الرِّسَـالة ٥٠
فقيرٌ يشترى ذهَباً!
رؤيا ٣:١٧-١٨
The poor are invited to buy gold!
أحبّائِى: حديثنَا اليَوْمَ مَوْضُوعُهُ: فقيرٌ يشترى ذهَباً!
ومِنْ سفر رُؤيَا يُوحنّا اللاهُوتِىِّ الأصْحَاح الثالِث نقرَأ العَدَدَيْن السّابع عَشَرَ والثامِن عَشَرَ:
"لأنّكَ تقولُ: إنِّى أنَا غَنِىٌّ وقدْ استغنَيتُ ولا حَاجَة لى إلى شَىْءٍ.. ولسْتَ تعلمُ أنّكَ أنتّ الشقِىُّ والبائِسُ وفقيرٌ وأعْمَى وعُريَانٌ!.. أشيرُ عليكَ أنْ تشترىَ مِنِّى ذهَباً مُصَفى بالنَار لكىْ تستغنِى".١
إنّ مَا يَسترعِى الانتباهَ هو نوعُ البضِاعَة المَعْروضَة للشِرَاء.. إنّها ذهبٌ مُصَفّى بالنَار!. أمّا الطبَقة التى يَنتمِى إليْها المُشترى فهى طبقة الفقراء ويَدّعِى أنّهُ مِنَ الأغنيَاء!. يَقولُ أنّهُ غَنىٌّ ولا حَاجَة لهُ إلى شَىْءٍ. أمّا صَاحِبُ هذِهِ البضَاعَةِ الثمينة فهو يَسُوعُ المَسِيحُ.. وهوَ يدْعُو هذا المُستغنِى قائِلاً: "أشيرُ عَليكَ".. وهل نَجد مِثلَ الرّبّ مُشيراً؟!. إنّ أخطرَ حَالةٍ يَصِلُ إليْهَا الإنسَانُ هى حَالة الاكتفاء الذاتِىِّ بَعيداً عَن الرّبِّ.
من أعْراضُ حالة المُستغنِى أى الإنسان الذى يَقولُ أنّهُ غَنىّ ولا حَاجَة لهُ إلى شَىْءٍ.. هو فتور المَحَبّة واستبدَال المَواهِبِ الروحيّة بالمَواهِبِ العقليّة والفلسَفات الإنسَانيّة.. واستغنَى بالوَسَائِط البَشريّة والشكليّات النظريّة!. والنتيجَة مَعَ الأسَفِ هى انعدامُ إحْسَاس ذلكَ الإنسان المُستغنِى بمَا يُعَانِيه مِنْ شِبَع وَهمِىّ وهُزالٍ رُوحِىّ!. إنّ الله يُخاطِبُ ذلكَ الإنسانَ قائلاً: "لسَتَ تعلم!". فمشكلتهُ عَدَم المَعْرفة لأنّهُ فى غيبوبَةٍ مِنْ جَهلٍ.. وعَدَم إدْرَاك حَقيقة أمْرهِ. يقولُ الكتابُ: "قد هَلكَ شعْبى مِنْ عَدَم المَعْرفة!". أوَليسَ مِنَ الحِكمَة الخضوع لمشورة الرّبِّ وإرشادِهِ؟!. فليْسَ مِثل الرّبِّ مُشيرٌ أوَ مُرشِدٌ لينيرَ أمَامَنا الطريقَ.. ويَنقلنا مِنْ ظلام الجَهل إلى نوُر المَعْرفة.٢
أحياناً يَتواجَدُ الإنسانُ فى مكان غَير لائق بهِ أنْ يَتواجَدَ فيهِ.. فقد يتعرّضُ فيِهِ للموْتِ وهو لا يَعْلمْ.. مَثلهُ كمَثل هؤلاءِ الذين يَجتمعونَ حولَ مَوقِدِ فحْم فى مكان مُغلق ليَستدفِئوا.. ولكنّهم فى نفس الوقتِ يستنشقونَ سُمومَ المَوتِ مِنَ الغاز السَام المُتصَاعِدِ مِن احتراقِ الفحْم فى ذلك المَكان المُغلق.. فاذا بهمْ يَموتونَ بالاختناق مَوتاً بَطيئاً!.. قد نتساءَلُ: ألا يشعُرُ أحَدُهُمْ بالخَطر الوَاقع عليهمْ فينتبه ويُنبّه رُفقاءَهُ؟!. الحقيقة أنّ جَميعَ المُستدفِئينَ حَولَ الفَحْم المُتقد يَفقدُونَ الوَعْىَ شيئاً فشيئاً.. فمَنْ يُنقذ مَنْ؟!.
وهذا مَا يَحْدُث مَعَ كثيرين مِنَ الذين خدَعَهُمْ إبليس.. إنّهُمْ مُعَرّضُونَ للهَلاكِ لأنّهُمْ فقدوا الإحْسَاسَ بخُطورَةِ حَالتِهمْ.. ولكنّ الروحَ القدُس يُنبّهُ الغافلَ ويُرْشِدُ الضّالَ ويُبكتُ ويُحَذرُ الخاطئ مِنَ الهَلاكِ والمَوت الأبدىّ.. يقولُ الرّبّ لخادِم كنيسَة اللاوُدِكِيِّين: ولسْتَ تعْلمْ أنّك أنتَ الشقىّ والبَائِسُ وفقيرٌ وأعْمىَ وَعُريَانٌ.. أشيرُ عليكَ أنْ تشترىَ مِنّى ذهَباً مُصَفّى بالنَار لكىْ تستغنِى.٣
أحْياناً يَرَى الإنسَانَ نفسَهُ بمِنظار وَهْمِىّ.. يَرَى أنّهُ صارَ غَنيّاً بفِضّةِ العَالم وَذهَبهِ الفانى.. وَلكنّ الرّبّ يراهُ بالمِنظار الحَقيقىّ.. فمَهمَا اغتنَى الإنسَانُ بمَال العَالم فهو شقىّ وبَائِسُ وفقيرٌ وأعْمىَ وَعُريَانٌ.. طالما يَسيرُ فى طريقّ التيهِ والضَلال والبُعْدَ عنْ مَعْرفةِ الله.. عَزيزى القارئ.. إنّ الرّبّ فى مَحَبتِهِ وغِنَى نِعْمَتِهِ يُقدّمُ لكَ ولى ذهَباً مُصَفى بالنار وهو أثمَن وأغلى مِنْ كلّ جَواهر العَالم ألا وهو خلاصُ نفسِكَ ونفسى مِنَ الهَلاكِ الأبدىّ .. "لأنّهُ مَاذا ينتفعُ الإنسانُ لو رَبحَ العَالمَ كلهُ وَخسِرَ نفسَهُ! ".. فليْتنا ندْرك أنّنا بغيْر مَعْرفةِ الله نحْنُ فقراءٌ.. ولكنْ يُوجَدُ رَجَاءٌٌ للفقير عندَ اللهِ الغَنِىّ.. لذلكَ يَدعُو الرّبّ قائلاً: "أشيرُ عليكَ أنْ تشترىَ مِنّى ذهَباً مُصَفّى لكىْ تستغنِى".٤
وفى سفر إشَعيَاء الأصْحَاح الخَامِس والخَمْسين يقولُ الرّبُّ: "أيّهَا العِطاشُ جَميعاً هَلمّوا إلى المِيَاه والذى ليْسَ لهُ فِضّة تعَالوُا اشترُوا وكلوا هَلمّوا اشترُوا بلا فِضّةٍ ولا ثمَن خمْراً ولبَناً".. إنّها عَمليّة شِرَاء.. ولكنّها تتِمّ بلا فِضّة ولا ثمَن لأننّا نشترى مِنْ "مَلِكِ المِلوكِ ورّبّ الأربابِ الذى بهِ كانَ كلّ شَىْءٍ وبغَيرهِ لمْ يكنْ شَىْءٌ مِمّا كان". ويقولُ الكِتابُ: "مُتبرّرين مَجّاناً بنِعْمَتِهِ بالفدَاء الذى بيَسُوع المَسِيح".. أنّ الأمَرَ لا يَتطلبُ مِنّا أكثرَ مِنْ أنْ ندْركَ حَقيقة افتقارنا إلى شخص الرّبّ وحاجتنا الماسة لعَمَلِ الرُوح القدُس فينا.. فإذا أتينا إليه بإيمَان وثِقة فى كلامِهِ نَحْصُل على ما نفتقرُ إليْهِ ونَغتنِى بغِناه ونكتفى.. لقد كتبَ إشَعْياءُ النَبىّ يقول: "اطلبُوا الرّبّ مَا دَامَ يُوجَدُ ادْعُوهُ وَهُوَ قَريبٌ.. لِيَترُكِ الشِرّيرُ طريقهُ وَرَجُلُ الإثم أفكارَهُ وَليَتبْ إلى الرّبّ فيَرْحَمَه وإلى إلهنَا فإنّهُ يُكْثِرُ الغُفرانَ".٥
كنْتُ قبلَ مَعرفتى بالرّبّ واختبَارى٦ الحَياة المَسيحيّة الحَقيقية.. ألاحظ فرقاً كبيراً بينَ أوْلاد الله وأوْلاد العَالم وحَسِبْتُ أنّ الأمْرَ يتطلبُ بَذلَ مَجْهُودٍ شاق فى صَلواتٍ وأصَوام كى أنالَ رضَا الله عَلىّ فيقبَلنِى.. وظننتُ أنّه مِنَ الحِكمَةِ أنْ أنتظرَ حتى أكونَ مُؤهلا لذلك.. وكمْ كانتْ دَهشتى حينَ عَلِمْتُ وقتذاك أنّ مَا حَصلوا عليهِ كانَ بنِعمَةِ الله وليسَ مِنْ مَجْهودَاتٍ بشريّة.. فمَنْ ذا الذى يَستطيعُ أنْ يَظهَرَ ببّره أمَامَ البار القدّوس؟!. ولكنْ بقبول الرّبّ يَسُوع المسيح مُخلصاً وتسليم الحَياة بالكامِل لشخصِهِ المُبارَك وبسُكنى الرُوح القدُس فى القلب دُونَ اتكالٍ على مَجْهوداتٍ شخْصِيّةٍ وبَرّ ذاتى تكون لنا علاقة مع الله.. إذ أنّ الرُوح القدُس هو الذى يَعمَل فينا فنأتى بثمَر هو ثمَرُ الروح القدُس العامل فينا.. اختبرتُ هذا الاختبار وتحققتُ أنّ الحَياةَ الجديدة بالميلادِ الثانى وبلا جُهْدٍ أبذلهُ أو ثمَن أدفعُهُ.. فالجُهدُ قد بُذِلَ والثمَنُ قد دُفعَ على الصَليب.. وذاك الذى قال: أشيرُ عليكَ أنْ تشترىَ مِنّى ذهباً مُصَفى لكىْ تستغنِى وقالَ: "تعالوا إلىّ يا ثقيلى الأحْمَال وأنا أريحُكم" ووَعَدَ بالقول: "مَنْ يُقبلْ إلىّ لا أخْرجْهُ خَارجاً".٧
عَزيزى القارئ: ليتكَ تفتح قلبَكَ لرسَالة الله إليكَ اليومَ.. فإذا شعرتَ بأنّك فقيرٌ لِغِنَى رَبّكَ ويُعوزكَ الحياة الأفضل.. فتعالَ إليهِ لتشترىَ الذهبَ المُصَفى وبلا ثمن.. حَذارى القولَ أنّك غَنِىٌ وقد استغنيتَ ولا حاجة لك إلى شىْء فكلّ مَنْ استغنى ولمْ يشعرْ بحَاجتِهِ إلى عَطيّةِ الله العُظمى هُوَ الشقىّ والبائِسُ وفقيرٌ وأعْمَى وعُريَانٌ..إن اللهَ لِعِظم مَحَبّتِهِ لنَا يدعونا ليُبَدِلَ فقرَنا إلى غِنى حقيقىّ.. فاتِحاً بابَ الرَجَاء لنشترىَ مِنهُ الذهبَ المُصَفى بالنّار كى نستغنى.. قال بولس الرسُول: "خسرتُ كلّ الأشيَاء وأنا أحْسبُها نفاية لكى أربَحَ المَسيح.. وكلّ مَنْ يَربَحُ المَسيح يصبحُ غنيّاً بشخصِهِ لا بغنى العَالم الفانى.. كفقراءَ ونحنُ نغْنى كثيرين.. كأنْ لا شىْءَ لنا ونحنُ نمْلِكُ كلّ شىْء".٨
عَزيزى.. قد تكون مِنْ أسْرَةٍ طيّبَةٍ مُؤمِنَةٍ غَنيّةٍ بالرّبّ ومِنْ أبوَيْن تقيًيْن.. ولكنّ غِنَاهُمْ بالمَسيح لا يُغنيكَ عَنهُ.. فالربّ يقولُ: "أشيرُ عَليكَ". (عَليكَ أنتَ) أنْ تشترىَ (أنتَ) مِنّى ذهباً مُصَفى بالنّار.. ففى مَثل العَذارى الذى ضَرَبَهُ السَيّدُ المَسيح المَذكورٌ بإنجيل متى.. حَسِبَتْ العَذارَى الجَاهلاتُ أنّ زيتَ العَذارَى الحكيمات الذى فى مَصَابيحِهنّ يكفى لهُنّ أيْضاً حينَ اكتشفنّ أنّه لا يُوجَدُ زيتٌ فى مَصَابيحِهنّ وقلنَ للحَكيمّات: اعْطيننا مِنْ زيتِكنّ.. فكانتْ إجابة العَذارَى الحَكيمات: "لعَلهُ لا يَكفى لنا ولكنّ.. بَلْ اذهبْنَ إلى البَاعَةِ وابتعْنَ لكنّ!".. أخى: إنّ المَسيحَ هو الذهبُ الذى ارتضى أنْ يُصفى بنار الصليب نيابة عنِّى وعَنكَ.. تعالَ مَعِى لنَشترىَ بلا فِضّة ولا ثمَن.٩
أدعوك أخى المحبوب أنْ تشتركَ مَعِى فى تلكَ الصَلاة: أبانا السّماوىّ.. أنا الفقيرُ المُحْتاجُ إلى برّكَ وفيْض نِعمَتِكَ.. جئتُ مُعترفاً بعَوَزى.. وحَاجتى إليكَ ربّى لكى اسْتغنىَ بغِنَاكَ.. أرْفعُ صَلاتى فى اسم يَسُوع البارّ.. واثِقاً أنّكَ تسْتجيبُ لى يَا مَنْ وَعَدْتَ بقولِكَ: مَنْ يُقبلْ إلىّ لا أخْرجْهُ خَارجاً.
أخى القارئ العزيز.. إنْ أرَدْتَ سَماع تلك الرسَالة أو غيرها ستجد ذلك فى:
١. ١ رؤيا يوحنا اللاهوتى ٣: ١٧ – ١٨ ، استمع إلى الإنجيل
٢. ٢ سفر إشعياء ٩: ٦ ، سفر هوشع ٤: ٦
٣. ٣ إنجيل يوحنا ١٦: ٨
٤. ١ إنجيل متى ١٦: ٢٦ ، إنجيل مرقس ٨ :٣٦ ، إنجيل لوقا ٩: ٢٥
٥. ٢ رسالة بولس الرسول إلى مؤمنى رومية ٣: ٢٤ ، سفر إشعياء ٥٥: ١ & ٦ & ٧
٦. ٣ اختبارى بالرسالة ١٤٨
٧. ٤ إنجيل متى ١١: ٢٨ ، رسالة بولس الرسول إلى مؤمنى أفسس ٢: ٨ – ١٠ ، إلى مؤمنى فيلبى ٣: ٩ ، إنجيل يوحنا ٦: ٧٧
٨. ٥ رسالة بولس الرسول إلى مؤمنى فيلبى ٣: ٨ – ٩ ، رسالة بولس الرسول الثانية إلى مؤمنى كورنثوس٦: ١٠
٩. ٦ إنجيل متى ٢٥: ٨ – ١٠