الأمان اليقين البهجة.
جورج كوتن
Safety, Certainty, and Enjoyment
George Cutting
١٨٤٣ - ١٩٣٤
الأمان
قد جعلتُ قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا انت ونسلك (تثنية ٣٠: ١٩).
اليقين
كتبت هذا اليكم انتم المؤمنين باسم. ابن الله لكي تعلموا ان لكم حياة ابدية. ( ١ يوحنا ٥: ١٣ )
البهجة
امامك شبع سرور. في يمينك نعم الى الابد (مزمور ١٦: ١١ ).
في أيه درجة أنت مسافر؟
ما أكثر تكرار هذا السؤال على ألسنة الناس! وها انا أقدمه لك، أيها القارئ العزيز، لأنك بدون أدنى ريب، بل بكل يقين،أنت مسافر من هذه الحياة إلى الأبدية. ومن ذا الذي يدري عظم قربك إلى النهاية في هذه الدقيقة؟ لذلك اسألك بكل محبّة ((في أية درجة أنت مسافر))؟
لا يوجد إلا ثلاث درجات. وها انا أصفها لك لكي يمكنك أن تمتحن نفسك في حضرة ذاك الذي معه أمرك.
الدرجة الأولى: الذين قد خَلُصُوا وهم يعرفون ذلك.
الدرجة الثانية: الذين ليسوا متيقينين من خلاصهم لكنهم في قلق ورغبة لأَن يخلصوا.
الدرجة الثالثة: الذين ليسوا غير مخلَّصين فقط بل هم أيضاً غير مبالين بخلاصهم اطلاقاً.
وها أنا أكرّر عليك هذا السؤال المهمّ: ((في أي درجة أنت مسافر))؟ آه! يا لحماقة الذين لا يبالون بالأمور الأبديّة! من عهد قريب جاء رجل إلى إحدى محطّات السكّة الحديديّة راكضاً بأسرع ما يمكن ثمّ دخل المركبة لحظة قيام.
القطار وهو لا يكاد يستطيع التنفس من شدّة التعب.
فقال له أحد المسافرين: ((حقاً لقد جريتَ حسناً)) فأجابه وهو يتنفّس بكلّ مشقة وبعد كلمتين أو ثلاث : ((نعم ، لكني قد ربحت أربع ساعات وهي مدّة تستحقّ الركض )).
أمّا أنا فتأثرت من كلامه هذا ، وأخذت أكرّر لنفسي قوله ((ربحت أربع ساعات)). وقلت :حقاً إنه قد أجهد نفسه إجهاداً عظيماً لربح أربع ساعات. ولكن ماذا من جهة الأبدية؟ وكم من ألوف من ذوي البصيرة والرأي الصائب في هذا العالم ، الذين يحسنون إجهاد تفكيرهم في تدبير أمور هذه الحياة ، لكنّهم في العمى الكامل من جهة الأبدية التي أمامهم؟ فأنه رغماً عن محبته تعالى غير المحدودة نحو الخطاة الهالكين التي قد أظهرها بالصليب في جلجثة ، ورغماً عن بغضه للخطيّة، ورغماً عن التأكيد من قصر حياة الانسان هنا ، ورغماً عن أهوال الدينونة المريعة بعد الموت والاستيقاظ اخيراً بندامة لا تطاق على ما فات بعد الدخول إلى نيران جهنم الأبدية والهوّة التي قد اثبتت ، رغماً عن هذه كلّها ما زال البشر مسرعين ركضاً إلى تلك النهاية الشديدة المرارة وهم غير مبالين البتّة، كأنَّ الله ليس بموجود ولا موت ولا دينونة ولا سماء ولا جهنّم. وإن كانت هذه هي حالتك ، أيها القارئ العزيز، فعسى أن يرحمك الله الآن ويتحنن عليك ، ويمنحك ، وأنت تقرأ هذه الأسطر، بصيرة.
لترى الخطر الخطير الذي أنت فيه ، وأنك واقف على حافة مزالق الويل الأبدي.
فيا صديقي العزيز! إن صدّقتَ ذلك أو لم تصدّقه فإن حالتك شقيّة ومتعبة جدًّا. فأطلب اليك أَلاَّ تتغاضى وأَلاَّ تتعامى بعدُ عن الأبدية. وأتضرع إليك أيها القارئ العزيز أَلاَّ تسير بعدُ في طريق التأخير والتسويف لأنه.
هو ذا الآن يوم خلاص.
ولكن ربّما يقول أحد : ((أني لست متهاونًا بخلاص نفسي ، ولكن يُعبَّر عن حالتي بكلمة أخرى وهي.
عدم اليقين
فكأنِّي من الصفّ الثاني الذي ذكرته أو المسافرين في الدرجة الثانية )).
إسمع ، أيها القارئ العزيز وأعلم أن التهاون وعدم اليقين ناتجان من ينبوع واحد هو عدم الإيمان. فالتهاون ناشئ من عدم الإيمان أو عدم التصديق بكون الإنسان خاطئاً هالكاً ، وعدم اليقين ناشئ من عدم الإيمان أو عدم التصديق بالعلاج الإلهي الذي دبره تعالى للإنسان. فإني قد كتبت هذه الكراسة بنوع خصوصي لفائدة النفوس التي ترغب أمامه تعالى في أن تكون متيقنة من أمر خلاصها بالتمام وبدون أدنى ريب. نعم إني استطيع فهم قلق نفسك العظيم ، وإني متأكد أنه كلّما أزداد جدّك في هذا الأمر الخطير تعظم ظمأك وتعبك ، إلا إذا عرفت.
بكلّ يقين أنك قد نلت خلاصاً حقيقياً ابديًّا. لأنه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟ فلو فرضنا أن لأب محبّ إبنا وحيد في البحر ، ووصل له خبر أن السفينة التي فيها ابنه انسكرت بالقرب من بلاد بعيدة، فمن يقدر أن يصف قلق ذلك الأب واضطراب أفكاره حينئذ قبل أن يتأكد من مصادر يوثق بها كلّ الثقة أن ابنه سالم؟.
أو لو فرضنا أنّك في بلاد غريبة وأنت مسافر في ليل مظلم ماطر، وليس لك خبرة بطريق تلك البلاد، ووصلت إلى مفرق الطرق ووقفت محتاراً لا تدري أي الطريقين يوصلك إلى البلد المقصود. ثم مرّ بك شخص وسألته عن الطريق المقصود فأجبك : أظن أن هذه الطريق هي الطريق المطلوبة، آمل أنك إذا سرت فيها تصل إلى البلد المرغوب. فهل قوله "أظن" و"آمل" و"ربما" يريح قلقك وينزع انزعاج فكرك؟ لا ريب أن اقوالاً كهذه لا تريحك البتّة، إذ الأمر الوحيد الذي يريحك هو المعرفة عن يقين، والا فكل خطوة تخطوها تزيد انزعاجك وقلق نفسك. فهل تتعجب إذاً ان أناساً لم يكونوا قادرين احياناً أن يتناولوا طعاماً أو أن يناموا لما كانت قلوبهم منزعجة من جهة نفوسهم، وكأنّ خلاصهم الأبديّ كان يترجرج في قلوبهم؟ أيها القارئ! أبتغي بمعونة الروح القدس أن أوضح لك بكلّ بساطة ثلاثة أشياء. وها أنا اذكرها لك بالفظ المعبرّ به عنها في الكتاب المقدس، وهي.
طريق الخلاص (أعمال ١٦: ١٧).
معرفة الخلاص (لوقا ١: ٧٧).
(بهجة الخلاص (مزمور ٥١: ١٢ ).
وسوف نرى وأن شاء الرب أنها وأن تكن مقترنة بعضها ببعض كلّ الاقتران لكنهّا متميزة عن بعضها. ولكلّ منها أساس خاصّ. ولذلك لا يمكن لإنسان أن يعرف طريق الخلاص بدون أن تكون له المعرفة الأكيدة بأنه هو خالص. كذلك لا يمكنه أن يعرف بأنه خالص بدون أن يكون له في كلّ الأوقات البهجة والسرور اللذان يجب أن يصدرا عن هذه المعرفة.
ولنتكلّم أولاً بالاختصار عن.
طريق الخلاص
أَطلب إليك أن تفتح الكتاب المقدس وتقرأ بإمعان العدد الثالث عشر من الإصحاح الثالث عشر من سفر الخروج، وهناك ترى هذه الكلمات من فمه تعالى " ولكّن كلّ بكرِ حمارٍ تفديه بشاه. وإن لم تفده فتكسر عنقه، وكلّ بكر إنسان من أولادك تفديه".
فلنرجع معاً بأفكارنا إلى ثالثة آلاف سنة ولنتصور منظراً كان يجري حينئذٍ. وهو أن رجلين، أحدهما كاهن الله والآخر رجل مسكين، يتحدّثان حديثاً له أهمية عظيمة عندهما. ولنفرض أننا بإذنهما وقفنا نصغي لما جرى بينهما من ذلك الحديث الهام الذي.
تدلّ حالتهما على عظم أهميته. وكان موضوع الحديث جحشاً صغيراً يرتعد بجانبهما.
فقال الرجل المسكين قد حضرت لأسألك إذا كان بالرحمة ممكناً العفو هذه المرة. فإن هذا الجحش المسكين بكرُ أتاني . وأنا أعلم جيداً ما يقوله ناموس الله من جهته لكني أرجو الرحمة له وأن يعفى عن حياته لأني رجل فقير ويشقّ عليّ جداً خسارة جحشي هذا.
فأجابه الكاهن بدون تردد ـ إن ناموس الربّ واضح وليس فيه غموض أو إبهام " كلّ بكر حمار تفديه بشاة. وأن لم تفده فتكسر عنقه". فأين الشاة؟ ـ آه سيدي، يا ليت عندي شاة .. !
ـ أذهب واشتر شاة وتعال اليَّ . وإلا فيكسر عنق الجحش. فإنَّه لا بدَّ من موتَ الشاة. وإلا فالجحش يكسر عنقه لا محالة. فأجاب المسكين إذ ذاك"واحسرتاه! قد خابت آمالي لأني مسكين جداً وليس في طاقة يدي أن أشتري شاة".
وبينما هما في الحديث إذا شخص ثالث قد أقبل عليهما. وبعد سماعه خبر ذلك الرجل المسكين المحزن نظر إليه وقال له: ثق فأنا أسدَ احتياجك. لأنه في بيتنا الذي تراه هنالك على قمّة الجبل شاة محبوبة مدللة بلا عيب لم تضل البتة. وهي بكلّ حقّ محبوبة عند جميع من في البيت. فأنا أحضر لك هذه الشاة.
ثمّ أسرع صاعداً إلى البيت، وما لبث أن عاد راجعاً يقود شاته الجميلة إلى أن وصل إليهما ووقفت الشاة بازاء الجحش. ثم ربطت الشاة وسفك دمها وأحرقت على المذبح. وعند ذلك نظر الكاهن التقي إلى المسكين وقال: خذ الآن بكر أتانك بسلام لأنه لا يكسر عنقه بعد إذ ماتت الشاة عوضاً عنه. لذلك يذهب الآن حرًّا. فاذكر اذاً فضل صديقك.
والآن، أيها الإنسان المسكين المرتعد، ألست تستطيع أن ترى في ما قد ذكر وصفاً إلهياً لطريقة خلاص الخاطئ؟ فإن عدله بالنظر إلى خطاياط يطلب كسر العنق أي دينونته العادلة على رأسك الأثيم وليس طريقة أخرى إلا موت فادٍ معيًّن منه تعالى.
واعلم أنَّك لا تقدر أنت البتة أن تجد من يسد احتياجك. ولكن الله قد سدَه بشخص ابنه الحبيب، إذ جعله حَمَلاً بلا عيب. قال يوحنا المعمدان لتلاميذه لما رأى ذلك البار القدوس:"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا ١: ٢٩ ).
فتقدّم الى جلجثة كخروف يساق إلى الذبح؛ وعلى الصليب في ذلك الوقت "تألّم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله" (١ بطرس ٣: ١٨). "أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" (رومية ٤: ٢٥). فإن الله عندما يبرّر الخاطئ الشرير الذي يؤمن بيسوع لا يُنْقِص شيئاً البتّة من مطاليب عدله وحكمة ضدّ الخطّية (رومية ٣: ٢٦). فالشكر.
والحمد لله تعالى على هذا المخلص العجيب وعلى هذا الخلاص الكامل.
أتؤمن بابن الله؟
ربّما تجيب اني كخاطئ هالك قد وجدت يسوع مخلِّصاً قديراً وأنا أؤمن به.
إذا أقول لك: إنَّ كل قيمة ذبيحته وموته ينظر إليها الله محسوبة لك.
حقاً ما أعجب طريق الخلاص هذه! وما أعظمها وما أجلّها لأنها إلهية تليق بجلاله تعالى! يتحد فيها سرور قلبه المحبّ ومجد ابنه الحبيب وخلاص الخاطئ المسكين. ويا لها من نعمة ومجد! فمبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي هكذا شاء أن ابنه الحبيب يكمل العمل كلّه ويكون له كل الحمد. وأننا نحن الخطاه الأثمة اذا آمنّا به لا ننال فقط كل البركة بل نبتهج ايضاً إلى أبد الآبدين بشركة من قد باركنا. تلك الشركة السعيدة. "عظموا الرب معي ولنُعَلِّ اسمه معاً" (مزمور ٣٤: ٣ ).
ولكن ربما يكون قلقك وسؤالك: كيف لا يكون عندي اليقين الكامل بخلاصي مع أن ثقتي ليست بنفسي ولا بعملي بل اني متكل بالتمام على المسيح وعلى عمله؟ وربما تقول: إذا كان إحساسي يثبت قولي بأني خالص اليوم فلا ريب أنه يذهب بكل رجائي غدًا. وها إني كسفينة تلاطمها الأمواج والعواصف.
وليس لها مرساة تثبّتها وتحفظها.
آه يا صديقي من عظم غلتطك ! هل سمعت قط عن ربّان سفينة يثبت سفينته بتمكين المرساة فيها من داخل؟ كلاّ البتّة لأَّنه دائماً ابداً يمكّنها خارج السفينة.
ربما توقن تمام اليقين أنَّه لا خلاص ولا أمان إِلاَّ بموت المسيح. ولكنّك تفكّر أن إحساسك لا يمنحك اليقين.
فَأطلب إليك أن تأخذ الكتاب المقدس لأني أرغب أنك ترى من كلمة الله كيف أنه تعالى يمنح الإنسان.
معرفة الخلاص
وقبل أن نقرأ العدد الذي يليه أبتغي أن تقرأه بكل إمعان وتدقيق فهو يعلمنا كيف يستطيع المؤمن أن يعلم أن له حياة أبديّة. فقبل قراءته اقتبسه لك كما يحرفه غالباً العقل البشري المنحرف (وهبت هذه الإحساسات السعيدة إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدّية)، ثم آفتح الآن الكتاب المقدس وعساه تعالى أن يمنحك نعمة لتقول من كل قلبك مع داود بينما تقابل ذلك مع كلمته المباركة الباقية إلى الأبد "المتقلبين أبغضتُ وشريعتك أحببتُ" (مزمور ١١٩: ١١٣ ).
وأما العدد المقروء بتحريف فهو عدد ١٣ من (١ يو ٥) وقراءته الصحيحة هي هكذا "كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن.
الله لكي تعلموا أنَّ لكم حياة أبدية".
كيف يا ترى عرف أُلوفُ ابكار إسرائيل بيقين أنهم كانوا في أمان ليلة الفصح ـ ليلة أحكامه تعالى على مصر؟.
ولنفرض أننا كنّا في تلك الأيام وذهبنا لزيارة بيتين في تلك الليلة وسمعنا ـ حديثاً من سكانهما.
لوجدنا في البيت الأول الذي دخلناه أن أهله كانوا يرتعدون من الخوف واضطرب القلب. وإذ ذاك سألناهم : ما هو سبب هذا الارتعاد والقلق. وعند ذلك أخبرنا بكرهم أن ملاك الموت مجتاز تلك الليلة في أرض مصر لا هلاك أبكارهم وأنه في قلق ولا يعلم كيف تكون الأحوال من جهته في ذلك الوقت الخطير. ثم قال : بعد أن يجتاز الملاك المهلك بيتنا وتعبر ليلة القضاء هذه حينئذ أعلم اني في أمان. ولست أرى كيف يمكنني أن أتيقن ذلك إلاَّ بعد عبور القضاء. جيراننا الملاصقون يقولون أنهم متيقنون الخلاص؛ أما نحن فنحسب ذلك إدعاء ردياً ووقاحة منهم، وأما أنا فلست أستطيع شيئاً أكثر من أن أحيا ليلي هذا الطويل المريع راجياً أن يمرّ بخير، وإن كنت أحياه في قلق شديد.
فسألناه إذ ذاك قائلين: ألم يُعِدَّ الله طريقًا لخلاص شعبه؟ فأجاب: بلى، ونحن أيضًا قد استعملنا هذه الواسطة للنجاة. وهذا دم شاة صحيحة ذكر ابن سنة بلا عيب؛ وقد رششنا الدم في الوقت المعين بباقة الزوفا على العتبة العليا.
والقائمتين ومع ذلك فقلوبنا مرتعدة، ولسنا متيقنين اليقين الكامل بالنجاة.
ولنفرض أننا تركنا هؤلاء القوم المرتعدين ودخلنا بيت جيرانهم الملاصق. لاحظنا أن حالهم يختلف تماماً . فإمارت الفرح والسلام ظاهرة على وجه كل واحد منهم. احقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم وكانوا يأكلون خروف الفصح.
ولمّا سألناهم: ما هو سبب تلك السكينة وهدوء البال في تلك الليلة الخطيرة الهائلة؟ أجابوا : إننا منتظرون أمر يهوه للخروج من أرض مصر. وعن قريب سنخلص من العبودية القاسية وظلم مسخرينا.
فقلنا: ولكن هل نسيتم أن هذه الليلة هي ليلة دينونة الله على البلاد؟.
فقالوا: كلاّ فإننا نعلم ذلك يقيناً. ولكن بكرنا في أمان تام لأننا قد رششنا من الدم حسب أمر إلهنا.
فأجابنا قائلين: ولكن جيرانكم الملاصقين قد رشوا من الدم ايضًا، ومع ذلك فكلّهم في قلق وانزعاج عظيمين لأنهم ليسوا موقنين أن بكرهم في أمان.
فأجابنا بكر هؤلاء قائلاً : أما نحن فعندنا لا الدم المرشوش فقط بل ايضًا كلمة الله الثابتة الواضحة فإنه تعالى قد قال: فأرى الدم وأعبر عنكم. فقلبه مسرور مكتَفٍ بالدم خارجًا ونحن مسرورن مكتفون بكلمته داخلاً.
فان الدم المرشوش يجعلنا في أمان.
وكلمته التي نطق بها تعطينا اليقين.
هل مِنٍ شئ يحعلنا في أمان أكثر مما يجعلنا الدم المرشوش أو يعطينا يقينا أكثر ممّا تعطينا كلمته التي نطق بها؟.
ـ كلاّ ثم كلاّ.
والآن، أيها القارئ العزيز، أَطرحُ عليك سؤالاً : أيُّ من هذين البيتين كان في أمان أكثر من الآخر؟ هل تظنّ البيت الثاني حيث كان الكل في سكينة ويقين؟ فإنْ أجبت هكذا فأنت مخطئ لأنَّ كلاهما على السواء في أمان كامل.
إن أمانهم متوقف على اعتباره تعالى الدم خارجًا، وليس البتّه على إحساس أولئك الذين كانوا داخلاً.
وإذا شئتَ، إيها القارئ العزيز، أن تتيقن خلاصك وأنك في أمان تام فاصغ ليس إلى شهادة إحساسك الداخل المتقلب بل إلى شهادة كلمة الله الثابتة الصادقة. "الحقّ الحقّ أقول لكم أن من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يو ٦: ٤٧).
هاك مثلاً بسيطًا يوضح لك هذه الحقيقة. فلو فرضنا أن فلاحًا لم يكن عنده برسيم (وهو نبات تعلفه الدوابّ) كاف لمواشيه، وسمع عن قطعة مرعى جميلة بالقرب من بيته معروضة للايجار فبعث رسالة إلى رب الأرض يطلب استئجارها. ولكن مضى زمان قبل أن يأتيه جواب. فحضر.
إليه يوماً أحد جيرانه وقال إني متيقن أنك تأخذ قطعة الأرض هذه. ألست تذكر أنه أرسل لك هدية العيد الماضي وأنه حيّاك بلطف وهو مار من عهد قريب؟.
وهذه الكلمات ملأت قلب الفلاح فرحًا ورجاء.
ولكن في اليوم التالي لاقاه جار آخر. وفيما هما يتحادثان قال له : لست أظن البتّه أنك تستطيع الحصول على قطعة الأرض لأن فلانًا قد طلبها وأنت تعلم أن ربّ الأرض صديق حميم له وكثيراً ما يزوره.
ملأت هذه الكلمات الفلاح حزنًا وهدمت كل آماله.
وهكذا كان في أحوال متقلبة فكان يوماً في رجاء منير وفي اليوم التالي في شكّ مرير.
وبعد قليل حضر له جواب ففكّ ختمه وأخذ يقرأه بفرح لأنه كان من ربّ الأرض. وفيما هو يقرأه كانت امارات الفرح تلوح على وجهه وطردت كلّ شكوكه وأعاد تكرار قراءة الرسالة.
وعند ذلك قال لزوجته : قد تقرّر الأمر الآن، وليس من محل للشكّ أو الخوف. انقضى زمان قول الناس لي "أؤمل" و"عسى"و"إذا"، لأن ربّ الأرض كتب لي قائلاً أنه سمح لي بالأرض كل مدة احتياجي لها بايجار زهيد جدًا، وهذا كفاية لتطمين قلبي. ولست ابالي بعد بما يقوله هذا أو ذاك لأن كلامه أثبت من كل أقوالهم.
كم من النفوس في حالة الاضطرابات والقلق نظير هذا الفلاّح تلاطمها أمواج الخوف والحيرة والانزعاج بسبب آراء البشر وإحساسات قلوبهم التي هي أخدع من كلّ شئ ولا يمكن حصولها على اليقين إلاَّ بواسطة كلمة الله.
فعند قبول الكلمة ككلمة الله يزول الريب والشكّ ويستولي اليقين على القلب. لأنه اذا تكلّم الله ففي كلامه يقين إن كان ذلك في حكمه على غير المؤمن بالهلاك أو على المؤمن بالخلاص. يا ربّ كلمتك مثبتة في السموات (مز ١١٩: ٨٩.
والمؤمن ذو الاخلاص والبساطة يتيقن ويثق بكلمته تعالى.
"ليس الله إنسانًا فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي" (سفر العدد ٢٣: ١٩ ).
ولكن ربما تسأل قائلاً: كيف يمكنني أن أتأكد من أن لي أيمانًا حقيقًا؟ ـ ليس لسؤالك هذا إلاَّ جواب واحد وهو : هل لك ثقة بالشخص الحقيقي الذي هو ابن الله المبارك؟.
لا يهم النظرُ إلى مقدار إيمانك. إنما المهم هو النظر إلى استحقاق ذلك الشخص الذي آمنت به واتكلت عليه. واحد يتمسك بالمسيح يسوع كتمسّك الغريق بدفة السفينة، وآخر إنما يمسّ هدب ثوبه فقط. ولكن ليس الأول في أمان أكثر من الثاني البتّة؛ بل كلاهما وجد أن لا نفع البتّة فينا، ولا ثقة بالانسان، وان الأمان هو بالاتكال على المسيح يسوع ، ولذلك يثقان به.
بأمن ويصدّقان كلمته بسكينة ويرتاح قلباهما كلّ الراحة بعمله الذي اكمله على الصليب وقيمته الأبدية. هذا هو معنى الايمان به "الحقّ الحقّ أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يوحنا ٦: ٤٧.
فالحذر الحذر، أيها القارئ العزيز، من أن يكون إتِّكالك على إصلاح نفسك أو أعمالك الدينية أو احساساتك التقوية عندما تكون تحت تأثيرات دينية أو على تربيتك الأدبية منذ طفوليتك أو ما اشبه ذلك. لأنه من الممكن أن يكون لك كلّ الثقة بأي شئ من هذه وما شاكلها ومع ذلك تهلك إلى الأبد. فلا تخدع نفسك بمنظر حسن في الجسد مهما كان؛ فإن أضعف إيمان بالمسيح يسوع يخلّص إلى الأبد، وأقوى إيمان بأي شئ خلافه إنما هو ثمر القلب الخداع، وما هو إلا حيلة العدو بها يجتهد أن يقودك إلى هوة الهلاك الأبدي.
يضع الله أمامك في إنجيله الربَّ يسوع المسيح فقط، ويقول لك "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، ويؤكد لك أنك بكل يقين تستطيع أن تثق في قلبه تعالى. أما إذا إتَّكلت على نفسك فلا إطمئنان لك البتّة.
مبارك أنت أيها الرب يسوع من الآن وإلى الأبد. فمن هو الذي لايتكل عليك ويحمد اسمك العظيم؟.
قالت لي يوماً صبية حزينة اسيفة : "نعم إني أؤمن بالرب يسوع. ولكن إذا سألني أحد إذا كنت قد خلصت لا أستطيع.
أن أقول نعم لئلا يكون قولي هذا كذبًا". وكانت هذه الصبية ابنة جزار في بلدة صغيرة وحدث أن ذلك اليوم كان يوم سوق وان أباها لم يعد من السوق بعد. فقلت لها : لنفرض أنك تسألين أباك عند رجوعه كم خروفًا اشترى اليوم وهو يجيبك عشرة. وبعد قليل دخل إنسان الدكان وسألك كم خروف اشترى أبوك اليوم فتجيبنه : لست أريد أن أقول لئلا يكون قولي كذبًا. وعند ذلك قالت أمها بحدة وزعل إذ كانت واقفة بقربها: لكنك بذلك تجعلين أباك كاذبًا.
ألست ترى، أيها القارئ العزيز، أن تلك الصبية بسذاجة قد جعلت حقًا المسيح كاذبًا بقولها إني أؤمن بابن الله وإنه قال أن لي حياة أبدية لكني لست أريد أن أقول أنها لي لئلا يكون قولي كذبًا! فيا لها من جسارة ووقاحة عظيمتين.
ولكن ربمّا يقول آخر: كيف يمكنني أن أتحقق أني مؤمن؟ فإني كثيراً ما بذلت جهدي أن أؤمن. ونظرت إلى داخلي لأرى إن كان لي إيمان ولكن كلما نظرت ضَعُفَ أملي بذلك.
فإليك، جوابًا على سؤالك، المثل التالي.
فلنفرض أنك جالس ذات مساء ترتاح في بيتك. وإذا إنسان يدخل عليك ويخبرك أن ناظر المحطة قد داسه القطار ومات.
ولنفرض أن ذلك الإنسان مشهور من زمان طويل بعدم الأمانة وبالكذب. فهل تصدّق ذلك الإنسان؟ ـ كلاّ البتة.
ـ فلماذا يا ترى؟.
ـ لأني أعرفه المعرفة الأكيدة بأن كلامه لا يوثق به.
ـ لكنّي أرجوك أن تخبرني كيف تعلم أنك لا تصدقه. هل ذلك بنظرك أو أحساساتك أو إلى ما في داخلك.
ـ كلاّ البتّة. فإني إنما أنظر إلى ذلك الشخص الذي سمعت منه الخبر.
ولنفرض أن جارًا دخل وقال لك أن ناظر المحطة قد داسه قطار بضاعة هذا المساء ومات حالاً. وبعد خروجه من عندك قلت أني الآن أصدق بعض التصديق لأن هذا الرجل لم يخدعني في كل حياته الاّ مرة واحدة فقط مع إني أعرفه منذ صباه.
وها أنا أسألك أيضًا : هل بنظرك إلى صديقك الآن تعرف بأنك تصدقه بعض التصديق؟.
ـ كلاّ، لأني لست ناظرًا إلى صفات الذي أخبرني.
وما لبث هذا الرجل أن خرج من بيتك حتى دخل شخص ثالث وأخبرك هذا الخبر المحزن عينه. وحينئذ قلت : يا يوحنا، إني الآن أصدق هذا الخبر كل ُ التصديق.
ها أنا مرة أخرى أكرّر عليك سؤالي الذي ليس هو إلاَّ صدى سؤالك : كيف تعرف أنك تصدق صديقك يوحنا كل التصديق؟.
ـ لأني أعرف من هو يوحنا. فإنه لم يكذب عليّ البتّه، ولست.
أظنّ أنه يكذب عليّ.
وأنا بهذه الطريقة نفسها أعرف أني أؤمن بالانجيل لأني أنظر الى الذي أخبرني به " إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه ...
من لا يصدّق الله فقد جعله كاذبًا لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه" (١يوحنا ٥: ٩، ١٠) "فآمن إبراهيم بالله فحُسِبَ له برًا" (رومية ٤: ٣ ).
رجل مضطرب الأفكار من جهة خلاص نفسه جاء مرة إليَّ وقال : أواه يا سيدي إني لست تستطيع أن أؤمن. فأجبته : بمن يا صديقي لست تستطيع إن تؤمن؟ فأثر ذلك فيه تأثيرًا عظيمًا وغيَّر الأمور معه. لأنه كان ينظر إلى الإيمان كشئ مبهم يجب أن يشعر به في داخله قبل أن يتأكد أنه صار مستحقًا السماء، مع أن الإيمان ينظر دائمًا إلى الخارج إلى شخص حيّ وإلى عمله الكامل، ويصدّق بثقة وخضوع شهادة الله الصادق عنهما.
فاعلم يقينًا أن النظر إلى الخارج يجلب السلام إلى الداخل.
فكل من يوجه نظره إلى الشمس يصير ظله وراءه. وكما أنه يستحيل عليه أن ينظر إلى الشمس وإلى ظله معًا هكذا أيضًا لا يمكنك أن تنظر إلى نفسك وإلى الرب يسوع الممجد في السماء في وقت واحد.
فترى، أيها القارئ العزيز، أن شخص إبن الله المبارك يحوز ثقتي، وعمله الكامل يجعلني في أمان إلى الأبد، وكلمة الله.
عن المؤمنين به تعطيني اليقين الكامل" فأجد في المسيح وعمله طرق الخلاص وفي كلمة الله معرفة الخلاص".
ولكن ربما تقول "إذا كنت خالصًا فلماذا ليس لي اختبار ثابت لأني كثيراً ما أفقد كل أفراحي وتعزيتي، وتنحني نفسي، وأشعر بشقاء كما كانت الحال قبل إيماني". فهذا أيها العزيز يقودنا إلى الأمر الثالث وهو
بهجة الخلاص
ترى في تعليم الكتاب المقدّس أنك قد نلت الخلاص بعمل المسيح، وتيقنت ذلك بكلمة الله وأنك محفوظ في التعزية والفرح بالروح القدس الساكن في قلب كل مؤمن.
ولكن لا تنس أن كل واحد من المُخَلَّصين باقٍ فيه "الجسد" أي الطبيعة الفاسدة التي قد ولد فيها والتي قد ظهرت فيه حتى لما كان طفلاً ضعيفاً في حضن أمه. فالروح القدس في المؤمنين يقاوم الجسد ويشتهي ضده. لكنّه يحزن من أية حركة كانت من حركاته إن كانت بالفعل أو بالقول أو بالفكر أو بالشعور. فإذا كان المؤمن سالكًا كما يحق للربّ فالروح القدس يثمر في نفسه المباركة. وثمر الروح هو محبة فرح سلام الخ (غلاطية ٥: ٢٢). ولكن إذا سلك سلوكًا جسديًا عالميًا يحزن الروح وتفقد منه هذه الأثمار قليلاً أو كثيراً.
وها أنا أبسط هذه الأمور أمامكم بوضوح أنتم المؤمنين باسم ابن الله.
"عمل المسيح وخلاصك يثبتان معًا أو يسقطان معًا"
"سلوكك وبهجتك يثبتان معًا أو يسقطان معًا".
فاذا سقط عمل المسيح (وحاشا وكلا أني يسقط، ونشكر الله على ذلك) يضيع خلاصك معه.
وإذا انحرف سلوكك فحذار حذار لأنه ليس بعيدًا أن تفقد بهجتك معه.
نقرأ في أعمال الرسل (٩: ٣١) عن الكنيسة أنها كانت تسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس. ونقرأ أيضًا (في أعمال الرسل ١٣: ٥٢) "وأما التلاميذ فكانوا يمتلؤن من الفرح والروح القدس".
فالفرح الروحي يكون بالنسبة إلى حالة السلوك الروحي بعد أن يخلُصَ الانسانُ.
فهل ترى الآن أن غلطتك قائمة في أنك لم تفرق بين بهجتك وأمانتك مع أنهما مختلفان جدًّا. فعند إحزانك الروح القدس بالشهوة أو الغضب أو السلوك العالمي تفقد بهجتك فتحسب أنك فقدت أمانك. لكن أكرّر الأمر عليك لتقريره في القول: أن أمانك متوقف على ما عمل المسيح لأجلك.
ويقينك متوقف على كلمة الله لك.
وبهجتك متوقفة على عدم إحزانك الروح القدس الذي فيك.
فإذا عملت شيئًا أحزنت به روح الله القدوس تفقد عمليًا شركتك مع الآب ومع الابن إلى وقت؛ ولا تعود بهجة الشركة إلاَّ إذا حكمت على نفسك وأعترفت بخطاياك.
فلو فرضنا أن ابنك أذنب إذ اساء سلوكه. فإن ذلك يظهر على وجهه بعلامات واضحة، مع أنه قبل نصف ساعة كان يبتهج بتنزهه معك في الحديقة يفرح بما تفرح به ويعجبه ما يعجبك، أي أنه في الشركة معك فكان قلبه وعواطفه موافقة لقلبك وعواطفك. وأما الآن فتغير كلّ ذلك وصار بعصيانه وسوء سلوكه في حال محزنة وشقيًا واقفًا في زاوية البيت. وبعد تأنيبك له واعترافه بذنبه أكدت له أنك قد سامحته؛ ولكن من كبرياء قلبه وعدم إنكسار إرادته تمامًا يبقى في مكانه يغص بالبكاء.
فأين الفرح الذي كان له قبل نصف ساعة؟ ـ قد فقده كله.
ولماذا يا ترى؟ ـ لأن الشركة بينك وبينه قد أنقطعت.
ولكن ماذا حدث للنسبة التي كانت بينك وبينه قبل نصف ساعة؟ هل فقدت أيضًا؟ هل أنقطعت أو تلاشت؟ ـ كلا البتّة فإن نسبته إليك متوقفة على البنوية، .
وأما شركته فمتوقفة علة سلوكه.
وإذا جاء إليك بارادة مكسورة وقلب منسحق، واعترف لك.
بكل شئ من الأول إلى الأخر، وتحققت انكساره وحزن قلبه من العصيان وسوء السلوك وبُغْضه لهما، حينئذٍ تحمله على ذراعيك وتقبله قبلات المحبة والدلال. حينئذٍ يتجدّد فرحه لأن الشركة قد تجدّدت.
لما أخطأ داود وارتكب الأمر القبيح جدًّا ضد أوريا لم يقل عند توبته "رد لي خلاصك" بل قال "رد لي بهجة خلاصك" (مزمور ٥١: ١٢ ).
ولو فرضنا أنه كان أبنك في زاوية البيت في حالة عدم الانكسار التام علا الصراخ بأن النار قد شبت في البيت. فماذا تفعل بابنك حينئذ؟ هل تتركه في الزاورية ليحترق بالنار باحتراق البيت؟ ـ كلاّ البتّة. فإن ذلك مستحيل. وربما يكون هو أول شخص تخطفه وتخرجه من تحت طائلة النار. فإنك تعرف يقينًا أن محبتك له لكونه ابنك هي شئ وفرح الشركة هو شئ آخر.
فعندما يخطئ المؤمن تنقطع الشركة إلى حين، ويفقد الفرح حتى يأتي بقلب مكسور إلى الآب ويعترف يخطاياه. وحينئذ يتمسّك بقوله تعالى ويتيقن أنه نال غفرانًا لأن كلمة الله عن ذلك واضحة "إن أعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (١يوحنا ١: ٩).
فأطلب إليك أيها الأخ المؤمن أن تميز بين هذين الشيئين ـ وهما النسبة والشركة ـ وتبقيهما جليًا في ذهنك. واعلم أنه لا شئ أقوى من ارتباط النسبة، ولا شئ أضعف من ارتباط.
الشركة! فلو اجتمعت كل قوات الأرض وجهنم ومكايدهما فلا تقدر أن تقطع النسبة أو تفك أرتباطها؛ ولكن أقل كلمة بطالة أو حركة ردية في القلب تصدّ الشركة وتفكّ ارتباطها. فإذا مرّت عليك ساعة ضباب، وأقلقك قلبك، فاتضع إلى التراب أمام الله وافحص طرقك في نوره. وعندما ترى الشئ الذي أعدمك الشركة وسلب منك البهجة وكان كلصّ مستتر فأتِ به إلى نوره تعالى واعترف بخطيتك أمام الله أبيك وأحكم على نفسك بدون اشفاق لأجل حالة التهاون وعدم السهر التي بسببها قد دخل ذلك اللصّ كأنه بدو معارض.
ولكن لا تخلط البتّة بين خلاصك وفرحك، أي بين الأمان والبهجة. ولا تحسب البتّة أن دينونة الله تقع على خطيّة المؤمن برفق أكثر ممّا على خطيّة غير المؤمن، لأن الله لا يفرّق في حكمه القضائي ضد الخطية. فلا يمكن أن يرضى عن خطيّة المؤمن الذي عرف مقدار شناعة الخطيّة لديه تعالى في صليب ابنه، كما أنه لا يقبل البتّة أن يتغاضى عن طريق الشرير الذي قد رفض ابنه الحبيب. ولكن، يوجد بينهما هذا الفرق العظيم وهم أن الله قد وضع كل خطايا المؤمن على الحَمَل الذي هيأه للمحرقة لما ارتفع على الصليب في جلجثة، وأن هناك قد فتحت دعوى الجاني العظيمة وتقررت إلى الأبد وتسدد حسابها إلى أبد الآباد ووقعت دينونته على ذلك المبارك الذي قد قام مقام المؤمن "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" ( ١بطرس٢: ٢٤ ).
وعليه قام المؤمن تائبًا عازمًا على أن يعيش لله دائمًا. وأما رافض المسيح فيجب أن يحمل بنفسه خطاياه في بحيرة النار الأبدية.
وإذا سقط أحد المخلَّصين لا يمكن أن تُرفَع عليه دعوى جناية لأن الله، أي القاضي نفسه، قد أنهاها مرة وإلى الأبد على الصليب. ولكن ملف الشركة ينفتح في داخله بالروح القدس كلّما أحزنه.
وفي الختام أُقدّم لك تمثيلاً آخر للإيضاح : لنفرض أن صديقين، في ليلة مقمرة، واقفان معًا عند مياه رائقة هادئة.
وكان القمر بدرًا يضئ ساطعًا في كبد السماء. فنظر أحدهما الى قرص القمر المنعكس على سطح الماء وقال لصديقه: ما أجمل البدر هذه الليلة! وما أبهاه في القبة الزرقاء! وإذا صديقه رمى سرَّا بحصاة في الماء وعند ذلك قال الأول متعجبًا : ماذا يا ترى جرى للبدر؟ فإنه تكسر تكسرًا عظيمًا، وقِطَعه تتلاطم بعضها ببعض تلاطمًا هائلاً.
فأجاب رفيقه: أخطأت خطأ عظيمًا. فانظر إلى فوق لترى أن القمر لم يصبه أمر وإن التغيير الذي طرأ هو في حالة الماء التي أنت ناظر إليها.
والآن، أيها المؤمن خذ هذا الأمر لنفسك، فإن قلبك هو بِركة الماء. فعندما تقمع جسدك وتستبعده يأخذ الروح القدس.
مما للمسيح ويخبرك فيعلن امجاده وكرامته لك لتعزيتك وسرورك. ولكن، حالما تعطي فرصة للجسد ـ ولو بحركة في القلب، أو بكلمة بطالة تخرج من فمك ولا تحكم عليها ـ يأخذ الروح القدس يموّج المياه، وأختباراتك الحلوة تتكسر تكسرًا عظيمًا، وتفقد راحتك وسرورك الداخلي، وتبقى في حالة التعب الى أن تأتي إلى الله بقلب منسحق وتعترف بخطيتك التي قد سببت كل هذا الاضطراب، وبذلك تعود إلى فرح الشركة الحلوة والاختبار السعيد.
ولكن عندما يكون قلبك في ذلك القلق العظيم هل يا ترى يتغير عمل المسيح؟ كلاّ البتّة. فإذًا خلاصك لم يتغيّر ولم يطرأ عليه خطر.
هل تغيرت كلمة الله؟ كلاّ البتّة. فإذًا اليقين بخلاصك لا يتغير ولا ينقلب.
فما الذي تغًير إذًا؟ عمل الروح القدس في داخلك قد تغير.
وعوضًا عن أن يأخذ من أمجاد المسيح ويملأ قلبك شعورًا بفضله فقد أحزنت الروح بالزامك أياه أن يتحول عن تلك الخدمة العجيبة ليملأك شعورًا بخطيتك وعدم استحقاقك. فهو ينزع منك سرورك وفرحك إلى أن تتذلل وتحكم على الشر الذي فيك وتكرهه كما يحكم عليه هو ويكرهه. وعند ذلك تتجدّد شركتك مع الله وتتجدّد بركتك.
وعسى أن يمنحنا الرب نعمة ونزداد سهرًا وغيرة لئلا نحزن روح الله القدوس الذي به ختمنا ليوم الفداء (أفس٤: ٣٠).
أيها القارئ العزيز مهما يكن إيمانك ضعيفاً فليثق قلبك بأن ذلك المخلص المبارك الذي بنعمته جعل فيك ثقة به لن يتغير أبداً "يسوع المسيح هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين ١٣: ٨) فالعمل الذي قد أكمله لن يتغير البتة و "قد عرفت أن كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد. لا شئ يُزاد عليه ولا شئ ينقص منه" (جامعة ٣: ١٤).
وكلمته التي تكلم بها لا تتغير أبداً "العشب يبس وزهره سقط. وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد" (١ بطرس ١: ٢٤، ٢٥).
فإذاً موضوع اتكالي، وأساس خلاصي، وركن يقيني، كلها أبدية لا تتغير.
حبي ضعيف غالباً
لقوى سروري يقطع.
لكن سلامي ثابت
في الرب لا يتزعزع.
إني اناء متغير
والربّ لا يتغير.
فرجاء قلبي حبّه
وبصلب ربي أفخر.
والآن أيها القارئ العزيز أكرر سؤالي مرة أخرى : في أية درجة أنت مسافر؟ وجِّه قلبك نحوه تعالى وقدّم له جواب سؤالي.
"ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا" (رومية ٣: ٤).
"ومن قَبِل شهادته فقد ختم أن الله صادق" (يوحنا ٣: ٣٣).
وأنا أتضرّع إلى الرب ليجعل بنعمته يقين هذا الخلاص العظيم نصيبك، أيها القارئ العزيز، الآن وإلى أن يأتي.