ينسبها الكتاب إلى الإله الحقيقي وأما بقية صفاته فمجموعة في وصفه بالكامل في طبيعته ومعرفته وهدايته وسائر أعماله (تثنية ٣٢:٤ وصموئيل الثاني ٢٢:٣١ وأيوب ٣٦:٤ و٣٧:١٦ ومزامير ١٨:٣٠ و١٩:٧ وبشارة متى ٥:٤٨).
فمن اطلع على هذه الصفات وحكم عقله يسلم أنها جديرة بالله الخالق الرحيم، ويجزم أن مجرد العلم والعقل لا يبلغان بصاحبهما إلى إنشائها بمعزل عن الإلهام الإلهي بدليل أن الفلاسفة القدماء كأرسطو وأفلاطون الذين استنفدوا العقل والعمل في البحث عن الله تعالى لم يهتدوا إلى معرفته حسب الأوصاف المنسوبة إليه في الكتاب المقدس التي سبق ذكرها. فما أدركوا حقيقة وحدانيته إدراكاً جلياً ولا ذاتيته ولا قداسته وعلى الخصوص الصفة الأخيرة أي القداسة، فإنها وردت في الكتاب المقدس بحالة لا مثال لها في كتب الأديان جميعها قديمها وجديدها.
إن الأتقياء المخلصين المجدّين في معرفة الله تعالى وعمل مرضاته إذا قرأوا الكتاب المقدس فهموه ووصلت كلمته إلى قلوبهم وتضئ بصائرهم بنور روحي (مزامير ١١٩:١٠٥ و١٣٥)، هؤلاء يقدرون أن يجدوا الله (تثنية ٤:٢٩ وارميا ٢٩:١٣ ويوحنا ٧:١٧) ويعرفون إرادته وتنسكب في قلوبهم مخافته ومحبته بروحه القدوس (رومية ٥:٥) ويقبلون نعمة الله التي تقدّرهم على طاعته وتجدد قلوبهم ويولدون ميلاداً ثانياً روحياً (يوحنا ١:١٢ و١٣ و٣:٥ و٦) ويصيرون بواسطة إيمانهم بيسوع المسيح خليقة جديدة (كورنثوس الثانية ٥:١٧) يحبون البر ويبغضون الإثم ويهربون من الشر ويلتصقون بالخير. ولأن الكتاب المقدس يصف الله بالقداسة والعدل، فهو يعاقب الذين يقسّون قلوبهم كما قسّى فرعون قلبه. وهو إله عادل شديد العقاب، ولكنه يعامل الذي يتوبون إليه ويرجعون عن خطاياهم ويخدمونه في جِدَّة الحياة كآب رؤوف رحيم كثير الوفاء والإحسان. نرى مما تقدم أن طالب الحقيقة، إذا راجع الآيات التي أشرنا إليها في هذا الفصل ودرسها مستعيناً بالصلاة، تبين له أن شروط الوحي متوفرة في الكتاب المقدس وإن شاء الله سنبين ذلك بأكثر جلاء في الفصول الآتية.
وسيظهر من أسفار العهد الجديد أن معرفة الله الحقيقية يحصل عليها الإنسان بتعليم روح الله القدوس المستعد على الدوام أن يعيننا ويرشدنا، وأن الله مُعلَن تمام الإعلان في المسيح يسوع وعلى ذلك قوله: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ" (يوحنا ١٤:٩) بل مُعلَن فيه دون سواه لأنه "كلمة الله."