December 2013

الأمان اليقين البهجة

الأمان اليقين البهجة.

جورج كوتن

Safety, Certainty, and Enjoyment

George Cutting

١٨٤٣ - ١٩٣٤

الأمان

قد جعلتُ قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا انت ونسلك (تثنية ٣٠: ١٩).

اليقين

كتبت هذا اليكم انتم المؤمنين باسم. ابن الله لكي تعلموا ان لكم حياة ابدية. ( ١ يوحنا ٥: ١٣ )

محاضرات على الرسالة إلى رومية

محاضرات
على
الرسالة إلى رومية
*

هـ. أ. آيرونسايد

Lectures on the letter to the Romans

(Arabic)

الطبعة السادسة والعشرون، آب ١٩٨٤

طبعت في الأصل في الولايات المتحدة الأمريكية الطبعة الأولى ١٩٢٨

هو مؤلف "أسرار الله"، و"الأنبياء الصغار"، و"الصلاة بالروح القدس"،
و"سنوات الصمت الأربعمائة" ، و"محاضرات على سفر دانيال"، و"محاضرات على سفر الرؤيا"، الخ.

الفصل ١

جمع المواد اللازمة لبناء خيمة
الاجتماع والتعليم الرمزي منها

(اقرأ سفر الخروج ٢٥: ١ - ٩)

لم يكن عدد الذكور من الإسرائيليين، الذين كانوا يبلغون العشرين من العمر فصاعداً، والذين دفعوا مال الكفارة ((فضة الكفارة))، الذي أُخِذَ من بني إسرائيل في البرية، يقل عن ٦٠٣٥٥٠ شخصاً، بحسب الإحصاء الذي أحصى به الله شعبه. وهذا العدد لم يضم سبط لاوي (انظر سفر العدد ١: ٤٦، ٤٧)، الذين كانوا قد عُيّنوا لخدمة خيمة الاجتماع. ومن هنا يمكننا أن نخمّن أن حوالي ثلاثة ملايين نسمة، ولابد، قد خرجوا من مصر عندما حرر الله "بيد قوية وذراع ممدودة" شعبه من عبودية فرعون المريرة.

يا لها من حكاية مثيرة تخبرنا عن تقدمة قدمها الله بقدرته العظيمة ورحمته الغزيرة. فإذ حماهم رمزياً دمُ ليلة الفصح، ذلك الشعب الذي خلصته يد الله القديرة إذ عبرت به البحر الأحمر، هذا الجمع الذي كان مستعبداً سابقاً، وجد نفسه قد صار شعب الله المعتق في البرية على ضفة البحر الأحمر من الجهة المقابلة لشاطئ مصر، أرض عبوديتهم القاسية.

هل من بيّنة تجعلنا نطبق حادثة العبور الفصحية هذه على المسيح؟

كان البروفيسور المحدث ليقول أنه ليس من بيّنة على ذلك. أما الكتاب المقدس فيقول: "الْمَسِيح، فِصْحنَا، قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (١ كورنثوس ٥: ٧).

إن الفصح هو أساس التاريخ الروحي لإسرائيل كشعب. وبه أعلن الله أن الفداء بالدم هو الأساس الأوحد الوحيد لتعامله مع البشر. وعلى هذا الأساس أعلن الله مرضاته السارة ليسكن وسط شعبه. ولهذه الغاية أمر موسى ببناء خيمة الاجتماع، وهذا النظام من تقديم القرابين، وخدمة الكهنة، وعمل اللاويين، والسلوك الواجب على الشعب أن يسلكه لكي يكون على علاقة معه. إذا كان الله نفسه قد أعطى موسى كل هذه التعليمات التفصيلية، فكيف يمكن أن نقول أنها مجرد وصف جاف لعبادة شعائرية تخص جماعة بدائية وهذا لا يعنينا شيئاً اليوم؟

لقد كانت خيمة الاجتماع مقسمة إلى قسمين. القسم الأول والأكبر كان حيث يمارس الكهنة عملهم المقدس. وكان يُدعى الحرم المقدس، أو المَقْدِس. أما الجزء الداخلي والأصغر من الخيمة فكان يُدعى قدس الأقداس. وكان هذا هو المكان الذي يسكن فيه الله في مجده على عرش الرحمة.

بالنظر إلى حجمها، لعل خيمة الاجتماع كانت أغلى بناء على وجه البسيطة. فقد استخدم في بناءها أكثر من ١٦٠٠٠٠ باونداً من الذهب وأكثر من ٣٤٠٠٠ باونداً من الفضة، إضافة إلى كميات كبيرة من الكتان، والأحجار الكريمة، والمعادن الثمينة، والزيت، والأصبغة الزرقاء، والأرجوانية والقرمزية، الخ. لقد كان وزن الفضة يعادل ٤ أطنان. هذا البناء الصغير، الذي يبلغ ٥٤ قدماً طولاً، و١٦ قدماً عرضاً، قدّر ثمنه بحوالي ٢٠٠٠٠٠ باونداً. وهذا التقدير هو بأخفض قيمة للذهب. وتبلغ قيمة هذا البناء رقماً أكبر من ذلك بكثير. وكانت ساحة خيمة الاجتماع تبلغ حوالي ١٨٠ قدماً طولاً وحوالي ٩٠ قدماً عرضاً.

عندما نتأمل بمن قدّم المواد لفرش هذه الخيمة تزداد دهشتنا اتساعاً. لقد كان الإسرائيليون قد نجوا للتو من عبودية مريرة. لقد كانوا يعيشون حياة قاسية، ويعملون بالقرميد بدون قش. ومع ذلك فهؤلاء الناس هم أنفسهم كانوا الآن على استعداد كامل ليقدموا كل ما يملكون، لدرجة أن موسى اضطر لإيقاف سيل كرمهم.

"فَهَذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً (رمزاً) وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ" (١ كورنثوس ١٠: ١١).

"لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية ١٥: ٤).

ونقرأ عن الأسخياء الذين "أَنْهَضَهُم قَلْبُهمُ وَسَمَّحَتْهُم رُوحُهُم" (خروج ٣٥: ٢١) ليساهموا بكل سرور في عمل الرب. فأتى الرجال بخَزَائِمَ وَأَقْرَاطٍ وَخَوَاتِمَ وَقَلاَئِدِ كُلِّ مَتَاعٍ مِنَ الذَّهَبِ يخصهم؛ والنِّسَاءِ "الْحَكِيمَاتِ الْقَلْبِ" غَزَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ وَجِئْنَ مِنَ الْغَزْلِ بالْبُوصِ شَعْرَ الْمِعْزَى؛ وَالرُّؤَسَاءُ جَاءُوا بِحِجَارَةِ الْجَزْعِ وَحِجَارَةِ التَّرْصِيعِ وَالزَّيْتِ.

يا له من درس نتعلمه: "مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ" (٢ كورنثوس ٩: ٦، ٧). إن الأرملة التي وضعت فلسيها – وهي كل ما كانت تدخره – في صندوق الهيكل، في ذلك الزمان الذي كان هذا النظام يدنو من نهايته، وقد كتب عليه الزائل، "أي المجد الضائع"، قد تشجعنا في نهاية هذا العصر التدبيري على أن نخدم الرب بجهد مضاعف. فهو لن يكون مديوناً لأحد من البشر، وليس هو ممن ينسون عمل المحبة الذي نقوم به باسمه.

في سعينا لإعطاء المعنى الرمزي للمواد المختلفة المستخدمة في بناء خيمة الاجتماع وترتيبات تقدمة القرابين، وغير ذلك، لا يجب أن ننسى أنه لا يمكننا أن نفسر العقائد من وراء كل ذلك، وغايتنا هنا هي أن نعرض تفسيرنا لهذه الأشياء ونترك الحكم لقدرة القارئ الروحية ومحاكمته العقلانية. هناك أشياء كثيرة في الكتاب المقدس نستطيع، بل وحتى يجب أن نكون دوغماتيين حولها – كالعقائد مثلاً، التي هي أساسية وحيوية كمثل عقيدة لاهوت ربنا يسوع المسيح، وناسوته، وعمله الكفاري وقيامته، وحضور روح الله القدوس وعمله، وكنيسة الله، وأصلها، وبركاتها ومصيرها، ودعوة إسرائيل والبركة العظيمة التي منحها الله له كشعب أرضي له. هذه الحقائق نجدها مؤكدة بشكل مباشر وواضح في الكتاب المقدس.

وحتى في الرموز هناك أشياء يمكننا أن نكون دوغماتيين بخصوصها. فالفصح هو رمز لموت المسيح الكفاري على الصليب. وإن الدلالة التي نستند عليها في ذلك هي في الكتاب المقدس: "الْمَسِيح، فِصْحنَا، قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (١ كورنثوس ٥: ٧). كما وأن عرش الرحمة هو رمز المسيح في موته الكفاري، حيث مكّن الله بكل قداسته من لقاء ومباركة أرض الخطأة. والبينة التي نستند إليها في ذلك أيضاً في الكتاب المقدس: "قَدَّمَهُ اللهُ (أي للمسيح) كَفَّارَةً (وحرفياً: عرش رحمة) بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ" (رومية ٢: ٢٥).

واضعين كل هذه الأمور نصب أعيننا، دعونا نستهل تفسيراتنا:

الذهب: هو رمز الألوهية فيما يختص بالمسيح، ورمز للبر الإلهي عند النظر إليه من خلال العلاقة مع الإنسان. في سفر الخروج نجد أنه كلما استخدم الذهب للدلالة على الألوهية، فإننا نجده يذكر دائماً أنه "ذهب نقي": وعندما يرمز الذهب إلى البر الإلهي، نجد كلمة الذهب مستخدمة بدون الصفة "نقي".

الفضة: هو رمز الفداء. إن نصف الشاقل من الفضة، والذي يساوي حوالي دولار ونصف، والذي كان مطلوباً من الذكور الذين يبلغون العشرين وما فوق من العمر عندما تم إحصاء عدد شعب إسرائيل، نجد الكتاب المقدس يصفه بـ"فضة الكفارة" (خروج ٣٠: ١٦).

النحاس: رمز الفداء من جهة دينونة الله التي تم إرضاؤها على صليب المسيح من ناحية مسؤولية الإنسان. وفي الواقع إن كلمة "نحاس" ( brass ) المستخدمة في الكتاب المقدس هنا تعني أشابة النحاس أي خليط من النحاس مع الخارصين أو الزنك وهو ليس مقاوماً للحرارة كمثل معدن النحاس النقي ( copper ) وهذه هي الكلمة الأنسب الواجب الترجمة إليها، ألا وهي ( copper ). وهذه الفكرة يجب ألا تغيب عن بالنا عندما نتحدث عن النحاس الموجود في المذبح النحاسي، والمرحضة النحاسية.

اللون الأزرق (الاسمانجوني): رمز ما هو سماوي إلهي. إن اللغة الهندستانية تستخدم كلمة (لون أزرق) ببساطة للإشارة إلى السماء. إنه لون السماء الصافية الخالية من الغيوم.

الأرجوان: رمز مجد المسيح كملك على إسرائيل. إن اللون القرمزي هو اللون الملوكي. في استهزائهم بادعاء ربنا أنه ملك إسرائيل ألبسه الجنود "رداءً قرمزياً" (متى ٢٧: ٢٨).

البوص: رمز النقاء، والصفاء، والقداسة في طبيعة ربنا الإنسانية؛ وهي أيضاً رمز لما يحدثه عمل الروح القدس في حياة المؤمنين. "الْبَزُّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤيا ١٩: ٨).

شعر المعزى: رمز المسيح كنبي. في (زكريا ١٣: ٤، ٥) نجد أن الثوب الخشن أو المشعر كان العلامة المميزة للنبي. عندما استفسر آحاز المريض من رسله عن الرجل الذي التقوا به قالوا له: "أنّهُ رَجُلٌ أشْعرُ (أي يرتدي ثوباً من شعر) متمنطِقٌ بمنطَقةٍ من جِلْدٍ على حَقَويْهِ" (٢ ملوك ١: ٨). فأدرك الملك مباشرة من الوصف أنه النبي إيليا. ونجد يوحنا المعمدان أيضاً يُوصف بأن "كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ" (متى ٣: ٤).

جلود كباش محمّرة: رمز تكرس المسيح لمجد الله حتى درجة الموت. "الكبش" يُدعى "كبش.... الملء" (خروج ٢٩: ٢٦). "مصبوغ باللون الأحمر" رمز طول المدة التي تمتد إليها المسحة، حتى الموت.

جلود نُخَس: رمز المسيح كما يراه العالم. وهذا الفرو كان يشكل الغطاء الذي يعلو خيمة الاجتماع. نجد وصفاً في (أشعياء ٥٣: ٢): "نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ".

خشب السنط: رمز ناسوت ربنا يسوع المسيح، وأيضاً رمز للمؤمن بوجوده في ألواح خيمة الاجتماع.

الزيت: رمز روح الله القدوس. فالروح القدس يُدعى في العهد الجديد بـ "المسحة" (١ يوحنا ٢: ٢٧). وقد كان الملوك والأنبياء والكهنة يُمسحون بزيت في زمن العهد القديم.

الطيب: رمز أريج المسيح أمام الله.

حجارة جَزعٍ وحجارة ترصيع: رمز عظمة قيمة المؤمنين عند الله، وذلك بنتيجة علاقتهم بالمسيح.

المَقْدِس: رمز سُكنى الله وسط شعبه، وهو مكان مقدس مخصص لمرضاة الله. "فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خروج ٢٥: ٨).

من مثال المسكن: دلالة على أن الفكر والمخيلة البشريين ليس لهما دور في اقتراح ما يجده الله مناسباً. كان موسى قد دُعي إلى قمة جبل سيناء. ورآه شيوخ إسرائيل يختفي في مجد الرب كنار ملتهبة على قمة الجبل. وهناك أمره الله بنفسه وحضه قائلاً: "وَانْظُرْ فَاصْنَعْهَا عَلَى مِثَالِهَا الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ" (خروج ٢٥: ٤٠).

إذ نرى هذه التفاصيل قد خطط الله لها بنفسه لكي يعلم شعبه دروساً في السماويات، فإن هذه الرموز والصور تصبح أكثر إمتاعاً، ولا يمكن إهمال دراستها دون فقدان معنى روحي للنفس.

كما أن انكسار الضوء ينثر الضوء العديم اللون إلى ألوانه السبعة الموشورية، كذلك الأمر الرموز، كما كانت حالها دائماً، والتي هي دلالة على حقائق عظيمة تتعلق بالمسيح: لاهوته، وناسوته، وعمله الكفاري، والبركة التي ينالها الشعب المؤمن به، إلى ما هنالك من تفاصيل تعليمية. وإذ نتعلم هذه التفاصيل، ونرى جانباً تلو الآخر ينجلي أمامنا، نجد أن كل منها متوافق مع الآخر، وهكذا تدريجياً نصل إلى الفهم الصحيح في داخلنا لكل الأمور، إلى أن تُغزل الحقيقة إلى خيوط رفيعة في كياننا الروحي، فتصنعنا لمجد الله. لقد كان لهذه الرموز دور كبير في تعليم الكاتب حقائق عن شخص وموت المسيح، هذه التعليم الذي ما كان بوسعه أن يحصل عليه من مكان آخر.

الفصل ٢

مغزى الأرقام في بناء
وخدمة خيمة الاجتماع

مغزى الرقم (٣)

الرقم ٣ : هو عدد الأشخاص الواجب توافرهم في الشهادة المقبولة الوافية : "خُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَة" (متى ١٨ : ١٦). هناك ثلاثة أشخاص نجد تمثيلاً لهم في الخيمة :—

  1. الله : حضوره يملأ قدس الأقداس، وهو يسكن متربعاً على كرسي الرحمة حيث يستطيع باستحقاق أن يلاقي أردأ الخطأة بدون أن يُنتَقَص مقدار ذرة من الاعتراف بقداسته.
  2. المسيح : المرموز إلى لاهوته، وناسوته، وموته الكفاري بتابوت العهد وعرش الرحمة.
  3. الروح القدس : المرموز إليه بالنور في منارة الذهب، وفي زيت المسحة .

وهناك ثلاثة شقق تؤلف خيمة الاجتماع :—

  1. قدس الأقداس
  2. المقدس
  3. ساحة (أو فناء) الخيمة (دار المسكن)

وهناك ثلاثة معادن تدخل في تشييد الخيمة :—

  1. الذهب : الذي يرمز إلى لاهوت ربنا يسوع المسيح، وأيضاً البر الإلهي كما نراه في عرش الرحمة.
  2. الفضة : ترمز إلى الفداء كما نراه في نصف الشاقل من الفضة الذي يُدعى "فضة الكفارة".
  3. النحاس : ويرمز إلى موت المسيح الذي استوجبته مسؤولية الإنسان نحو الله. وهذا نراه في المذبح النحاسي، المدخل الوحيد الأوحد إلى الله.

كانت هناك ثلاثة سوائل تُستخدم في خدمة خيمة الاجتماع :—

وهذه هي الدم، والماء، والزيت، وهؤلاء هم الشهود الثلاثة الذين يُشار إليهم في (١ يوحنا ٥ : ٨) : "وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ : الرُّوحُ (المرموز له بالزيت)، وَالْمَاءُ (كلمة الله)، وَالدَّمُ (الكفارة). وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ".

  1. الدم : يشهد على موت المسيح، الذي كان كفارة عن خطايا البشر.
  2. الماء : يشهد على موت المسيح، رداً على موضوع "الحالة" – "مولودون من الماء والروح" (يوحنا ٣ : ٥).
  3. الزيت : يرمز إلى الروح القدس، الوكيل الإلهي الذي به يمكن للإنسان أن يُولد من جديد، هذا الأمر الذي يؤكد يوحنا في (٣ : ٥) على ضرورته، إذا ما شئنا أن تكون لنا علاقة مع الله.

سوف يتم شرح هذه بتفصيل أكثر فيما بعد.

وكانت هناك ثلاثة أشياء في قدس الأقداس :—

  1. تابوت العهد
  2. عرش الرحمة
  3. الكروبين : اللذان "يُصنعان من قطعة واحدة" من الذهب (خروج ٣٧ : ٧).

وكانت هناك أشياء ثلاثة في المقدس :—

  1. مائدة خبز الوجوه : ترمز إلى المسيح، غذاء شعبه.
  2. منارة الذهب : المسيح النور لشعبه.
  3. المذبح الذهبي : مكان العبادة والشفاعة.

وفي فناء دار الخيمة كانت هناك ثلاثة أشياء :—

  1. باب الدار : رمز المسيح الذي قال "أنا هو الطريق" (يوحنا ١٤ : ٦).
  2. المذبح النحاسي : ويرمز إلى ضرورة الذبيحة القربانية إذا ما أراد الخطاة أن ينالوا البركة.
  3. المرحضة (المغسلة) النحاسية، المملوءة بالماء : وترمز إلى صفة التطهير المميزة لكلمة الله التي تنطبق على المتعبّد، وهي تؤكد على أن القداسة ضرورية لأولئك الذين يودون أن يدنوا إلى الله لأجل خدمة التقديس.

وكانت هناك ثلاثة مداخل للخيمة :—

  1. باب الفناء : وهو مدخل الخطأة.
  2. الستارة المعلقة على باب الخيمة : وهي مدخل المقدس التي يعبر منها الكاهن.
  3. الحجاب : الذي كان يشكل المدخل من المقدس إلى قدس الأقداس، والذي كان يدخل منه رئيس الكهنة في يوم الكفارة العظيم.

كانت تقدم فيها ثلاثة أنواع من الأضاحي :—

  1. من القطيع : ثور مخصي.
  2. من المواشي : خروف، أو معزاة.
  3. من الدواجن : زوجي يمام أو فرخي حمام.

وكان للاوي ثلاثة أولاد : كانوا يؤدون من خلال سلالتهم الخدمة اللاوية لخيمة الاجتماع :—

  1. ابن ميراري (٣٢٠٠) : حمل الألواح، والقضبان، والأعمدة، والأوقاب، والمسامير والأوتاد، الخ.
  2. أبناء جيرشون (٢٦٣٠) : حملوا الستائر، وستارة الدار، الخ.
  3. أبناء قهات (٢٧٥٠) : حملوا الآنية المقدسة (انظر سفر العدد ٤).

واستُخدِمت ثلاثة ألوان في الستائر :—

  1. الأزرق : اللون السماوي، ويرمز إلى المسيح الإنسان السماوي.
  2. الأرجواني : هو لون الأباطرة، ويرمز إلى المسيح ملك الملوك ورب الأرباب الذي سيحكم العالم كله.
  3. القرمزي : اللون الملوكي، ويرمز إلى المسيح ملك إسرائيل.

وكان الشعب مكوناً من ثلاث طبقات من الناس :—

  1. "بني إسرائيل" : وهم "عامة الناس" أو "الشعب".
  2. اللاويين.
  3. الكهنة.

كان "عامة الشعب" (لاويين ٤ : ٢٧) يقفون مقابل المقدس أو الطبقات المنزوية، اللاويين والكهنة. ومع ذلك فإن علاقتهم بالله (يهوه) ١ كانت تتطلب قداسة السلوك في حضرته.

وكان اللاويون يقومون بفك الخيمة، ونصبها، وحملها خلال نقلها من مكان إلى آخر.

وكان الكهنة يقومون بخدمة الذبائح، والمنارة الذهبية، ومائدة خبز الوجوه، ومذبح البخور الذهبي، الخ.

يجب أن نفهم بشكل واضح أن المؤمنين في هذا الدهر يمثلون كل هذه الطبقات الثلاث. وفي حياتنا المنزلية، والعملية، واليومية نحن "عامة الناس"، ومع ذلك فإننا نخص عائلة الله الذي يطلب منا القداسة في السلوك. وفي خدمتنا للرب فإننا ننجز بعضاً من الخدمة التي كان اللاويون يقومون بها. وأخيراً، فإن المؤمنين جميعهم كهنة. ولقد خاطب الرسول بطرس المؤمنين كاتباً لهم : "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (١ بطرس ٢ : ٥). ونجد أيضاً الرسول يوحنا يخبرنا أن الله "َجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً (وحرفياً : مملكة كهنة) لِلَّهِ أَبِيهِ" (رؤيا ١ : ٦). وإن كل المؤمنين هم كهنة لله، ولديهم " ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ" (عبرانيين ١٠ : ١٩).

مغزى العدد (٤)

العدد (٤) هو العدد الذي يرمز إلى ما هو عالمي أو متعلق بكل أرجاء الدنيا. ومن هنا نتحدث عن "الرياح الأربع" (حزقيال ٣٧ : ٩)؛ وعن "أربعة أطراف الأرض" (أشعياء ١١ : ١٢).

أربع ستائر، أو أغطية لخيمة الاجتماع : وهذه تعبر عن علاقة المسيح الكونية مع البشر :—

  1. ستائر البوص المجدول، والصباغ الأزرق (الإسمانجوني) والأرجواني والقرمزي مع الكروبين البارع الصنع الذي يمثل الأمجاد الأربعة لابن الله :—
    • فالصباغ الأزرق : يرمز للمسيح الوحيد الذي من السماء؛
    • والصباغ الأرجواني : يرمز إلى مجده كملك الملوك ورب الأرباب، وابن الإنسان؛
    • واللون القرمزي : يرمز إلى مجده كملك إسرائيل؛
    • والكروبين المشغول في الستائر يمثل المسيح بشخصه كديّان في علاقته بالسماء والأرض سواء كانت فيها نعمة أم إدانة.
  2. الستائر المصنوعة من شعر المعزى : ترمز إلى المسيح في منصبه النبوي، كما رأينا.
  3. جلود كباش محمرة : ترمز إلى أن طاعته قد قادته إلى الموت بحد ذاته.
  4. جلود نُخَس : الذي كان يرمز من الخارج إلى ما كان عليه المسيح في نظر الإنسان الطبيعي، إذ لا جمال فيه يشده إليه. وبالمقابل، فإن الستائر الجميلة في الداخل كانت أمام ناظري الكهنة وهم يخدمون في المقدس.

المذبح النحاسي كان مربع الشكل : وهذا يرمز إلى أن ذبيحة موت المسيح الكفارية لم تكن فقط لأجل القلة، المختارين، بل أن "المسيح ..... بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ" (ا تيموثاوس ٢ : ٦). إذ "هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا ٣ : ١٦). إن المذبح المربع الشكل يدعو الناس إليه من أطراف الأرض الأربعة. وما من خاطئ إلا ويكون موضع ترحيب إلى نعمة الله التي تغفر الذنوب.

وكان على المذبح أربعة قرون : وهذه تقوّي ما سبق ذكره، لأن القرون ترمز إلى كامل قوة المذبح.

وكان مذبح البخور الذهبي رباعي الأضلاع : وكان عدد القرون (٤). وهذا يدل على أن كل الذين يخلصون مؤهلون لأن يكون عباداً لله. ولكن، وللأسف، الجميع لا يأتون إلى المذبح النحاسي. ومن هنا نجد أنه بينما كان حجم المذبح النحاسي كبيراً وارتفاعه إلى خمسة أذرع طولاً وخمسة عرضاً (مربع الشكل)، وارتفاعه ثلاثة أذرع، فإن مذبح البخور الذهبي (رمز العبادة والشفاعة) لا يزيد على ذراع واحد طولاً، وذراع واحد عرضاً ("مربعاً يكون") (خروج ٣٠ : ٢)، وارتفاعه ذراعان، وهذا يدل على حقيقة أنه رغم أن الدعوة هي للجميع، إلا أنه ليس الجميع يستجيبون.

أربعة أعمدة ترفع الستارة عند مدخل الخيمة : وهذه ترمز إلى التمثيل الكوني لإنجيل نعمة الله. لقد كان هذا المدخل الوحيد إلى الحرم المقدس، ويذكرنا ذلك بالقول : "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مرقس ١٦ : ١٥).

كان الرقم (٤) هو عدد "أفخر الأطياب" (خروج ٣٠ : ٢٣)، والتي كان الزيت في قوامها : "دهناً مقدساً للمسحة". إن المسح في خيمة الاجتماع، للأواني المقدسة فيها، وللكهنة ولرؤساء الكهنة، يعلّمنا أن الله يظهر لنا صورةً عن نفسه على أنه مستعد لمباركة كل الناس وكل الكون، وذلك على أساس ما كان المسيح بالنسبة إليه بكل طيبة، لكونه الممسوح، إذ أن هذا هو معنى كلمة "مسيّا" في العبرية، والمرادف لها "المسيح" في اليونانية.

أول هذه الأطياب المذكورة كان المرّ. لكي تحصل على شذاه الحلو كان لابد من أن يُسحق، كمثل المسيح الذي "سُحِقَ لأجل آثامنا" (أشعياء ٥٣ : ٥)، وجُعِلَ كفارة عن خطيئتنا. كم كان عطراً طيّب العِرْف في حياته وفي مماته بالنسبة للآب الذي أرسله. ومن هنا فإن الروح القدس (المرموز له بالزيت) يمكن أن يقدمه لله ببهجة لا تُوصَف تفيض في قلب الله.

"المحبة، التي في وادي ظلال الموت،
تنشر عطرها على المؤمنين،
وحيث بدت الخطيئة سائدة على الجميع،
أشرق مجد الفداء"

وكان عدد "الأعطار" أربعاً (خروج ٣٠ : ٣٤). وبمزجها معاً كانت تشكل عطراً نقياً ومقدساً "الْبَخُورَ الْعَطِرَ نَقِيّا صَنْعَةَ الْعَطَّارِ" (الخروج ٣٧ : ٢٩)، الذي يُدَقّ بشكل ناعم كان ليوضع أمام تابوت العهد في خيمة اجتماع الشعب. كل من هذا وزيت المسحة المقدس يذكراننا بالتصوير الرباعي الأوجه للمسيح الذي نجده في الأناجيل الأربعة : فمتى يصور المسيح في شخصه الملوكي، "جَرْو أسد يهودا"؛ ومرقس يصوره كعبد الله الطائع المرذول؛ ولوقا، كإنسان، المسيح يسوع؛ أما يوحنا فيصوره في شخصه الخاص، ابن الآب، الكلمة الأبدية، الذي صار جسداً. إن كلاً من هذه الأناجيل الأربعة تروي قصة موت ربنا. كم هو عَطِرٌ شَذِيٌّ ذاك التصوير لربنا في الحياة وفي الموت.

زيت المسحة المقدس ما كان يُصنع لكي يضعه الإنسان على جسده. وما كان العطر المقدس يُصنع للاستخدام الشخصي في تخفيف ألم الموت، وهذا يُظهر أن الرب المبارك لا مثيل له في حياته وموته، وفي نتائج ذلك الرائعة التي أتت بالبركة إلى الكون المفدّى.

مغزى العدد (٥) ومضاعفاته

إن الرقم (٥) هو العدد الذي يشير إلى مسؤولية الإنسان. ومضاعفته هي فقط لتعزيز الفكرة.

إنه العدد الذي، مع مضاعفه ١٠، قد طُبع عليه شكل الإنسان. فهناك (٥) أصابع في كل يد، وبالإجمال هي (١٠)، وهذه تدل على مسؤولية الإنسان في (العمل)؛ وخمسة أصابع في كل قدم، وبمجملها (١٠)، تدل على مسؤوليتنا في السلوك؛ ولدينا الحواس الخمس : الرؤية، والسمع، والشم، والذوق، واللمس – وهي تمثل كل مجال انفتاح البشر في مسؤوليتهم تجاه الله.

وإلى هذه يمكن أن نضيف الوصايا العشر، التي كُتِبَت على لوحي الحجارة، خمسةٌ على كل لوح، وهذه تلخّص مسؤولية الإنسان، إذا ما أراد الإنسان أن يكون مباركاً مغبوطاً.

(١٠) أذرع كان ارتفاع ألواح خيمة الاجتماع، بما يرمز إلى الإنسان في مسؤوليته أمام الله. وسنرى لاحقاً كيف كان موقف الإنسان تجاه ذلك. وكان عدد ألواح الجانب الجنوبي من خيمة الاجتماع (٢٠)؛ وفي الجانب الشمالي (٢٠) لوحاً؛ و(٤٠) حلقة من الفضة زُوِّدَ بها الجانب الجنوبي؛ و(٤٠) حلقة للجانب الشمالي؛ (١٠٠) حلقة من الفضة إجمالياً في كل الألواح، والأعمدة، وستارة الحجاب. (انظر الخروج ٣٨ : ٢٧). وكانت هناك (٥) قضبان تربط الألواح الـ (٢٠) مشكّلة بناءً واحداً متماسكاً.

و(٥) أعمدة و(٥) حلقات من النحاس عند مدخل المقدس. و(١٠) ستائر من البوص المجدول كانت تغطي خيمة الاجتماع. و(١٠٠) ذراع من الكتان مع (٢٠) عموداً كانت مستقرة في (٢٠) حلقة من النحاس، من أجل الجانب الجنوبي من فناء الخيمة؛ وعدد مماثل كان للجهة الشمالية؛ وكان هناك ستارة بعرض (٥٠) ذراعاً تدعمها (١٠) أعمدة تستقر في (١٠) حلقات من النحاس.

وكان على كل جانب من باب الفناء قد عُلِّقَت عليه ستارة بـ (٥٠) ذراعاً، وتشكل بالإجمال (٣٠) ذراعاً.

وكانت الحاجة إلى (٢٠) ذراعاً من الستائر باللون الأزرق والقرمزي والأرجواني والبوص المجدول، مشغولة بالإبرة مع (٤) أعمدة و(٤) حلقات. وهذا المدخل كان يرمز إلى المسيح لكونه الطريق الوحيد إلى الله، وأما الأعمدة الأربعة مع الحلقات فكانت ترمز إلى الجانب الكوني من صورة المسيح كمخلص وحيد لكل البشر.

وكانت هناك (٢٠) جيرة، نعرف بشكل محدد أنها كانت تعادل نصف شاقل من الفضة، كانت مطلوبة من كل الذكور البالغين من العمر عشرين وما فوق كـ"فضة كفارة". وهذه نتج عنها (١٠٠) طالن، و(١٧٠٣) وحدة و(١٥) شاقلاً من الفضة، يقدر وزنها بأربعة أطنان من الفضة. واستُخدمت (١٠٠) طالن من أجل حلقات الفضة البالغة (١٠٠). واستُخدمت البقية في الخطافات والعصابات في الأعمدة الـ (٦٠) في الفناء، حيث كان هناك (٢٠) على الجانب الجنوبي، و(٢٠) على الجانب الشمالي، و(١٠) من جهة الغرب، و(١٠) من جهة الشرق.

يكفي أن نقدم هذه البيانات هنا، وسوف يتم شرحها بمزيد من التفصيل فيما بعد. يكفي القول أن العدد (٥) ومضاعفاته قد استُخدم بطريقة مذهلة في عملية تشييد خيمة الاجتماع.

مغزى العدد (٧)

(٧) هو العدد الذي يُستخدم للإشارة إلى الكمال الإلهي. إن العدد (٦) يشير إلى قمة ما يمكن للإنسان أن يحرزه أو يصل إليه ويحققه، والذي يبقى ناقصاً يعوزه الكمال. اليوم السابع كان فيه اكتمال وإتمام عمل الله في الخلق. ونقرأ عن "الأرواح السبعة أمام عرشه" (الرؤيا ١ : ٤)، وهذه تشير إلى كمال أعمال الله، الروح القدس. و(٧) كان عدد التفرعات في المنارة الذهبية. و(٧) كان عدد الأغراض التي كانت في أثاث خيمة الاجتماع، وهي :—

  1. تابوت العهد
  2. كرسي الرحمة
  3. مائدة خبز الوجوه
  4. المنارة الذهبية
  5. المذبح النحاسي
  6. المغسلة النحاسية
  7. مذبح البخور الذهبي

إن الأغراض الخمسة الأول ترمز إلى الله وقد خرج إلى الإنسان، جاعلاً إياهم يعرفونه كإله غفور على أساس الذبيحة الكفارية لربنا على الصليب. وآخر غرضين يرمزان إلى المتعبّد الداخل نحو الله، فيمثلان عمل المسيح كرئيس كهنة لنا، مقابل الأغراض الخمسة الأولى التي ترمز إليه ككاهن اعتراف لنا. وبهذا الترتيب وردت في الكتاب المقدس.

مغزى العدد (١٢)

(١٢) هو العدد الذي يشير إلى الإدارة.

(١٢) هو عدد أشهر السنة، وهذا إشارة إلى إدارة الله في الطبيعة.

العدد (١٢) هو عدد أسباط إسرائيل، وهذا يمثل إدارة الله فيما يخص شعبه الأرضي.

(١٢) كان عدد الأرغفة على مائدة خبز الوجوه، ويرمز إلى إدارة الله في دعمه وحفظه لشعبه.

(١٢) كان عدد الأسماء المحفورة على كتفية رئيس الكهنة، ترمز إلى إدارة الرب ودعمه لشعبه وحفظه له.

و(١٢) كان عدد الأحجار الكريمة في غفارة رئيس الكهنة، يرمز إلى إدارة الرب في المحبة التي تبدت في تمثيله لشعبه في حضور الله. إنه يظهر "أمام وجه الله لأجلنا" (عبرانيين ٩ : ٢٤).

(١٢) كان عدد تلاميذ ربنا، وهذا يمثل رئاسته في المسيحية.

لقد أوصاهم أن يذهبوا إلى كل أرجاء العالم وأن يكرزوا بالإنجيل للجميع. وفي الكنيسة نحن "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أفسس ٢ : ٢٠).

(١٢) هو عدد يميّز بشكل خاص بناء المدينة المقدسة، التي ترمز إلى الكنيسة التي تظهر في الألفية (رؤيا ٢١). ففيها :—

  1. اثنا عشر باباً.
  2. اثنا عشر أساساً.
  3. اثنا عشر اسماً على الأساسات.
  4. اثنا عشر نوعاً من الحجارة الكريمة في الأساس.
  5. اثنا عشر بوابة.
  6. اثنا عشر لؤلؤة في البوابات.
  7. اثنا عشر ألف غلوة، مقدار عرض وطول وارتفاع المدينة.
  8. مئة ذراع وأربع وأربعين ذراعاً (١٢ × ١٢) كان قياس السور.
  9. اثنا عشر نوعاً من الثمار كانت تطرحها شجرة الحياة في الفردوس خلال أشهر السنة الاثني عشر.

مغزى العدد (٤٠)

العدد (٤٠) ناتج عن مضاعفة العدد ٤ عشر مرات.

العدد (١٠) هو المقياس الكامل لمسؤولية الإنسان نحو الله ونحو الإنسان، والعدد (٤) يمثل ما هو عالمي كوني. إنه يرمز إلى المقياس الكامل للتمحص والاختبار.

(٤٠) يوماً كانت الفترة التي استمر فيها الطوفان على الأرض، وكان هذا يعني كارثة عالمية.

(٤٠) يوماً كان الوقت الذي انتظر فيه نوح بعد الفيضان لتتناقص المياه قبل فتح نافذة الفلك، وأرسل الغراب، وكان هذا زمن الانتظار قبل بداية العالم في نظامه الجديد.

(٤٠) عاماً كان عمر موسى عندما هرب من مصر : وبعد (٤٠) سنة من ذلك فوّضه الله بأن يصبح محرراً لشعبه؛ وبعدها بأربعين سنة توفي.

(٤٠) سنة كانت مدة رحلة البرية التي قطعها بنو إسرائيل، وهذه كانت فترة امتحان وتجربة لهم.

(٤٠) سنة كانت مدة حكم شاول وداود وسليمان، وخلال هذه الفترة اختبر الله كيفية اضطلاعهم بمسؤولياتهم نحو الله والإنسان في مركز الملك الحاكم لشعب الله الأرضي.

(٤٠) يوماً كانت الفترة التي مُنِحَت لأهل نينوى كي يتوبوا، ويتفادوا دمار مدينتهم العظيمة. إن الله يعطي زماناً وفيراً لكل إنسان في العالم كي يتوب.

(٤٠) يوماً كانت مدة تجربة الرب يسوع في البرية.

وبالتأكيد فقد كان شخصاً كونياً، وعلى انتصاره على الشيطان حصلت البركة إلى كل العالم.

(٤٠) يوماً كانت المدة الفاصلة بين قيامة الرب المجيدة، وصعوده إلى السماء، وهذه كانت فترة كافية لتثبت بشكل كامل أمام شهود كثيرين أنه حقاً قام من بين الأموات منتصراً بعمله الكفاري الذي أنجزه على الصليب.

يمكننا أن نستفيض في الحديث عن هذا الموضوع الشيق، ولكن ليس هناك متسع من الوقت لذلك هنا.

ملاحظة

هناك أسباب كثيرة تجعل الله يلجأ إلى استخدام الأرقام والأعداد كأسلوب للوحي، فيعطي لكل عدد معنى باستخدامه له. ويشهد علماء الفلك وعلماء الطبيعة على الطريقة التي طبع فيها الله الأعداد على خليقته المادية. فمثلاً : الذرة الهندية تكون متوضعة على صفوف تكون دائمة زوجية ولا يمكن أن تكون ذات عدد مفرد. وقد حاول مزارع على سبع وعشرين سنة أن يحصل على "قولحة ذرة" ذات عدد فردي من الصفوف ولكن بدون جدوى. مثال آخر على الأعداد المطبوعة على الخليقة يمكن أن يفي بالغرض، ألا وهو فترة الحمل عند المخلوقات، فهي :—

  1. عند الفئران ٢١ يوماً (٣ × ٧).
  2. عند الأرانب البرية والجرذان ٢٨ يوماً (٤ × ٧).
  3. عند القطط ٥٦ يوماً (٨ × ٧).
  4. عند الكلاب ٦٣ يوماً (٩ × ٧).
  5. عند الأسود ٩٨ يوماً (١٤ × ٧).
  6. عند الأغنام ١٤٧ يوماً (٢١ × ٧).
  7. عند البشر ٢٨٠ يوماً (٤٠ × ٧).

لاحظ أن كل هذه الفترات هي أعداد من مضاعفات (٧). هل نستطيع القول أن هذا بمحض الصدفة، أم أنه من تصميم الله؟ الرأي الأخير هو الأكيد. إن الله هو إله الطبيعة، وإله الوحي، وقد رأى أنه حسنٌ أن يطبع الأرقام على كليهما.

في (دانيال ٨ : ١٣) : نقرأ : "فَسَمِعْتُ قُدُّوساً وَاحِداً يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ قُدُّوسٌ وَاحِدٌ لِفُلاَنٍ الْمُتَكَلِّمِ : [إِلَى مَتَى الرُّؤْيَا مِنْ جِهَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَمَعْصِيَةِ الْخَرَابِ لِبَذْلِ الْقُدْسِ وَالْجُنْدِ مَدُوسَيْنِ؟]" وإننا نقتبس هذه الآية بشكل خاص من أجل العبارة "للقديس فلان المتكلم". هذا يدل على شخص ما معين، وفي بعض شروحات الكتاب المقدس يُوصف هذا الشخص بأن مهمته هي في الترقيم والأعداد. يبدو، في الطبيعة وفي إعلانات الله، وكأن هناك ملاكاً ما قد عيّنه الله ليدلنا على الأرقام وعلى دلالات الأرقام. ٢


١. ((يهوه)) : اسمٌ عبري عرّف به الله على نفسه في فترة معينة في العهد القديم وتعني "الكائن"، وذلك في رده على سؤال موسى له عمّن يكون. (خروج ٣ : ١٢- ١٥) : "فَقَالَ مُوسَى لِلَّهِ : «هَا أنا آتي إلى بَنِي اسْرَائِيلَ وأقول لَهُمْ : الَهُ آبَائِكُمْ أرْسَلَنِي إلَيْكُمْ. فَإذَا قَالُوا لِي : مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أقُولُ لَهُمْ؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى : «اهْيَهِ الَّذِي اهْيَهْ». وَقَالَ : «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي اسْرَائِيلَ : اهْيَهْ أرْسَلَنِي إلَيْكُمْ». وَقَالَ اللهُ أيْضا لِمُوسَى : «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي اسْرَائِيلَ : يَهْوَهْ إلَهُ آبَائِكُمْ إلَهُ ابْرَاهِيمَ وَإلَهُ اسْحَاقَ وَإلَهُ يَعْقُوبَ أرْسَلَنِي إلَيْكُمْ. هَذَا اسْمِي إلى الأبد وَهَذَا ذِكْرِي إلى دَوْرٍ فَدَوْرٍ". [المترجم]

٢. هذا المقطع ترجمه المترجم بتصرف.

الفصل ٣

أمور جديرة بالملاحظة
تتعلق بخيمة الاجتماع والخدمة فيها

جدلٌ كثير أثير حول معنى الكلمة "كفارة". فهذه الكلمة نجدها فقط في العهد القديم، رغم أن الفكرة المرتبطة بهذه الكلمة ترد بشكل كبير في العهد الجديد. في الواقع، والحق يُقال، إن الكلمة ترد فقط في العهد القديم، ولكن ليس بنفس المعنى تماماً. فما كان يمكن أن تكون مرتبطة بالأضاحي اليهودية التي ما كانت أبداً لتزيل الخطيئة. الكفارة يمعناها هذا نجدها فقط في العهد الجديد، لأنها موجودة فقط في الذبيحة الكفارية لابن الله على صليب الجلجثة.

في الواقع إن الكلمة العبرية التي تُرجِمَت "كفارة" في الكتاب المقدس تثير الكثير من الجدل حالياً. فالكلمة الأصلية هي ( kaphar ) وتعني "يغطي". فبموت المسيح، وبدمه الكفاري فقط، تُغطى الخطيئة، ويتم تحويل البصر عن تبعاتها. ولذلك نقرأ في الكتاب المقدس: "طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ" [في العبرية Kasah = كَسَا] (المزمور ٣٢: ١). "غَفَرْتَ إِثْمَ شَعْبِكَ. سَتَرْتَ كُلَّ خَطِيَّتِهِمْ" (المزمور ٨٥: ٢). وإن كلتا الكلمتين kaphar و kasha تعنيان "غطّى". "لانَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ (وفي العبرية kaphar ) عَنِ النَّفْسِ" (لاويين ١٧: ١١). وكم هو جميل رد العهد الجديد على كل ذلك: "دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (١ يوحنا : ٧).
إن جدينا الأولين كُسِيا بأقمصة من جلدٍ، وهذه أتت من موت ضحايا أبرياء، أي بسفك دم، وهو رمز الفداء. كان فلك نوح قد غُطِّي بالقار من الداخل ومن الخارج، وهكذا عبر بسلام خلال مياه فيضان الدينونة. وغطّت الخيام بني إسرائيل عندما كان بلعام يسعى وراءهم، وهكذا اجتازوا اللعنة إلى البركة، رمز إلى نتيجة ذبيحة المسيح الكفارية، عندما ينظر الله إلى المؤمن كمبارَك منه، وهذه البركة ستلازمه إلى الأبد. إن الله بمقدوره أن يكون صالحاً باراً، وهو كذلك بالفعل، في مباركته للخاطئ الذي يؤمن. فلا يضفعنّ شيء من فهمنا للكفارة العظيمة التي بربنا يسوع المسيح.
إن الكلمة المستخدمة في الكتاب المقدس بـ "شائبة النحاس" يجب استبدالها بـ "نحاس"، كما سبق وذكرنا. فالنحاس معدن نقي ومقاوم للحرارة أكثر من كل المعادن.
إن الجدول التالي يبين درجة الحرارة التي تتحملها المعادن دون أن تنصهر:—

النحاس (الشائب) ١٦٥٠ درجة فهرنهايت
الفضة ١٧٦١ درجة فهرنهايت
الذهب ١٩٤٦ درجة فهرنهايت
النحاس (النقي) ١٩٨٢ درجة فهرنهايت

وإن كلمة "المنارة" المستخدمة في (خروج ٢٥: ٣١) يجب ترجمتها بشكل أصح بـ "قنديل". فمن خلال فحوى النص نفهم أن الزيت كان هو الذي يشعلها. ولكن، لما قلنا، سوف نلتزم بالكلمة المستخدمة في الكتاب المقدس لتجنب التشويش.

لابد من ملاحظة، ليس فقط أن هناك الكثير من الرموز المتعلقة بخيمة الاجتماع، بل أن هناك أموراً متغايرة. ولهذا علينا أن نرى أن المرموز إليه ما هو إلا ابن الله. وهل من رمز كافٍ للدلالة إليه في كامل مجده، أو في النتائج الرائعة التي تأتت عن موته؟

لنكتفِ بمثال هنا يفي بالغرض. في خيمة الاجتماع أو المسكن لم يكن يُسمَح إلا للكاهن بدخول المقدس، ولم يكن يُسمح إلا لرئيس الكهنة بدخول قدس الأقداس، وذلك لمرة واحدة في السنة.

في المسيحية كل خاطئ يؤمن هو كاهن، وله الحرية بالدخول إلى قدس الأقداس بدم يسوع في أي وقت يشاء، طالما أنه يستشعر حضور الله عن وعي. وليس ذلك متاحاً لشخص واحد ولمرة واحدة في السنة، بل لجميع المؤمنين وفي أي وقت. كم هو رائع هذا الجانب المغاير لحالة الشعب في البرية!

"ها إن الحجاب انشق، ودنت أرواحنا
إلى عرش النعمة؛
ومؤهلات الرب تظهر،
وتملأ المقدس."

كان هناك مقياس تصاعدي فيما يتعلق بخيمة الاجتماع. إن المعادن المستخدمة كانت كالتالي:—

١ في الفناء النحاس والفضة
٢ في المقدس الفضة والذهب
٣ في قدس الأقداس الذهب النقي وحده

في الفناء كان الشخص العادي يستطيع الدخول.

وفي المقدس كان الكهنة فقط يدخلون.

أما قدس الأقداس فرئيس الكهنة فقط.

ما الذي لم يكن موجوداً في خيمة الاجتماع

إننا نتعلم الكثير من الصمت كما من الحديث في الكتاب المقدس، فنتعلم مما تم إغفاله أوحذفه كما نتعلم مما جاء ذكره.

فإذ ندخل الخيمة نلاحظ أنه ليس لها قفل أو مزلاج عند المدخل. وبهذا يريد الله أن يقول لنا رمزياً أنه على استعداد دائم لاستقبال الخاطئ الذي يدنو إليه في أي وقت. ولم يكن هناك كروبان، رمز الدينونة، مطرزاً على باب الفناء، ولا على باب الخيمة، بينما نجد الكروبين المشغول على الحجاب فاصلاً المقدس عن قدس الأقداس.

يرمز الله بذلك إلى نعمته الكاملة في لقائه بالخاطئ المسكين المحتاج إليه.

لم يكن ثمة درجات تؤدي إلى المذبح: "وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كَيْ لاَ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُكَ عَلَيْهِ" (خروج ٢٠: ٢٦). بهذا يعلمنا الله أنه ليس من استعدادات من طرفنا تساعدنا على المجيء إلى حضرته. طي صفحة جديدة، والتخلي عن عادات الخطيئة، والتدين، وبذل ما في وسعنا، هذه كلها ليست الطريق للتقرب من الله. إن موت المسيح الكفاري وحده كافٍ ووافٍ لهذا الغرض: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس ٢: ٨، ٩). فما من خطوات عليك أن تخطوها لتصل إلى المذبح.

ولم يكن هناك ذكر لأبعاد المذبح النحاسي: كان المذبح مملوءاً بالماء، رمز صفة التطهير في كلمة الله، التي تعطي القداسة التي تأتي من يتصلون بالله، وهذا ليس له حدود. "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (متى ٥: ٤٨).
ولم يكن هناك مطفئة في المنارة الذهبية: فالله سيعطي شعبه وإلى الأبد النور الذي يحتاجون إليه. والمسيح هو نورنا. ونحن أبناء النور. ولا تراجع عن ذلك في أي وقت من الأوقات.

لم يكن نافذة في خيمة الاجتماع: فما كانت هناك حاجة لنور الطبيعة حيث يشع الله بنفسه بالنور. يا له من درس يتعلمه المؤمن! إن ملء الألوهية تكمن في إنسان مبارك مُقام وممجّد، ألا وهو ربنا يسوع المسيح. نحن كاملون فيه، ولا نحتاج معه إلى ضوء الطبيعة. لدينا كل المعرفة الروحية التي نقلت إلينا بالكتابات المقدسة، ولدينا معلم معصوم عن الخطأ، ألا وهو روح قدوس الله.

لم يكن هناك مقاعد ليجلس عليها الكهنة: ذلك لأن عملهم كان عقيماً بلا جدوى، إذ هو مجرد صور ورموز، رائعة، كما نقرأ: "َكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. وَأَمَّا هَذَا [الرب يسوع المسيح] فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ" (عبرانيين ١٠: ١١، ١٢). ولذلك نجد المغايرة التي تحدثنا عنها، في هذه الحالة بين عمل الكهنة الناقص، وعمل المسيح الكامل.

وحدات القياس التالية قد تكون مفيدة ليعرفها القارئ:—

١ الذراع = ا١ قدماً، ٩.٨٨٨ بوصة
١ الشاقل (من الفضة) = ٣.٣٧ دولاراً، ٢ سنت
١ الوزنة (الطالن من الفضة) = ٣٤٢ جنيهاً، ٣ سنت، ٩ دولار
١ الوزنة من الذهب = ٥.٤٧٥ جنيهاً

علينا أن نتذكر أن القوة الشرائية للنقود قد تقلبت وتغيرت كثيراً على مدى الأزمان المختلفة؛ وفي القديم كانت أكثر قيمة مما هي عليه حالياً.

كان هناك تابوتان

يروي سفر التثنية (١٠: ١ - ٥) كيف أن الرب قد أمر موسى بأن يصنع تابوتاً من خشب السنط، وأن يأتي به مع لوحين من الحجارة إلى الجبل المقدس، عندما صعد للمرة الثانية إلى حضرة الله، وذلك بعد حادثة عبادة العجل الذهبي المريعة. ولذلك صنع موسى تابوتاً من خشب السنط، ووضع لوحي الحجارة فيه، مظهراً بذلك أن الناموس النقي والبسيط لم يُعط أبداً إلى شعب إسرائيل، بل أن الله كان لديه المسيح، والطريقة التي سيبارك بها بنعمته المطلقة في موت المسيح الكفاري هي أمامه منذ الأزل، حتى بالنسبة لذلك الخاطئ الذي تعدى الناموس.

عندما دعا الله موسى في المرة الأولى للصعود إلى الجبل المقدس مع كل العلامات والأصوات المصاحبة لذلك، واهتزاز الجبل بأكمله، والرعود والبروق، والسحابة الكثيفة التي كانت تغطي الجبل، وصوت البوق الذي يصدر بصوتٍ عالٍ متعاظم، فإن الكتاب المقدس يخبرنا أن موسى قال: "أنا مرتعب ومرتعد" (عبرانيين ١٢: ٢١). وماذا كانت أولى الوصايا؟ نقرأ: "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ" (خروج ٢٠: ٣- ٥).

وإذ نزل موسى من الجبل بلوحي الحجارة العاريين في يديه، سمع صوت الغناء. وعندما صارت المحلة داخل مجال نظره، رأى العجل الذهبي، والشعب عراةً وقد خططوا أجسادهم، بحسب عادات الوثنية للأرض الوثنية في جوارهم، وراحوا يرقصون أمامه.
وهكذا خالفوا أولى الوصايا بشكل فظيع. فاستشاط موسى غضباً، وطرح اللوحين من يديه وكسّرهما في أسٍفل الجبل. ويا لها من محنة مر بها موسى! لقد أدرك جيداً أنه بإحضاره ألواح الناموس المكشوفة إلى المخيم سيعني دمار كل المحلة، لأن الجميع كانوا مشتركين في هذه العبارة الوثنية المريعة من هارون وصولاً إلى الجميع.

فماذا كان عليه أن يفعل؟ كان عليه أن يفكر بشكل سريع وحاسم. لوحا الحجارة قد زوّده الله نفسه بهما، والوصايا العشر كانت قد كُتِبت بإصبعه نفسه. كان أمراً رهيباً أن يسحقهما على سفح الجبل. لقد أظهر ذلك الحدس الروحي والشجاعة الأخلاقية العظيمة التي كان يتمتع بها خادم الله الرائع ذاك.

ومن هنا نرى تدبير الله في دعوته موسى لإحضار التابوت من خشب السنط معه لكي يضع فيه الناموس المكشوف إلى المحلّة. اللوحان، لوحا الشهادة (العهد)، كانا قد وُضِعا داخل التابوت، كتصور مسبق عن ذاك الذي سيأتي ويحفظ الناموس على نحو كامل، ويضعه في قلبه، وسيكون لدى الله شخص يدعوه الله ليبارك أولئك الذين تابوا بعد أن خالفوا الناموس.

والآن ما أُعطي لموسى هو الوصايا العشر، وفي نفس الوقت كل التعليمات المتعلقة بخيمة الاجتماع والذبائح القربانية. هذا يعني أن الناموس الصرف والبسيط لم يُعطَ للإنسان، بل به أعطى الله للإنسان، بالصور والرموز والنبوءات، الطريقة التي يمكن فيها للخاطئ أن يقترب من الله بذبيحة ربنا الكفارية.

إن التابوت المصنوع من خشب السنط الذي صنعه موسى كان شيئاً مؤقتاً زائلاً، إذ نقرأ في (خروج ٣٧) كيف أن بصلئيل الحكيم القلب قد صنع تابوتاً من خشب السنط، وكساه بـ"الذهب النقي" وفي هذا التابوت كان لوحا العهد قد وُضِعا بشكل نهائي. إن الفجوة الزمنية بين استلام موسى للناموس، وتشييد المسكن كان قد تم ردمها هكذا على نحو رحيم.

وضع الخيمة باتجاه الشرق

كانت خيمة الاجتماع تُنصب دائماً باتجاه الشرق، بحيث يقابل عرش الرحمة ذلك الاتجاه. وكانت بوابة الفناء (خروج ٢٧: ١٣، ١٤) نحو الشرق. ودم تقدمة الخطيئة كان يُرش على عرش الرحمة بجهة الشرق (لاويين ١٦: ١٤). وماذا كان سبب ذلك؟ بما أن الشمس تشرق من الشرق فإن خيمة الاجتماع نُصِبت في ذلك الاتجاه، وهذا رمز للوقت الذي "تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ [ربنا يسوع المسيح] فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملاخي ٤: ٢)، فتأتي بالسلام والأمان، و"ترتيب الله الجديد" إلى هذا العالم المضطرب. ونقرأ في الكتاب المقدس: "ارْتَحَل بَنُو إِسْرَائِيل.... إِلى شُرُوقِ الشَّمْسِ" (عدد ٢١: ١٠، ١١)، و"أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ" (أمثال ٤: ١٨).

إن الطقسي، الذي يقف متجهاً إلى الشرق، إنما يعبّر بهذا الالتزام التقليدي غير الكتابي بـ "الصورة الرمزية" عن معرفته الضئيلة أو المعدومة بالجوهر المجيد، الذي كانت هذه الرموز تشير إليه، ألا وهو ربنا ومخلصنا. إن الطقسية، والموت الأخلاقي، والظلمة الروحية، والاعتقاد بالخرافات، والتعصب الأعمى، واضطهاد كل ما هو صحيح وحقيقي، غالباً ما تترافق معاً. يُخشى أن يصبح الاتجاه نحو الشرق، كما يمارسه الطقسيون، إحدى الوسائل التي يستخدمها الكهنة المتغطرسون لاستعباد العلمانيين.

الإرشاد الإلهي

"الرَّبِّ إِلهِكُمُ..... السَّائِرِ أَمَامَكُمْ فِي الطَّرِيقِ لِيَلتَمِسَ لكُمْ مَكَاناً لِنُزُولِكُمْ فِي نَارٍ ليْلاً لِيُرِيَكُمُ الطَّرِيقَ التِي تَسِيرُونَ فِيهَا وَفِي سَحَابٍ نَهَاراً" (تثنية ١: ٣٣). عندما أنهى موسى تشييد خيمة الاجتماع، غطت سحابةٌ الخيمة، وملأ مجد الرب المسكن. لقد كان هذا تدبير الله لإرشاد الشعب خلال ترحالهم. فعندما كانت السحابة تقف كان الشعب يستريح؛ وعندما كانت تتحرك، كانوا بدورهم يتحركون ويتبعون الاتجاه الذي أخذته. "بَسَطَ سَحَاباً سَجْفاً وَنَاراً لِتُضِيءَ اللَّيْلَ" (المزمور ١٠٥: ٣٩).

بهذا شاء الله أن يعلّمنا درساً بأن نتكل عليه، وأن نسعى دوماً لتلقي الإرشاد منه. إننا لسنا مؤهلين لنشق طريقنا اعتماداً على أنفسنا. يا لعناية الله الشديدة الكاملة الكائنة في طرقه. إنه لواجب علينا أن نضع عليه ثقتنا ليصنع لنا أكثر مما نستطيع أن نصنع لأنفسنا.

الفصل ٤

تابوت العهد، عرش الرحمة، والكروبين

من المفيد أن نقدم بعض ملاحظات عامة هنا. إن هندسة البناء الإلهي لخيمة الاجتماع لم تتبع نفس الطريقة التقليدية المألوفة. فلو طُلِبَ إلى مهندس معماري أن يشيد قصراً ملكياً لسكنى الملك، سوف يبدأ بشكل طبيعي بالأساس، وبعدها بالجدران، وأخيراً يضع السقف. ثم، وبعد أن ينتهي البناء، يتم وضع الأثاث، وهذا سيكون أفخم مكان يليق بالعرش الملكي.

ولكن الأمر معاكس جداً في حالة خيمة الاجتماع. فالتابوت وكرسي الرحمة كانا عرش الله، وهذا أول شيء يرد ذكره. إن التابوت وكرسي الرحمة يرمزان إلى المسيح في لاهوته، وناسوته، وذبيحته الكفارية على صليب الجلجثة. وماذا يمكن أن نقول أيضاً عن ربنا المبارك؟ إنه بآن معاً الأساس، وحجر الزاوية، والألف والياء، والبداية والنهاية، والأول والأخير. كل الحق يتمحور حول شخصه وعمله، فهو الوسيط العظيم بين الله والبشر.

كم كان جون نيوتن مصيباً عندما كتب:
"ما فكرتك عن المسيح؟ إنه الامتحان
الذي به تختبر حالتك ومشاريعك،
إذ لا يمكنك أن تكون مصيباً،
إلا إن فكرت فيه بحق".

إن تمعنا في المواد المستخدمة في خيمة الاجتماع نجد أن التابوت، وكرسي الرحمة والكروبين في قدس الأقداس هي أول ما يُذكر، ثم تأتي مائدة خبز الوجوه، والمنارة الذهبية في المقدس. رغم أن مذبح البخور الذهبي الجميل كان أيضاً في المقدس، إلا أنه لا يُقال أي شيء عنه حتى نصل إلى الإصحاح ٣٠ من سفر الخروج. وإذا تابعنا من الخارج نجد ذكراً للمذبح النحاسي ودار المسكن للخيمة، ولكن لا يُقال أي شيء عن المذبح النحاسي حتى الوصول إلى (خروج ٣٠)، رغم أنه يقع في دار المسكن. لماذا تم التغاضي عن ذكر المذبح الذهبي والمغسلة (المرحضة)؟ لقد سمعنا عن مشككين يشيرون بانتصار إلى هذا الحذف الظاهر، ويسألون: كيف يمكنكم أن تدّعوا أن الكتاب المقدس موحى به عندما تكون فيه هكذا أخطاء فاضحة وواضحة؟

بالمقابل، إن هذا الترتيب هو ما يطبع الكتاب المقدس بصفة الوحي. لكي نوضح قصدنا من ذلك سنلفت انتباهكم إلى القول الوارد في الكتاب المقدس: "مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ" (عبرانيين ٣: ١). إن ربنا هو رسولٌ ورئيس كهنة بآن معاً. فما الفرق بين مركزي الرسول ورئيس الكهنة؟

الرسول يأتي بالله إلى الإنسان لأجل بركته الأبدية.

أما رئيس الكهنة فيأتي بالبشر إلى الله لأجل العبادة.

إن التابوت، وعرش الرحمة، ومائدة خبز الوجوه، والمنارة والمذبح النحاسي كلها ترمز إلى المسيح الرسول المُرسَل من الآب، الوسيط العظيم بين الله والإنسان، وبخاصة بموته الكفاري، وهو الوسيلة الوحيدة التي بها تأتي البركة للإنسان الخاطئ.

إن المذبح الذهبي والمرحضة النحاسية من جهة أخرى ترمز إلى المسيح كرئيس كهنة اعترافنا، والذي يؤيد شعبه في حضور الله. إن المغسلة النحاسية، المملوءة بالماء، كانت تقع حيث يدخل الكهنة لخدمة المقدس فيغسلون أقدامهم وأيديهم ليضمنوا الطهارة إذ هم داخلون إلى حضرة الله. المذبح الذهبي كان يرمز إلى خدمة الكاهن السعيدة كعابدٍ يقدم البخور رمزاً لحضور المسيح بكل العطر الحلو الذي يصدر من تضحيته أمام الله.

إن الإصحاح ٢٥ وإلى نهاية الإصحاح ٢٧ من سفر الخروج يقدم لنا التعليمات المتعلقة بالمواد المستخدمة في خيمة الاجتماع والتي ترمز إلى المسيح كرسول اعترافنا، والله الخارج إلى الإنسان بالمسيح، ممتلئاً نعمة ورحمة.

وإن (خروج ٢٨) يخبرنا عن غفارات المجد والبهاء لرئيس الكهنة، وثياب الكهنة.

ويشرح لنا (خروج ٢٩) سيامة وتكريس رئيس الكهنة والكهنة. والآن بما أن لدينا رئيس كهنة وكهنة تتم رسامتهم فإن هذا يكون رمزاً للمسيح كرئيس كهنة اعترافنا. ويخبرنا (خروج ٣٠) عن مذبح البخور الذهبي، والمرحضة النحاسية، وكلاهما يشيران إلى الإنسان الداخل كعابد إلى حضرة الله المقدسة.

ومن هنا نرى مدى الوحي والإلهام الوارد في سرد الكتاب المقدس. فيا لحماقة أولئك الذين يفرضون ضآلة فكر الكائن البشري الذي ينحصر فيما يجب أن يكون أو فيما يجب ألا يكون، بدلاً من السعي المتواضع وراء أفكار ذهن الله. "لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (أشعياء ٥٥: ٩)، كما يقول الرب.

مثال آخر عن الترتيب الإلهي نجده في (خروج ٢٦). إن المهندس المعماري البشري سيسخر من هكذا بنّاء يسعى ليدبّر السقف قبل تشييد الجدران. نعم، هذا هو الترتيب الذي نجده في هذا الإصحاح. فالستائر الأربعة، أو الأغطية، في خيمة الاجتماع يتم وصفها بالتفصيل قبل الحديث عن ألواح المسكن. في الحروب الكبيرة الأخيرة صارت كلمة "يغطي" رائجة. فلمساعدة المشاة والمدرعات على تنفيذ عملياتهم العسكرية الأرضية، تبيّن أنه من الضروري تأمين "غطاء جوي" لهم. وهنا الستائر تشكل أغطية خيمة الاجتماع، وهذا رمز للمسيح في أمجاده الوظيفية المتعددة، في حين أن الألواح تشير إلى المؤمنين الذين يُبنون معاً ليكونوا سكنى الله بالروح. كم سنصيب إذا ما رأينا المسيح غطاءً قبل تشييد الجدران، التي ترمز إلى المؤمنين، لأنه بفضل ما هو عليه، وبفضل ما فعله، يصل المؤمنون إلى مكانتهم أمامه.

تابوت العهد

كان التابوت مصنوعاً من خشب السنط، بطول ذراعين ونصف، وعرض ذراع ونصف، وارتفاع ذراع ونصف. وكان مغشى بالذهب النقي من الداخل والخارج، مع تاج أو تعريقات من الذهب أحاطت به. وفي هذا نجد رمزاً جميلاً للغاية للاهوت وناسوت ربنا يسوع المسيح. إن خشب السنط، أو خشب الأقاقيا في البرية يرمز إلى ناسوت أو بشرية ربنا المبارك، والذهب النقي يرمز إلى لاهوته. وهذا التاج، أو التعريقات المحيطة به، من الذهب، تعلمنا أن غيرة الله تحفظ هذه الحقائق العظيمة المتعلقة بلاهوت وناسوت ربنا.

"لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ" (متى ١١: ٢٧)، هي آية عظيمة، تظهر لمرة واحدة وبشكل مطلق محدودية معرفتنا من هذه الجهة. وإن كل الهرطقات الكبرى تقريباً والتي أدت إلى انشقاق كنيسة الله منذ عهد آريوس وما تلاه قد نشأت عن نظريات تحزّرية ناقصة مغلوطة فيما يخص حقيقة شخص المسيح. أما الطريق السليم الصحيح والمضمون الذي علينا أن نسلك فيه فهو الالتزام والتقيد بكلمات الكتاب المقدس نفسها، وأن نرفض التحزّر في الأسرار غير المعلنة أو المكشوفة. فالآب وحده يعرف الابن؛ ولذلك فإن الطريقة التي يتحد فيها لاهوته وناسوته معاً هي ما وراء أبعاد نظرنا.

"«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ»" (متى ١٦: ١٦). كان هذا اعتراف الرسول بطرس. ونسب ربنا يسوع معرفة بطرس لهذه الحقيقة إلى كشف الآب ذلك له، وأكد على أنه على أساس حقيقة شخص المسيح سوف تُبنى الكنيسة، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. رغم أن بطرس عرف الرب، كما جميع المؤمنين، إلا أنه لا يستطيع، لا هو ولا الآخرون، أن يسبروا أغوار أعماق شخصه المبهمة أبداً.
لقد أصاب الشاعر حين أنشد بحكمة:

"إنها ظلمة لفكري،
وشروق لقلبي"

كيف أمكن للإله، الابن، أن يصير إنساناً، ومع ذلك ورغم صيرورته إنساناً، ما انفك عن أن يبقى إلهاً، وشخصاً واحداً غير منقسم، هذا أمرٌ أبعد من فهم الكائن المخلوق بالتأكيد، ولكن الكتاب المقدس يقول لنا هذه الحقيقة. ولدينا أقوال صريحة في ذلك:

"كان الكلمة الله" (يوحنا ١: ١).

"والكلمة صار جسداً" (يوحنا ١: ١٤).

إنه لمن المذهل التأمل بأن ذاك الذي أعيته رحلته، والذي جلس على بئر سوخار، ذاك الشخص الذي غسلت قدميه دموع امرأة تائبة؛ ذاك الشخص الذي، فوق كل ذلك، قد مات عنا على صليب الجلجثة، لم يكن سوى "إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ" (أشعياء ٩: ٦). وقد "صُلِبَ مِنْ ضُعْفٍ" (٢ كورنثوس ١٣: ٤)، ومع ذلك وفي نفس تلك اللحظة عينها فهو "حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين ١: ٣). قد نعجز عن فهم ذلك، ولكن يمكننا أن نعبده، ذاك الذي هو "عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا)" (متى ١: ٢٣).

من الكتاب المقدس نفسه ندرك أن ألوهية يسوع قد حُفظت. فهو الابن الأبدي لله الواحد المثلث الأقانيم: الآب، الابن، والروح القدس المباركين إلى الأبد. لقد قال بأنه مساوٍ للآب. وتعبّد له تلاميذه بكل ثقة ويقين. وأعلنت قدرته الكلية ألوهيته (أو لاهوته).
عندما أيقظ التلاميذ المرتعدون معلمهم الذي كان نائماً في القسم الخلفي من السفينة التي راحت الأمواج تتقاذفها في العاصفة في البحيرة، وصرخوا قائلين: "يا معلم، يا معلم، إننا نغرق"، قام وانتهر الريح وتموّج الماء، وصار هدوء عظيم. وبذهول يفوق الوصف، هتف التلاميذ قائلين: "«مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ أَيْضاً وَالْمَاءَ فَتُطِيعُهُ!»" (لوقا ٨: ٢٥)، وكأنهم بذلك يقولون أن هذه قوةًٌ تفوق الإنسان، وكانوا مصيبين في ذلك.

إن قوته، حتى في إقامته للميت، كانت تعلن عن ألوهيته. ولكن قد يقول أحدهم: ألم يُقِم الرسول بطرس طابيثا إلى الحياة من جديد؟ والجواب هو أن خدام الرب لم يكونوا يقيمون الموتى بقوتهم الذاتية بل باسم الرب، في حين أن الرب قد أقام الموتى بقوة كلمته. فلم يلجأ إلى اسم أي كان كما فعل تلاميذه. فقد قال للشاب ابن نائين، وقد حُمِل في موكب جنازته: "«أَيُّهَا الشَّابُّ لَكَ أَقُولُ قُمْ»" (لوقا ٧: ١٤). فقد كان ربنا هو "اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (١ تيموثاوس ٣: ١٦). لقد صار إنساناً حقيقياً، تبارك اسمه، وكفّر عن الخطيئة على صليب الجلجثة. الإله والإنسان – المسيح الواحد، الشخص الممجد – يُقدّم لنا لكي نؤمن به ونتبعه.

الخواتم والعصي

كان هناك أربعة خواتم من الذهب، واحدٌ في كل زاوية من التابوت. خلال هذه، كانت قد وُضعت عصي من خشب السنط المغشاة، بالذهب، وهذه كانت لأجل نقل تابوت العهد من مكان إلى آخر. وما كانت العصي تُسحب إلى أن يصل التابوت إلى مقره الأخير في هيكل الأرض التي سيستقرون فيها. وبهذا أراد الله أن يعلمنا أننا لا نزال نعيش في البرية.

ما كان يُسمح إلا للكهنة بحمل تابوت العهد، وبذلك يظهرون أن المؤمنين الحقيقيين هم فقط ذوي الفكر الصحيح عن المسيح. مما يؤسف له أن الإنسان يصنع لنفسه عربة جديدة من اللاهوت البشري. وتسعى نظريات النقد النصي للكتاب المقدس أن تثبت ما هو جلي واضح بالنسبة لهم ظاهرياً، بدون صحة، وهذه آيلة للسقوط، ولن ينجم عنها إلا انهيارها بالذات.

عندما كان أحد هؤلاء المنظّرين المعاصرين المسيئين إلى فكرة التوحيد يطرح تصوره عن المسيح على أنه المثال الأعلى العظيم للجنس البشري، سُمع صوت صرخة من أطراف الحشد يرتفع قائلاً: "أقول لك، يا سيد، أن حبلك ليس طويلاً كفاية ليصل إلى خاطئة مثلي". وكم يصح القول بأنه "عندما يرتفع صوت نقاد نص الكتاب المقدس، وتسكت كل صرخات الاعتراض، فإن أسفار الكتاب المقدس البالغة ستة وستين سوف تنهض وتصرخ في اتفاقٍ قائلة: ((أيها السادة، لا تتعبوا أنفسهم فإننا جميعاً ها هنا))".

إن الأفكار الصحيحة عن المسيح أمر أساسي للمسيحية. لنكن واضحين صافين كالبلور بما يخص هذا الموضوع. فلا يمكننا أن نخطئ في هذا الاتجاه: "اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ" (يوحنا ٣: ١٨).

العهد (الشهادة)

إن العهد، ألا وهو لوحا الحجارة اللذان كتبت عليهما الوصايا العشر بإصبع الله، كان موضوعاً في التابوت، الذي كان موسى قد أُمِرَ بصنعه. وكان هذا رمز إلى أي درجة كان ربنا كاملاً في حفظه للناموس. "هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ" (عبرانيين ١٠: ٧).

يؤمن البعض بالفكرة غير الصحيحة بأن حفظ المسيح الكامل للناموس كفّر عن نقص تطبيقهم له. ويعتقدون أن هذا يدخل في صالحهم بفضل المسيح، وأنهم بذلك متبررون. صحيح أنه لو لم يحفظ الرب الناموس على نحو كامل، لما كان صار مخلصاً لنا، لأنه كانت هناك حاجة إلى ذبيحة لا عيب فيها وليس للموت مطالبة بأن يأخذ مكان الخاطئ ومكانته. ضرورة هذا الأمر، أي موت ربنا الكفاري، وليس حياته الخالية من العيب، تظهر لنا بشكل واضح من خلال الآيات التالية: "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عبرانيين ٩: ٢٢). "وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ" (يوحنا ٣: ١٤).

إن العبارة "تابوت العهد" قد حرّفه البعض ليصبح بمعنى حصري بأنه شهادة مجموعة من المؤمنين، الذين يقرّون بأن يبقوا مخلصين للحق وسط بيئة جحود عامة. ومن هنا نلاحظ استخدام العبارة الدالة على الجهل والتعجرف التي تقول "إن تابوت العهد هو معنا". إن تابوت العهد يرمز للمسيح، ولا يمكن لأي مجموعة من المؤمنين أن تلائمه بشكل تجعله ملكية حصرية لهم، تماماً كما أنه ما من بلد في العالم يستطيع الادعاء أن الشمس ملكية خاصة حصرية له، لأن الشمس تسير عبر السماء إلى كل الدنيا. إن أسوأ شكل من أشكال الهرطقة التي ظهرت في الكنيسة الأولى يمكن أن نجدها في قولٍ مثل: "أنا للمسيح" (١ كورنثوس ١: ١٢)، مدّعين أن المسيح هو لطرف معين، وأن اسمه وحضوره في وسطهم هو علامة مميزة تميزهم عن باقي المسيحيين.

كرسي الرحمة

كان كرسي الرحمة عبارة عن لوحة من الذهب النقي، وقد نُضِحَ بدم ذبيحة الخطية في يوم الكفارة العظيم، وهذا كان يوضع أعلى التابوت. ففي ذلك اليوم فقط، رئيس الكهنة وحده يستطيع الدخول إلى قدس الأقداس كي يرش الدم لمرة واحدة في العام على كرسي الرحمة نحو الشرق، وسبع مرات قبل ذلك. إن الذهب كان يرمز إلى البر الإلهي. ولولا تحقيق مطاليب البر الإلهي لما أمكن تدفق النعمة الله على الإنسان الأثيم. إن دم تقدمة التكفير عن الخطيئة كان رمزاً لدم المسيح الزكي. وإذ كان الذهب يفترض تحقيق مطلب البر، فإن الدم كان يحقق ذلك المطلب، وهكذا يصبح كرسي الرحمة.

هل نجد فكرة كرسي الرحمة في العهد الجديد؟ نعم، إذ نقرأ: "وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ" (عبرانيين ٩: ٥). فالمسيح "الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ" (رومية ٣: ٢٥) "َهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا" (١ يوحنا ٢: ٢). إذ "أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الاِبْنَ مُخَلِّصاً لِلْعَالَمِ" (١ يوحنا ٤: ١٠). وبالتالي، فالعهد الجديد يُظهر لنا بوضوح أن كرسي الرحمة والكفّارة هما كلمتان مترادفتان. وفي هذا يلتقي العهد القديم مع العهد الجديد.

الكروبين

الكروبين، وهما ملائكة، وكانا رسل الله للدينونة. لقد كان الكروبين سيفاً ملتهب يمنع جدينا الأولين الخاطئين الساقطين من الوصول إلى شجرة الحياة لئلا يأكلا من ثمارها ويعيشان إلى الأبد. لقد كانت تمثل دينونة الله العادلة: "الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ" (المزمور ٨٩: ١٤).

تم وضع كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، جُعِلا في قطعةٍ واحدةٍ، بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا فَوْقَ الْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ الْوَاحِدِ إِلَى الآخَرِ، ونَحْوَ الْغِطَاءِ وَجْهَا الْكَرُوبَيْنِ، هذين قد تم وضعهما فوق عرش الرحمة بحيث يستقران على التابوت.

إن ِأَجْنِحَتِهِمَا المنبسطة كانت ترمز إلى الاستعداد الدائم لتنفيذ القضاء، بل بالحري الضرورة المطلقة لإحقاق بر الله عندما يحدث تعدٍّ لنواميسه. إن محلة إسرائيل كانت تحوي خُطاةً كثر تقتضي الكثير من العمل الواجب القيام به على أكمل وجه والذي كانا يمثلانه. ومع ذلك فقد كانا مستقرين هناك يرقبان عرش الرحمة المرشوش بالدم، والذي كان يشير إلى أن دعوى الله قد تم إرضاؤها وأن عدالته قد تحققت.

علينا أن نتذكر، بالطبع، أن الرموز بحد ذاتها لم تكن لترضي مطاليب الله، بل المرموز إليه هو من كان يحقق ذلك. علينا أن ننظر إلى ما وراء الرموز، إلى المرموز إليه العظيم، ومن ذلك نجد أن المسيح وعمله الكفاري، هو الجواب الوحيد على كل ذلك. وهنا نفهم المعنى وراء الآية التي تقول: "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (المزمور ٨٥: ١٠).

ثلاثة أشياء كانت في تابوت العهد

من الآية (عبرانيين ٩: ٤) ندرك أنه كانت هناك ثلاثة أشياء في تابوت العهد: "فِيهِ وعاء مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ".

الوعاء الذهبي الذي يحوي المنّ

إن الوعاء الذهبي الذي كان يحوي المنّ كان تذكاراً على مؤازرة الله لشعبه في البرية. فلأربعين سنة كان هذا الشعب العظيم الإيمان يؤازره الله في مكان يخلو من أسباب الحياة المادية الأرضية. لقد كان الله كفواً لهم. ففي كل صباح كان المنّ يسقط. وكان يُدعى "طعام الملائكة". في مظهره، كان المن صغير الحجم ومكوراً، مثل حبة جليد متجمدة على وجه الأرض. وكانت بيضاء اللون ولها مذاق العسل.

إن (المنّ) كلمة عبرية صرفة. فماذا كانت تعني؟ لم يستطع بنو إسرائيل أن يطلقوا عليها اسماً. لقد كانت تسقط من السماء بطريقة عجائبية، وكانت خارج نطاق خبرة البشر في أصلها.

لقد كانت ثمار المنّ صغيرة، رمزاً للمسيح، الذي كانت ظروفه الأرضية متواضعة وبسيطة. فلم يأتِ مصحوباً بموكب ملوكي، ولا مع صوت بوق الفاتحين، بل في هيئة متواضعة. وعليه كان يصح القول: "«لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ»" (متى ٨: ٢٠). لقد كان فراش موته صليب العار. ووُضع في قبر مستعار. هل كان أبداً من استئناف كهذا؟

كان المنّ مستديراً مكوراً، رمزاً لسهولة الوصول إلى المسيح. فالشكل المستدير – خلافاً للمربع، أو المستطيل، أو البيضوي – يكون المركز فيه قريباً منك أنما حاولت أن تلمس محيط الدائرة. الشكل المستدير يدل على مدى سهولة أن يصل إلى ربنا الشبان والشيوخ، الأغنياء والفقراء، المؤمنون والملحدون.. ونعلم عن المرأة التي كانت خاطئة، مريم المجدلية، التي خرج منها سبعة شياطين، واللص المحتضر، والأطفال الذين أراد التلاميذ أن يصرفوهم – فهؤلاء كلهم على حد سواء كان في مقدورهم الوصول إلى الرب ونيل البركة منه.

كان المنّ مثل بذرة الكزبرة وبيضاء اللون، رمزاً لحياة ربنا النقية واللطيفة المحببة. وكان مذاقه مثل رقائق مصنوعة من العسل، رمزاً للحلاوة التي كانت في المسيح. "تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي" (نشيد الإنشاد ٢: ٣).
كان يجب التقاطه في الصباح، وهذا دلالة على ضرورة أن تكون هناك حاجة وسعي، بقدرة إلهية، للوصول إلى المسيح. وإضافة إلى ذلك، فإن ما كان يتم جمعه في اليوم كان يجب أكله كله دون ترك فائض منه. فإن بقي منه لليوم التالي، كان ينتن ويصير للدود طعاماً، وهذا درس مفيد بضرورة أن تكون هناك شركة حاضرة.

وعلى كل حال، لقد تم تدبير الأمر بحيث يجمعوا في اليوم السادس حصة مضاعفة من المنّ لتأمين حاجتهم ليوم السبت الذي ما كان ليُسمح لهم بالعمل فيه.

إن أولئك، الذين يحاولون أن "يروجوا للحقيقة غير المدركة" اعتماداً على الذاكرة والمعرفة، فيتعاملون مع الأمور الإلهية بطريقة فكرية وحسب، سيجدون أن هذا إنما يقود إلى التعفن.

لقد أراد الله أن يجعل من الوعاء الذهبي الذي يحوي المنّ تذكاراً عن كيف سدّ حاجات شعبه في البرية. إن الله لا يريدنا أن ننسى نعمته وتدبيره في البرية أو حتى في الظروف المؤاتية.

عصا هارون التي أينعت

لقد كان لعصا هارون التي أينعت مغزى استثنائياً حقاً. فقد تمرد فُوْرَح، اللاوي، وداثان وأبيرام، أبناء رأوبين، على موسى، وبالحري ضد الله. فاتهموا موسى وهارون بالاستئثار بخدمة الكهنوت لأنفسهما. وقالوا أن الجميع سواسية مؤهلون للمشاركة في ذلك. في الواقع كان هذا هجوماً بدعوى الديموقراطية الدينية، ولم يكن يدل على احترام لقدسية مسكن الله، أو بحق الله بأن يرتب الأشياء ونظام الخدمة في مسكنه. إن قولهم بأهلية الإنسان للإلهيات هو ادعاء وتجديفٌ أيضاً.

إذا قرأتم (سفر العدد ١٦ و ١٧)، سوف تجدون تفاصيل تعليمات هذا الحادث الشيق. يكفي أن نقول الآن ولهدفنا الراهن أنه عند امتحان الله لهم، وإنزال الله دينونة رهيبة على المتمردين، فإنه أقام امتحاناً أبعد ليظهر ما في فكره من ناحية الكهنوت. لقد تم اختيار اثنتا عشر عصا ووضع اسم قبيلة على كل عصا منها، ووضع اسم هارون على عصا سبط لاوي.

مخطط يبين خيمة الاجتماع ومكان تخييم كل سبط


General View of the Tabernacle
الشكل العام لخيمة الاجتماع

هذه العصي كانت عبارة عن عصي يابسة. إذا وَضَعْتَ طُعماً حياً في التراب، فإن التربة سوف تبعث الحياة في هذا الطعم، وسيأخذ بالتالي جذراً وينمو ويحمل ثمراً. وإذا وضعت عصاً يابسة في الأرض، فإن التربة تبلي العصا وحسب. فالطعم الحي سوف يأتي "حياة إلى حياة"، أما العصا الميتة فستجلب "موتاً إلى موت".

هذه العصي الميتة توجّب وضعها أمام الرب في خيمة الاجتماع، وحدثت معجزة في الصباح. فقد بقيت إحدى عشرة عصاً يابسة، أما عصا هارون، التي كانت يابسة مثل الأخريات، "فقَدْ أَفْرَخَتْ. أَخْرَجَتْ فُرُوخاً وَأَزْهَرَتْ زَهْراً وَأَنْضَجَتْ لوْزاً".

كانت المعجزة مذهلة. إلامَ كانت ترمز؟ لقد كانت تشير إلى حياة أزهرت من موت. بهذه الطريقة أراد الله أن يشير إلى أن الكهنوت يجب أن يكون حصرياً في هارون وأولاده. ومن هذا نتعلم درساً رائعاً وأساسياً وهو أن "المسيحية قد قامت على أساس القيامة". إن قيامة المسيح هي الشهادة على الانتصار على الموت، وعلى قبول الله الكامل لعمله الكفاري المنجز الذي تم على صليب الجلجثة.

هناك لوحة رائعة تُسمى "الموت بوابة الحياة". وهذه هي تماماً المسيحية. إلا أن موت المسيح، موته المنتصر، الذي يحقق كل مطاليب عرش الله، قد فتح عالماً جديداً أمام المؤمن، ألا وهو مشهد قيامة الحياة والفرح والعبادة.

لقد تأسس كهنوت المسيح على موته وقيامته. إن كهنوته يحفظ شعبه في البرية إلى أن يصلوا إلى كنعان السماوية مع المسيح، رئيس كهنة اعترافنا. ولكن تذكروا أن كل المؤمنين في المسيحية هم كهنة. يا له من امتياز رائع، وكم هم قلائل أولئك الذين يتولون القيام بأعبائه.

لوحا العهد

عندما وُضِعَ التابوت في مكانه في هيكل سليمان، نقرأ: "لَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ إِلاَّ اللَّوْحَانِ اللَّذَانِ وَضَعَهُمَا مُوسَى فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ" (أخبار الأيام الثانية ٥: ١٠). ويعدّد كاتب الرسالة إلى العبرانيين ثلاثة أشياء: وعاء المنّ الذهبي، وعصا هارون التي أينعت، ولوحا العهد، ومن الواضح أنه يشير إلى زمان مختلف.

لوحا العهد اللذان وُضعا في التابوت كان يرمزان إلى ربنا في حفظه للناموس بفكره، وكلامه، وأفعاله. فهو "لم يفعل خطيئة" (١ بطرس ٢: ٢٢)، و"ليس فيه خطيئة" (١ يوحنا ٣: ٥)، وهو "لم يعرف خطيئة" (٢ كورنثوس ٥: ٢١)، هذه شهادة مثلثة يقدمها الرسل بطرس، ويوحنا، وبولس.

الفصل ٥

مائدة خبز الوجوه

(اقرأ خروج ٢٥: ٢٣ – ٣٠؛ لاويين ٢٤: ٥ - ٩)

إننا ننتقل من قدس الأقداس، حيث كان التابوت وكرسي الرحمة، وندخل إلى المقدس. وهنا نرى مائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية. والسابقة هذه يرد ذكرها أولاً. لقد كانت مصنوعة من خشب السنط ومغشاة بالذهب النقي. وهنا نجد إشارة إلى المسيح في مجد لاهوته (الذهب النقي)، وفي ناسوته (خشب السنط).

وهنا أول مرة في الكتاب المقدس نجد فيها ذكر كلمة مائدة (وفي العبرية shulchan). إن الفكرة الرئيسية من المائدة هو الغذاء والبقاء. ولذلك فإن مائدة التقدمة تمثل المسيح الذي هو غذاء لشعبه، ليس هنا في ظروف البرية، حيث كانت المنّ تسد حاجة الشعب، بل خدمة المقدس. لقد كانت غذاء الكهنة.

إن المنّ هو الطعام الذي نحتاجه نظراً لظروف البرية، هناك نتغذى من عناية الرب لنا في تجاربنا، وضعفاتنا، وعيوبنا، ونقائصنا، ومحننا، الخ. يمكننا كلنا أن نحكي كيف حُفِظنا على هذا النحو. "ولكن عندما ندخل إلى اجتماع أو جلسة تأمل خاصة، فإننا نلقى أنفسنا مع المسيح القائم، "في المحبوب" (أفسس ١: ٦)، "المُبَارَكٌ .... بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (أفسس ١: ٣). إننا نعلم أن محبة الآب قد ظهرت في ومن خلال ابنه المحبوب، ربنا يسوع المسيح. في مثل هكذا ممارسات نحن في منطقة لا تجارب فيها، ولا خيبات أمل. وإننا نتذوق الجانب السماوي من الأشياء، وهذا نجده رمزياً في مائدة خبز الوجوه.

أبعاد مائدة خبز الوجوه

بينما كان طول وعرض مائدة خبز الوجوه أقل من تلك التي للتابوت، إلا أنه كان لهما نفس الارتفاع. وهذا الطول والعرض الأقل سيشير إلى أنه فيما يمثل التابوت وكرسي الرحمة العالم بأجمله، فإن مائدة خبز الوجوه ترمز إلى علاقة الرب مع شعبه فقط. إن كرسي الرحمة مُتاح للجميع، أما مائدة خبز الوجوه فكانت متاحة للكهنة فقط. وإن حقيقة أن لهما نفس الارتفاع ترمز إلى مشاركة المؤمن المتساوية المتكافئة مع ملء المكانة التي حصل عليها بموت المسيح الكفاري.

إكليلان من ذهب

إكليلٌ من ذهب حواليه، بحاشية زخرفية ذهبية تحيط به، وإكليل ذهب على حاشيته، هذا يدلنا على أمرين: (١) كم كانت غيرة الله شديدة على صيانة الحق في شخص ابنه الحبيب، وكيف سيحفظ الله شعبه في علاقتهم مع المسيح. وهذا الأمر الأخير سنفهمه عندما نتحدث عن الأرغفة التي توضع على المائدة.

الخواتم، العصي، والآنية

إن الخواتم والعصي تؤكد، كما في حالة تابوت العهد، على أننا في البرية، ولسنا بعد في كنعان السماوية.

وإن الصحون والملاعق والأغطية والصحاف والمصنوعة كلها من ذهب، تشير رمزياً إلى أن الإلهيات، ومقدسات الله لا يمكن لفكر الإنسان أن يسبر أغوارها، بل يجب إدراكها روحياً، ونيلها، والاستمتاع بها. إن روح الله وحده، هو الذي يستطيع أن يساعدنا في ذلك.

الأرغفة الاثنا عشر

كان قد وضع على المائدة اثنا عشر قرصاً من الخبز أو رغيفاً. وهذه كانت تمثل أسباط إسرائيل الاثني عشر. وأنهم وحدهم كانوا يستطيعون الدخول إلى المقدس، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك بالنيابة عن كل إسرائيل. كان الكهنة عُشر عدد بني إسرائيل، وكانوا يمثلون الجميع. وكان هذا يرمز إلى حصة المؤمن. إن كل المؤمنين كهنة، والمسيح هو غذاء لكل شعب الله. وللأسف، أننا قلما ندرك غنى القوت السماوي. إننا غالباً ما نرضى بالعيش في فقر روحي، في حين يمكننا أن نحيا في غنى روحي.

كان يجب صنع الأقراص أو الأرغفة من الدقيق الناعم، وهذا إشارة إلى نفس المدلول الذي نفهمه من البوص الناعم، أي إلى حياة ربنا يسوع المسيح الخالية من العيب. فالدقيق الناعم ليس فيه جريش. وإن مررت يدك عليه ستلمس كم هو ناعم أملس. كم من جريش وخشونة في حياتنا جميعاً! أما معه فكل شيء كان في حالة كمال.

بالنسبة لربنا، لقد كان مميزاً عن كل الآخرين، لأن فيه كان ائتلاف لكل نعمة وكل حق في كامل امتلائها وتمامها. ولا يمكننا أن نجده كاملاً في جانب واحد دون الآخر. فربنا كان كاملاً وتاماً في كل الجوانب دون إخفاق، فهي كانت جميعاً متكاملة ومنسجمة فيه.

كانت الأقراص أو الأرغفة تُخبَز. ويجب عجن الدقيق وخبزه في التنور قبل أن يقدم للطعام. وهذا يظهر أن المسيح لم يكن يستطيع أن يصبح غذاءً لشعبه إلا من خلال الموت. إن موته الكفاري هو الذي يمكّن المؤمن من أن يتغذى به كقوت لشعبه.

كان هناك عُشْران من الدقيق في كل رغيف. والعُشْر يرمز إلى المسؤولية وقد حُمِلَت إلى التمام. وإن العشران هما شهادة كافية وافية على ذلك.

هذه الأرغفة الاثني عشر كانت تُوضع على صفين، ستة في كل صف، وكان اللبان يُوضع عليها، رمزاً إلى عطر المسيح الزكي أمام الله. وكانت هذه الأرغفة تُوضع إلى المائدة أمام الرب كل يوم سبت دون انقطاع. وكانت طعاماً لهارون وأبنائه في المقدس.

الفصل ٦

المنارة الذهبية

(اقرأ خروج ٢٥: ٣١ – ٤٠؛ ٢٧: ٢٠ – ٢١؛ لاويين ٢٤: ١ – ٤؛ العدد ٨: ١ - ٤)

إن المنارة الذهبية كانت على الأرجح فانوساً، لأنها كانت تُضاء بالزيت. وفي الحديث عن المنارة الذهبية يجب أن نضع هذا في الحسبان.

لقد كانت مصنوعة من الذهب النقي. وخلافاً للمواد السابقة التي تمعنا فيها، فإنه لم يدخل خشب سنط في بنيتها، كما وأنه لا يتم ذكر قياساتها. لقد كانت تزن وزنةً من الذهب النقي (١١٤ أونصة)، وكانت تساوي حوالي ٥.٧٤٥ جنيهاً على القيمة المنخفضة في تلك الأيام. لقد صُنِعَت من قطعة واحدة، وكانت مزخرفة وأنيقة.

لم يكن في خيمة الاجتماع أي نافذة. وما كان من نور طبيعي يدخل إلى المقدس. إن ضوء المنارة الذهبية، وحده فقط، كان الضوء الذي ينير المقدس. وهذا يذكرنا بالكتاب المقدس: "الْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا" (رؤيا ٢١: ٢٣).

من الواضح جداً بما لا لبس فيه أن المنارة الذهبية رمز لربنا. فأولاً هي مصنوعة من "الذهب النقي" الذي يرمز دائماً إلى مجد لاهوت الرب. ثم أنه لم تكن فيها قياسات، لأنها تمثل المسيح في مجده بكل اكتمال وبركة شخصه وعمله. فنقرأ: "فِي الشُّعْبَةِ الْوَاحِدَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَفِي الشُّعْبَةِ الثَّانِيَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَهَكَذَا إِلَى السِّتِّ الشُّعَبِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ. وَفِي الْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجَرِهَا وَأَزْهَارِهَا" (خروج ٢٥: ٣٣، ٣٤). ونذكّركم بما قلناه عن عصا هارون التي أينعت، وأزهرت، وأنضجت لوزاً خلال ليلة رمزاً لربنا في قيامته، التي ترمز إلى الحياة البازغة من الموت. هذه الزخارف متعلقة بهذا التعليم وتظهر بوضوح على أنها رمز للمسيح في المكانة التي ضمنها لنا بالقيامة بنتيجة موته الكفاري. إنه أمر جميل أن نلاحظ كيف أن الكتاب المقدس مرتبطة أجزاؤه بعضها ببعض، وتؤكد وتوضح معناها، إذ تلقي الضوء على بعضها البعض.

تحدثنا إلى الآن عن المنارة الذهبية لكونها حاملة للنور. ولكن ماذا عن النور نفسه؟ نعلم أن هذه السّرج كانت تُضاء بالزيت، والزيت هو رمز لثالث الثالوث القدوس، ألا وهو الروح القدس. كيف يشرق النور للمسيحيين اليوم؟ لم يعد المسيح على الأرض. لقد صعد إلى يمين جلال الله في الأعالي. فكيف يشرق النور، إذاً، على المسيحيين اليوم؟ جواباً على ذلك نشير إلى أن ربنا الذي صعد إلى السماء قد أرسل الروح القدس إلى هذا العالم بطريقة خاصة جداً بما يتعلق بكنيسة الله على هذه الأرض. ولذلك نقرأ: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا ١٥: ٢٦).إننا نعتقد أن الزيت هو رمز واضح لروح الله القدس الذي يشهد للمسيح، وهذا يضع نور المسيح في قلوب المؤمنين.

الآية في (عدد ٨: ٢) تؤكد على ذلك بشكل أروع ما يكون. فنقرأ: "«قُل لِهَارُونَ: مَتَى رَفَعْتَ السُّرُجَ فَإِلى قُدَّامِ المَنَارَةِ تُضِيءُ السُّرُجُ السَّبْعَةُ»". من الواضح أن السرج كانت قد رُتِّبَت هكذا لكي تضيء المنارة الذهبية الجميلة، وإن الزخرف المكون من البراعم والزهور واللوز، التي هي رمز للحقيقة الكبيرة المتعلقة بالحياة المنبعثة من الموت، والتي معرفتنا كلياً بها، والبركة في المسيح، تقوم على أساس القيامة المجيدة، التي هي دليل على قبول الله لموته الكفاري، وبهذا أعطاه الحرية ليباركنا بطريقته الرائعة هذه.

على كل ساق (أو شعبة) جانبية من المنارة كانت هناك ثلاثة كاسات، لوزية الشكل، مع بعجزها وزهورها. والعدد (٣) بالتأكيد رمز للشهادة الكاملة للروح القدس على مجد المسيح في شخصه وعمله. وإن الشعبة المركزية كانت تحوي على أربعة كأسات بعجزها وأزهارها، دلالة على أن شخص ربنا وعمله، ومجدهما، هو للعالم أجمع. وللأسف، إن العالم أجمع لا يستجيب. كان للمنارة الذهبية سبعة شُعَب، رمز النشاطات المتعددة الجوانب للروح القدس في شهادته للمسيح. وإن سفر الرؤيا يذكر أربع مرات الأرواح السبع لله. وفي مقطع محدد نجد القول: "سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ" (رؤيا ٤: ٥). وفي (أفسس ٤: ٤) نقرأ بشكل واضح صريح أن هناك "َرُوحٌ وَاحِدٌ". وهذا صحيح بالتأكيد. فرغم أن هناك سبع شُعَبٍ في المنارة، إلا أن هناك منارة واحدة فقط. ورغم أن هناك سبع سرج تضيء إلا أن نوراً واحداً ينبثق منها.

إن الآية في (أشعياء ١١: ١، ٢) توضح ذلك. فنقرأ: "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ. وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ". فهنا نجد ثلاثة ثنائيات تشكل مع تعبير "روح الرب" سبعة أوصاف لروح الله الواحدة.

ليس هناك ذكر لأبعاد المنارة الذهبية، التي ترمز إلى الكمال اللامتناهي لربنا القائم. فرغم أنه حمل الناسوت إلى عرش الله، ولم يتخلّ عنه من ذلك الحين وصاعداً، فإننا نجد التفسير لعدم ذكر أبعاد المنارة في الآية "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً" (كولوسي ٢: ٩).

من الواضح أن نور الله الكامل ما كان ليشرق إلى أن قام المسيح وصعد إلى السماء. لقد كان رائعاً على الأرض نوراً للعالم، ومع ذلك فما كان للحق الكامل أن يظهر على نحو كامل لولا ذلك. فبعد القيامة فقط أمكن للرب أن يقول لمريم: "«... اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ»" (يوحنا ٢٠: ١٧)، وفي هذا الإعلان عن العلاقة الجديدة والرائعة التي أنشأتها المحبة الإلهية بفضل موته وقيامته، وبقوة الروح القدس.

وأيضاً، لم يحدث إلا بعد قيامة المسيح وصعوده، واتخاذه لمكانه في الأعالي، ونزول الروح القدس بتلك الطريقة الكاملة المحددة التي تميز المسيحية، بعد كل ذلك فقط أمكن إظهار حقيقة الجسد الواحد، ذلك السر الخفي منذ كل الدهور. "جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ" (أفسس ٤: ٤).

كانت المنارة قد صُنِعَت خراطة واحدة. حتى في المجد سيكون هناك إلى الأبد تذكار وشهادة على المحبة المذهلة لربنا في تحمله لجراح الصليب لأجلنا. "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا" (أشعياء ٥٣: ٥). لقد قال الله الرسول يوحنا : "«لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ»" (رؤيا: ٥: ٥). وعندما نظر، فإذا "حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ". وعندما تتراءى المدينة المجيدة، رمز الكنيسة في الألفية، يتم التعريف عنها بأنها "الْعَرُوس امْرَأَة الْحَمَلِ" (رؤيا ٢١: ٩).

كانت هناك أدوات تصاحب خدمة المنارة. فنقرأ: "وَمَلاَقِطُهَا وَمَنَافِضُهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ" (خروج ٢٥: ٣٨). لقد تحدثنا عن المنارة، أو الفانوس، وهي رمز للمسيح نفسه؛ والزيت، رمز الروح القدس، ولكن ليس هناك ذكر للفتيل، الذي لا يمكن أن يكون هناك نور من دونه. ولكن المنافض تدل ضمناً على هذا بشكل واضح. كان يجب استخدامها لإزالة الجزء المحترق من الفتيل بعد ساعات من الاحتراق، وذلك لكي يبقى النور غير محتجب، وفي كامل قوته. لا يمكننا أن نعتبر أن المنافض هي إشارة إلى الروح القدس. هذا واضح. ولكننا نعلم أن الروح القدس يستخدم آنية بشرية تفيض من خلالها خدمته. فلدينا المواهب – الرسل، والأنبياء، والرعاة والمعلمين، والأعوان، ومفاصل جسد المسيح.

إذا كان الروح القدس يستخدم آنية بشرية، فهناك مجال لخدمة تقويمية، وبمعنى آخر الحاجة إلى المنافض. لنأخذ حالة الرسول بطرس على سبيل المثال. لقد كان يتوق ليثبت إخلاصه وتكرسه للرب، ولكن أي ثقة بالنفس كانت تمتزج بذلك! لقد أنكر ربه بأغلظ اليمين واللعنة. لقد استخدم المسيح قصة سقوطه ليعلّم خادمه المندفع دروساً ضرورية للغاية. إن المنافض الذهبية كانت تستخدم لهدف هام. انظر كم كان النور مشرقاً في يوم العنصرة، وأعطى شهادة للمسيح بأبهى قوة، وانضمت ثلاثة آلاف نفس إلى الرب.

أو لنأخذ حالة الرسول بولس. لعله انتفخ مزهواً فوق العادة بالأمور الرائعة التي رآها وسمعها في السماء الثالثة، فأعطاه الرب شوكة في الجسد، ملاك شيطان ليلطمه لئلا يرتفع. لقد كانت المنافض الذهبية تقوم بعملها. لقد قوى الروح القدس بولس للقيام بذلك العمل الجبار في تأسيس الجماعات المسيحية، وإعطاء النور والبركة إلى كنيسة الله برمتها.

ولنتذكر أن المنارة الذهبية كانت تحمل النور: إن الزيت هو رمز الروح القدس الذي يبعث النور. والفتيل هو المؤمنون عندما يستخدمهم الروح القدس، فينقلون النور. ولكن تذكروا أن الكنيسة ليست غايتها التعليم. وليست الكنيسة منبع النور. الكنيسة تتبلور عندما يبقى شعب الله في حالة مشاركة متواضعة ويفرقون ذاتهم كي يملأها الله ويستخدمهم. وبالروح القدس، رمز الكنيسة في الألفية، نقرأ: "وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا" (رؤيا ٢١: ٢٤). ولكن ذلك النور ليس نور الكنيسة. في الآية السابقة التي اقتبسناها للتو نقرأ: "وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا". إنه نور الله والحمل يشرق في المدينة التي تعطي النور لشعوب المخلصين. ما لم نفهم ذلك بوضوح نكون في خطر التصوف.

"أنا من فعلت هذا، أنا من فعلت ذاك،
لا يا أخي، لا تفكر هكذا، ولا تقل ذلك،
أي نبع يملأ فراغك.
لقد ذوى الفتيل وغدا ثخيناً،
بدل أن يبقى ضئيلاً نحيلاً."

الفصل ٧

ستائر خيمة الاجتماع

(اقرأ خروج ٢٦: ١- ١٤)

كانت هناك أربع ستائر أو أغطية لخيمة الاجتماع:—

  1. ستائر البوص المبروم الناعم
  2. ستائر شعر المعزى
  3. ستائر جلود كباش محمّرة
  4. ستائر جلود نُخَس

كما سبق ولاحظنا، إن التعليمات المتعلقة بالأغطية تُعطى قبل إعطاء تلك المتعلقة بالألواح. إن هذه الأشياء المفاجئة تظهر جمال ودقة الكتاب المقدس، وتؤكد على الوحي الإلهي. إن الستائر جميعها ترمز إلى المسيح، في حين أن الألواح هي رمز للمؤمنين "مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ" (أفسس ٢: ٢٢). إنها الحقيقة الكاملة عن المسيح التي تجعلنا نفهم المكانة والبركة المتوافرة للمؤمن. إن المسيح هو المفتاح الذي يفتح كل أبواب البركة والسعادة.

إن ستائر البوص المبروم الناعم كانت تشكل قوام "المسكن" (وبالعبرية miskan).

ستائر شعر المعزى كانت تكون "الخيمة"، أو الغطاء (وفي العبرية Ohel).

ستائر جلود كباش محمّرة كانت تُدعى "الغطاء"، (وفي العبرية Mikseh).

ستائر جلود تخس كانت تُدعى غطاء (وفي العبرية Mikseh).

الأرقام المطبوعة على الستائر

كان هناك عشر ستائر، خمس ستائر مربوطة إحداهما إلى الأخرى بأنشوطات مشابهة. هاتين المجموعتين من الستائر التي تتألف كل منهما من خمس ستائر مثبتة مع بعضها. بخمسين شظاظاً، أو خطافات صغيرة، مصنوعة من الذهب. ولذلك صارت غطاءً واحداً. وسيلاحظ القارئ كيف أن العدد (٥) ومضاعفاته مطبوعة على الستائر، وتشير رمزياً إلى المسؤولية تجاه الله وتجاه الناس إذ نتلاقى بربنا عندما مات على الصليب.

وكان طول كل ستارة ٢٨ ذراعاً وعرضها ٤ أذرع. وإن (٢٨) ذراعاً (التي هي ٤ × ٧) تجعل لدينا سبعة مربعات طول ضلع كل منها (٤) أذرع. العدد (٧) هو رقم الكمال الإلهي، والعدد (٤) يرمز إلى ما هو عالمي. وبالتأكيد فإن هذا الترقيم يشير مسبقاً إلى شخص المسيح. إنه الشخص المتعالي الكائن فوق الوجود المادي على جميع العصور. إنه ذاك الشخص ذو الأهمية الكونية الأسمى في جميع الأوقات. لقد انتزع كثيرون السطوة على العالم الواسع. ولكنه الوحيد الذي سيحكم الكون برمته، على مثال موته الكفاري بالنظر إلى العالم بمجمله. "هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا ٣: ١٦). كان الآخرون عظماء، أفاضل وصالحين، ولكن جميعهم ما عدا ربنا كان يعوزهم الكمال. لقد كان هو الوحيد الذي أمكن للأعداد (٧) و (٤) أن ترمز إليه.

ستائر البوص المبروم

كانت هناك الستائر الأوغل، أو الأبعد عن النظر، وهي الأقرب إلى الكهنة، وهم يخدمون في الداخل. إن الكلمة "خيمة الاجتماع" لا توحي بأي شيء زماني مؤقت. إن فكرة الخيمة هي أن تكون مسكناً لله، وعندما يختار الله مسكناً له فإنه خيار أبدي. إن خيمة الاجتماع في البرية فقط كانت مؤقتة، ولكنها كانت عندئذ رمزاً، كان له أن يتلاشى ويذوي. أما المرموز إليه فليس مؤقتاً زائلاً بل أبدياً سرمدياً.

في العهد الجديد نجد الله يسكن وسط شعبه، وعندما يأتي آخر الزمان، ونبلغ إلى الحالة الأبدية الراسخة، نجد هذه الكلمات: "«هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ (تماماً كما سكن معهم رمزياً في البرية)، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ" (رؤيا ٢١: ٣). لقد كانت الستائر "من شُقَقِ بُوصٍ مَبْرُومٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ. بِكَرُوبِيمَ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ تَصْنَعُهَا" (خروج ٢٦: ١). رغم أننا تناولنا هذه المواد باختصار في الفصل الأول من الكتاب، إلا أننا سوف نزيد هنا بعض التفاصيل الأخرى.

لقد كان البوص المبروم يرمز إلى ناسوت ربنا المقدس الذي لا عيب فيه. "كهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ الْبِرَّ وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ" (مزمور ١٣٢: ٩)، ونعلم أنهم كانوا فعلاً يرتدون البوص أو الكتان الناعم. "إنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ (وحرفياً : هو البِرّ)" (رؤيا ١٩: ٨)، هذه آية أخرى من الكتاب تؤكد فكرة أن البوص المبروم كان يرمز إلى القداسة في الحياة والسلوك. لقد كان المسيح منقطع النظير في سموه وقدوساً على نحو مطلق في سلوكه.

الصباغ الأزرق يرمز إلى الشخص السماوي في إنسانية ربنا. لقد صار إنساناً حقيقياً بولادته من العذراء في بيت لحم، ولكن كل الميزات الأخلاقية في حياته كانت سماوية إلهية في أصلها. ولذلك نجد الرب يقول: "َلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يوحنا ٣: ١٣). "الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ" (١ كو ١٥: ٤٧).
الأرجوان يرمز إلى مجد ربنا المسيح كابن الإنسان، وملك الملوك ورب الأرباب. الأرجوان هو اللون الإمبراطوري. والإمبراطور هو ملك الملوك تماماً. لقد كان إمبراطور ألمانيا السابق إمبراطوراً بفضل تطويق ألمانيا للممالك الأربع: بروسيا، ساكسونيا، فيتنبرغ، وبافاريا. ما من أحد باستثناء المسيح له الحق بالمطلق بارتداء الأرجوان، وإنه ليسعد شعبه أن يعرف أنه سيحكم كل الكون كملك الملوك ورب الأرباب، الإمبراطور العالمي الحقيقي.

"بسط نفوذه الواسع
فوق الأنهار والبحار والشطآن،
إلى أقصى امتداد الجناح للنسر،
وأبعد مما يمكن للحمام أن يحلق إليه"

أما القرمز فهو اللون الملوكي. وإن إنجيل متى يصور المسيح كملك إسرائيل. وعند الصليب نجد الجنود قد وضعوا على المسيح مستهزئين رداءً قرمزياً، ساخرين منه، وقائلين: "«السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!" (متى ٢٧: ٢٩). لقد رفض الشعب الأرضي مسيحهم، ولكن المسيح سيحكم عليهم كملك، فهو المسيح، الممسوح من الله.

ويشير الكروبين إلى الدينونة. كانت الكروبين تحرس شجرة الحياة عندما طُرِد جدانا الأولان من جنة عدن. وكانت النار في الكروبين كما نقرأ في (حزقيال ١٠: ٦). إن المسيح، الذي حمل دينونة الخطيئة عند الصليب، يحمل مسؤولية الدينونة الواقعة على أولئك الذين رفضوا نعمته ومحبته، وهنا ستكون الدينونة حقة. لن يكون هناك إقامة للعدل عندئذ. وكل باطل سيُعاقب، والحق سيثبت. لقد تغنى الشاعر قائلاً:

"الحق أبداً على المحالة،
والباطل على العرش.
ومع ذلك فتلك المحالة تحكم المستقبل،
وخلف ظلمة المجهول،
يقف الله وراء الظل،
لا ينفك يرقب خاصته"

سيأتي المسيح بالنظام الجديد الحقيقي الذي يحاول الناس دون جدوى دخوله تاركينه خارجاً، ذاك الوحيد الذي يستطيع أن يحققه.

كل هذا حقيقي، ومع ذلك يبقى الكروبين المشغول والمطرز على الستائر يرمز للدينونة الإلهية التي أرضاها ربنا على صليب الجلجثة. ولذلك فإن للمتعبد كل السلام النابع من ضمير نقي.

كم هي رائعة هذه الستائر في تمثيلها للمسيح في نقاوته الشخصية وأمجاده الوظيفية الحقة، تاركةً في المرء إحساساً متوقداً بكماله وظفره. إنه الكمال بعينه، الذي سيأتي به إلى أطراف الأرض، مذكراً إيانا بالكتاب المقدس. "تَذْكُرُ وَتَرْجِعُ إِلَى الرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ. وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ الأُمَمِ" (مزمور ٢٢: ٢٧).

إن العصابات الزرقاء والشظاظ الذهبية تستحضر إلى الذهن فكرة أن كل شيء هو لأجل الله، ولأجلنا، مضمون على أساس البر الإلهي (الذهب) والنعمة الإلهية (الصباغ الأزرق).

ستائر شعر المعزى

كما رأينا في الملاحظة التي أوردناها في الفصل ١، إن الغفارات أو الثياب المصنوعة من شعر المعزى، وعددها ١١، والتي هي أطول من ستائر البوص المبروم بذراعين، ترمز إلى المسيح كنبي. لقد تنبأ موسى عن المسيح في أيامه، "يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ" (تثنية ١٨: ١٥).
وإذ كانت الستائر الداخلية الجميلة تشكل "المسكن" فإن ستائر شعر المعزى كانت تؤلف "الخيمة"، التي ترمز إلى ما هو زماني مؤقت، ألا وهو التدبير في البرية طالما كانت هناك حاجة لذلك. إن خيمة الاجتماع كانت ترمز إلى العالم في نعيمه الأبدي المتاح لكل مؤمن. الحمد لله، إن البرية ليست للأبد.

إن الستائر الإضافية بطولها الزائد سمحت لهذه بالتداخل مع الستائر الداخلية الجميلة، التي كانت فقط على مرأى من الكهنة في المقدس.

إننا عادةً ما نحصر فكرة النبي بذاك الذي يتنبأ عن أحداث مستقبلية. إن الفكرة الأساسية من النبي هي العالِمْ وأيضاً المتنبئ. إن النبي يأتي بمستمعيه إلى حضرة الله إذ هذا هو مكانهم أمامه. هل تلاحظون كم حقق المسيح ذلك على نحو كامل. "«يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! »" (يوحنا ٤: ١٩)، كانت تلك صرخة المرأة المندهشة عند بئر سوخار، إذ كشف الرب بثلاث أو أربع جمل قصيرة أسرار ماضي تلك المرأة الآثم. وهكذا الحال دائماً. فالنبي، وحتى يكون مؤثراً وفعالاً، عليه أن يصل إلى أعماق مستمعيه. وإن النبي، سواء كان يخاطب شعباً خاطئاً، كما فعل أشعياء والآخرون في تلك الأيام، أو يخاطب أولئك الذين هم في الدهر الحالي (رومية ١٢: ٦)، عليه أن يتوجه إلى الضمير كي يكون مؤثراً. صحيح أن الحقيقة تدخل إلى الفكر عن طريق الضمير أكثر منها عن طريق الفكر. وإن الفكر الذي يقتبل الحقيقة دون الضمير يؤكد أن "العلم ينفخ" (١ كورنثوس ٨: ١).

أغطية جلود الكباش المحمرّ

إن كلمة "غطاء" لا تُستخدم مع ستائر البوص المبروم. ونجدها تُستخدم، بشكل محدود، مع جلود الكباش وجلود النخس. إن الستائر ترمز إلى المسيح بشخصه، والأغطية، تصف ما تميّز به عندما كان يعيش على الأرض. وسنرى هذا بشكل واضح ونحن نتابع الكتاب.

إن أول ذكر للكبش المرتبط مع خيمة الاجتماع يلقي الضوء على الموضوع. لقد استُخدِم كبشان في مناسبة تكريس هارون وأبنائه. والكبش الثاني ذُبِحَ ورُشَّ دمه فقط على المذبح وما حوله، ولكنه وضع على طرف الأذن اليمنى، وإبهام اليد اليمنى، والإصبع الكبرى في القدم اليمنى لهارون وأولاده مكرساً إياهم في سيرهم وطرقهم لله. لقد دُعيَ "كَبْشُ مِلْءٍ". ومن هذا نتعلم أن الكبش يرمز إلى التكريس، وصُبِغَ الجلد باللون الأحمر، ليُظهر إلى أي مدى كان للملء أن يمضي بربنا، إلى الموت. لقد كان هذا تكرس الرب لإرادة أبيه. "هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ" (عبرانيين ١٠: ٧)، وهذا ما قاده إلى الموت على الصليب.

وكانت هذه إذاً القوة الحافزة التي نقلت المسيح من المجد إلى عمل الظلمة هذا، وحفظته في خدمته المكرسة، وأيدته، حتى في أقسى التجارب في بستان الجتسماني، حيث تساقط عرقه كأنه قطرات دم. وصرخ في كرب عظيم قائلاً: "«يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ»." (متى ٢٦: ٣٩). لقد كانت له إرادة هي نفسها إرادة الله، وهذا جعله يعبر أكثر التجارب إيلاماً، ألا وهي الصلب، حيث ظهر تكرسه حتى الملء. الحق، إن جلود الكباش كانت مصبوغة باللون الأحمر. يا لمخلصنا العظيم الثمين!

أغطية جلود النخس

لقد ظهرت تساؤلات كثيرة حول المغزى من جلود النخس. إن التخس (الغرير) هو حيوان غير معروف في أرض الكتاب المقدس. وأياً كانت هذه الجلود إلا أنها كانت معروفة وسط بني إسرائيل، إذ نقرأ: "وَكُلُّ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ أَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوانٌ وَقِرْمِزٌ وَبُوصٌ وَشَعْرُ مِعْزىً وَجُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ وَجُلُودُ تُخَسٍ جَاءَ بِهَا" (خروج ٣٥: ٢٣). المكان الآخر الوحيد الذي يتم فيه ذكر جلود التخس بعيداً عن غطاء خيمة الاجتماع هو في (حزقيال ١٦: ١٠) حيث تقول الآية: "وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ" لإعطاء فكرة شيء خشن وقابل للتحمل، ومناسب ليكون مادة تُصنَع منها الأحذية. لقد كان هناك فكرة عامة بأنها قد تشير إلى الجلد المتين للفقمة أو الدلفين، هذه الحيوانات المتوافرة بكثرة في البحر الأحمر. فهكذا جلد سيكون قوياً ومقاوماً للشمس والمطر.

إن ما يسمى فرو الغرير (جلود النخس) كان يشكل الغطاء السطحي الخارجي لخيمة الاجتماع. ألا يرمز هذا إلى كيفية ظهور المسيح لشعب إسرائيل؟ ألم يتنبأ أشعياء منذ قرون، قبل مجيئه إلى العالم، كيف سيعامله العالم: "نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ" (أشعياء ٥٣: ٢، ٣).

إنه لمن المؤسف أن نرى ذاك الذي "كُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ"، في نظر الله، هنا يُوصف بأنه "كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ" (أشعياء ٥٣: ٢)، ذاك الذي وهو على الأرض كانت تنظر إليه السماء بعين الرضا التام، لم يعرفه الناس في شخصه الحقيقي. "كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ" (يوحنا ١: ١٠، ١١). هذا هو واقع الإنسان في حالته الساقطة.

Pages